عدم الرضا عما يكون في هذا العالم المترامي الأطراف ،ومن أين ! من شاعر يمتلك روحاً مرهفة ،ولأنه لايجد للحياة معنى أو سعادة ، إلا بالحب والتسامح ، في زمننا هذا المعبأ في أكوام من القاذورات التي تحاول أن تغطي بقع الجمال القليلة ، والتي يمتلكها بعض من المشتغلين في هذا العالم ومنهم الشاعر الكبير ” السماوي ” ، وهو يدرك بإن اللغة بإعتبارها أداة تواصلية بين الناس وفي كل المجالات ، فاعطى العديد من الرسائل للذين يحاولون التلاعب بحياة الناس وتدمير قيمهم ، وفي كل النواحي النفسية ، والفكرية ، والثقافية ، والاجتماعية ، بل حتى السياسية ، التي أوصلت الشاعر إلى حالة الدخول في أجوائه الرومانسية نتيجة الضغوط التي تحيطه ُ ،ويبدو من خلال هذا الديوان المعفم بالرومانسية الشديدة الوطئة على نفسه ،و من خلال لغة شعرية تتميز بخصائص فنية تبدأ بقضية الطبع وتنتهي بقضية الصنعة ، وهنا تجد في هذا الديوان ، تجربته الشعورية هي التي حددت هذه اللغة التي إستخدمها كي يربط المضمون بالشكل كليا وفنيا ، والمتأمل يجد علاقة التفاعل والانفعال في معظم قصائد هذا الديوان ” أطفئيني بنارك ” الصادر عن دار تموز ، وهو يعبرُ عن حزنٍ عميقٍ في داخله ،بل يكاد يقترب من عينيه الطافحتين من خلال قصائد هذه المجموعة ،” عيناي نائمتان ” كذبت ُ صدقي كي أصدق كذبها ” البشيرة ” شمس عمري ” كل هذه القصائد جاءت للتخلص من الأجواء القلقة ،عبر لغة شعرية تمتلك إشعاعا فنيا ً كي تؤكد هذه العلاقة ، وأعني بذلك حالة الثورة التي تمكن منها في شعره ، وهو في حالة إغترابية بعيدة كل البعد عن وطنه الأم ، ببعد المسافات وبقرب روحه من وطنه المشتعل ، والذي يرافقه كظله إينما وطئت قدماه ، فهو يعبر في كثير من قصائده عن واقع ملتبس كالذي نعيش فيه ، من خلال ما ورائية النص وطريقة كتابة قصائده الممتدة أصلاً في هذه الماورائية ” السماوي ” له عدة أدوات محاولاً بذلك إمتلاك جميع اللحظات الشعورية التي تتجه في وجودها الشاعري إتجاها حلزونيا ، وهي بالتالي تتولد عن دوراته طاقات انفعالية حبلى بإمكانات الفاعلية والتأثير ، مما عمل على توسيع إشتغالاته في الحياة الثقافية ، وهي معروفة لدى القاصي والداني هي ” الكلمة ” التي إنشغل بها ، عبر مسيرته الحياتية ، فهو الثائر كي يطفئ النار المشتعلة في قلبه ، وهو أمر استدعى مواجهة من داخله المعذب ، ومع التغير الحاصل في مجتمعه وتلاشي العلاقات ، ظل ” السماوي ” باحثاُ عن الذات وعن الفرادة والتميز، وعدم الإستسلام والخضوع في العلن ، وكذلك التذمر الذي يعاني منه الكثيرون ، وهو في سبيل ذلك تحقيق وعيه الشعري بالحقائق النفسية والعوالم الذاتية ، معتمداً لغته الشعرية التي تملك القدرة على ضبط الشعور واحتواء الإحاسيس ، وتوليد الرؤى والصور التي أخذها من تجاربه الحياتية التي تؤرقه ، وتزرع القلق في عالمه الداخلي ، والقارئ للشعر العربي ، يجد الشعر يدور في أغراض من معاني كالمديح والهجاء الا الشاعر ” السماوي ” بقي مثل شجرة واقفة كما يقال ” تموت الاشجار واقفة ” وأقصد هنا التماشي مع الطبقات السياسية الحاكمة التي حكمت العراق . وأن شعره لا يرضى بأن يعيش في مساحات ضيقة من الشعور ، لأن حقيقته الذاتية أكبر من أن يحتويها الوجود المادي المحدد .
” وعرفت ُ ، أن جميعَ آلهةَ المدينةِ ، والدعاة إلى الصًلاةِ ، سَماسرة ، والقائمين بأمر أرغفة ِ الجياع ، بدار دجلة َ والفرات ِ ، أباطرة ” ص9
ولو رجعنا لقصائد هذا الديوان ” أطفئيني بنارك ” تجد حجم الألم الذي يتعرض إليه الشاعر ” السماوي ” وهو يتذمر لما يجري لبلده من مآسٍ ودم وموت ،ولكن عالجها بالحب ،ووضع دواءه بنفسه للتخلص من الداء الذي يحاصرنا جميعاً ، والذي أدخلنا في نفق الغموض ، وكأنه يُعيد إلينا ما كان يحس به الشعراءُ الرومانسيون ، وهم يشعرون بالاختناق ويرون عالمهم المعاش مظلمُا ، لامعنى له ، ويحسون ان في الحياة تعقيداً هائلاً غير مفهوم ، هذا ما تؤكده الدراسات ان نتاجات المدرسة الرومانسية إنعكست على سلوك بعض الشعراء ، لذا كانت اللغة التي أستخدمها غير عادية فيها الكثير من شحنات الفكر والانفعال التي تحبل بها ، وهي لغة تزخر بالدلالات ، وتمور بالحقائق وتتحرك في اتجاهات مختلفة .
” هاجرت ُ وحدي ، حاملاً بعضي معي ، وتركت ُ بعضي في ملاذك لائذا ً ، خوفاً علّيَ ، من إحتمال اللارجوع ، إلى ظلالكِ ، فالطريق ُ معبُد بالجمر ِ ، ترقبه ُ الضباع ُ ، وما تبقى من سلالةِ أخوة ِ الصديقِ يوسف ، والذئاب ُ الغادرة ،ً ص5
يقول عنه الناقد ” اياد خضير ” فالقصيدة عند ” يحيى السماوي ” بقيت هويتها المرجعية منتمية إلى الجنس الأدبي الذي إنبعثت منه ، فهو شاعر متمسك بتقاليد الشعر ، وروحه وموسيقاه ، وكأنه يجسد قول ” ت – س – اليوت ” الشاعر الكبير هو الذي يذكرك بسابقيه ، فنصوص الشاعر كانت ذات خبرة فاعلة بما يضيء في هيكلها من خطوط سياقية مألوفة لدى القارئ الواعي ،
” أنا يا طاهرة َ الآثام ِ ، شيعتُ شهيدا في حروبٍ العشق ِ ، واستبكى مواويلي نخيلي ، وعصافيري ، وطيني ، وفراتي ”
بقي أن نذكر أن الديوان صدر عن دار تموز للطباعة والنشر ويضم 22 قصيدة ، ويقع في 162 صفحة وهو من القطع المتوسط .
قاسم ماضي – ديترويت