الكبار لا يمكنهم ان يفهموا ماذا يجول في ذهن الصغار العصافير جميلة لماذا يذبحها الناس ؟
نامي والا نادينا العفريت كي يعاقبك , ولماذا يعاقبني وانا لم اذنب ؟
انصحك ان لا تكرري الرسم مرة اخرى . لماذا ؟ لانه من الامور المحرمة , لماذا ؟
ماذا تفعلين وانت العطشى الى كلمة حب ؟
بهذه الكلمات والاسئلة العفوية لطفلة لم تبلغ التاسعة تدخلنا صبيحة شبر الى عالم الطفولة , عالم يَرزح تحت سلطة ابوية بطرياركية مزودجة في مدينة صغيرة من مدن العراق الجنوبية , استطاعت الروائية والقاصة العراقية ان تشعرنا بالملل والرتابة داخل بيت الجد , والذي يحتوي على بيوت الابناء والتي هي عبارة عن غرف كبيرة داخل الحوش الكبير حاله حال كل البيوت العراقية النائية عن المركز , والخاضعة لسلطة اجتماعية مغلفة بالدين , وسلطة بطرياركية ابوية تحتضن الابناء الاباء داخله , وتنقل لنا عادات وتقاليد هذه البيوت بوصف جميل قل مثيله , فنكون امام مشهد رتيب يعني بالتفاصيل الدقيقة , والتفاتات قل مثيلها لمجتمع عراقي محافظ يزاوج بين الموروث والفكر اليساري للاب , هذا الفكر دخل البيوت العراقية في مرحلة الملكية واَلهبَ مشاعر الكثير التواقين للانعتاق لكل ما هو جديد , محاولات شباب من اجل ايجاد حياة افضل للجيل الثالث داخل بيت الاسرة , حقيقة صبيحة شبر لم تقل لنا مكان السرد الروائي ولم توضحه الا في اشارات خاطفة والذي فهمت منه مدينة صغيرة تابعة لمدينة الكوت عمارة لكنها عُنيت بتفاصيل صغيرة لمكان السرد الخاص” البيت ” واعطت تفرعات كثيرة لهذا المكان تمثل ببيت الوالد وهو عبارة عن غرفة كبيرة قسمت الى طابقين تفرع منها غرفة البطلة الصغيرة بسمة , وسردت لنا خصوصية سطح الدار مكان اللعب والحديث مع العرائس , دمى بسمة المصنوعة من فضلات القماش والرسم على الحيطان وتحليق الطائرة الورقية والنوم تحت سماء .النجوم , الى شرح مفصل لسلم الدار الذي يحتوي على الارجوحة والمرحاض الذي يقع تحت السلم , في هذه الرواية تدخل الروائية والقاصة عالم الطفولة وتتجول في افكارها وتطرح لنا عالم الرواية من منظار طفلة صغيرة ذات جسم ضئيل لكنها ذكية وحساسة تحاول ان تفهم عالم الكبار داخل الحوش الذي يملكه جد تاجر مقتدر ماليا وله مكانة اجتماعية كبيرة بين اهله واقاربه اكتسبها من سمعته الطيبة وتقديسه للعرف والتقاليد ومساعدته للآخرين خلال مسيرة حياته الطويلة , فنتعرف على العمة والجد والجدة والأم والأخت وبقية الصغار من الاصدقاء والاقارب بعدسة كاميرا صغيرة تحملها بسمة لتلتقط التقاطات وصور تنقلنا الى عوالم البيت, وتناقضاته الانسانية, والفكرية ,والخلط في ذلك العالم الطوباوي الذي لايعرف الحدود بين الحب والكراهية , ولا بين الغفران والعقاب فتُتَهم البنت بسرقة كيس لب حب للرقي من بيت او غرفة السيدة الأم الكبيرة الذي يُولد الشعور بالذنب لشخصية البطلة, والتي لا تستطيع ايجاد تبرير لهذه التصرفات المتناقضة بين الحب , والعقاب الصارم الذي تعتقده الطفلة الكراهية ,يوازية حب كبير يدفع بها نحو الامام حب الاب الذي يستطيع ان يشخص العلة, و يشخص وضعهُ الطبقي والنفسي داخل البيت وخارجه , ويحاول ان يفسر للإبنة قدر ما يستطيع اسباب التناقض لكنه نفسة يقع ضحيةالاوهام والاعراف حين يقدم شاب فلاح باقة زهور يحضرها معه من البستان بناء على طلب الطفلة بسمة , الاستاذة الكبيرة صبيحة شبر استطاعت بهذه الرواية ان تحل اشكالية وعقدة الرواية ببعدين او صوتين للراوي العليم احدهما صوت يكلم الطفلة ويذكرها بالاحداث , والآخر صوت الاب الذي يريد ان يضع النقاط على الحروف فيذكرنا تارة ان تصرفات بسمة مجرد تصرفات عفوية تصدر من طفلة لم تكتمل النضوج واخرى يحاول ان يفسر لنا الوضع الطبقي والاجتماعي الذي يحول دون تطبيق افكاره اليسارية داخل غرفته او بيته الصغير , وهو يحلم ببيت وحياة اخرى يوفرها لأهل بيته بعد كل زيارة للمدينة , ولا يتوانى من اخذ ابنته لتعليمها الحياة المدنية ومحاولاته من اجل زجها في مجتمع لا يقيم وزنا للحجاب والبرقع على الوجه. تقول الكاتبة بهذا الصدد وهي تحاول ان تضع افكارها اليسارية عبر شخوصها فيمتزج شخص الكاتبة الانسانة مع شخوصها المخلوقة من العدم ” تحاط المرأة بكيس اسود من القماش وكأنها فحم يريدون اشعاله ” ,وتقول ” الانسان اعظم المخلوقات واكثرها نبلا واشدها جمالا “, رواية ارواح ضامئة للحب من اصدار2015 دار ضفاف للنشر رواية النهايات المفتوحة على آمال جيل جديد تحت مظلة التغيير ” الجمهورية” وطي صفحة من الماضي ربما على امل اكمال النهاية في رواية اخرى .
نيران العبيدي
2015 حزيران
كندا