ليث الصندوق : مُروّضُ النسور ( * )

laith 5قبلَ أن تستيقظ الحروب من نومتها الهانئة
وفي أحد صباحات بغداد المدفونة تحت أكوام من كِسَر النجوم
إقترفتِ الصحافةُ جريمة َقتل
ضدّ النحاتِ ميران السعدي
ولأنّ الكلماتِ بعُرفِ القانون تافهة ٌكالبُصاق
لم يُجَرّم ِالقتلة ُ
وما زالتْ ملاعِقهم
تُذيبُ صَدريّاتِ الفنانين في قُدُور الشتائم

**
لم يكن ميران فناناً كبيراً
فقبعته لم تتسع لرأسين

وكانَ يُصيبُ مرّةً
ويُخفق أخرى
وهو يسدّ ثقوبَ جدرانه بالمزيد من العيون
كان كأيّ باحث عن المعادن
يمخر البحار عبر الخرائط
لابساً زورقه في رأسه
لم يكذبْ على النقاد
مدّعياً أنّ الحُلى ألتي رسمها على أجسادهم بالألوان المائية
هي من ذهب
كان يقول : لا تُعاقبوا تماثيلي
فهي لم تجبركم على الإعتراف

نصب النسورعاقبوا مَن رأى ظلهُ
فوقف مؤدياً التحية العسكرية
لقد قضى عمره محاذراً
يمشي بالمقلوب على كفيه
مخافة أن تدخل قدمة في المصيدة
وبالرغم من الحذر
سقط في محرقة الشاتمين
كان يستغيث
فلم تصلْ إستغاثتَهُ حتى لأذنيه
ظلّ صوتُهُ يتقيّحُ
وحنجرتُهُ تموعُ في فُرن البرونز
وهو يصرخ : أمهلوني
حتى افرغ َمن جوفي
ما ابتلعتُ من ازاميلَ ومطارق

**

ظلّ يصرخُ
بينما القتلة ُ
يُحرّضون الأنفاقَ والجسورَ للانضمام إلى عِصيانِهم
لم يبقَ ثقبٍ في إسفنجةٍ
لم يقنعوه بضرورة الجهاد
وفي غفلة من الشتاء
كانت أمطارُ الخطابات
تجرفُ سريرَ الفنان إلى النسيان
بينما المجاهدون يضحكون
وهم يمسحونَ صُراخهم بقُصاصاتِ الجرائد

**

هكذا ماتَ مُروّضُ النسور
وظلتْ نسورُهُ
تختمُ على العالم عبارة َ:
( غيرُ صالح ٍللسَكَن )

**

منذ تلك الجريمة
ولحدّ الأن
ألألافُ من توائِم ميران السعدي
ماتوا في مستشفيات الولادة
وألقيتْ جثثُهُم للقطط السائبة
( * ) إحالة إلى تمثاله ( النسور ) في الساحة التي تحمل إسمه بالكرخ من بغداد

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| كريم الأسدي : مركبُ الأرض ..

قاربٌ يتحطمُ فوقَ الصخورْ  فيغرقُ طفلٌ ويأفلُ في مقلةِ الأُمِّ نجمٌ ونورْ يريدونَ حريةً وحياةْ  …

| عدنان عبد النبي البلداوي : قالوا  وثَـقْـتَ .

لـكـــلِ قــافــيـةٍ عَــزْفٌ ، تــوَلاّهــا وحُسـنُ مضمونها، إشراقُ مَغْـزاهـا أجـواؤها إنْ حَواها الصِدقُ عامـرةٌ وعَـذْبُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *