محفوظ داود سلمان : خمارة بلقيس

mahfoz dawod salmanقد كنتُ في قطْربّلٍ بالكرخ خمّاراً أبيع
الخمر ليلاً ، بينما الشعراء ينسكبون فوق
كؤوسهم او يغرقون بما تبّقى في الجرار …
ولديّ أشكال الدنان ، مبازلٌ افتضّ فيها
الخمر من تكريت تقطر ، أو ربى عانات
تأتي من ديار …
وأبو نؤاسٍ كان يقرع في آنتصاف الليل
أجراس النحاس ، فتجهش الأخشاب ، او
يستيقظ الموتى ، وليس هناك ثمة من خُمار …
مازال يبحث عن عجوزٍ بعد باكرةٍ يسائل عن
مراشفها مطيّنةً وليس لها قرار …
من عهد آدمَ يدّعي موســـــومةً بالنار ، او عذراء
تقطر من بكارتها الدماء …
ويقال عنها : أنها كرخيّةٌ ، والكرخ تأرق في
دروب الليل ، تنضو مثل آمرأةٍ قميص الوجد ،
أو تنضو الرداء…
في نارها قد كان يبحث عن مجــوس ، علَّ تبدو
نجمةٌ في الأفق ، لكن ليس ثمة من مسيح
والدنُّ مجروح يسيل الدم يصرخ في الكؤوس:
أنا جريح …
في حانةٍ يدعونها بلقيس كانت خمرتي مغشوشةً
والبعض يسأل عن عذارى عارياتٍ كنّ يعصرن الكروم…
أفخاذهن معفراتٌ بالعناقيد الجميلة ، تنزف الأعناب
داميةً ، كأن سماء خمرٍ والكؤوس بها نجوم …
قد كنت هذا اليوم منتظراً يجيء ابو نؤاسٍ كان يبحث في المحارق عن جنان …
ورايت ديك الجن في حمصٍ يسائل : أين وردٌ ، غاب
مهوى القرط في العنق الطويلة ، ليس في حمصٍ
يباع الخمر او يعطى الأمان …
ويقال أن الخمر تعصر من دمٍ ، والبعض يشربها
على ظمأ ، وقد تجبى لأجل الكرم أعراق
المماليك العبيد ،
لكنّ في خمارتي فرغتْ دنان الخمر ، وانكفأت
كؤوس الشرب في الكرخ القديمة ، حيث أبو
نؤاسٍ في أزقتها شريد …
وتقول آمرأةٌ بأن الناس سكرى ، ليس من
خمرٍ لديها او طعام …
لكن بعضهم هنا يستقطر الخمر العتيقة ، يغتذي
جسدي ، ويقضم من نهودي في تضاريسي
ينام …
والأرض تسكر مثلما الأنسان يشربها معتقّةً
ولكن في كؤوسٍ من حجار …
تمتد في الانساغ تشربها الجذور وقد يثور الموج
تسكر في قرارتها البحار …
وهناك في خمارتي ـ بلقيس ـ يجلس حالمين
بركنها النائي البعيد
شخصان منشغلان في كأسيهما ، وكلاهما يفتي :
بأن الخمر أجمل ماتكـــون إذا وُضعنا في حديد …
ولربما في الطين نسقط ذاهبين الى الجحيم فنحن
من جيل التمرد والضياع ، وليس غير القيء
والغثيان يقطر من ثقوب الافــــق ياتي من فضاء …
مازال في أعماقنا سيزيف يكمن عابثا ـ لكن صخرته
تعذبنا ـ فنشرب نخبها كأساً ، ونرحل
مثل أغنيةٍ بعيدا عن سماء …
ويقال عن بليقس قد كشفت لنا سيقانها ،
قد كان اجمل مايكون هو الرخام يجيء من
صنعاء واليمن السعيد …
هل ثمَّ أخبارٌ : يجيء الهدهد النقال ، يحمل
آخر النغمات عن عصر الحجارة ـ ســوف يبعث
من جديد ..

* عن صحيفة الزمان 

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| عدنان عبد النبي البلداوي : قالوا  وثَـقْـتَ .

لـكـــلِ قــافــيـةٍ عَــزْفٌ ، تــوَلاّهــا وحُسـنُ مضمونها، إشراقُ مَغْـزاهـا أجـواؤها إنْ حَواها الصِدقُ عامـرةٌ وعَـذْبُ …

| د. قصي الشيخ عسكر : همسات من الشعر .

1 مثقلة بالحزن منفضة السجائر لا أعقابَ سجائر تلسعها لا بعض رمادْ تبقى ،عالمها المنفى: …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *