الشيوعيون يحتفون بـ (مدني صالح) (ملف/27)

madani saleh 2إشارة :
احتفاء بتراث الفيلسوف العراقي الراحل الدكتور “مدني صالح” ، وبمساهماته الفذّة في الثقافة العراقية والعربية ، تبدأ اسرة موقع الناقد العراقي بنشر هذا الملف الخاص عنه ، والذي تدعو الأخوة الكتّاب الأحبّة إلى المساهمة فيه . وسيكون الملف مفتوحاً من الناحية الزمنية على عادة أسرة الموقع حيث لا يتحدّد الإحتفاء بالفكر بمساحة زمنية معينة .

المقالة : 
قبل 4000 آلاف سنة كانت (هيت) ولم تزل، ولذا عدَها الطبري مدينة، فهي مدينة قبل لندن وباريس وبغداد، وفيها صنع صنم (هبل) وكذلك (باب عشتار)، ومنها نقل القير والنورة الى حضارة (بابل)، ومرّ فيها النبيان ابراهيم وأيوب ومرّ ـ أيضا ـ الأمام علي بن ابي طالب، وقال عنها شاعر من أبنائها:
هاء ويا تائها قد صار لي نغما
في قلوبنا هيتنا كاف لنا نسبا

وهذه المدينة الوديعة الغافية على أعالي الفرات، لطالما مرّ عليها الغزاة الكثيرون وعانت ماعانت من الاحتلالات والحصارات والاوبئة والمحن ولكنها لاتلبث أن تنهض كالعنقاء من رمادها وتغتسل في فراتها العذب، وترتدي كالعادة طيبتها وثقافتها ولونها الأصيل.
كان الموعد في قاعة البيت الثقافي في هيت، وكان الحضور حشداً ثقافيا جماهيريا، فابتدأ القيادي في الحزب الشيوعي العراقي مفيد الجزائري الاحتفالية التي أقامها الحزب الشيوعي العراقي ، وتكريما للشخصية الاكاديمية والفكرية البارزة الراحل (مدني صالح)، فعبر الجزائري عن مشاعر السرور الغامر لتواجده في هيت التي وصفها بـ العريقة الاصيلة الوطنية، واشاد أيضا بالبيت الثقافي الوليد، ثم ذكر ان هذه الاحتفالية تأتي كاسهام في احياء الراحل الكبير الذي تعتز به هيت والانبار والعراق، واصفا اياه بالاكاديمي الذي تجاوز مقاعد الجامعة الى ساحة الثقافة والمجتمع، فهو ـ حسب قوله ـ من الكبار الذين أعطو ووهبوا، وان استذكارهم دين، شاكرا بشكل خاص د.مصطفى الهيتي لجهوده في اقامة هذه الاحتفالية التي هي احتفال بمدني صالح وبالعراق في آن.
ثم ألقى القاص رسمي رحومي الهيتي كلمة أدباء ومثقفي هيت، معبراً عن سعادته وسعادة المدينة باستقبال كوكبة من مثقفي العاصمة، مؤكدا أن هيت هي مثل ضيوفها الاعزاء مُحبة للأمن والسلام والامان والثقافة ومُحبة للزيتون والبساتين، وهيت تكره الدكتاتوريات والمفخخات، فهي مدينة الثقافة والماء والنواعير والشعر والفكر والنور، داعيا في ختام كلمته الى استعادة تاريخها البهي ثقافيا واثاريا وسياحيا.
بعد ذلك كانت الندوة الاستذكارية التي أدارها الناقد خضير ميري مستهلا اياها بنبذة عن حياة المحتفى به، ليتحدث في الجلسة ثلاث شخصيات كان أولهم د.شجاع العاني الذي دعا أولا الى اقامة تمثال للراحل، كونه باحثا وأديبا وكاتبا كبيرا، ثم تحدث عن مدني صالحقائلا أنه لم يفارق مدينة هيت اطلاقا حتى في اللهجة التي كان يتكلمها، ذاكرا أنه لا يمكن ان تصفه كلمات، فمثلا كان شديد الاخلاص والمحبة لأصدقائه ففي ذهابه من بغداد الى هيت كان لابد أن يعرج على بيت صديقه غالب المندلاوي في الرمادي مسلما ومحييا ومجالسا اليه لبرهة قبل اكمال رحلته، وكان شديد الود لاصدقائه جلال الخياط ويوسف نمر ذياب والمتحدث (د. شجاع العاني)، وكان مختلفا حتى في اختيار عنوانات كتبه، كما كان جريئا في التعبير عن آرائه في أحلك الظروف، وكان مبدعا مستنبطا، وردّ الذين قالو بأن د.طه حسين أخد رأيه في الشعر الجاهلي من المستشرقين، مؤكدا أنه أخذها من ابن خلدون،وهو الرأي الصحيح.
وأضاف العاني: كان مدني نسيجا لوحده في كلامه وسلوكه وكان متواضعا مع كل علمه وفكره،
مختتما كلامه بانه في مرة قادمة يتمنى ان يزور هيت ويمرّ بتمثال مدني صالح.
ثم تحدث د.فوزي الهيتي ـ وهو من تلامذته ـ منوها أن الحديث عن المحتفى به متنوع ويربك المتحدثين، فهو انسان واديب واستاذ وفيلسوف وحياته جدّ غنية، وذكر انه يرى أن مدني ينتمي الى المنهج الشهرزادي أي الى شهرزاد التي انتصرت على شهريار بالثقافة فهكذا كان مدني مثقفا ضد الانغلاق داعيا للثقافة والحوار والحب والجمال والحق، وان هذا المنهج هو ما نحتاجه ونحن نمرّ في ظروف الاحتقانات والتعصب والشد والجذب، ثم دعا د.فوزي الهيتي الى اعادة قراءة مدني صالح.
وبفخر ذكر حادثة ان سائق سيارة (كوستر) من أهل الثورة نهر زملاءه الذين استعجلوه على السير في سيارته، بينما كان (مدني صالح) يعبر الشارع وئيدا في مشيته، فقال لهم: مابكم، انه مدني صالح الذي يعبر فاصبرو قليلاً.
وثالث المتحدثين كان د.مصطفى الهيتي الذي قدم ورقة بحثية تناول فيها مدني صالح والسؤال الفلسفي وحقوق الفرد والدولة، وتناول انبثاق الفلسفة في زمن الاغريق منذ فجرها الأول، وتناول آراء الكثير من الفلاسفة منهم ديمقريطس وابيقور وفيورباخ وماركس وانجلس وروسو، وتناول ـ أيضا ـ تأثير الفلسفة في السياسة.
وبعد انتهاء هذه الجلسة الاستذكارية كانت هنالك كلمة للدكتور (سفيان) نجل المحتفى به مدني صالح الذي عبر عن الفخر والاعتزاز بهذه الاحتفالية ذاكرا ان والده علمه أن لايفرق بين انسان وآخر الا على اساس العمل لأن الدين لله والوطن للجميع، وتحدث عن حبّ والده لمدينة (هيت) التي كان يسميها (المدينة الفاضلة) وكان لايفرح للملايين التي تقرأ مايكتب قدر فرحته بأن أبناء مدينته يتابعون كتاباته، ثم ختم كلمته بقوله: كان هذا الاحتفال ليسعد والدي كثيرا لو كان على قيد الحياة.
ثم قرأ الشاعر سبتي الهيتي قصيدة (حلم في ذاكرة ناعور) المهداة في وقتها (أواخر الثمانينيات) الى الاستاذ الراحل مدني صالح ومما جاء فيها:
(وتعود تدور النواعير فرحانة
بين شطين وزرقة
وشطين من خضرة الروح..
النواعير تعود تدور وتدور
وانت تدور
في زحمة من حصار الدناصير
وتصهال خيول الصفيح
يعود بك الشوق بين الوضوح وبين الوضوح

ثم كان مسك الختام مع حفل توقيع كتاب (مدني صالح بأقلام منصفيه) الذي طبعه وأشرف على اخراجه د.مصطفى الهيتي، وفي الكتاب كل ماكتب عن الاستاذ الراحل مدني صالح (1932 ــ 2007).

جريدة “طريق الشعب” ص الاخيرة
الثلاثاء 9/ 4 /2013

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

د. قصي الشيخ عسكر: نصوص (ملف/20)

بهارات (مهداة إلى صديقي الفنان ز.ش.) اغتنمناها فرصة ثمينة لا تعوّض حين غادر زميلنا الهندي …

لا كنز لهذا الولد سوى ضرورة الهوية
(سيدي قنصل بابل) رواية نبيل نوري
مقداد مسعود (ملف/6 الحلقة الأخيرة)

يتنوع عنف الدولة وأشده شراسة ً هو الدستور في بعض فقراته ِ،وحين تواصل الدولة تحصنها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *