عن دار ” ألف ” لحرية الكشف في الإنسان والكتابة ، صدر كتاب بعنوان ” الاتجاه المعاكس في كتابات صباح الأنباري ” لمؤلفه ” صالح الرزوق ” ويقع الكتاب في 82 صفحة من القطع المتوسط .
أجد نفسي سعيداً ، حينما يقع بين يدي ” كتاب ” ورقي ، اشمهُ ، ويشمني ، أتشاجر معه ، ويتشاجر معي ، في غربة مملة ، وقاسية ، يحطيها الجهلة والدكاكين السياسية والدينية ، بعيدا ً عن الأهل ، والأحبة ، والوطن ، مما يدخلني هذا الكتاب الذي بين يدي ، في تسابق مع الزمن الصعب ، حتى نصبح أخوة ، في زمن قلّت فيه الأخوة ، ألم يقال ” خير جليس في الزمان كتاب ، تسلو به ، إن خانك الأصحاب ” أو دعني أقول ، كما قال الشاعر ” الحياة عبارة عن آلة موسيقية ، والناس هم من يصنعون اللحن ، فإذا أردت لحناً جميلاً ورائعاً ، فاختر من يعزف معك بحب وإخلاص ” فكيف اذا كان هذا الكتاب عن مبدع عراقي جميل ،خلّف وراءه الكثير الكثير من الإنجازات ، التي لا تعد ولا تحصى ، حتى قال عنه ذات مرة القاص العراقي المعروف ” صلاح زنكنة ” أنه معلمي .
” والأنباري ” هو من تعامل مع أدوات الجمال البصرية واللغوية ،وهو الذي يدخلني في صومعة البحث والإستقصاء ، حينما كتبت عن تجربته ، ووجدت في كتبه الفائدة الكثيرة ، وهو يكتب عن كل ما هو جميل في زمن القبح ، وهذا المطبوع الورقي الذي بين يدي ، يتحدث عن كاتب عراقي مغترب ، له باع كبير في الحياة الثقافية والفنية ، ومن هو هذا الكاتب ،إنه ” صباح الأنباري ” حينما يتناوله كاتب آخر من كتُاب العرب ، وله بصمة ثقافية وابدإعية في الوطن العربي ، يقول ” الرزوق ” في كتابه الاتجاه المعاكس ” إنه كاتب مسرح يتساوى لديه الانتاج مع الاستهلاك ، فهو يحثنا أن نكون من زمرة المستهلك المنتج ، من أتباع العمل التعاوني حيث يتكافل أعضاء الفريق لتحقيق الغايات المرجوة ، وهذه آول خطوة للانتهاء من مشكلة التفكير الانتهازي والمكيافيللي ” ص9
ولو إقتربنا من الأسئلة التي يوجهها الكاتب ” الرزوق ” على القارئ ، لوجدانها هي استفزاز لتحريك مخيلته عبر تحريك ” لو

السحرية ” التي يتم تفعيلها على خشبة المسرح ! وبالتالي كي ينشّط ذهنية كل من يريد أن يتعامل مع ” الأنباري ” مؤكدا بذلك بقوله ” لقد كانت الغاية من هذه القراءة الموجزة إثارة المزيد من التساؤلات ، وفتح المزيد من النوافذ على هموم المسرح المعاصر ، وعلاقته بالفكرة الفنية ، ثم بالأدوات أو القانون وهذا عندي هو اللغة والأسلوب ، ص10
والمعروف عن الانباري يتأنى في كتابته ، وهو كالصائغ الماهر ،وهو يرسم حروفه بالأناقة التي يريدها ،وهو ينظر إلى الوطن كالعين الكبيرة التي تهمي دمعاُ وتحتقن دماُ لما يحدث ،وهنا يؤكد ” الرزوق ” في كتابه ” الاتجاه المعاكس ” على ماهية التفكير التي ينطلق منها ” الأنباري ” من خلال قراءة نفسية معمقة تناولها عبر البحث والإستقصاء والكشف عن مكنونات الكاتب ، وما يحملهُ من هموم لما يجري حوله ، يقول ” الرزوق ” إنها موجبات النفس التي تضيع وتندثر ، والتي تشاهد ما يجري دون أن تفهم ،لقد كانت الحالة النفسية لشخصياته لا تختلف كثيرا عن حالة لوركا في ” أغاني الغجر ” أو حالة أنطونيو تابوكي “هذيان ” دائما يوجد سؤال كبير شخصي وعام ، لا تتوفر إجابة شافية حوله ، وهو باختصار بالشكل التالي ،لماذا هذا السيل من الدماء ، ولماذا كل هذا الخراب والحريق .ص 10
ولو راجعنا كلمة ” تمهيد ” في مقدمة الكتاب والتي من خلالها إختصر فيها تجربة ” صباح الأنباري ” مع الدراما بفكرة بسيطة ” هي الانقلاب عليها وإعلان موتها ” فمسرحياته الصامته وما كتبه من مونودراما وحواريات طويلة تعتبر خروجا على القوانين الثابتة وطويلة الأجل لفن المسرح ” والرزوق يشبه الكاتب والمبدع ” الأنباري ” بالشاعر الكبير ” أدونيس ” حيث يقول كان ويقصد ” الأنباري ” في نقده لاذعا وعمليا ، فقد هاجم الرؤية الساكنة للمسرح مثلما هاجم أدونيس الرؤية الجامدة للشعر في أطروحته المعروفة ” الثابت والمتحول ” وكما فعل أدونيس أردف الكلام بالتطبيق وقدم للمسرح العربي سلسلة من الأعمال الثورية والمتمردة التي أرى أنها جميعا تندرج تحت شعار ” موت المسرح ” قياسا على الإيديولوجيا وموت التاريخ وموت الرواية وهلم جرا .
وهنا لدي سؤال إلى المعنيين في إدارة وزارة الثقافة ،لماذا تغيب هكذا طاقات فنية مهمة ، ولم تبادر الوزارة في جلب هذه الكوادر لغرض الإستفادة منها ؟ ، حتى ينتعش مسرحنا بزج طاقات المهجر قبل ان تجف منابعه بفعل التقشف والفساد الأداري والتحكم به من بُعد ، من قبل سياسات الاحزاب الدينية التي نعاني منها حتى في منافينا ، ولهذا يمثل الكتاب ومن خلال القراءة الموجزة إثارة للمزيد من التساؤلات وفتح المزيد من النوافذ على هموم المسرح المعاصر وعلاقته بالفكرة الفنية ثم بالأدوات أو القانون .
قاسم ماضي – ديترويت