بالونات العيد تذهبُ عالياً / كريم عبد الله
قصيدة بوليفونية متعددة الأصوات
((عالياً ترتفعُ دواليبُ العيدِ تحملُ أفراحهم الملوّنةِ ثمَ تهبطُ بهم فترتفعُ الضحكات فيستعيدونَ أنفاسهم المتقطعةِ , ( المراجيحُ )* زاهية تعكسُ أشعةَ الشمسِ وتؤججُ صخبَ الملابس المزركشة , تغمرُ فرحتهُ شوارع المدينةِ كموسيقى الأعراسِ عندما يشتدُّ الرقص على الأيقاعاتِ السريعةِ , العرباتُ المطهّمةٌ خيولها باشرطةٍ كثيرةٍ ما أجملَ ألوانها تروحٌ وتجيءُ تدغدغُ أحلامهم الورديّةِ , كانوا يتقافزونَ حولَ عربةِ بائعِ الحلوى كأنّهم يشترونَ الفرح وجدائل البناتِ الصغيرات مذهّبة كالفراشاتِ الزاهيةِ يداعبها نسيمٌ عليل , بهجةُ العيد تتطايرُ عالياً معَ الطياراتِ الورقيّةِ هي الأخرى راحتْ تتشابكُ في السماءِ كأنها تمارسُ لعبةَ القبلاتِ بعشوائيّةٍ , المقنّعونَ منَ الأطفال راحوا يتراشقونَ بإطلاقاتٍ بلاستيكةٍ ويصوّبونَ ببنادقهم الصغيرةِ نحوَ أعداءٍ مجهولين . سريعاً تتلاشى ( العِيديات )* مِنْ أيديهم كـــــ ( شعرِ البنات )* لمْ تصمدْ طويلاً مثلَ أشجارِ اليوكالبتوز الواقفة منذ ُ أمدٍ بعيدٍ على جانبي الطريق تتغنى وتحفظُ جيداً ملامحهم وهيَ تتغيّرُ عاماً بعدَ عام , كيفَ ستستيقظُ البهجةُ في نفوسهم بعدَ اليومِ الأول منْ كرنفالهم الطويل ! بالوناتُ العيدِ الملوّنة كمْ كانتْ تزيّنُ نفوسهم الحالمةِ !, يا للهفةِ الحدائقِ الى الصورِ التذكاريةِ تحفظُ السعادة وتستانسُ بعطرِ العيد ! . لماذا أوقفَ الكرنفالَ وجهٌ غريب كانَ يستطلعُ مِنْ أينَ سيعرجُ نحوَ السماءِ يتناولُ عشاءهُ مع الرسول .. ! لقدْ رايتهُ بوضوحٍ كيفَ يندسُ بينهم , خطواتي المتعثرة وتواثب الأخرينَ كمْ كانتْ عاجزة أنْ تمنعَ الحزامَ المفخخَ , يا للخسارةِ قبّلتِ الشظايا وجوههم الضاحكةِ في ضجيجِ نهارٍ أخير , بعيداً بعيداً إرتفعتِ البالوناتِ الملوّنةِ تحملُ الحزنَ ورماد الأمنيات , ( شَعَر البنات ) راحَ يستلقي على الأرصفةِ مسترخياً , ( العيِديات )* الباقية حتى بائع الحلوى لمْ يفكر كيفَ سيستخلصها مِنْ أيديهم البضة وهي تقاومُ الأغراء , ( المراجيحْ )* تناثرتْ على الأشجارِ وقدْ هاجمتها النيران , يا إلهى حتى الخيول المطهّمةِ عجزتْ أنْ تهربَ بعيداً ! والجدّةُ التي إفترشتْ الرصيفَ إمتدّتْ لها جسورُ الغياب فبعثرت عرائسها قبلَ أنْ تبيعَ واحدةً منها ! لقدْ سرقَ هذا الغريب حتى قطعَ الحلوى متحدّيا براءةَ الطفولةِ في صبيحةِ العيد )) كريم عبد الله ـــ العراق
////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////////
النص المفتوح
من الصعوبة تحديد الفعل الحركي بزمان ونحن نعيش في عالم متحول ليس له مقاس في خلق الكثير من الحقول المعرفية وضبط الذروة التاريخية وبيان الثبوت في ارهاصاته الاستفهامية ، متمدد في حقول مراكز اشعاعه الشاسعة واصدار مفاهيم معاصرة قد تناولت ملازمة الروح والفكر لافق مفتوح ليس له نهاية الى ان وصلت الى مستوى اكتشاف تغييرات مستمرة في حجم الكون الامر الذي يجعل اعادة قراءة كل متجهات الحياة من جديد وبلغة معاصرة تعمل على تحرر الانسان من التدجين الفكري والتخلص من اعباء وتسلط ثوابت التاريخ
لقد لازمنا من الاهتمام الكبير ان نبحث في الحدث المعرفي والذي ينبثق عادة من تفسير الاحداث بالنظريات أو حزمة القوانين التي أرادوا بها سبر غور مستكشفاتهم تقربا من المعادل الموضوعي بين صناعة اكثر من نظرية أو قانون لتقرير مفصلية ان الواقع ينتج أناس على شاكلته وهذا ينزع الى ان مصدر الفعل لا يقف عند حدود مستكشفه وانما هو نمذج لعصر ولوقائع استكناه من خلال تفاصيل ذلك الواقع
لقد ركز الاديب المعاصرعلى الحقل الدلالي وجعل منه البداية والنهاية وما بينهما تنقلات وانثيالات لغوية قد اشبعها رؤية وافكارا فكانت له مساحة فكرية على طاولة نقاش بحجم الاكتشاف المستمر ومخارج منطقية تشترك فيها كل مبرزات الدفاع المعاصرة ، تحاكي العقل الجمعي بذاتوية فردية لاجل خلق حوار داخلي مع منظومة الفكر العام ، ومخاطبة العقل من اجل الغرضية بهذا المستوى وبهذه الحبكة في الرؤية والمفهوم وايصال التتابع الفلسفي على مستويات تتوزع بتجرد الدلالة وفتحها لايجاد اثر من ذات متحولة متماهية لعصرها
إن مسح عناصر المشهد الادبي والذي يحتاج الى تدبر وعناية بانواع الانماط وطبيعة اللغة والبحث عن النضج الفني في محاكاة الواقع نفسيا وفنيا لفتح الدلالة على اكبر معاصرة شهدها الادب والحدود التي تشكل فصلا بين مجموع الدلالات الاخرى والاشتغال على نوع البناء المركب والبحث عن ظاهرة الأجناس التعبيرية لان مجموع الفضاءات والمساحات النصية تتجلى في ابعاد اللغة التوظيفية المختارة لاستقطاب الاذن الواعية وتوصيل النشاط العقلي بكامل العملية الابداعية إذ كلما ادركنا حقيقة معاصرة نكون قد ساهمنا في تكوين ديناميكية المعادل الموضوعي الناتج من ذلك الادراك وهذا يتطلب مهارة في اخراج النص عمليا وتوزيع الفاظه تطبيقيا على عناصر بنائه التي تشكل عناصر الاخراج الشعري ونوع نمطيته المفتوحه عموما ، وقد يشتغل الشاعر او الكاتب على اكثر من بؤرة حدثية وعلى مستوى من البحث اللغوي خارج النص عندما يكرس شعوره كانسان في الغالب على تلك المحركات وبالتالي مواجهة واقعه الداخلي والخارجي باحتراز يكون بمثابة الكشف عنه فتتشكل صور جديدة ولاشعور جديد وقلق متداخل مع انفعالية غير مستقرة وعند الاطلاع على مقاربة ( للنص المفتوح صوتيا ) لم نر اتفاقا مع النقاد على برمجة التعريف النصية ووضعه في خانة المنظومة النقدية التعريفية ولو استعرضنا تلك المقاربات لا نحصل على الشافي الوافي من التعاريف الكثيرة فنستشكل على سعة المصطلح في نظامه الشعري مثلا ، ونعتقد الاستعانة بالمفهوم الروائي هو الاجلى بعد التشذيب بما يتوافق مع سردية النص الشعري يقول د انور غني الوسوي في مقال ( ملامح البوليفونية في نصوص السردية التعبيرية) “بخلاف السردية التعبيرية الشعرية فان الانحراف و الخروج عن المعايير اللغوية يمكّن من توسعة الشخصية النصية لتتعدى الشخصية الواقعية و المعهودة الى ما يمكن ان نسميه (بالشخصية النصية )” وهذا انتاج شعري وليس روائي وان اتفق مع اصول الرواية الباختينية لكن الاختلاف في منظور اللغة السردية التي نستطيع ان نميز بين لغتين متشابهتين في الاصوات التركيبية مختلفتين في الاصوات التعبيرية
يقول سعد محمد مهدي غلام في 1/ليلكات في حشد الياسمين
ويقصد الشاعر” انه يتحرك بالمسعى الوجودي القلق يند عنه المعطى اﻻبداعي هو نصوصه الشعرية ليعبر عن الموقف من الظواهر وحتى وان استخدم المنولوجات اوالديالوجات الوهمية، فهو يعني لغة خطاب تعبر عن مكنون ما يكتنفه انه يحاور ذاته بمكوناتها التجذيرية والعقدية .يدخل في الحوار العميق مع المجتمع فينتخب لنفسه لغة مفرداتها الحوارية من منحوتاته” وهذان المسعيان يصبان في بؤرة البحث عن الابداع وتحقيقه ومن ثم توسعة حجمه ، وادخاله في خانة البحث الحقيقي وفق معطيات البحث الابداعي ونعتقد ان اول سلم هو الاقتضاب في روح السردية لئلا تختلط بمفهوم الشخوص القصصية او الروائية وتتماهى مع جنس ادبي آخر على ان يتحلى بروح التداخل مع السردية .
تبئيرية الحدث المفتوح
………………………..
جاء في لسان العرب بَأَرْتُ أَبْأَرُ بَأْرًا حفرت بؤرة يطبخ فيها والبؤرة موقد النار ومنه البئر مكان تجتمع فيه المياه. وكلها معني تدل على الجمع والحصر (لسان العرب لإبن منظور ص 285)
اما على المستوى اللساني ” والبؤرةُ ترجمةٌ عربيّة اقْتَرَحها أولّ مرّة الباحث المغربيّ د. أحمد المتوكّل اللساني الوظيفيّ التّداوليّ، في كُتُبِه، ثمّ شاعَت وانتشرَت بين اللسانيين العَرَب فيما بعدُ مثْلَما اقتَرَح مصطلَح “وجهَة النّظر” Point de vue التي تُستعمَل في الخطابِ النّقدي الروائي ” منتدى اللسانيات العربية / صفحة الكترونية
تغيرت مفاهيم النقدية وعُدت نشاطا فكريا يتمفصل عبَّر نظام فكري له من الحملات ما يؤهله ان يتجدد دائما اي ان هدف النقد ليست الموضوع نفسه , أو تقادمية ما يحيط به , وانما هو مفتاح لكل باب في منظومة العمل الادبي , ان التجربة الكتابية عما بعد الحداثة وقفت على ماهية الخطاب الادبي وتصنيفه امر واقعي لبيان انتمائه وصحة علاماته الدلالية ومنه ما يعرف بالنص المفتوح الذي يميل الى السردية في تبئيرها الجزئي او (الومضة التبئيرية) او الجملة الشعرية السردية الواحدة المقتصدة ، واقصد بها الحصر المختزل وليس التكثيف في الرواية والذي يسلب تنقلات في سردية الجملة الشعرية لان الاقتضاب يتضمن مصورات قصيرة متلاحقة لتشكيل فوتوغرافي ملون يختزل الحدث المسرود في تبيئرة شعرية سردية كما أنه ” يبدو لي أن مصطلح ” التبئير ” لا يخلو من التضمين الفوتوغرافي البصري كما هو الحال مع ما يتضمنه مصطلح ” وجهة النظر ” إذ لابد من أن يتوسع المعنى البصري ليشمل التوجه المعرفي والعاطفي وكذلك العقائدي” د. حسيب الياس حديد ــ نقلا عن صفحة الكترونية
فلو تأملنا نص كريم عبد الله ( بالونات العيد تذهب بعيدا ) تراه نصا يصف الحدث ويستكمله بشهادة الحاكي حيث يتشظى الفعل السردي الى اكثر من صوت ووصف وتناقض وتكرار ورضا وأسف وفرح وألم … (كانوا يتقافزونَ حولَ عربةِ بائعِ الحلوى كأنّهم يشترونَ الفرح وجدائل البناتِ الصغيرات مذهّبة كالفراشاتِ الزاهيةِ يداعبها نسيمٌ عليل) (البهجةُ في نفوسهم بعدَ اليومِ الأول منْ كرنفالهم الطويل ! بالوناتُ العيدِ الملوّنة كمْ كانتْ تزيّنُ نفوسهم الحالمةِ !)
فإن الوصف يكشف عن الشخصية التي تبدي السرد من خلال ما يراه كريم عبد الله ليجيب عن الاستفهام مَنِ “السارد” الذي يدير ما يرى وفق منظور ( جنيت ) بعيدا عن سوء الفهم الذي يتخبط به الكثير ممن يتصدى للعملية النقدية” بين ما يدعوه صيغة(Mode)، وما يسميه صوتا (Voix)، الذي يبحث في السؤال التالي: من السارد؟ أو بعبارة أخرى: من يتكلم؟” منتديات عيون العرب ــ صفحة الكترونية
الاستباق في السردية الشعرية
استطاع كريم عبد الله ان يستعرض قلق الفرحة من الوهلة الاولى لانه يعرف ان الفرحة في بلده اهم ما يميزها ثوبها القلق ونهايتها الموحشة وقد تشكلت لغته مرآة لدراما لسردية ( هُذلية ، خنسائية ) تشترك فيها البناءات مجتمعية ومكونات شيوع بنية التكوين فيها هي تلك الالفاظ المفصلية صاحبة البناء الجميل والموزعة في صدر النص ووسطه وسرعان ما تحولت الى ظلام يضج بملامح الموت في ذيل النص فينتقل الى سخرية القدر بالالفاظ ذاتها ونقل البناء الى جدلية جديدة من بانورامية تساؤلية عبر استعراض خيالي آخر وهو يعيد ذلك الشريط الحزين ليقرأه بصورة جديدة حيث يقتحم داخل الحدث بخارج النص ليؤلف كريم عبد الله نصا آخر(يا للخسارةِ قبّلتِ الشظايا وجوههم الضاحكةِ في ضجيجِ نهارٍ أخير , بعيداً بعيداً إرتفعتِ البالوناتِ الملوّنةِ تحملُ الحزنَ ورماد الأمنيات ) هذا ليس له علاقة عضوية بالنص الاول من حيث قفل الاول حدثيا ودلاليا واستيفاءه البناء السردي في تبئير مسبق خارج الضمير المتكلم ففي السرد الروائي ما يسمى بتبئير مسبق اي ما يعتمد على ضمائر العربية الكلامية في سير الاحداث وما يقدمه المتصدي للسردية من تحولات نصية “واختيار السرد بضمير المتكلم يعرضه إلى تقييد مسبق لصيغة العرض ، هذا التقييد هو التبئير المسبق. (معجم مصطلحات نقد الرواية ص 41 ــ ط1 زيتوني لطيف ــ مكتبة لبنان ناشرون. بيروت. 2002
وبناء أخر من الاول بمعنى تجديد بؤرة الحدث السردي عن طريق اشتراك اكثر من صوت (..هو يبقى عند الجانب الظاهر من الظاهرة ويستوعب أغطيتها التي تكون في متناول النظر ، والسمع ، واللمس ، والشم ) موسوعة نظرية الادب م2 ق4 ــ الطباع المتفردة والظروف س.غ بوتشاروف
إن عفوية المكان ترتفع وتهبط بواسطة آلة اللعب المتأرجحة مكانيا (الارجوحة ) تاركة نمطية الزمن القصيرة المقترنة بوحدة المكان والمتمثلة بكثرة الافعال فكريم عبد الله أكثرَ من الفعل المضارع واستطاع ان يوظف اكثر من اربعين فعلا قسمها على نوع الامكنة وهو فعل الحركة المستقبلي والحال والنزوع والاضطراب والاصوات ، فكان تنوعا دلاليا خدم الفعل السردي الواحد وجعله اكثر من متعدد عضوي متجدد في استئنافه للحدث .
(ما أجملَ ألوانها تروحٌ وتجيءُ تدغدغُ……… )
هذا النوع من الاختزال يؤدي بنا الى مفهوم استشكال المصطلح النقدي والذي يكمن في فعله التطبيقي ودلالته اللغوية ونعتقد المخرج الاوفر حظا هو ترجمة المصطلح التبئيري الى دلالة الاصطلاح ، والمرجع النقدي للمصطلح هو مرجع تفسيري لم يكتشف باختينيا حتى يختص في الرواية فقط “استعمل مصطلح البؤرة أو التبئير في اللسانيات التداولية قبل أن ينتقل إلى ميدان الرواية والنقد الروائي وهو ترجمة عربية اقترحها أول مرة المغربي أحمد المتوكل ثم شاعت بين النقاد العرب فيما بعد والتبئير أو بؤرة السرد هو مصطلح اقترحه كل من الناقدين كلينيث بروكس وروبيرت وارين بدلا من مصطلحي “رؤية” و”وجهة نظر” ومنهما استمد هذا المفهوم الإجرائي لتحليل البنية السردية (راجع النص والأسلوبية ص 91 بن ذريل عدنان ــ منشورات اتحاد كتاب العرب. دمشق. سوريا. 2000)
لكن الامر مختلف مع السردية الشعرية من حيث مفهوم التبئير المتعدد على ان نحافظ على التوافق بين المصطلح وشعرية النص وهذه انمازات السردية الشعرية عن السردية الروائية بمعنى وجود خصوصية للجملة المحكية يستطيع المتلقي ان يمايز بينها وبين الاخرى الروائية (زاهية تعكسُ أشعةَ الشمسِ وتؤججُ صخبَ الملابس المزركشة , تغمرُ فرحتهُ شوارع المدينةِ كموسيقى الأعراسِ عندما يشتدُّ الرقص على الأيقاعاتِ السريعةِ) المركز التبئيري هو ذلك الاستفهام الذي يتعلق بفكرة الانتحار على طريقة العقيدة التي يرفضها الموت نفسه فينبعث ارهاص من القلق النفسي ” حالة من التحسس الذاتي يدركها المرء على شكل شعور من الضيق وعدم الارتياح مع توقع وشيك لحدوث الضرر او السوء” النفس ــ د علي كمال ص150 ط 2
لذا ترى ان النص تمحور حول جملة استفهامية واحدة هي التي شكلت بؤرة الحدث التبئيرية (لماذا أوقفَ الكرنفالَ وجهٌ غريب كانَ يستطلعُ مِنْ أينَ سيعرجُ نحوَ السماءِ يتناولُ عشاءهُ مع الرسول .. ! ) والذي خلف وراءه مرايا عاكسة وتساؤلات وندم وعدم تقدير …(لقدْ رايتهُ بوضوحٍ كيفَ يندسُ بينهم , خطواتي المتعثرة وتواثب الأخرينَ كمْ كانتْ عاجزة أنْ تمنعَ الحزامَ المفخخَ ) لم يجد كريم عبد الله بدا من خلق تلاقح لغوي بين مفردة المجتمع ومفردة الفرد مع تضمين الى المفردة الاجتماعية “كان دي سوسير قد دعا إلى التفريق بين La langue «اللغة المعينة»و La Parole«لغة الفرد»، منتهيا إلى أن علم اللغة يدرس اللغة المعينة التي تمثل الخصائص «الجمعية» للمجتمع، ولا ينبغي أن يلتفت إلى «لغة الفرد» لأنها تصدر عن «وعي» ولأنها لذلك تتصف «بالاختيار» الحر. وقد أكد بلو مفيلد بعد ذلك أن دراسة «المعنى» هي «أضعف» نقطة في علم اللغة، وكل أولئك كان جديرا أن يؤدي إلى قطيعة بين الدرس اللغوي والدرس اللغوي النقدي، ولئن كان علم اللغة يتميز بالدقة، و«الموضوعية» فإنه فقد «إنسانيته» واستحال إلى «وصف» محض، غارق في المصطلحات والرموز الفنية التي تبدو غريبة على غير المتخصص، وقد تبدو غير ذات نفع محقق في التطبيق الواقعي، على أن علم اللغة قد عاد إلى شيء من هذه «الإنسانية» في السنوات الأخيرة حين دعا تشومسكي Chomsky وأتباعه من التحويليين إلى نبذ الوصف «السطحي» والعودة إلى التفسير «العقلي» للغة باعتبارها أهم ما يميز الإنسان، وباعتبارها خلاقة creative تتكون من عناصر محدودة ولكنها تنتج تركيبات وجملا لا نهاية لها، ومن ثم فهي لا تخضع للتفسير الآليMechanical explanation اقتداء برأي ديكارت” ملتقى اهل الحديث / صفحة الكترونية
لا ننكر أن العربية الفصحى هي معيار النص الادبي لاجيال قد خلت ، وتراكيبها العربية الفصحى ومنها التراثية لا زالت قائمة في التوظيف الدلالي وان كانت على مستوى ضعيف لان اللغة التراثية لغة صعبة التناول ، عصية على الدلالة المعاصرة اختصت بزمن ونمط أدبي ثابت قد انفرد بجزالتة ، وانماز واقعه بها ، وخلقت له ميزانا ادبيا متفردا لا ريب فيه
ان زج هذه المفردات في النظام النمطي للنص النثري ليس من واقع اللغة التراثية بعد المئات من الاجيال وقد تلاقحت مع المفردة الداخلة واللهجة المتطورة ولا يمكن ان ننقل المحتوى ثقافيا فقط بمعيارية لغته كما هي ، اذ ان أدخال مفردات عربية معاصرة أو السنة أو حتى الدارجة منها هي الأولى ان تُنقل الى المنظومة الأدبية العربية المعاصرة وتشذيب اللفظ فيها والذي قد يكون هو الاقرب الى الفصحى ، أو الاقرب الى توافقية النص ووحدته المعيارية المعاصرة ، بالإضافة إلى تأثير اللهجات المحلية فيما بينها في المنطقة الواحدة ، ثم ان اللغة ما قبل الاسلام قد تلاءمت مع الواقع وطبيعة الموجودات ومسمياتها .
وفي المعاصرة ، شاع استخدام الفصحى الحديثة بين المتحدثين بالعربية وهي الفصحى البسيطة والقصد هنا استثمار الالفاظ القريبة من الفصحى يخدم مسيرة التطور الادبي ويُنضج فكرة المعاصرة لاننا نعتقد ان النص المعاصر لا يتحمل الفاظا معجمية قديمة لتلاشي الارضية المحفزة على ذلك ، ونعتقد بعد انتشار وسائل الإعلام الحديثة بمرئياتها ومسموعاتها كان لها نسقا حداثويا داخليا ومتقاربا للتلاقح بين الالفاظ العربية الحديثة بوصفها من سنام الخطاب القابل للنمذجة بانواعها وانطلاقاً من استشكالات متراكبة يطرحها الواقع الشعري كمنجز تعبيري له علاقة وعائية محلياً وعربياًُ ، لذا وجدنا توظيف اللفظ الدارج في النص الحديث هو عبارة عن تمفصل النص المعاصر بين اكثر من مسار تنموي ذاتي يتشبع في المفردة الجديدة ذاتيا الى انها تشكل ركن الجملة في البناء وهي من يشكل بالنتيجة دلالة الجملة الشعرية او المفردة ذاتها وذلك لقربها الذهني والجمالي من المتلقي الذي يبحث عن نص قريب اليه في الفاظه ودلالته ومتعته وادخال اللغة في هيكلةٍ جديدةٍ تعمل من اجل تمركز النص الحر المفتوح بفعل التلقي فالنص يتلاقح مع اكثر من خاصية لغوية اسلوبية مفتوحة وفي المقابل، يتم الحديث عن الحوار الداخلي (المنولوج)، والحوار المتحرك الدال على الحركة والفعل والكلام والحذف والمسكوت عنه داخل المفردة بعد اطلاقها او الجملة بعد اطلاقها فتثير حوارا قد يتجلى او قد يختفي ففي التجلي هذا حوار مفتوح بسيط يدل على الفاظ بسيطة الاستخدام ، سماعية وليست قياسية والاختفاء في ضمنية النص على شكل حوار أو الديالوغ البوليفوني وهو بمثابة حوار مباشر ينشر بظلاله على منظومة تعدد الفضاءات في النص وغير ذلك من كتلة المواقف الخارجية التي يتعرض لها النص الجامع للسرد والغائية واحداث الاصوات عن طريق التوسعة المعرفية لتلك الاصوات ، وكريم عبد الله ارتأى ان يجعل من اللهجة الدارجة والتي البعض منها قريب من العربية ودخول الحدث بتنوع الفاظة جعله مجتمعيا (مراجيح / شعر بنات / عيديات ) ذكرهما كريم عبد الله بدلالتين الاولى مفرحة مكملة للحدث السردي والثانية محزنة هي نهاية الحدث السردي الاول وبداية الحدث السردي الثاني
التكرارية في شعرية النص السردي
التكرارية من خصائص الاسلوبية في الشعر والأدب عامة، وله صلة وثيقة بدواعي القول انها تساعد في خلق الاثارة بخصيصتها النفسية وتكوينها الفني ، كما أنه اسلوب بلاغي لربط اللغة قديمها بمعاصرتها حيث مُثل في السنام اللغوي نوع من الايحائية لدى المتلقي والتكرار وعاء يسع أعماق الشاعر، وحركته الدافعية ومن ورائه الغرضية ، فاذا كانت التكرارية في النحو تنحصر في توكيد الشيء الواحد او الغرض الواحد فانه في فنيته يتحول الى التعددية التوكيدية وكريم عبد الله وزع التكرار على اللفظ الجمعي كما اشرنا اليه وعن طريق الاسم ليخلق النص الثاني مع الانفصال عن الاول نوع من التذكرية الترابطية مع المتلقي ، وبيان العمق الشعري في تلك السردية ، لان اللفظ المكرر ينبغي أن يحاكي المعنى العام ويظهر الافق النفسي بين النصين وايضاح دلائل متناقضة في اللفظ الواحد (مراجيح / شعر بنات / عيديات )
محمد شنيشل فرع الربيعي
صورة الصوت في النص السردي
تُعد مدرسة النقد البنيوية من أوسع المدارس في المنظومة النقدية استعمالا لما فيها من القدرة على الجمع بين الصورة الشعرية والنظرة الموضوعية للمنتج الادبي ، فالصورة الشعرية هي الملامح الملونة للنص الادبي ومرآة تعكس ثيمة كل التفاصيل الداخلية ببعدها النفسي ودقة انبلاجها الساطح يجعلها ذات أيقونة عمقية في الجملة الشعرية ، تقول كارولين سبيرجن: «أما إذا كان شاعرا فأرى أن يقدم إلينا ذاته عن طريق الصورة الفنية في شعره بصبغة أساسية وإلى حد ما بطريقة لا شعورية… والصورة الفنية التي يستخدمها الشاعر بطريقة غريزية وإلى حد بعيد لا شعورية في لحظة من لحظات الإحساس العميق المركز، تكشف لنا عن تركيب ذهنه وتيارات أفكاره” من قضايا الأدب الحديث، مقدمات ودراسات وهوامش، محمد عنابي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1995، ص 490- 491
أما صورة المستوى السردي ، هي الجزء المحكي بنظام سردي والذي يروى فيه النص التصويري بعدة اصوات مختلفة مثلا ، او عبر وجهة نظر اكثر من شخصية يماثلها عمق وبساطة في التفصيل ، ونظيف لهذه التقنية النتقاء من عامل اللغة (العرباتُ المطهّمةٌ خيولها باشرطةٍ كثيرةٍ ما أجملَ ألوانها تروحٌ وتجيءُ تدغدغُ أحلامهم الورديّةِ , كانوا يتقافزونَ حولَ عربةِ بائعِ الحلوى كأنّهم يشترونَ الفرح وجدائل البناتِ الصغيرات مذهّبة كالفراشاتِ الزاهيةِ يداعبها نسيمٌ عليل , بهجةُ العيد تتطايرُ عالياً معَ الطياراتِ الورقيّةِ هي الأخرى راحتْ تتشابكُ في السماءِ كأنها تمارسُ لعبةَ القبلاتِ بعشوائيّةٍ )
وإذا أردنا أن نبين سلوك اللفظ “التصويري” (le figuratif) على كل مدلول وكل مضمون للسان طبيعي، وبشكل أوسع، على كل نسق تمثيلي (بصري مثلا) يمتلك معادلا على مستوى الدال (التعبير) في العالم الطبيعي والواقع المدرك. وبناء عليه، فإن كل ما يعود داخل كون خطابي معين (لفظي أوغير لفظي) إلى إحدى الحواس الخمس التقليدية: البصر، السمع، الشم، الذوق، اللمس، وباختصار كل ما يدخل ضمن إدراك العالم الخارجي، نطلق عليه التصويري” ترجمة سعيد بنكراد عن كتاب كورتيس Analyse Sémiotique Du Discours, de l’énoncé à l’énonciation, ed. Hachette ,Paris ,1991 ــ صفحة الكترونية
فالتصويرية غير مختصة بجنس ادبي وانما بنظام لغوي ينتج تعبيريات ضمن مساحة سطوح الصورة والغوص في نظامها الصوتي الدال على الحدث الوجودي في السردية الاولى (عالياً ترتفعُ دواليبُ العيدِ…) الافعال عاليا ، ترتفع ، افعال حركية لا تحمل في حركتها اي صوت لكن اقترانها بما بعدها بعث فيها روح الصوت ، صوت الالة الصاعدة ، وصوت الفرحة عند الراكب وهي مسموعة كلها (فترتفعُ الضحكات فيستعيدونَ أنفاسهم المتقطعةِ ) (وتؤججُ صخبَ الملابس المزركشة ) لفظة يؤججها المضارع صوتيا قد اشعلت الفرحة في صدور الاطفال والتأجج احدث صوتا وهو الصخب القرينة المؤكدة …والامر مع الافعال الباقية نفسه
وقد يتساءل سائل اين الصوت السردي في الصورة ؟
نقول : الجمع بين قرينتي اللغة التوليدية والصوت السارد قد شكلا معا عماد التعددية الصوتية
الخلاصة ، ان كريم عبد الله استخدم صوتين صوت الفرح السارد الاول واضفاء ثيمة الفرح ، وصوت الحزن السارد الثاني بثيمته المعروفة فتحقق السؤال من السارد ؟ فكانت التوليدية في كيفية تغير التعامل مع الاصوات والذي هو التعامل مع الحدث نفسه