إن إدراكنا لسؤال المعنى النصي يعتمد على مفهمتنا للتجربة الجسدية “المتطورة” بامتياز، وفي سبيل استدلالنا على هذه القضية ننطلق من جملة من الأسئلة التي تفرضها طبيعة التلقي لنصٍّ ما:
1. متى يكون “معنى النص” عابرًا للزمن مناسبًا للتراكم السياقي متجددًا معرفيًّا؟
2. وهل يأتيه هذا من خارجه من جهة منشئه، أم من داخله من جهته البنيوية، أم من جدلية تاريخية تتناسخ فيها المواقف وتدور مع تناسخها النصوص؟
لا يمكن بحال أن نحصل على هذا المعنى النصي إلا في حدود ما نخلعه نحن – المتلقيين – على مقاصد منشئه من “خطاطة” مرجعية، وعلى بنيته من “إحالة” ذهنية، وعلى سياقاته من “صورة” مفهومية؛ ليكون زمن النص زمنين: “آنيًّا متجدِّدًا معرفيًّا” في (فواتح) التلقي، و”تعاقبيًّا” في (مغاليق) المفهمة الفردية وسياقات الحقب الثقافية، فلا يستحيل المعنى نصًّا إلا ويدخل في سيرورة التعاقب.
ينفتح التصور المعرفي السابق للمعنى النصي على جملة من الاستعارات “التجريبية”؛ نحو: الفتح والغلق، تؤشر هذه الاستعارات إلى دور التجربة الجسدية في فهم “سيرورة المعنى”، ليس هذا فحسب، فإننا في استعمالنا الأكاديمي كثيرًا ما نلجأ إلى الاستعارة “الاقتصادية” التي تضمن، بدورها، سيرورة التعاقب المعنوي للنص إسهامًا في المعرفة الإنسانية بشكل عام؛ و نذكر من هذه الاستعارات الاقتصادية استعارتين رئيسيتين، هما:
1. استعارة “استثمار التراكم للمعنوي للنص”؛ حيث تؤشر هذه الاستعارة إلى توخي القراءة الآنية الاستفادةَ القصوى من التراكم المعنوي من خلال “انتخاب” أكثره اتساقًا مع سياقه و”تطويرها”.
2. استعارة “تداول المعنى النصي”؛ وتؤشر هذه الاستعارة إلى سيكولوجية “التعاون” القرائي عن النص؛ وصولًا بالمعرفة الآنية إلى أقصى درجات الانسجام الوجودي.
من الملاحظ أن الاستعارات الاقتصادية السابقة انطوت هي الأخرى على استعارات “بيوسيكولوجية”؛ نحو: “الانتخاب، والتطور، والتعاون”، وتؤشر هذه الاستعارات جملة إلى دور التجربة “الجسدية” في توجيهها لتعاطي الإنسان مع سؤال المعنى بامتياز.
مع الإشارة الأخيرة إلى دور التجربة الجسدية في سؤال المعنى تنهار كل المعطيات “المثالية” لمعنى عابر للزمن أو مطلق أو سرمدي؛ لتتجلى “حتمية قرائية” ينبثق فيها معنى نصٍّ ما من خلال جسد متلقييه، حيث تتجلى المفهمة كحاصل تجربة الجسد بامتياز.
يتجلى مع التصور المعرفي السابق لمعنى النص الطبيعة “الأنطلوجية” للمعنى نفسه؛ فهي “وظيفية” بامتياز؛ حيث يتجلى المعنى كوظيفة للتجربة الجسدية بامتياز، يورثها كل جيل إلى الآخر، وينتخب الآخر منها ما يتناسب ومعطيات وجوده، ويطورها وصولًا بها إلى الأفضل.
الأمر الذي يفرض علينا مراجعة افتراضاتنا المسبقة لمعاني النصوص “المقدسة” وكيفية استثمارها وتداولها وتطويرها؛ خروجًا من شرنقة التعصب الطائفي والمذهبي، وهروبًا من مذابح تراق باسم “أحادية” المعنى والحقيقة “المطلقة”، وإسهامًا في المعرفة الإنسانية، هذه المعرفة التي لن تصل إلى منتهاها أبدًا ما دامت التجربة البشرية.
———————————————————————-
هامش :
1-يعتمد المقال على جملة من الاستعارات الذائعة الصيت في الوسط الأكاديمي؛ نحو: (انفتاح معنى النص وانغلاقه، واستثمار المعنى وتداوله، وانتخاب المعنى وتطوره).
أحمد محمد عبد المنعم عطية، باحث لغوي، جمهورية مصر العربية
بوركت د. احمد وجزاك الله خير الجزاء لهذه الاستبانة، ولهذه القراءة الجديدة لوظيفة الاستعارة في النص… على سبيل الإقرار أن مجيئها داخل النص لا يكون بالمجان إنما وظفت لهدف بلاغي يريده المتكلم، وأنها تكعيبة المفهوم من حيث الزمن ومن حيث الدلالة، وهذا أمر هام لنبذ التطرف خلال تأويل النصوص والنص الديني خاصة.