من كلّ الأزمان جاءوا إلى نصب الحرية
من الماضي والحاضر والمستقبل
حاملين في جيوبهم أضراسَ السنوات المنخورة
جاءوا من المدن التي تتنفسُ حسراتِها
وتصّاعدُ من أنامل أطفالِها أعمدةُ دخان
جاءوا على عربات الصبر والانتظار
ليوقظوا جواد سليم من ميتته
ويسمعوا شهاداتِ تماثيلِهِ المنتصبةِ في مواجهة النهر
ترى أذرعَ الأخطبوطِ على الضفة المقابلة
تتسلّلُ من مزاريب المنطقة المشؤومة
لتختطفَ بريقَ المآذن الذهبية
من تحت أجفانِ الحالمين
**
ألسماءُ صافيةٌ
كأنها قُطّرتْ للتو من بين أيادي العاصرين
ألأسفلتُ يغلي
وفقاعاتُ الغليان تتفجّرُ
مطلقةً بخاراً له دويّ انفجار
ألآفُ الشبّان
يئنونَ من ثقل المستقبل الذي يحملونه على أكتافهم
عيونُهم مثلُ أسرابِ عصافير
توكّرُ على حِبال أهدابهم
وتنقرُ الحقولَ التي في جباههم
شُبّانٌ تجاوزوا الستين
وشيوخٌ في العشرين
يوسّعونَ بأكتافهم ضيقَ الأزقة
ويدخلون البيوتَ من أنوف الأطفال الرطبة
مطلقين حسراتِهم عبرَ صماماتِ قناني الغاز
كلما ضغطوا على قلوبهم
إنطلقتْ من أفواههم صرخة
يصرخونَ ، ويصرخونَ
حتى أوشكتْ جدرانُ الدكاكين
أنْ تتحولَ إلى قطيفةٍ صفراء
وبالرغم من أنهم مُتعبون
إلا أنّ أمواجَ غضبهم أغرقتِ الشوارع
فبدتِ العماراتُ كأنها زوارقٌ
تمخرُ فوقَ أمواج اللافتاتِ والرؤوس
**
رأيتُ التماثيلَ المتشبثة بإفريز النُصب
كأنها تتسلق جبالَ الغيوم
ألجنديَّ ، والطفلَ ، والأمَّ ، والفلاحةَ ، والعامل
رأيتُهم يهتفونَ
ناقلين رسالةَ الأصابع المكسورة إلى السماء
حيث يُدخّنُ هناك جواد سليم غليونَهُ
ويستعيدُ من عاصفة الدخان
ألسنواتِ التي تعجّل حذفها من عُمُره
لقد رَحَلَ دونَ أنْ يودّعَ تماثيلَهُ البرونزية
فخلّفتْ حسراتُ الفراقِ عليها صَدأً أخضر
**
وعلى الضفة المقابلة من النهر
كان المذعورون
يخلعون القبعاتِ التي تغطيهم من الرؤوس حتى الأقدام
ويلبسونَ سراويلَ أطفالِهم القصيرة
ليوهموا المتظاهرين
أنهم لم يتجاوزوا بعدُ سِنّ الرّضاع