يوم دخول الدبابات ، بلادي نبتَ الريشُ على جسدي
يشاطرنا الشاعر ” مطرود ” في ما يعتلج في صدورنا من هواجس وإرهاصات قلقة ، وفي قلوبنا المتعبة ، وهو يشاركنا محنتنا بكل تفاصيلها ، وهو يحمل الثقل الأكبر ، من معاناتنا التي لا تنتهي ، عبر الجملة الشعرية من خلال ديوانه ” لاشيء هناك ” الصادر عن دار ضفاف ، وهو من القطع المتوسط ، ويقع الكتاب في 83 صفحة باللغة العربية ، اما الشق الثاني للكتاب فقد كتبه باللغة البلجيكية
” الوطنُ ذاكرة ، الذاكرة كينونة ، الكينونة وجود ، الوجود جمال ، الجمال رب ً ، الرب حكمة الحكمة غراب ، الغراب شاهد ، الشاهد حقيقة ، الحقيقة ذكور وأناث ، ” ص 21
في معرض حديثه عن الديوان يقول عنه الكاتب ” علي المسعود “ المقيم في الولايات المتحدة الامريكية ، الشاعر ” ماجد مطرود ” المهموم بالوطن ، والمدجج بذاكرة عن أزقة تذكر خطاه ، أو جدار زنزانة خط عليها يومياته لذالك الوطن ، الوطن . وهو بذلك إختار ثيمته المركزية
” أخشى أن يعلن َ وطني أننا علامات للخراب ، ضائعون ، قلقون ، مرتبكون ” ص29
تبين من هذه المفردة الشعرية ، أو لنقل من هذه الأبيات ، حركة الخيال التي يختنزها ” المطرود ” وطبيعة صورته الشعرية المرافقة له ، والمتماشية معه ، من خلال معظم قصائده المعبرة ، إنها حركة انتقالية من حالة إلى حالة أخرى ، فبعد أن يلعن الخراب ، يظهر العلاقة بين السبب والمسبب ، يظل هو ” الشاعر ” متمسكاً بالوطن ، وهو نموذجاً ثائراً يرمز إلى التصدي للخونة ، ويضع نفسه في دائرة القلق ، والتشاؤم ، الذي يلتف على عقولنا ، حتى نتدارك نحن ما يحطينا من مآسٍ ، فيظل هو الباحث والمعبر عن صوتنا محاولاً الإرتقاء بنا ، بين الموت والحياة ، والثورة والفعالية في مقاطع القصيدة ، أو المقطع الأول وحتى المقطع الثاني ، فإنه في هذا المقطع يجنح إلى الوقوف ضد هذه الزمر الفاسدة التي تتصدى للمشهد السياسي . عبر محاكاة شعرية مختزلة ومكثفة وذات دلالات معمقة تعزز المعنى وتعري سلوكهم ، فالشاعر من خلال دفق جملته الشعرية يعكس لنا مدى إحساسه بمأساة وطنه على الرغم من بعده الجغرافي .
” ذلك الذي أصابني بدوار ، بدأت أخاف أعضائي ، مرعوباً من شبيه يطابقني ، أخشى أن تصلني تلك الرسالة المعودة ، أخشى أن تكرهني أمي ” ص28
ويبدو أن صورة النظام الليلي الذي يحيط ُ بشاعرنا المغترب تبدو جلية وواضحة لدى القارىء المتمعن لقصائد هذا الديوان ” لاشيء هناك ” وهي قراءة تفاعل كل عناصر الحالات الداخلية وهي النفسية والمعنوية والتي لا تكف عن مداعبة خياله ، ومن خلالها يتم تحفيزها على خلق صوره الإبداعية ذات الأطياف الميتافيزيقية والواقعية في آن واحد .
” لماذا كل ً اشعاري لم تسمُ نشيداً وطنياً ؟ لماذا كتابي َ المائيً لم يكتشف لي سرً الماءِ وما خلف َ الماء ؟ لماذا لم يمنحًني سيفاً يروادُ قامتي ويدفع َعني شرً الامم ؟ ولماذا لم يعرني زورقاً يغازل ُ موجةً تعيدني إلى حيثُ بدأت ” ص17
هذا الدرويش ” المطرودي ” يفاجئنا بتعدد الدلالات ، التي يرمز لها في قصائده التي تحمل شفرات عديدة لهذا الخواء الذي نعيشه ، وهذا ليس أمراً يسيرأ كي نتقصى هذه الأبعاد ، وهذه الابعاد الدلالية للمطر ، للماء ، الأمل ، ويمكن القبض عليها من خلال السمات التي أرادها الشاعر كي يحدق بعيداً ، وهو يظهر الدور الكبير لهذه المفردات والتي تتصل اتصالاً مباشرا بحياتنا نحن .
” خالية الأمل والمطر ، يحاصرٌها الجًفاف وتلعنُها اللعنات ، لذا أرى لساني طويلاً متدلياً مثل ذيل الحمار ، يقول : للموت ، للجسد المشتت ، للروح الصاعد نحو السماء أطوار ” ص16
فتعرية الواقع الذي إشتغل عليه الشاعر ” مطرود ” وكشف عيوبه لا يعني نكوصاً بقدر ما يعني استنهاض العزائم ، وتقوية المعنويات التي أراد منها تحريك ما يصبو إليه ، وشحذ الهمم ، التي ستصب بمواجهة هذا الفساد المستشري في وطنه ، ولهذا جاءت نصوصه الشعرية ، بوصفها نصوصاً منطوية على الكثير من المحاكاة حتى أصبحت طاقة رمزية بإعتقادي ، وكما يقال بأن الفكر البشري ميال بطبعه إلى تشكيل الأنساق في كل ً معطى إبداعي ، وتبين أيضاً أن لا نسق ثابت لكل الأنساق ، بل إنها تتباين بحسب طبيعة العمل ، فتكسر تراتبية الأحداث ورتابة حركة العناصر خاصة في الأعمال الشعرية ، وهذا يدخل في النسق المكاني ، فالشاعر ” مطرود ” مغمورة ذاكرته بالحروب ” وانعقاد الوصل بين الموت والحياة . وبعد أن جرّب أشكالا ً وصياغات فنية لقصيدته ، فتح الشاعر نافذة صوفية بوصفها ملاذا ً روحيا ً عبر من خلاله عن أمنياته التي يريد فطوع ثمة أبيات بطريقة الدعاء والمناجاة
” اللهم إلعن الملثمين الحاقدين والطائفيين الصاغرين ، وارحمنا من كل شر أثيم إنك العلي القدير ، إللهم إلعن السياسين السارقين والمتأمرين المارقين ، وافضحهم وارحمنا منهم يا قوي يا رحيم ص81
بقي أن نذكر أنه سبق للشاعر أن أصدر العديد من المجاميع الشعرية نذكر منها ، نافخ الناي عن أدب وفن عام 2006 ، الطوفان في نوحه الاخير ، صدرت عن دار بدايات دمشق ، سوريا 2008 ، إلهُ قديم ، مشترك مع شعراء مغاربة عن زهرة الصبار مدينة الكتاب بلدية انتوبرين 2010 ، آنخيبورت تالبنت باللغة الهولندية مشترك مع 16 شاعر وقاص عالمي عن دي بييفكيك بروكسل ، يعكف حاليا على تأليف كتابه الجديد القصة الحرة يزاوج فيها بين القصة القصيرة وقصيدة النثر .
قاسم ماضي – ديترويت
الف تحية محبة للمسرحي العراقي قاسم ماضي وهو يحمل الم العراق في قلبه وبين ضلوعه وهو مغتربا في الولايات المتحدة الامريكية ومع هذا فلم ينس العراق وموروث ولا منجز مبدعيه بكافة اشكالهم وجغرافيتهم ومتابعته الواسعة لهم راجيا له التوفيق والابداع الدائم كما اتقدم بوافر الشكر والمحبة للناقد العراقي على هذا الاهتمام المتميز الذي يمنحنا اياه رئيس تحريرها الناقد الدكتور حسين سرمك محبة وتقدير لجميع من شارك في اتمام هذا العطاء