ببساطة وتلقائية شفافة يتنقل بنا القاص عبدالسادة جبار بين سطور نصوصه القصصية التسع في مجموعته القصصية الأولى”ولادة في جدار”، الصادرة عن دار عدنان في 2015، تلك البساطة التي تؤهل النص لإسقاطات الأمثال والحكم الشعبية المألوفة على “وقائع” – كما أشار إليها القاص إلى جانب العناوين الرئيسية للنصوص- غير مألوفة كما في قصة”موت مشرف” التي تتحدث عن نعجة هاربة تتعرض للمخاض والموت في أحد البيوت، وتكون سبباً في إثارة المشاكل بين أفراد الأسرة” كان ذلك بداية لانقسام تلك العائلة واختلاف في الرأي سببته النعجة زاجية..سوف يفسد للود قضية.ص30″، كذلك نقرأ هذا الإسقاط في قصة”تلك الحلام”حيث يستدل القاص بالحديث النبوي الشريف للدلالة على العلاقة بين إبنة صديقه فضاء وأبيها” لنجلس في الحديقة.. فضاء أعدي لنا الشاي..
بدا على فضاء سرور بالغ
– حالاً ..بابا
أدركت أن فضاء هي أم أبيها ..ص40″
في مقابل هذه البساطة العفوية، هناك حبكة شائكة تستمد حيوتها من رصانة الأفكار والمواضيع، والتي هي نتاج مستويات متعددة من “ثيمات”تتمدد على سطوح النص على شكل بؤر صغيرة، تتحول إلى أسئلة عميقة محيّرة ومحاولات بحث مستديمة، عن حلول لمشاكل مزمنة في الواقع العراقي، مثل الهجرة من الريف الى المدينة، ومحاولة الحفاظ على النوع الأصلح للجنس البشري، كذلك استفحال القيّم العشائرية في المدينة، والهروب خارج العراق، وهي في الغالب أزمات حلولها مؤجلة إلى زمن افتراضي آخر غير زمن النص.
قصة الضفة الأخرى: والتي تعتبر من العلامات الفارقة في المجموعة القصصية، بل ولكل ما نشر وطبع خلال الفترة الأخيرة من قصص سردية لما لها من خصوصية في معالجة مشكلة عانى منها العراق طويلا منذ تأسيسه وإلى الان، وهي مشكلة الهجرات المتتالية من الريف إلى المدينة، والتي بدأت منذ أواسط الأربعينات من القرن المنصرم، وكانت أسرة جبار نعيمة مصارع العطواني والذي اعتقد إنه والد كاتب النصوص، أحدى الأسر النازحة إلى بغداد”قبل أكثر من نصف قرن ..تمكن والدي الرجل الريفي والأمي من عبور النهر ..تلك مهمة تحتاج لبسالة.. اذ ليس بامكان فلاح أن يتجاوز ضفة الإستعباد قبل أن يسدد الديون المتراكمة بذمته إلى الاقطاعي.ص9″، إذن نحن إزاء قرار صعب، ورحلة تحف بها المخاطر، كون الطرف الثاني من معادلة الهجرة وهو الفلاح، قد ارتبط قسراً مع ضفته الأولى بميثاق إلزامي، يحتم عليه الارتباط مصيرياً بسيده الاقطاعي؛ من خلال عقود افتراضية، ترتبط بحياته وطريقة عيشه وانتمائه إلى أرضه، ولن يكون من السهولة أن يغادر تلك المنظومات الوضعية، دون موافقة الاقطاعي؛ وهذا العبور الذي كان يفترض به أن يكون عبوراً بين ضفتين مختلفتين، قيمياً وحياتياً، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تلك المخاطر التي أحاطت بقرار العبور”هرب جبار نعيمة مصارع العطواني قبل أن يضمن مرتباً أو عملاً محدداً يرتزق منه على الضفة الأخرى.ص9″ فهي مقامرة الخلاص نحو المجهول، الذي لابد أن يكون أفضل من واقع معلوم لم يقدم للفلاح جبار غير الجوع والخوف والمستقبل المجهول لأبنائه، لكن يبدو أن هذا الانتقال لم يكن في حيثياته غير انتقال شكلي بين عالمين، لايختلفان من حيث سيادة نفس القيم الاجتماعية والأرث العشائري والذي يتقاطع في كثير من المواضع مع الشرائع السماوية والوضعية”كسرت يد عامر بسبب دفعه تلقاها من لاعب أسقطته على حجر صلب.. دخل المستشفى وأجريت له عملية..اهتمت عائلة الولد المسبب بالأمر لكني لم أكلفهم أي مصاريف..أصر الأقرباء على جلسة عشائرية وتغريمهم إلا إني رفضت رغم انتقاد الجميع..اعتبروا الأمر تغييباً لدورهم.ص12″، ويبدو أن النظرة الضيقة لدور القانون والدولة الذي كانت تفتقده هذا الشرائح النازحة في بيئتها الاصلية/الريف، بسبب سيادة سلطة الشيخ الاقطاعي والسركال، اليد الضاربة للشيخ، ظل راسخا في عقلية الجيل الأول من الاباء والأجيال اللاحقة من المهاجرين الأوائل إلى بغداد.
“- ستكون فريسة سهلة للاخرين..
– معي القانون..
– ستجد القانون نائما عندما تستنجد به..”
ليجد الجيل الثاني من الأبناء، نفسه وسط دوامة من صراع نفسي، بين ما يحمله من تعليم أكاديمي والتمسك بمنطق القانون، وبين من ترسخت القيم العشائرية السلبية البالية في عقولهم.
” سألني أحدهم بلهجة لاتخلوا من سخرية..
– مانوع سلاحك ياابن عمي؟
– لا أملك سلاحا..لاحاجة لي به
– إذن الأفضل أن تكونبيننا..لاتبقى وحدك..
مضى علينا أكثر من نصف قرن وحدنا.. وسنبقى وحدنا.ص12″
في دوامة هذا الصراع يُقتل عامر الإبن الأوسط لإبن الفلاح، وهو “السارد” الذي تجري الأحداث على لسانه؛ وهنا لابد من تسجيل ملاحظة عابرة، وهي إن القاص قد مرَّ بالحادثة بطريقة غير مؤثرة ومختزلة، أي بطريقة السارد وليس الذي وقع عليه الحدث، ومن جديد يدفعه الحادث إلى مواجهة جديدة مع أقربائه وبيئته الإجتماعية القديمة،” وتخلصاً من الزيارات المتكررة لأكثر من شيخ عشيرة ووجيه ورجل دين..قبلت على مضض الجلسة العشائرية بعد رفضي الأمر لمدة ثلاثة أشهر على أن تتم في بيت آخر دون حضوري.. فوضت شيخ العشيرة بالأمر.ص13″، لكن ذلك لايحد من إيمانه المطلق بضرورة أن يأخذ القانون مجراه، في مثل هذه القضايا،”لابد أن نظفر بالقاتل.. لابد أن يودع السجن..بغير هذا لن تهدأ نفسي.ص14″، لكن القانون لا تفرضه الرغبات والأمنيات الفردية أو حتى اللأسرية، فالقانون شريعة للحياة، ولكي يثبت وجوده فإنه يستمد حضوره وقوته من النسيج الإحتماعي والبيئي، الذي يخضع له بالكامل، وفي حالة السارد فإنه يجد نفسه أمام حالة يقينية بسيادة منطق العشيرة”لن نسمح للشرطة أن يصلوا إليه ..لقد دفعنا الدية ..ومبالغ لآخرين ليكون بأمان..سيتم نسيان القضية وكأن شيئا لم يكن.ص14″، أمام هذا الإصرار على الإيمان بالقانون من جانب الأب والاعتماد الكلي على العشيرة ومنطق شراء الذمم من جانب قتلة ولده عامر، ينبري الإبن الكبيرأسعد، ليحاول أن يعيد ترتيب الأمور بطريقة تحقق لوالده العدالة لدم ولده، وتضمن عدم تورط الأسرة في واقعة الثأر،”كأن شيئا لم يكن؟ سيكون شيئاً لم يكن.. سيكون.ص14″هكذا كان يردد الابن البكر أسعد وهو يشعر بالغبن من تمادي ذوي القاتل واستهتارهم بالقانون ودم أخيه عامر،”توجست خيفة من أن يكون غصننا الآخر قد أصابه مكروه.. إلى أن كان يوم.. وجدته قد عاد إلى طبيعته الأولى أصبح أكثر نشاطاً.ص15″، وحين يستفسر الأب من ابنه عما أصابه من تغيير مفاجيء، يجيبه الابن بثقة”كل شيء كما يجب.. وكان مايجب أن يكون.ص15″، في هذه الحالة لايجد الأب بداً من قبول الواقع الذي لابد أن يرتضيه لنفسه ولأولاده على الأقل؛ ليضمن بقاء النوع الأصلح، الذي راهن عليه الأب الأول في هجرته الأولى،”شجرتنا ستعلوا..ارفع رأسك ياأبي ..ستنحني رؤوسهم..لم ينفعهم نفوذهم ولا عصبتهم..لن يكتشفوا إنني القيت بجرادتهم إلى القمامة.ص16″، هو صراع بين أجناس التنوع البشري،”لم أندم ..هذا دفاع عن النوع..هل من المعقول أن نقبل ذلك المال الذي اتفقوا على جمعه دفاعاً عن جرادتهم؟ لو قبلنا بذلك..ستصبح الأموال حقلا خصبا لجينات فاسدة.ص18″ في وقت متأخر من زمن السرد، يكتشف الأب، إنه إزاء حالة لم يكن قد حسب لها حساباً من قبل؛ وأن ماكان يعتقده عبوراً بين ضفتي نهر، لم يكن بالحقيقة سوى اخدوداً عميقاً، لكنه كان يحتاج الى رجال بمواصفات الجد والجيل الأول من المهاجرين، ليكملوا العبور دون تقديم خسائر فادحة، تكلفهم أرواح أبنائهم”كيف استطاع جدك أن يتجنب كل ما مر به من الهموم وحيداً؟ أراد أن نكون على الضفة الاخرى.. لكن النهر لم يعد نهراً..لقد غدا اخدودا..لافرق بين الضفتين.ص18″ فالنهر الذي أصبح أخدوداً سيكون من الإستحالة عبوره، دون دفع ثمن كبير من الدم، مع كل الإيمان المطلق للأب بأن الصلاح يبقى دائما”في الضفة الأخرى.ص19″.
قصة”ولادة في جدار”: في القصة السادسة من المجموعة يطرح القاص عبدالسادة جبار موضوع مغاير لقصته السابقة وإن كان يدور بين جنبات الإطار السايكولوجي الذي تدور به أحداث حكاياته السردية، رحلة أو هروب علاج الى رومانيا، عبر ايران وتركيا والبحر الأسود، بأوراق مزورة كلاجيء سياسي، يصطحب فيها الأب ابراهيم ضابط الشرطة النزيه والملتزم بأداء واجباته، ولده قيس الذي يتعرض لإصابة في الركبة”كانت رحلة ابراهيم بصحبة ولده قيس إلى رومانيا..أو في الحقيقة الهروب إلى رومانيا ليست إلا إصراراً شجاعاً على تحدي القدر.. وعدم الاستسلام لما هو واقع.ص69″، ويتدرج مستوى التحدي كون الأب ضابط، بالإضافة إلى أن الظرف الزماني الذي وقعت به الحادثة هو إثناء حرب الخليج، وكانت إصابة الإبن من العقبات التي حددت مسارات جديدة في حياة الأب والإبن معا، فلقد تعود الأب على حياته المهنية وكان يبدو عليه النجاح في أداء واجباته، وحقق ماكان يطمح إليه وهو رضى المسؤولين عنه،”وجد نفسه غير ملتزم بعمله وقد صدرت عنه عبارات في لحظات حنق سببه ضغط نفسي غيرت رأي مسؤوليه فيه.. وتم نقله بعد شجار بينه وبين أحد الضباط المتنفذين إلى الحدود الشمالية.ص70″ في مكانه الجديد ومع حالة الإحتقان والغضب التي يسببها له انتقاله الجديد، تتوفر له ولأول مرة فرصة للخروج بولده خارج العراق، لغرض علاجه، بعد أن أعياه التفكير طويلاً في اتخاذ القرار المناسب لعلاج ولده “لابد من اتخاذ قرار” وكانت هذه الخطوة- الفكرة، تعذبه كثيراً، خشية أن يخسر ولده إذا تأخر في علاجه بعد أن فشلت كل المحاولات في بغداد، “ولقد باءت بالفشل كل المحاولات التي بذلها في المستشفيات العامة والخاصة، ولم تبشره بشفاء أكيد.ص69″، يبدأ الأب الخطط والإستعدادات للرحلة القادمة بعد أن يسهل له بعض سكنة القرى، التي انتقل اليها، المهمة بتقديم المساعدة له”وقد سوّغ له بعض من سكنة تلك القرى تلك الفكرة.. خطط لهذا الأمر طويلاً وهيّأ مالاً كافياً للمهمة، واستعان بوثائق مزورة كاحتياط.ص70″، وبدأت تلك الرحلة التي لم تكن يسيرة، بسبب الإصابة في ركبة الإبن، وما يحتمه السفر في مثل هذه الظروف من مسير طويل على الأقدام” لم تكن تلك الرحلة يسيرة على الولد.. ثمة مسافات كان عليهما أن يقطعاها سيراً على الأقدام..كان الولد يعاني من الام شديدة.ص70″، في ايران التي يصلها أولاً تثبت الفحوصات الأولية عدم قدرة المستشفيات والأطباء الإيرانيين، على علاج الابن فينصحه أحدهم بالسفر الى رومانيا، فيعبر الى تركيا ومنها إلى البحر الأسود ليحط الرحال في بوخارست في رومانيا، هناك يبدأ فصل جديد مغاير لكل فصول النص، حين يتعرف الأب في أحد المقاهي على اليهودي العراقي سليم حساني، دون أن يتعرف على هويته الحقيقية، غير أنه من سكنة البصرة وهاجر إلى رومانيا منذ 25 سنة، وقدم له هذا الرجل كل مااستطاع من مساعدة في شأن السكن، واختيار المستشفى، خلال تواجد الأب في رومانيا؛ لم ينسى المعاناة التي سيسببها سفره خارج البلاد لأخوته وأسرته، رغم مايشغل باله من معاناة نفسية بشأن علاج ولده،”لم يقلقه إلا أمران..الاسئلة التي سوف يتعرض لها أخوته من قبل الجهات الأمنية..ونتائج الفحوصات..أسفرت النتائج عن حل أصعب مما كان يتصوره..لابد من مفصل طبيعي بديل.ص72″، وتكمن صعوبة الحصول على المفصل كونه يجب أن يكون من متبرع، وفي محنته تلك يشاركه صديق الغربة سليم حساني كل معاناته، “التفت إبراهيم إلى سليم حساني وكأنه يستنجد به.
– هل ستتمكن على هذا الأمر ياسليم..؟
بانت على سليم الحيرة
– لاأخفي عليك..انه أمر صعب.. ولكن سنبذل ما في وسعنا.ص72”.
وبعد أن قاما بنشر اعلانات في الصحف وعرض مبالغ مالية لمن يتبرع، تتصل إدارة المستشفى الذي يرقد فيها الإبن، وتكون المفاجأة بتعرض أحد الطلبة لحادث أودى بحياته مع وجود فرصة لتبرع ذويه بركبته، بعد أن حدثهم الطبيب عن حالة قيس، لكن الأم طلبت أن تلتقي بابراهيم؛ يجد الأب نفسه في موقف يحتاج فيه الى إلشجاعة والحكمة لاقناعها بالتبرع بجزء من جسد ولدها لولده”الأمر مؤسف فيما يخص ولدك سيدتي، لكنك لن تتعذبي كثيراً ..لانك سترفعين عن كاهلي عذابا عانيت منه في وطني ..ولم أزل اعاني..إن قيس يرجوا أن يحمل في جسده شيئا مهما من ولدك.ص73″، تنتهي المحادثة باقتناع الأم بحاجة قيس الملحة لركبة ولدها”أنت رجل شجاع..ومقنع لنسرع اذن باجراء العملية..أريد أن أرى ولدك يمشي بمفصل جيو.ص74″، بعد الانتهاء من إجراء العملية ونجاحها، والقرار الذي يتخذه الأب بمواصلة قيس الدراسة في رومانيا، يفكرالأب بضم زوجته إليه، هنا يكتشف الأب هوية سليم حساني اليهودية، حين يكشف له عن قصته الحقيقية، كمهاجر يهودي غادر مدينته مجبراً إلى فلسطين، في هجرته الأولى ثم إلى رومانيا مع حنينه الدائم لموطنه الأصلي العراق،”لاتقطع جذورك..اسألني أنا..لم أزل أحن إلى العراق..رغم أننا قد هجرنا قسراً……نعم..لقد أخفيت عليك الأمر..هجرنا لأننا يهود.ص75″،ورغم حكمة الأب وعمق تجربته إلا أنه يجد نفسه مضطرباً، حين يكشف له سليم هويته الحقيقية، ويدرك في لحظة ما بإنه وقع ضحية نصب واحتيال خطط لها سليم بعناية”وفجأة تراءت لابراهيم صورا مرتبكة..تجمد في مكانه..غابت عنه قدرته في الثبات..حدق بالرجل الذي أمامه..وتخيله مخادع نصب له فخاخا لتوريطه بأمر لم يحسب له حساب.ص75″،وفي وسط تلك الحيرة والتوجس، تبدأ الاسئلة الغامضة تحاصره دون إجابة”سألت نفسي لماذا أنا؟لماذا يساعدني هذا الرجل..لكن سؤالي تاه في أزمتي.ص76″ثم تتحول الأسئلة إلى شفرات وثيمات “جدران” مغلقة، مركّزة تحتاج الى من يفتح رموزها ويهدي الى طريقها، بعد أن يكتشف الجوانب الإنسانية العظيمة في حياة سليم”اطمئن..فلا أنا ممن يعمل لذوي الأهداف..ولا أنت هدف مهم أسعى إليه؛ولكني وجدت فيك صدقا ووضوحا..ساغادرك الان.. ولكن لاتغادر الشقة..إلا إذا حزمت أمرك.. وبعدها لن تراني.ص76″، الأب تقوده مكاشفات صديقه سليم وبعدها الأسئلة المحيرة والعميقة، في موضوعات الدين والانتماء والثقافة والمواطنة، إلى طريق مسدود”من المسؤول..؟من راكم فينا تلك الجمرات غير القابلة للتوهج..تلك الشكوك..؟من بنى حولنا جداراً ليحدد كينونتنا .. لمن انتماؤنا.. للقومية.. للدين .. للطائفة.. للقبيلة.. للوطن.. للسياسة؟…. تحتاج كل تلك الاسئلة إلى أجوبة صريحة..لو حصلت عليها سأولد من جديد.. لكن الأعماق ترفض الإجابات ..الجدران ترفض الولادات.ص76″، في النهاية لم يكن الاب يحتاج أكثر من معرفته للحق ليصل إلى الاجوبة الشافية والمقنعة لكل اسئلته “لقد تجاوزت كل المخاطر والصعوبات..لأني مؤمن بالحق..هل بإمكاني تجاوز هذا الأمر؟ص77″وبإدراكه المسبق لحقيقة الربوبية وعلاقة الناس بالله والدين، حين يصرخ بأعلى صوته شاكراً المرأة على موافقتها على تبرعها بركبة ولدها لإبنه ونجاح العملية”يارب..يارب البشرجميعا..وليس رباً لأحد.74″لتترسخ عنده القناعة النهائية بحق سليم في العودة إلى العراق وممارسته المواطنة كغيره من العراقيين، لكن كل ذلك يبقى رهين الظروف التي ستسمح بذلك، لتكتمل ولادة جديدة، هيَّ محاولة الخروج من جدار.
في مجموعة “ولادة في جدار” المجموعة القصصية التي تستحق القراءة والتأمل نتلمس جهود القاص عبدالسادة جبار الحثيثة والمتميزة بلغتها السلسة، ومقاربتها للأفكار العميقة، للإقتراب أكثر من الروح الإنسانية المعذبة، وهيّ تعيش أزماتها الكبيرة في الحياة، والموت، والهجرة، والتفاوت الطبقي، والاختلاف الديني، وبحث دائم عن إجابات مؤجلة، لمعظلات إنسانية، تحتاج إلى كثير من الحكمة والتضحيات، لتصل بها إلى ماتصبو إليه النفس البشرية.
خضر عواد الخزاعي : مجموعة “ولادة في جدار” وحلم العبور إلى الضفة الأخرى
تعليقات الفيسبوك