علوان السلمان : النخلة في شعر حسب الشيخ جعفر (ملف/20)

alwan alsalman 4إشارة :
في عيد ميلاده الثالث والسبعين ، يسرّ أسرة موقع الناقد العراقي أن تقدّم هذا الملف احتفاء بالمنجز الإبداعي الفذّ للشاعر الكبير “حسب الشيخ جعفر” وإجلالاً لمسيرته الإبداعية الرائعة . وتدعو أسرة الموقع جميع الكتّاب والقرّاء إلى المساهمة في هذا الملف بما لديهم من دراسات ومقالات وصور ووثائق تتعلق بمسيرة مبدعنا الكبير . وسيكون الملف مفتوحاً من الناحية الزمنية انطلاقاُ من حقيقة أن لا زمان يحدّ الإبداع . تحية لشاعرنا الكبير حسب الشيخ جعفر .

المقالة :
طفولتي الشمس وطعم التمر والندى

واللبن الدري في اليقطين

ثوبي خيوط الريح والمطر

وفي جيوبي الحندقوق المر والزهر

وتاج رأسي الطين

وفي جبيني تقطن البروق

والرعود والنهر/الطائر الخشبي/ص153

أن عملية الخلق الشعري عند الشاعر حسب الشيخ جعفر تلازمها هموم الشاعر ومكابداته من أجل أيجادها للوصول الى أبداع متميز..مثير في اختراقه حركة التاريخ والوجود.. فالحلم الشعري للشاعر عبر عذابات الانسان وآماله للوصول الى الحقيقة الجمالية عبر تأملاته وقلقه وحزنه وغربته لتجاوز الوجود الابداعي بتعمق جدليته في رؤاه وهضم التراث للمزج بين الازمان لاستشراق المستقبل ..أذ أن الشعر الحديث بحسه الواقعي يدرك أن الحاضر باتكائه على الماضي خميرة المستقبل ..

hasab 8أن الغربة التي تواجه الشاعر نفسيا لايمكن ازالتها الا في أطار التجربة الشعرية المتخيلة تحت ظلال النخلة (المرأة _ الوطن ) وهذا الخيال هو الذي يكنزه نفسيا وعاطفيا ليواجه به واقع الغربة وقساوته..حيث يستطيع الشاعرأن يتوازن مع واقعه.. لذا فهو يزاوج بين الحلم واليقظة..بين الحقيقة والخيال..

مر صيف آخر ، والتهم الموقدالواح السفينة

فاركب الجذع المقيم ..

أيها النورس في مقهى المدينة

أيها النخل الذي يحمل في الجذر حنينه

وانثر الملح على الجرح القديم /نخلة الله ص5

أن الاحساس بالطبيعة المتمثل في أجواء النخلة التي لم تفرغ شحنتها الدلالية والفنية فظلت ممتدة بعمق عبر قصائد الشاعر ..وهذا ما يمكن الشاعر من تجسيد حالته الشعورية واحاسيسه المكثفة والمتشابكة فيلوذ بكل ما هو مخزون في ذاكرته ليذيبه في وهج الحالة الشعرية التي تدفعه يقوة للتعبير عنها..

فالشاعر لايصور النخلة مشهدا طبيعيا بقدر ما هو يصور تأثيرها واقعا نفسيا في وجدانه ..

وقبرات الريح والطفولة الشريدة …

والنخلة الوحيدة

بللها المطر

أيقظها وسار في طريقه

المفروش بالحصى ،النهر/الطائرالخشبي ص 151

ان تصوير النخلة واجوائها الحالمة وجمالها الفني وترابطها النفسي يكشف عن حقيقة هذه الشجرة الصابرة من الناحية الواقعية في أوثق صلاتها بالانسان ..كونها رمزا للوطن من الناحية الفنية ..فهي ضاربة الجذور في وجدان الشاعر لما ترمز له وتجسده في معنى الوطن فأصبحت معادلا فنيا للارض والانسان ..

kh hasab 1أغوص في توحدي

أبحث في تشردي

عن نخلة ومسجد قديم

يأوي اليه مثلما العصفور ..وجهي الضائع اليتيم

فجرعة من كوزه المبترد

وحفنة من تمره الندي

كنزي الذي وجدته

كنزي الذي فقدته / الطائر الخشبي ص 159

فالنخلة الرمز تشكل المعادل الفني للواقع الموضوعي كونها رمز الصبر والمكابرة والشموخ بتواصلها بكل نسيج الشاعر الفني..أذ أن الحلم الشعري لايتشكل الا من طينة الواقع..ومن هذا أنبعثت ظاهرة التضاد بعلاقاتها الدرامية في الصورة الشعرية وهذه ظاهرة فنية تميز بها الشعر الحديث..وهي تعكس مدى القلق والتوتر في معاناة الشاعر كما تعكس مواجهته للواقع وعلاقاته ..

والشاعرحسب الشيخ جعفرفي شعره تتجسد غربته وحزنه بشكل لايفارقه حتى في عالم الرومانتيكية والمتعة..فالنخلة دلالة الخصب لاتخلو منها أكثر قصائد الشاعر..أذ عبرها يؤكد الشاعر صورة الالتصاق بالارض..أنها الرمز المكثف لكل ما فينا فهي ظلنا الذي نتظلل فيه وطعامنا ورمز حضارتنا…وقد وظف الشاعر الطبيعة توظيفا واعيا من الناحية الفكرية والاجتماعية والفنية والجمالية ..فلم يصورها في ذاتها بل دخلها بوعي تأملي وبصيرة جمالية..

فكانت قصائده مواقف وتفسيرات عكست تجربة شمولية عاشها الشاعر داخل حركة العصر وانسانه بحلم يحاول تجاوز الغربة والحزن والالم بمزجه الذات بالموضوع كي يعطي وحدة متراصة لاتعرف الانفصال لبناء عالمه الذي يحلم به..

kh hasab 11نديا وجهك الذهبي يتبعني

كطير البحر يحضن غيبة السفن

ويلمح في رفيف جناحه كفني

طريدا أذرع الدنيا

على كسرات حبك جائعا أحيا

بلا أهل ولا وطن / نخلة الله ص 118

فالشاعر بخياله الرقيق وحسه المرهف وعاطفته الكونية أستطاع أن يصب أفكاره في أسلوب شعري خصب معتمدا عناصر الطبيعة ومظاهرها وتفسير حركتها وعلاقاتها ..كون التجربة الشعرية الناضجة تتسم بالوعي ألذي أساسه الموقف الفكري والرؤية الثورية أللذين بوساطتهما يكشف الشاعر عن المضمون الانساني للطبيعة ..لذا كان تعامل الشاعر عبر تجربته الشعرية مع الطبيعة تعاملا أتسم بالنضج الفكري والفني حتى صارت العلاقة بين الطبيعة والانسان علافة

حميمة أمتازت بالتوحد والانصهار في بوتقة المعالجة الفنية الناضجة ..

فالوعي الواقعي يجب أن يقترن بالوعي الفني لان وعي الانسان يعني أنه يعرف ويتخيل في آن واحد..

كما يقول ترونوفسكي ..

والشاعر حسب الشيخ جعفر ينتمي الى بيئة ريفية وفي قصائده يفتح نافذته على واقعه الذي ينتمي اليه..فهناك(النخلة_النهر_اغنيات القرى_الحندقوق_السواقي) فالشاعر بانتمائه الواقعي يشعرنا بالصدق والواقعية.. لذا فذاكرته ظلت تسجيلية واقعية للنخلة مع ذوبان ملامحها وأبعادها الجامدة فتحولت الى صور نفسية في مخيلة الشاعر ..كونها مفتاح الذاكرة والحلم في شعره لتعلقه نفسيا بمجتمعه الريفي واهتمامه النفسي .. والتصاقه العاطفي بالتراب والطين الذي يشكل الانتماء الروحي للارض كالنخلة في ولعها الجوهري وانغمار جذورها المتشابكة في أحضان الارض ..

فغدا مظهر النخلة عند الشاعر مظهرا أنسانيا ينطوي على شمولية التجربة الانسانية ..كونها تمثل الاحساس بالامان والراحة وهو الاحساس الذي يشعر به الانسان عندما يلوذ بظلها ..

فهي الوطن والمرأة كونها مكان الامان والاطمئنان وقتل حالة الاضطراب وعدم التوازن النفسي ..

فلفظة النخلة عند الشاعر معادل فني مشحون بموقف الشاعر ورؤيته وقدراته الفنية ..لذا وظفها في قصائده وأجزائها توظيفا نفسيا عميقا يدل على تعلق وجداني والتصاق عاطفي بواقعه ..فيشكل صوره الشعرية التي هي (مجموعة ثقافية وعاطفية معقدة في برهة من الزمن ) كما يقول أزرا باوند…

أني مطر يصفح طفل النخل في فينا ،وعشب

يابس يوقد في ضاحية تلتف بالسرو

وشمس تنضج التمر الجنوبي

وعظم مقمر/ زيارة السيدة السومرية /ص 302

أن النخلة في هذا التعامل الشعري شكلت عنصرا مستقلا في مشهد مكثف أمتاز بعمق دلالته مع توظيفه توظيفا نفسيا وفكريا وفنيا أتسم بالحيوية والحركة لما فيه من أبعاد فنية وفكرية ..أصبحت النخلة جزءا من صورة شعرية مرتبطة بجو القصيدة العام ..تكشف عن رؤيا الشاعر في ربط النخلة كرمز بقضية الانسان والوطن ..وبهذا أصبح للشاعر موقف وجداني وفكري من الطبيعة ومظاهرها ..هو جزء من موقفه العام من الانسان وقضاياه ورؤياه للكون ..فالطبيعة بمظاهرها

أصبحت كونا أثيريا قابلة للتشكل والتخلق فانتفت ماديتها الصلبة واشكالها ألمحددة وثباتها ..وفي هذا يقول سان جون بيرس (أنما فخر الحياة في أقتحامها لا في أستهلاك الشي ولا في تملكه ..)

أن أرتباط الشاعر بالنخلة رمز الصبر والشموخ ينعكس في شعره بشكل مذهل ..أنعكس على حياته وشعريته بصبره وصمته..لذاكانت القصيدة عنده مشحونة بالانفعالات واختلاف الاجواء واضفاء الالوان وحركة الاشياء وترديد الازمنة الماضية..العاصفة بالمغامرة والمكتظة بالحب..والملونة بالتفاصيل والجزئي ..حتى أن ألمرءلايملك غير أن يعيش حزن

الشاعر وغربته بعد أن فقد مملكته تلك كما يقول الناقد محمد الجزائري…

يانخلة في الريح كنت أقول : ياقلبي الولوع

من بعد عام أو يزيد أعود ،تسبقني أليها

خطواتي المتعثرات

فكل ما ضيعت باق في يديها/ نخلة الله /ص 59

فالشاعر يرتبط بالماضي .. بالذكرى .. وهذا يعمق من حزنه ويزيد من غربته حتى أنه يعيش (غريبا أكثر من الغرباء )على حد تعبير _ كافكا _ وهذا الابتعاد يزيد غربته وحزنه … لذا فهو ينشد الراحة تحت النخلة طرف معادلته الشعرية الآخر ..

يانخلة الله الوحيدة في الرياح

في كل ليل تملأين علي غربتي الطويلة بالنواح

فأهب : جئتك ..غير أني لاأضم يدي وحبي

الا على الظل الطويل ، ولا أمس سوى التراب

وأنا وحيد مثل جذعك

ظل يلفحني الغياب / نخلة الله / ص58

وبهذا تعتمد القصيدة زخرفا نغميا الى جانب الحس النفسي والمكاني الحاد..اضافة الى الصدق الخالص في التعبير عن التجربة عبرأضفاء الخلود على الزمن الماضي بالاسترجاع والتلوين واضفاءالشواهد التراثية..فيشكل شعره طقوس غربة وحزن مكثف لذاكرة صادقة موالية ومرتبطة جدليا بماضيها الاليف ألذي ماأنفك يغازلها كل لحظاتها…

وله ايضا هذة الدراسة النقدية

الفعل الشعري في دوائر مربعة_الشاعر جابر محمد جابر

علوان السلمان

الشعر فعل خلاق متمرد على حدود الاقيسة بزئبقيته المتحوله.. السابحة في لغة مشحونة بالفاظها التي تشكل مفاتيح النص واسرار تجاوزه الابداعي من جهة ومنحها معنى جماليا يحرك الذاكرة من جهة اخرى..فيكشف عن وعي الذات المتجاوزة للمألوف كي تقبض على جمر الابداع عن طريق استنطاق الاشياء..وخلق القصيدة الشعرية التي هي الوعاء الذي تتبلور فيه الدلالات..كونها بوح للحظة التجلي..وقوة العاطفة وتكثيف الرؤيا عبر الفاظها المجازية التي تشكل انزياحات النص الشعرية..

و(دوائر مربعة)المجموعة الشعرية التي نسجتها انامل الشاعر جابر محمد جابر وهي ليست المتفردة في نتاجه..بل هي الرابعة في درجة سلمها الشعري ..والتي كشفت عنها دار جدل/2012..وقد غلب عليها الطابع التاملي الوجداني ببوح عميق اتكأ على رمز شفيف ابتداء من عنوانها الرامز لحداثة نصية والمنطلق من احدى نصوصها متنا وافتتاحا..

طلبت من الموت

ان يؤجل الترافع

في قضية موتي

لحين اتمام مراسيم

حفل زفاف…

ديواني(دوائر مربعة) /ص49 ـ ص50

وهو ذو دلالة نفسية تقترن بالشاعر..اذ الدوائر المربعة لا تتشكل الا بتلاقي المماسات..

لقد جمعت المجموعة ما بين القصيدة والقصيدة القصيرة جدا..وفي مجموعها يعتمد الشاعر التقابل والتضاد المفاجأة الاسلوبية التي تشكل جدليات الحياة الثنائية والتي تعبر عن الحالة النفسية..مع اعتماد التكثيف والايجاز والتركيز..

كان المساء غافلا

عما يفعله الليل

والصبح مريضا /ص66

فالنص عند الشاعر يبدأ من جدلية ثنائية انفعالية بين الذات والموضوع..اذ يقارب بينهما ليشكل ابداعا دراميا يعبر عن قلق الروح من خلال صوره الشعرية التي هي(مظهر لمركب عاطفي وعقلي في لحظة من الزمن..) على حد تعبير ازرا باوند..اضافة الى ذلك فالشاعر يخوض غمار ما هو سوسيولوجي يتحدد في البناء الاجتماعي..وسايكولوجي للاشارة عن الحالة النفسية وهو يحلق بحرية المفردة المنبثقة من واقع متشظ ..متصارع اذ ان طبيعة الاثارة في نصه تنطلق من بؤرته الفكرية والصورة التي تثير الاهتمام بترميزاتها..

في الربع الاخير من الليل

كان المكان نائما

تحت وسادة الريح

وكان الغيم..

يبتكر طرقا

تجمع بين الكلي والجزئي /ص51

فالنص يكشف عن قدرة الشاعر على صياغة تصوراته للواقع وصراعاته وما يحيط به من احداث باعتماد وحدة النص والقدرة على التعبير والبوح بتوظيف دلالة المفردة في الصورة وبذلك يتعانق عنده معنى اللفظة ومعنى الصورة ليشكلا لوحة تثير التساؤل باعتماد المخيلة والخيال في رسم عوالم الصورة الشعرية التي تشكل روح النص..

فالشاعر في نصوصه يلجأ صوب القصيدة القصيرة المتميزة باقتصادها اللغوي مع تركيز النسيج الجملي وكثافة العبارة وعمق المعنى المثير للدهشة..حتى غدت تعبيرا عن لحظة انفعالية تتكأ على تقنية الانزياح واستنطاق الرمز وصور الطبيعة في بنائها معنى ومبنى..

كنا نطارد

دخان الكلمات

التي احرقتنا منذ سنوات

ونحن نقف

على مطفأة الذاكرة /ص72

فالنص يمتلك اقصى درجات الكثافة المكتملة دلاليا لاحاطتها بالمعنى..مع سرعة ايقاعها الداخلي المنبعث من بين ثنايا الحروف والالفاظ التي تتمثلها جمل تنفلت من قيدها الواصف وتركز على الدال الراقد في ظل النص من اجل ايقاظه عبر لغة ملبدة بابعاد رمزية بدلالاتها المتوهجة التي تتعبأ بها تضاريس الكلام بتوظيف الحلم الذي هو(وسيلة الدخول الى الذات وصولا الى المعرفة العليا..)على حد تعبير جيرار .د.ترفال..

فالشاعر يركز على العناصر الشعورية والنفسية ليظهر نقائض الذات في حدتها مع الواقع ..بلغة شعرية تكتسب التعدد الدلالي عبر التكثيف البنائي للعبارات من اجل توليد صدمة الايحاء..

من فرط تعاسته

جلس عند ضفاف احلامه

يبكي

لقد اعياه الهم

والنهر

يرفض ان يعتذر لاسماكه /ص25

فالنص عنده يقوم على الكشف والمغامرة بتلقائية بنائية وانسيابية ايقاعية منبعثة من ثنايا المفردات التي شكلت تدفقها الصوري..

اما نصوصه الشعرية القصيرة جدا فقد كانت وليدة التحول الفكري والفني ومتطلبات الحياة ومعطياتها المتسارعة نتيجة المؤثرات الخارجية والداخلية مجتمعة ..

اقدام الاسئلة

تدحرجت على وجهي

دون…

منطق الرغبة /ص47

فالنص اتخذ من التكثيف والايجاز منهجا بنائيا مع اقتصاد في اللغة والايقاع والصورة والفكرة فضلا عن ابتعاده عن الوصف والاسهاب والسرد الخطابي..

لذا فهو شكل من اشكال الحداثة الذي كان متاثرا بحركة الادنى(minmalism) التي نادت (بكتابة مختصرة لحياة مختصرة)..والذي يتبناه الشاعر بماهية اللغة الرامزة الموحية كي يرتقي الى رؤى من حيث المستوى التركيبي والدلالي..وهذا يعني انه يجاري العصر الذي وسم بعصر السرعة بحكم تطوراته ومتغيراته.. فكان نصه قائما على دقة التعبير بجملته الايحائية ودلالاتها المكثفة..فضلا عن الفكرة الشعرية البؤرة التي تفيض جوانحها اثارة ودهشة..كونها تعبر عن احساس شعري وموقف في المخيلة يتشكل من الفاظ محدودة..

في منفاي الضوئي

كانت احلامي..

محكومة بذاكرة مستبدة /ص64

فالنص احساس يثير المخيلة فيتشكل باقتصاد لغوي محمل بدلالات مضغوطة حد الانفجار..وصورة تجمع ما بين المعنى الحسي والمعنى الذهني..وهي ترتكز على تعطيل البناء الشعري الفراهيدي وتفعيل اقصى الطاقات الشعرية من اجل الابقاء على الايقاع الداخلي المنبعث من نسيج اللغة الشاعرة بمستوياتها المختلفة..

فالشاعر يلتقط المحسوس ويبني على الجزئيات صوره بعمق معرفي.. انساني..فيخلق نصا يقوم على تداعيات منثالة ..متداخلة ومعطيات النص الذي ينسجه بلغة بعيدة عن التقعر تدغدغ الذاكرة وتحركها صوب التساؤل المشروع..فضلا عن اتسامها بوحدتها العضوية التي هي(وحدة متكاملة..متداخلة في الفعل الشعري والاستدلالي والانفعالي الشعوري..)لانها تقدم عالما ينحصر في نسق جمالي يعتمد بنية فنية حداثوية ويتكأ على عالم خيالي مركب يهدف الى تحقيق ذات الشاعر في تكوين موضوعي قائم بذاته..يتسم بالقصدية والتركيز والتكثيف فضلا عن الايحاء والرمز والتدفق الشعري وغزارة المعنى..فضلا عن استخدام ادوات تكنيكية فنية كالارتداد والحوار الداخلي وتعدد الاصوات..من اجل تحقيق سمة الايحاء الشعري..ومنح النص دلالة ورؤية وثراء فكريا وانفتاحا على عوالم الوجود ..

وبذلك قدم الشاعر عبر دوائره المربعة نصا متصاعدا يعكس الرؤية المزدوجة بين الذات والموضوع ضمن بناء متوازن في جمله وصوره القائمة على المفارقة(paradox) الاسلوب البلاغي الذي يوظفه الشاعر من اجل خلق التوتر الدلالي في النص الشعري عبر التضادات وصراعاتها لخلق نص محقق للمتعة والمنفعة بدهشته..نص مبتعد عن التعتيم الدلالي من خلال اللفظ المشحون بشحنة ايحائية..فكان محفزا للطاقة التأملية ..كونه يحقق انزياحات تجعل من فعل الجملة الشعرية مغامرة تدفع الى مستويات التكثيف المتسعة الافاق مبنى ومعنى..للانطلاق صوب المدهش الشعري الذي اختزنته الذاكرة لتؤسس لفعل خلاق يستقر في الوجدان ويحرك الخزانة الفكرية لمتلقيها..

* عن مركز النور

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

د. قصي الشيخ عسكر: نصوص (ملف/20)

بهارات (مهداة إلى صديقي الفنان ز.ش.) اغتنمناها فرصة ثمينة لا تعوّض حين غادر زميلنا الهندي …

لا كنز لهذا الولد سوى ضرورة الهوية
(سيدي قنصل بابل) رواية نبيل نوري
مقداد مسعود (ملف/6 الحلقة الأخيرة)

يتنوع عنف الدولة وأشده شراسة ً هو الدستور في بعض فقراته ِ،وحين تواصل الدولة تحصنها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *