سامر الياس سعيد : أنور عبد العزيز .. الشيخ الذي أصبح ربانا لسفينة القصة القصيرة (ملف/1)

samer eliasربما سوف لاافصح عن سر حيما اقول انني لم اكن متهيئا لان اسمع بخبر رحيل القاص انور عبد العزيز في مدينة الموصل بينما اعيش فترة نفيي عن المدينة قسرا بينما تواردت في مخيلتي سيناريوهات تتعلق فيما لو كنت قد بقيت في المدينة لاسمع هذا الخبر وكيف ساتعامل معه خصوصا وانني كنت من المحظوظين الذين تحملهم قائمة عبد العزيز وتزودهم بذلك المظروف الجميل الذي يعبر عن تقنية ابداعية يمتلكها عبد العزيز ويعبر عنها بذائقة فريدة حينما يسعى من خلال مظروفه في ان يوصل مادة مرت امام احد الادباء دون ان يحظى بمتابعتها او ييسر كتاب ويوفره بمتناول صديق دون ان يتحدث عن عناء ذلك العمل رغم ان عبد العزيز نفسه يعاني من الكثير من الامراض وهو يحمل على عاتقه ثقل اعوامه السبعين لاسيما سجنه الافتراضي الذي افقده حاسة السمع فكانت الورقة والقلم سبيلا في اكثر لقاءاتنا من اجل التحاور ومن احدى السيناريوهات التي انتجتها مخيلتي في التعامل مع خبر رحيل القاص انور عبد العزيز ان منطقة الدواسة وهي مركز لقاءاتنا خصوصا وانها ضمت مكتبتين طالما كانت المقر الخاص بالقاص عبد العزيز وفيهما كان يقضي اغلب اوقاته الصباحية او يحتسي الشاي في مقهى بالقرب من تلك المكتبات وفي اكثر الاوقات كان يدعوني لمشاركته تلك الجلسة فيما كانت افكاري تدفعني لان اقوم بمحاورته او اعداد تحقيقات خاصة بالشان الثقافي حينما يكون محورها الاساسي خبرة القاص عبد العزيز وتجاربه الابداعية واذكر من تلك التحقيقات التي حظيت باعجابه وكيف تعامل معها بفرح عجيب انني اعدت قبل سنوات تحقيقا تمحور حول جاذبية العنوان وعلى امكانيته في جذب القاري من اجل الغوص في متون الكتب ..

وفي الفاتح من حزيران حينما كنت اتصفح شبكة التواصل الاجتماعي قرات خبر رحيل القاص انور عبد العزيز فادركت انني اقترفت خطا فادحا حينما غادرت مدينتي دون ان احمل تذكارا كنت قد احتفظت بالعشرات منه من تذكارات هذا الرجل النبيل الذي كان يضع في تلك الرسائل افكاره وارائه ازاء ما يستجد على الساحة الثقافية في مدينة الموصل حتى وجدته امينا على اللغة حينما كان يصوب ويبين الكثير من الاخطاء التي كانت تبرز في كتابات ومقالات الزملاء وفي وقتها وجدت نفسي فقيرا لانني فرطت بهذه الرسائل التي كنت قد عقدت العزم في ان استثمرها لتخليد ذكرى الراحل وابرزها نظرا لمتانة اسلوبها ورغبة كاتبها في ان يقدم شي لمدينته رغم ما كان يشعر به من اسى وحزن على ماحل في المدينة خصوصا حينما التقيته في اخر لقاء واعتقد ان تاريخه كان يشير الى مطلع تموز من العام الماضي وكانت الخيبة تترجم ملامحه وهو يرى حال مدينته وهي تلفظ انفاسها الاخيرة بعد ان اوصدت المكتبات ابوابها ولم يعد لنافذة الثقافة من ان تقدم ما يعين قرائها ومتابعيها ..رحل انور عبد العزيز عاشق (الزمان ) الذي طالما انتظر ورودها من العاصمة (بغداد ) ليطالع من خلالها نتاجات زملائه واصدقائه وكانت الف يائها ميدانه الذي كان ينشر فيه قصصه او عالمه الذي كان متمسكا به دون ان يجد رغبة من ان يتركه لميدان اخر ارحب فلذلك كنت معتادا على ان اتابع الكثير من لقاءاته وفيها يفصح عن تمسكه بعالم القصة القصيرة ففيه يعبر عن ما يعيشه من افكار واجواء سواء تلك التي يستقيها من بيئته او تتيحها تجاربه المعاشة وهكذا استطاع ان ينتج بناءا على تلك البيئة وهذه التجارب العديد من الاصدارات التي قدمها ومن بينها الوجه الضائع ( مطبعة الجمهور ، الموصل 1976) و طائر الجنون ( اتحاد الكتاب العرب ، دمشق 1993) و النهر والذاكرة ( دار الشؤون الثقافية ، بغداد ، 1997) و طائر الماء ( دار الشؤون الثقافية ، بغداد ، 2001) و جدار الغزلان ( دار الشؤون الثقافية ، بغداد ، 2003 و ضوء العشب ( دار الشؤون الثقافية ، بغداد ، 2005)وكل هذه القصص حظيت باراء النقاد ممن لم يهملوا ما جمعته عدسة عبد العزيز المحدبة من شتات الواقع ليجمعه في تلك القصص التي كان اغلبها تعبيرا لواقع حال ما كان يعيشه المهمشون والمهملون في متون الحياة وهاجسها الانساني وقد احسن فرع نينوى لاتحاد الكتاب والادباء في ان يقوم على تكريم هذا الرجل حينما كان من بين مشاريعه الفكرية كتاب نقدي شارك في تحريره العديد من النقاد ممن قدموا ارائهم في الجهد الابداعي لانور عبد العزيز ولعل هذا الكتاب كان من اخر الهدايا التي وردتني من القاص عبد العزيز وقد نشرت في صيف العام الماضي استعراضا عن الكتاب وربما كانت اخر نتــــــاجاتي التي نشرت في جريدة (الزمان )قبل ان تشـــــهد المــــــدينة ما شهـــــدته من اوضاع استثــــنائية ..

الحديث لايتوقف عن انور عبد العزيز لكنني ادرك ان لشوارع المدينة وخصوصا اروقة منطقة الدواسة ومقاهيها ومكتباتها سيكون لها فاصل من الحديث عن هذه الشخصية المميزة التي تغاضت عن نتاجاتها الفضائيات الخاصة بالمدينة واهملت ولو اشارة عن رحيله المتسم بالصمت كما كان يتسم به الراحل في اواخر ايامه لكنه كان نشيطا مواظبا وهو يرفد بنتاجاته وقصصه الكثير من صفحات الصحف واصبح بناءا على هذا الامر معلما بارزا لابل علما من اعلام المدينة فمن منا لايذكره وهو على اعتاب الثمانين متحديا مناخات المدينة بشتائها القاسي وصيفها القائض وظروفها الامنية الغير مستقرة لكي ينتظر وصول صحف بغداد وفيها يتابع الشان الثقافي واتجاهات الثـــــقافة .. وداعا انور عبد العزيز فقد رحلت بعد عام تقريبا من رحيل مدينة كبيرة وفي رحيلك اسى ووجع كبير خصوصا من خلال افتقاد القصة القصيرة لابرز كتابها ممن اسهموا بشكل مهم في تاطير واقعها الانساني وترسيخ الحقيقة التي كانت نكهتها مريرة في اغلب تلك القصص ..

* عن صحيفة الزمان

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| مهند النابلسي : سينما ارتجالية وشهرة مجانية وشخصيات سطحية:وصف دقيق لتحفة ترفو”الليلة الأمريكية”-1973/الفيلم الفائز باوسكار أفضل فيلم أجنبي لعام:1974 .

*يلعب Truffaut نفسه دور مخرج سينمائي يُدعى Ferrand ، الذي يكافح ضد كل الصعاب لمحاولة …

| عبدالمجيب رحمون : كيف نتواصل بالحكي؟ أو الرواية والحياة عن رواية “عقد المانوليا”

لماذا نقرأ؟ وكيف نقرأ؟ هذان السؤالان الإشكاليان اللذان طرحهما الناقد الأمريكي “هارولد بلوم” لم يكن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *