دأب الروائي الكبيرناطق خلوصي في منجزاته الروائية التي صدرت خلال السنوات الأخيرة على تناول موضوعين على قدر كبير من الأهمية و اللذين يعبران عن رؤاه الأخلاقية و الفكرية إزاء قضايا محددة : موضوعة منظومة القيم الأخلاقية و الفكرية لدى رجال النظام السياسي في العراق السابق و الحالي، و سلوكياتهم وأساليبهم المتلوية و دنائتهم. و موضوعة المرأة و مشكلاتها كأنثى تعاني من الحرمان الجنسي على المستوى الشخصي و من تأثيرات أضطهاد رجال النظام السياسي عليها ، كأم و زوجة و أخت و أبنة. ،بصورة مباشرة ، بما يحط كثيراً من كينونتها الإنسانية و معاناتها و لا أجدني مغالياً كثيراً فيما أذهب إليه، أن هذين الموضوعين يشكلان معاً عند الروائي خلوصي ،منهجاً واضحاً بأهداف محددة أخلاقياً و سياسياً,
يعمد السيد خلوصي في جهوده الروائية إلى تبني جهد فنيً للكشف عن الطبيعة الإستبدادية لرجال النظام و رجال مؤسساته الأمنية،و لتعرية الأساليب الرخيصة التي يتوسل بها هؤلاء الرجال بغية الوصول إلى مراكز مهمة و غير عادية في الدولة ،يقدمهم لنا على أنهم شخصيات معطوبة أخلاقياً و سلوكياً و إنسانياً لما يتصفون به من دناءة و إبتذال وتهتك و خيانة للوطن فهم لايرعون فيفتكون بالناس إضطهاداً و إغتصاباً. رواية” عشاق الشمس” ثم رواية ” إعترافات زوجة رجل مهم ” مثلاً.
يعد العنوان العتبة الأولى لولوج عالم الرواية و فضائها الخاص. يوحي عنوان هذه الرواية ” إعترافات زوجة رجل مهم “بسيرة ذاتية لزوجة تمتلك وضعاً إجتماعياً خاصاً و قد تمتلك كماً كبيراً من المعلومات عن النظام الذي ينتمي إليه هذا الزوج (المهم)كما أنه يغري القارئ للأطلاع على عالم خاص.و يشير أيضاً أن هذه الأعترافات ستأخذ القارئ في جولة خاصة في عالم الرجال (المهمين .)
تشكل قصة ” شهد ” الموضوعة الرئيسة في الرواية . فهي فتاة في السنة الأخيرة من الدراسة الثانوية ، تتوثق علاقتها ب “كوثر “صديقتها وأبنة الجيران ، ثم تقيم علاقة جنسية مع ” فاخر ” شقيق ” كوثر” و عندما تكتشف بأنها حامل تخبره فيطلب منها أن تتخلص من الجنين بيد أنها ترفض ذلك بقوة و تهدده فينصاع و يتقدم ويتزوجها تفادياً للفضيحة . ترزق بطلفها ضعيفة وسقيمة و تموت بعد اسابيع . يهاجر فاخر إلى سوريا هرباً من النظام و تلحق به “شهد “. في دمشق تلتحق في معهد لدراسة اللغة الإنكليزية، وهناك تتعرف إلى ” نادر الحلبي ” طالب سوري الذي يخبرها بأنه شغوف بها و بعد عدة لقاءات تسمح له بقبلة شريطة أن يصبحان بعد ذلك أخوين و لكن مع الأيام نجدها تسلم له جسدها راضية. يلتحق زوجها ” فاخر ” بالمعارضة العراقية في أمريكا حيث تتعرف شهد إلى أهم شخص معارض ” سلطان أبو صماخ ” الذي تقيم معه علاقة جنسية أيضاً و تتجدد هذه العلاقة و تستمر عند عودة رجال المعارضة إلى بغداد مع قوات الأحتلال 2003 و لأكثر من مرة و على فراش زوجها و رضاه غير المعلن . يعينها ” سلطان ” الذي شغل موقع قيادياً في النظام الجديد ،مديرة لمكتبه. يتزوج فاخر سرأ من أمرأة رجل معارض للنظام الجديد بعد أن أجبروه على طلاقها و عندما تعرف “شهد ” بقصة هذه الزوجة تقررمساعدتها و بإقناع “فاخر” بطلاقها طالما هذه الزوجة ” خديجة ” لا تسمح له التقرب منها , تطلب منه الزواج من شابه قادرة على أن تلد له الأولاد لأنها فقدت القدرة على الأنجاب و بعد أن أجهضتْ نفسها ، و عندما تصل إلى الحد الذي لم تعد تحتمل ما كان يجري تقرر الأنفصال عن ” فاخر” و الأستقالة من وظيفتها و تعود ثانية إلى اهلها الذي كانوا قد قاطعوها نكاية بزوجها ” فاخر” الذي يعدوه خائناً و كانوا هم جميعاً من الوطنين ذوي الميول اليسارية .
شهد: الشخصية الأنثوية المركزية :
هي أصغر بنات ” عبد الله مصطفى ” المدرس المتقاعد ذي الميول اليسارية و يقدمها الروائي على أنها أنثى رخوة الإرادة و ضعيفة و سريعة الأستسلام الجسدي مبررة كل علاقاتها الجسدية مع الآخرين ،بعد زوجها من فاخر ، بذريعة أهمال زوجها لها و منكرة أستعدادها النفسي الدائم و إستمرائها لممارسة تلك العلاقة
تعترف” شهد ” و تقر بأنها شخصية تعاني من إنشطار و أنفصال نفسي ، لذا فهي “شهدان”: واحدة تتحكم بسلوكها و عقلها الباطني التي تعيش تحت تاثير الجنس عليها كأنثى فيحملها على أن تتصرف بوحي من هذا التأثير، أما ” شهد ” الأخرى ، فهي أنثى محكومة بالتقاليد و الأعراف و العادات الإجتماعية مما يجعلها تعيش ندما و قلقاً لأستجابتها لوازع الجنس كما تصفه في( ص 178 ) لذا يمكننا القول أنها تقترب من توصيف الشخصية الإشكالية .أنها شخصية مركبة و واضحة في الوقت نفسه .
تعيش “شهد ” صراعاً بين هاتين الشخصيتين، فلا يتركان لها فرصة إتخاذ القرار بعيداً عنهما، فهي سريعة الأستسلام لرغبات شهد الأولى، الأنثى التي تستحوذ على قواها العقلية و العاطفية و تصرفاتها ، غير أنها سرعان ما تصحو من أرتكابها الخطيئة و تأخذها نوبة من ندم فتلوم تفسها و تقرعها، و كثيراً ما تلقي باللوم على زوجها و تبرر إستسلامها و تبرعها بجسدها لنادر على انه تمرد على زوجها ( ص153 ) و من جهة أخرى لا نجدها تبدي رفضاً و شعوراً من الندم لما تقوم به من علاقة جنسية مع الآخرين ، أنها أنثى تجعلها رغباتها ضعيفة أمام إغراء الجسد مبررة ذلك على أنه من باب تبادل المتعة ، غير أنها تدرك جيداً عواقب خروجها على التقاليد و العادات : بأن أخاها ” نافع ” سيقتلها لو أخذ علماً بكل تصرفاتها (ص147) ، أنها واعية تماما بأن تصرفاتها خروجاً سافراً عما هو مألوف وإساءة لمعاير الشرف و الأخلاق و الرابطة الزوجية و أنه يشكل تصرفاً خطيراً ( ص 147 ) و تصف علاقتها مع نادر ( طقساً من طقوس الإبتذال ( 143 )
تبدي شهد إستعداداً فطرياً للخضوع لرغباتها و ليس بوسعها مقاومة هيجان الوتر الحساس اللعين الذي يبسط سطوته على الجسد و الذي أصبح أحساساً لذيذاً في داخلها ( ص 136 – 137) و عند ممارستها الجنس مع ” سلطان، اول مرة شعرت أنها قد أقتنصت دقائق من سعادة نادرة لم تعشها مع زوجها حتى الآن. 0( ص 41 ) و كادت أن تعترف له بأنها عقدت مع صديقه الحميم سلطان ، ثلاثة إجتماعات خطيرة في غرفة النوم (96) نكاية به و كان أقسى ما تشعر به أن سلطان أبو صماخ هو زوجها الثاني(162) كما أنها تصف حالتها حين دخلت اللعبة مع نادر و هي تنزع ثوبها أمامه لقد ( أنزوعت القيم و المبادئ جانباً حين يحمحم جواد الرغبة ) ( ص 186 ) و تبرر تبرعها بجسدها لنادر بأنها تثأر لنفسها من زوجها (ص 193 ) على الرغم من أنها تزوجت زوجها ” فاخر ” بعد علاقة حب بيد انها تصفه بالوضاعة لأنه كان يبدي أستعدادا عال للتنازل عن قيمه الأخلاقية من أجل الحصول على مكاسب مادية و مصالح شخصية و كانت تشعر حين يدعو سلطان إلى بيته كأنه قد أستحال إلى جزار يقود شاته إلى مذبح شهوات صديقه ،تقصد سلطان ابو صماخ ( 100 ) لأنه لا يمكن أن يجهل ما يمكن أن يحدث لها مع هذا الرجل الداعر. أن شهد أنثى تعي تماماً ما تفعل فتقول بعد ان فقدت عذريتها لعلاقتها مع فاخر ( شعرتُ كأني خلفتُ على سريره شيئاً مني يستحيل إسترجاعه .(ص 17) كما نجد إشارةً مبكرة لوعيها بما تفعله، ففي (ص 14) بعد ممارسة الجنس مع فاخر لأول مرة ( أسرعتُ إلى الحمام و أستحممتُ و ظننتُ أنني أزلت قذارة روحي و ليس قذارة جسدي .)
و بعد موافقتها على منح ” شرهان ” السائق الخاص لزوجها قبلة على الخد ، بدأت تدرك تسلسل إستسلامها للآخرين ( أصبحت هاتان الشفتان ملكاً مشاعاً على ما يبدو، فمن فاخر إلى نادر إلى سلطان ثم إلى محاسن و الآن إلى شرهان و الحبل على الجرار.) (ص178) أن هذه الموقف منها يعبر بوضح عن الصراع الشديد بين الشهدتين.لهذا أيضا يمكن النظر إليها على أنها شخصية ذات إشكالية.
شخصية محاسن :
للإحاطة التامة بصورة المرأة كأنثى عند الروائي خلوصي في هذه الرواية ،ينبغي علينا أن نقف ملياً عند شسخصية ” محاسن ” ، هي زوجة معارض عراقي هاجر إلى أمريكا هرباً من قسوة النظام السابق ، انها نموذج آخرلأنثى تعاني حرماناً جنسياً بعد أن يجعل تعذيب النظام السابق لزوجها ، بقسوتة و شدته ، أن يفقد رجولته , “أصبحت حالته لا علاج لها على الإطلاق.(ص 196) . و تشكل شخصية ” محاسن ” أمتداداً لشخصية ” كوثر ” في علاقتها مع شهد مع الفارق في ظروف كل منهما . تصف ” شهد ” طبيعة علاقتها بمحاسن (ضمتني إلى صدرها و تكاد تلتصق بي و صارت تقبلني من خدي و عنقي بشهوة ( ص 196 ) و تواصل وصفها لما كان يجري بينهم في شقتها حيث كانت كل واحدة منهما تتعرى و تنام بجوار الأخرى ( ص 199).أن ” محاسن ” كأنثى لم تعد قادرة على تحمل الحرمان الجنسي طويلاً.
نجد أن خلوصي لا يلجا إلى الجنس في كتاباته الروائية من أجل الجنس و الإثارة الرخيصة بل للتعبير عن دوره في حياة الإنسان و تحديد مسارات سلوكه و تأثيره المباشر على علاقته مع الآخرين و خاصة تلك العلاقة التي لا تتصف بالشرعية:علاقة ” فاخر” مع ” شهد” قبل الزواج و علاقة “شهد ” ب (نادر الحلبي )و أخيراً علاقتها مع ” سلطان أبو صماخ ” في أمريكا و في بغداد فيما بعد و لآكثر من مرة . لقد سبق لنا كقراء أن وجدنا هذه النماذج من النسوة في العديد من روايات خلوصي : في(عشاق الشمس ) : زوجة نسيم الكهلاني و ابنتيه:هالة و غادة وفي (أبواب الفردوس ) أم غزوان ، زوجة الحسيبي و علاقتها مع “هشام “و ريم الشهلاوي الزوجة الثانية في بيروت لأبي غزوان “نذير الحسيبي” و مدرسة الكيمياء ( الست منال) و الموظفة في إدارة الجامعة و علاقتهن الجنسية مع غزوان ،) و بعض علامات الخدمة اللاتي يخضعن لتهديد المدير في(تفاحة حواء).و بعض الفتيات المرهقات في ( شرفات الذاكرة ) أن كل هؤلاء النسوة سريعات الأستسلام لرغباتهن الكامنة في دواخلهن و لا تقوى الواحدة منهن لا مقاومة هذه الرغبة إذا ما تستفحلت في داخلها .
أجد من نافلة القول أن نشيرإلى العلاقة السوية، المشرعنة بالزواج ، عند نساء أخريات في الرواية مثل ” خديجة ” التي أجبروا زوجها على الأنفصال عنها ثم تزويجها كرهاً ل “فاخر” و التي لم تسمح له بالأقتراب منها ، و شخصية ” فاطمة زوجة ” ماجد ” شقيق” شهد ” في بيروت وكذلك شخصية أم شهد وكذلك شخصية أم ” سعيد ” في رواية (شرفات الذاكرة )
الشخصية الذكورية:
ثمة نوعان من الشخصية الذكورية في هذه الرواية: النوع الأول رجال ذوو ضمائر منقوعة في المياه الآسنة و المتهتكة تتمثل عادة برجال النظام السياسي عامة و رجال الأمن خاصة .أما النوع الثاني فرجال ذوو مبادئ وطنية مخلصة و قيم إنسانية صادقة وآمنوا بقدسية الوطن و تمسكوا به و دخلوا المعتقلات و السجون ولم يساوموا عليه فتشردوا في المنافي .
يعد “فاخر” في هذه الرواية نموذجاً للرجال من النوع الأول ، الذين يتسترون بالدين و يتمسحون بمظهريته و قد سبق للروائي و أن قدم هذا النموذج في رواية ( ابواب الفردوس ) شخصية رمضان اخ أم غزوان و كذلك شخصية مدير دائرة سلافة في رواية ( تفاحة حواء ) .
يتمتع ” فاخر” باستعداد عال للتنازل عن قيمه الأخلاقية للحصول على مكاسب مادية و قد أستحال مع الأيام من رجل متدين إلى رجل بلا قيم و هو يقود زوجته” شهد ” إلى مذبح شهوات صديقه سلطان أبو صماخ ( ص 100 ) منذ بدايات الرواية يقدم الروائي”فاخر” رجلاً سيء السلوك و غير أخلاقي حسب الشرع و العرف كما تظهر علاقته الجنسية مع “شهد “ثم مع أخته “كوثر” حين كان يزورها في غرفتها أثناء غزواته الليلية حيث يقومان بحمقات بالخفاء (ص115 ) و يعيد هذا النموذج إلى الأذهان شخصية ” غزوان ” في رواية ” أبواب الفردوس ” و علاقته مع أخته ” نسرين ” و سلوكه معها .
يعد رجال الحكم من أمثال “سلطان ابو صماخ ” و بطانته و ” فاخر ” وبطانته ثلة من رجال ذوي ضمائر ميتة يسعون أولاً إلى الحصول على منافع شخصية من خلال توليهم المناصب التي تعود عليهم بعمولات و صفقات مالية كبيرة . و أجدها إلتفاتة ذكية و موفقة من الروائي حين يشير إلى شيوخ العشائر و تملقهم لرجال الحكم بالهدايا تقرباً لكل صاحب مركز وظيفي مهم .(ص 165 ) و من نافلة القول أن نذكر شخصية رجل الأمن” نسيم الكهلاني ” في رواية ” عشاق الشمس ” الذي هو نموذج بشع لشخصية رجل الأمن بما يتصف به من قسوة و تهتك قيمي و دناءة و إبتذال شخصي .
أما النوع الثاني من الشخصية الذكورية في الرواية فيتمثل بالرجال ذوي النزعة الوطنية ، و لا يغفل الروائي بما يمتلك من حس وطني مرهف أن يقدم لنا شخصياته ذات الإنتماء الوطني المخلص و الصادق والملتزمة في مواقفها الأخلاقية إزاء ما يجري من أحداث بعد الأحتلال . أن غالبية هذه الشخصيات من ذوي ميول يسارية مترفعة عن الرذائل التي يمارسها رجال النظام الجديد، لذا أنها تشكل المعادل الموضوعي أخلاقياً و سياسياً لرجال النظام. لقد سبق لنا التعامل مع هذه النماذج في روايا ت أخرى للروائي خلوصي : شخصية ” عبد المولى في (شرفات الذاكرة ) و عباس الحلاوي و الصحفي ” عبد الوهاب محمود” في (تفاحة حواء ) و شخصية ” منير الحسيبي ، المعام المتقاعد في ( ابواب الفردوس ) والآن شخصية المدرس المتقاعد ” عبد الله مصطفى ، والد ” شهد ” و اولاده الذين رفضوا أية علاقة مع “فاخر” زوج اختهم .
يتعامل السيد خلوصي في كتابته للرواية بحرفية عالية لما يتمتع به من خبرة طويلة في كتابة الرواية منذ فترة ليست حديثة ، فأن التراكم الفني و المعرفي لديه يجعلنا في غنى عن التأكيد على أستخدامه الأساليب الفنية و ألتطرق لها هنا .أن كتابة أعترافات ” شهد” هي طواف في الفضاء الداخلي لشخصيتها وتبدو على أنها جزء مهم من النسيج الروائي للحكاية . يعبر الأمساك بوحدة موضوعها و تسلسلها الزمني عن القدرة العالية للروائي ، أنه يجعل القارئ يتابع تلك الأحداث بشغف من دون أن يحس بالقطع أو الأنفصال عن السياق العام للرواية . على الرغم من تعدد الأصوات في الرواية بقي صوت “شهد “، الشخصية المركزية ، الصوت المتسيد للسارد العليم والعارف بأدق تفاصيل الشخصيات الأخرى و الأحداث. أنها مقدرة فنية كبيرة في سبر غور شخصياته و التجوال بحرية في عقولها كما في مشاعرها للوصول إلى أدق تفاصيل مواقفها و رؤاها.غير أنه في الوقت نفسه ينأى بالقارئ بعيداً عن الحذلقة اللفظية التي تجعله في متاهة تحول دون تركيزه على الفكرة الرئيسة التي يسعى خلوصي إلى التعامل معها بكل جدية كهدف محدد. غير أني أجد ثمة عجالة في تناول موت طفلة شهد ” هبة السماء ” و كذلك قضية سفرها إلى بيروت حيث تم وصفهما بإقتضاب ، في أسطر قليلة.
جاءت نهاية الرواية منسجة منطقياً مع وعي “شهد ” و أدراكها اللذين كانا في تطور متميز طوال مسار الرواية وااللذان كانا يظهران لنا من خلال نوبات الندم التي تنتابها بين الحين و الآخر. أن قرارها الأخير بتركها لزوجها وعالمه و للعودة إلى أهلها و عالمهم كان عن قناعة تامة و تصميم و مضت في تنفيذه من دون تردد، لقد كان بحق بمثابة محاولة ترميم لما تخرب من علاقة مع أهلها: أخوانها الذين رفضوا زواجها من فاخر و يُعد رفضهم هذا رفضاً للأنتماء إلى قيمه و مبادئه ، وأن تركها لزوجها و طلاقها منه محاولة إسقاط لقيمه و عالمه الملوث و صحوة منها ،و تمثل عودتها ، و لو بعد تهتك، إلى أهلها عودة إلي الصواب وإلى عالم القيم و المبادئ الوطنية التي تتمثل للقارئ بإيمان أبيها و أخوانها بها و كذلك قرارها الإتصال بنادر الذي أجده الآن قد أصبح بديلاً لفاخر لما له من ميول وآراء ويسارية . بخلاف ميول فاخر و آرائه .و أجد نهاية الرواية تعبيراً عن التراصف مع المبادئ الوطنية و القيم الأخلاقية النبيلة و الإنسانية و تعزيزأ لها كما أنها في الوقت ذاته تعبير عن تلك النزعة التصالحية التي تتسم بها روايات السيد خلوصي تقريباً: ” ابواب الفردوس” و” شرفات الذاكرة ” و ” تفاحة حواء ”
. ثمة خروج عن المكان الواحد في الرواية حيث تجري أحداثها في أماكن متباعدة و مختلفة.في بغداد بمناطقها المعروفة : المنطقة الخضراء والكرادة الشرقية و الجادرية . في أسطنبول و مرافقها السياحية المشهورة ، ثم في دمشق و مناطقها المعروفة و بيروت و أخيراً في أمريكا.على الرغم من هذا التجوال بقي النسيج العضوي للأحداث متماسكاً ومنسقأ و هذا ما يمنح الرواية حيوية أكثر و واقعية أكثر صدقاً. و كما أنه يمكن أن يعد إشارة واضحة لحقيقة الهجرة القسرية للعراقيين و حياتهم في الشتات .
لا أجدني مغالياً في إعتقادي كقارئ متتبع لأعمال الروائي و خاصة الروائية منها ، أن اقول أن خلوصي روائي واقعي الرؤية لا يكتنف الغموض نتاجاته التي تنضوي تحت الواقعية من دون أن تعتمد الوعظ الإيديولوجي المباشر و تشكل منجزاته الآن منهجاً ثقافياً وفنياً و سياسياً ذا نزوع وطني، فنجده ساعياً للكشف عن إنحطاط رجال السلطة و رجال الأمن و بعض رجال الدين المتمظهرين بالدين ، الذين يمثلون بسلوكياتهم الملتوية ودناءتهم وإغتصابهم للناس و إضطهادهم و إستباحتهم المال العام. أن كل رواية عند خلوصي هي بمثابة موقف أحتجاج ضد منظومة قيم شوهاء لرجال شاءت الأقدار ،للأسف الشديد ، ان تعتلي ناصية الحكم في العراق .
حمد علي حسين : وقفة عند منصة ” أعترافات زوجة رجل مهم “
تعليقات الفيسبوك