في أول باردة مهمة أجد في ديوان شعري لشاعر عربي لبناني ، كلمة مهمة مقتضبة وفيها من الإستعارات الدلالية الكثير وصورة وصفية لحالة الشاعر ” شرارة ” وموثقة في ديوان شعري لرئيس برلمانٍ عربي ، وهي بمثابة رؤية نقدية فيها الكثير من التشخيص ، والتدقيق لقصائد الشاعر اللبناني المعروف ” بلال شرارة ” الذي عودنا أن نلتقيه في ميشغن ، أثناء زيارته للولايات المتحدة الامريكية ، وهو يقدم أمسياته الشعرية المتكررة على منصات أبنية ديربورن المعروفة لدى الجميع في تفعيل الثقافية العربية في مغتربنا ، بالرغم من قلتها وذلك لأصابة الجسد الثقافي بالعوق وبروز ظاهرة التدين غير مجدي بسبب الغش والخداع الذي يصيب جاليتنا المنخورة التي تتعالى فيها اصوات التفرقة والتقزز فيما بينهم في ظل الأدلجة الجديدة القديمة ،وللشعر الدور الأساسي في حث الآخر إلى التزود من موروثنا القديم الجديد في ظل تفاقم الأزمات التي فرقت شملنا العربي ، الامر الذي جعل الشعراء يتجهون الى بوصلات مختلفة في طريقة طرحهم ومنهم شرارة الذي أتاح لنا المجال للتعرف على ماهية النصوص التي يقرأها وهو يعطينا من خلال معظم قصائده اشكالأ معمارية تنم عن وجود وحدة بناء معاصر ، وهو يؤكد معنى التلاحم العضوي بين التجربة الشعورية والتعبير ، والمعروف ان القصيدة بنية خاصة ،ترتبط بحالة شعورية معينة لشاعر بذاته ،فتعكس هذه الحالة لا في صورتها المهوشة التي كانت عليها من قبل في نفس الشاعر ، بل في صورة جديدة منسقة تنسيقا خاصا بها ، من شأنه أن يساعد الآخرين على الالتقاء بها وتنسيق مشاعرهم المشوشة وفقا لنسقها ، يقول عنه ” عبد القادر الحصني ” المدهش في لغة ” بلال شرارة ” أنها تمحو من ورائها كل أثر للعمل أو التعمّل أو حتى القصدية ، فهي كما جدول يتسلسل ُ ماؤه ويخط سيرورته من دون أن يخطر في بالك كقارئ له أن تتساءل ، من علمه أن يتسلسل أو يجري على هذا النحو ص18
” ياتين الوادي ، أسعفني في هذا الليل ، فأنا مجنون الأشواق ، والدنيا المكسورة ُ من حولي ، مثلُ حديقةِ خزف ٍ ، تغزوها أفراس ُ الماءَ ”
والشاعر ” شرارة ” وهو يكشف لنا عبر دواينه الشعري الذي يقع في 127 صفحة من القطع الكبير ، والصادر عن دار ” عالم الفكر ” الطاقة التعبيرية الفذة التي تتمتع بها لغته الجمالية والتصويرية ، وهو بالتالي يتوخى اللغة المركزة المصفاة ، اذاً فهي لغة لها حياتها الخاصة كما الأزهار في مرج واسع ، جميلة وفاتنة ، واذا سألتها عن سر جمالها ، أو سألت نفسك فربما لا تجدان أكثر من ” أنا هكذا ”
” العالم ُ أصغر من أن تختبئ َ بظل الأشياء ، الأزمنة ، الأمكنة ، الأوطان ، الأسماء ، أو أن تصبح ظلاً ، شبحاً ، ليس لوجهك َ صورةُ وجهٍ في المرأة ”
يقول ” فسلر ” اما الصورة الشعرية فهي حلم الشاعر ” والحلم لا يعترف بالتنسيق المنطقي للزمان ، ولا يعترف نتيجة لذلك بالسببية ، وهذا يتيح للصورة الشعرية الخصوبة النفسية او ما سميناه كثافة الشعور ” ولهذا يوفر الشاعر ” شرارة ” المناخ الثقافي والسياسي والتراتبات الاجتماعية والعائلية في ” برجه التيني ” الذي لا ينسلخ عنه مهما تغيرت الظروف التي مرًبها وهو يرفض فكرة ترسيخ القطعية بين الأجيال اللبنانية ،بل داعيا ً إلى التقرب وهذا ماأكده الناقد ” عبد القادر الحصني ” والذي يقول عن شرارة ” وفي إيجاز شديد أقول إن الأرض هي جوهرُ هذه التجربة شكلاً ومضموناَ، ففي ما سبق من مقاربات للشكل نستطيع أن نتلمس المشترك ما بين طبيعة الأرض وطبيعة المُميزات الفنية التي أخلصت للاندياح والتنوع ص20
” في الوادي ، أمسكتُ أبا شادي مَسكَ اليد ، بحب الأرض ، كان يمشطُ ُ فتنتها ، ويمسدُ وحل َ مشاتلها ” ص39
فثمة تبشير في ” برجه التيني ” إلى الآخر ، ورغبة عارمة بعدم الإنفصال عن الأرض ، وهو اشعار للذين ولدوا فيها وهي ” لبنان ” وإن محاولاته الشعرية المتكررة لا تلغِ أحداً ، بل هي بمثابة دعوة للجميع بالتمسك والعمل على العيش المشترك ، وثمة ضرورة للإيمان بالتعايش سوية ،وهو يسعى من خلال قصائده الموسومة بالوعي الشديد والتي تمتلك أحلاماً وأحبة وأمكنة وحنيناً وانكسارات ، وانتصارات ، وكما قال عنه الناقد ” غسان مطر ” لا يمكن أن تجتمع في باقة واحدة إلا على يدي ساحر هو الشاعر الذي يتقن صناعة تماثيل الجمر من ضلوعه والكلمات ، ص13
” آه يا وادي الصًبار ، لو أني أتجمل ُ بالصبر ِ ، وتكويني الشمسُ وتغسُلني المطار ، لو أني أرتاح من العمر ، وأجلس مكسوراً في زاوية الدار ” ص107
وهو يود هنا في مجمل قصائد الديوان إلى مناهضة الذين يزرعون الريبة والخوف من المجهول ،وهو يكتب قصائده بروحية مختلفة فيها نزف وعزف وتحولاً كبيرا في معالجة موضوعاته التي إنشغل بها شاعرنا ” شرارة ” وله عالم روحي وفكري ينتمي للحاضر والماضي وللتغيرات الحاصلة في هذه الأيام .إنه دائما على حصان الرؤية تجواله في كل العالم ومبيته في واديه ،
” لو أكسب نفسي وأصيرُ شهيداً ، أرمي خلف الذاكرة الدبابات ، أطفئ هذه المدن ، بما أمطره أدونيس ، من الشعر المرسوم ، وقد حدثنا عن موت اللغة العربية ، ص 97
قاسم ماضي – ديترويت
قاسم ماضي : لا تغفر أبداً للحاكم ..يالله ، إغفر للشاعر ، لهذا الشاعر “بلال شرارة” في ديوانه الشعري “برج التين”
تعليقات الفيسبوك