د.جليل ابراهيم الزهيري : لأن الحقيبة أصغر (3)

jalil alzohairiلأن الحقيبة اصغر
شعرت كلما كبرت وتدور جسدها وإمتلأ، أن الحقيبة التي تحملها تصبح أصغر من السابقة..
ومع نضوج انوثتها التي باتت محط عيون الطامحين والمتفرجين والعاجزين، على حد سواء، القت بآخر حقيبة لها على منضدة بائع الحقائب .. وإشتكت متبرمة أن حقائبه لم تعد تفي بالحاجة .. وانها تبحث عن حقيبة اكبر.
وعندما إجتازت الثلاثين .. وجدت أن حقائبها باتت من الكبر ما يشعرها بأنها اصغر.
فطفقت تبحث عن حقيبة صغيرة تليق بنضوجها.. غير آبهة للاشياء التي قد تحتاجها لكنها تضطر الى تركها في البيت لأن الحقيبة اصغر.

تفتيش
لم يكن حصوله على عمله هذا في بوابة الوزارة مبعث فرحة.. إذ أحس في داخله أن عمله في تفتيش حقائب النساء والداخلات الى الوزارة، عمل قد لا تفتخر به خطيبته الجميلة.. فهي إضافة الى جمالها فتاة ذات حسب ونسب وحضيت بتعليم جيد ووظيفة حكومية جيدة أيضا.
لكن.. لدهشته كان يجد في الحقائب التي يفتشها أشياء تكاد تكون متماثلة.. رغم إختلاف مظاهر النسوة اللواتي يحملنها واختلاف الحقائب أيضا.
وبعد ايام من القلق والتفكير المرهق.. قرر أن ينظر الى حقيبة خطيبته.. ولما حانت له الفرصة فتحها بلهفة وقلق.. ونظر الى داخلها فإستعاد هدوءه ودهشته التي يحسها عند بوابة الوزارة.

نفس المشكلة
إلتقطت حقيبتها قبل أن تغادر الصالون الذي أعتادت ان تتردد عليه لتصفيف شعرها أو لقصه أو إجراء المساجات التي تعتقد هي أو صاحبة الصالون أن بشرتها بحاجة إليها..
وحينما فتحت حقيبتها قبل ان تغادر الى عملها وتضع فيها بعض ما تحتاجه وتتفحص كعادتها، محتوياتها.. وجدت أن علبة المكياج ليست العلبة التي تستعملها ..فثارت دهشتها وفكرت على الفور أن احدا ما عبث بحقيبتها وهي في الصالون يوم امس، عندما كانت تجلس تحت رعاية مصففة الشعر..
وتحملت على مضض، مضي الوقت حتى العصر قبل ان ترفع سماعة الهاتف وتتصل بصاحبة الصالون وتخبرها الحكاية وهي مندهشة.. لكن دهشتها اتسعت أكثر عندما قالت لها صاحبة الصالون أن زبونة اخرى لديها نفس المشكلة.
المربع الاول
إجتمعت أكثر من 30 نائبة في البرلمان حول مائدة مستديرة بعد أن قررن تشكيل كتلة نسائية برلمانية بغض النظر عن الكتل السياسية التي ينتمين اليها. . وناقشن فيما بينهم مسألة حقيبة المرأة وضرورة إبعادها عن المحاصصة السياسية التي لم تترك للمرأة أية خصوصية تذكر..
إحدى النائبات ممن زرن دولا أجنبية عدة وتعرفن على الحياة فيها، إستأذنت الحاضرات، وذكرت لهن أن النساء في أوربا يملكن من 2-20 حقيبة، وأن النساء الايطاليات الاقرب الى نساء الشرق من الغرب يملكن 60 حقيبة أحيانا من كل الالوان والاجناس فلماذا لا يطالبن بأكثر من حقيبة في الحكومة !!..
فتطلعن في وجوه بعضهن البعض وعيونهن تنطق بالدهشة والاقتناع.. وقررن جميعا المطالبة بذلك.. لكن الموافقة المشروطة على منحهن حقائب عدة بالتخلي عن حقيبة المرأة، أثارت في وسطهن خلافات عميقة فعدن الى المربع الاول.

إختيارات
تناقلتها أيادي المحلات في ذلك السوق من محل الى محل، وهي تراقب النساء وهن يحضن أذرع أزواجهن أو من هم مشروع للزواج أو… وتتمنى في قرارة نفسها، لو كان معها، مثلما كان في مطلع زواجها به.. فخيمت على روحها غمامة سأم جعلتها أكثر يأسا في أن تجد الحقيبة ضالتها التي تسحر قلبها وتبعث البهجة فيه… فهي إن وجدت الشكل والموديل منعها الحجم.. وإن وجدت الحجم منعها اللون.. وكان السعر في آخر قائمة المعوقات، فهو الامر الذي لا يدوم مع الحقيبة بعد إقتنائها..
وتذكرت وهي تطالع الناس والحقائب على حد سواء .. كيف أنها رفضت عريسا تلو آخر تقدموا إليها.. وكانت كل مرة تجد ما يمنعها من قبوله زوجا لها، بحيث أن المهر كان الاخير في قائمة المعوقات.. فهو الامر الذي لا يدوم بعد الزواج.. ولكنها وصلت أخيرا الى مفترق طرق.. وبات لزاما عليها أن تقبل عريسا فقبلته وهي تقول في داخلها أن الحب ليس كل شيء..
وعندها وجدت نفسها تخرج محفظة النقود وتدفع ثمن الحقيبة التي كانت في يدها وتغادر السوق..

قرار الليل
تلمست موضع الالم في كتفها .. وتحسست أثر حمالة الحقيبة الكبيرة التي تحملها كل يوم ذهابا وإيابا، مشيا على الاقدام الى المدرسة التي تلقي فيها محاضراتها على الطالبات.. ولاحظت أثرا أسودا رفيعا يمتد كقوس من أمام كتفها الى خلفه… فإنتابتها مشاعر الجزع التي تصاعدت الى حنق شديد، جعلها تهجو حرصها على أن تضم حقيبتها كل ما يحتمل أن تحتاجه، وان يطلبه منها زملاؤها..
إستيقضت في ذلك الصباح مبكرة على غير عادتها.. لتعطي لنفسها فرصة تنفيذ القرار الذي هدّأت به ألم كتفها وهي تنام… ونثرت محتويات حقيبتها على الفراش.. تناولت أولا علبة المكياج الصغيرة وقلم الشفاه، وأعادتهما الى الحقيبة ثم الموبايل ومفاتيح البيت والهوية ومناديل الورق المرطبة والجافة والجزدان وسكين صغيرة لقطع الفواكه وأبرة ولونين من الخيوط للطوارئ.. وتوقفت.. ثم أضافت الولاعة والعلكة ونستلة وحبوب الصداع والاسهال وقطعتي (سانتي) وشاحنة الموبايل..
وعندما انتبهت لنفسها لم تجد على الفراش غير بعض المكسرات والزبيب فألقتها في حنق داخل الحقيبة.

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| حسن سالمي : “منطق الطّير” وقصص أخرى قصيرة جدّا .

لعنة الدّمّ      اشتعل الضّوء الأخضر فانطلقت العربات تجري عبر خطوط متوازية، باستثناء خطٍّ واحد …

| حسن سالمي : صديقتي.. جِنيّة وقصص أخرى قصيرة جدّا .

صديقتي.. جنيّة كان لا يملك شروى نقير… صادف أن مرّ في الصّحراء وحيدا حينما عثر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *