آخر حوار مع الشاعر الشعبي الكبير “جبّار الحمداني”


jabbar alhamdani 5* حاوره “كرّار العامري”

الحوار مع الشاعر جبار سمير الحمداني، ممتع ومثمر، لإنك تحاور شاعرا مثقفا يكتب بالعامية ويعي مفرداته التي لم تنزلق في مخاض الشوائب والمفردات الدخيله، كما فعل غيره من الشعراء منذ ما يقرب من ثلاثة عقود،،
حتى صرنا نشهد اليوم مجاميع من شعراء “الطوائف” يتبارون من على المنبر بإتجاه الصراخ الأكثر صدى. وانطلاقا من الدور الكبير الذي تلعبه الثقافة الوطنية في أي مجتمع يتعرض الى هزات كبيرة، فان تبادل اطراف الحديث ، يأتيك بجرعة من امل تديم وجودها مما تبقى من تلك الروح السبعينية التي لم تنجح مقصلات الإنقلابيين وزنازين القتلة في إبادتها واطفائها الى الأبد، من ذلك الزمن و كلماته و دواخله من تلك الروح..
هو ابا فراس جبار سمير الحمداني الذي حمل نقاوة فرات الطين وطيبة مدينة الحسكه الديوانيه
وانتقل الى مدينة النرجس كركوك هذا بعد ان عاصر واحتك بالكبار الكبار من الشعراء..
(كشاكر السماوي،وعلي الشباني،وكامل العامري،كاظم خبط،زامل سعيد،كامل الناصري)..الخ
من تلك النخبه النادره والتي اجدها انا مجموعه امتازت بترافتها ومواقفها الوطنيه منها والطريفه فيما بينهم كاصدقاء يتقاسمون البسمه والجراح والشاعريه..
التقى في كركوك بشعراء مهمين ك(الراحل الاسمراني الجميل نعيم الخباز،الرائع محسن الدخيلي،
الشفاف كريم الجنديل،علي عبد الحسين،حاتم التكريتي، هشام الحمداني،الخ من شعراء تلك المدينه المتواجدين انذاك في كركوك ..
فالمدينه الان تفتقر الى من يقود شعراءها الشباب لان اغلب من ذكرتهم قد غادروها لاسباب مختلفه..الحديث يطول وقائمة انجازات ونتاج هذا الكبير كثيره..

الراحل خلال حفل تكريمه في  مدينة الناصرية
الراحل خلال حفل تكريمه في مدينة الناصرية

ومن جملة مايراه الحمداني ان محاولات المجموعة المجددة في العامية العراقية بعد مظفر النواب، وهم شاكر السماوي وكامل العامري وعلي الشباني وابوسرحان ……..
اعطت دفعة كبيرة لحركة وتطور الشعر الشعبي العراقي، مشيرا الى إن أصوات الإيقاع الصارخ للحرب والمدافع والطائرات والقتل وصراخ المعذبين من داخل السجون، كان لابد له أن يقابله إيقاع صارخ في الشعر لتضيع الحقيقة، ووفقا لإعتقاده فإن لحظة التلقي (تلقي النص الشعري) فيها اشراق قادم من مساحات روحية عميقة، وينظر الى ما نشهده اليوم من طغيان للامية والمدرسية و استعادة وتكرار أشكال الكتابة القديمة وما يرافقها من زعيق بإنه أحد نتائج المرحلة السابقه،التي رسخت قيمها الثقافية المتخلفة المرحلة الحالية.
ونوه الى طريقة تفكير بعض الشعراء العاميين التي تبعث على السخرية، مبينا ان “اللغة الفصحى هي الشمس والقمر والنجوم التي نحن لها ساجدون”، كما يعتقد إن احد اوجه المأساة العراقية تكمن في تعرض فرصة حوار الأجيال الشعرية الى القطيعة والتشوه أيضا، وربط اخيرا بين وطنية الحاكم ووضعه مشروع الثقافة في جوهر موقفه من الحياة.
“الحية التي تبدل جلدها”jabar alhamdani 2
* إشتغال المجموعة المجددة في القصيدة العامية،هل جاء لمجرد هجرة أساليب خطابية قديمة أم إنه إنطلق من عقيدة إبداعية؟
ـ برأيي إن المبدع الحقيقي المسكون بفكرة البحث الدائم والذي يشتغل على موضوعة التجديد في العمل الإبداعي لا يستعير أساليب قديمة مهما كانت جدتها في أوان خلقها،بل يجب أن تكون لديه مسافة للمعاينة تمنحه القدرة على النقد لكل ما أنجز سابقا،فالمبدع ينبغي أن يتوفر على وعي دقيق وشامل لماهية وشروط العمل الإبداعي وعلاقته بالعصر وبالمتغيرات الحاصلة،والشاعر أكثر الكائنات تغيرا….. إنه كالحية التي تبدل جلدها كي تبقى على قيد الحياة،ومنه ينبغي أن ننظر إلى الشعر وأساليبه وطرق تعبيره ورؤاه التي أسميتها عقيدة إبداعية للاستفادة من الجماليات والفتوحات العالية الرحبة في المنجز السابق مع التخلص من هيمنته عليك مهما كانت درجة إبداعيته،والمجموعة المجددة في العامية العراقية بعد مظفر النواب،متجاوزا التكلم هنا عن زمن وإبداع الحاج زاير أو فدعة،هي المجموعة التي شكلت محاولاتها قفزة رائعة في هذا المجال،وهي جيل من المثقفين أعطى دفعة كبيرة لحركة وتطور الشعر الشعبي العراقي،أذكر على سبيل المثال لا الحصر،كامل العامري، طارق ياسين،علي الشباني،ابوسرحان، كاظم الركابي،حامد العبيدي،عزيز السماوي،شاكر السماوي،كريم حمد،جيل وسّع من أفق العبارة العامية وجعلها تنفتح على مشكلات إنسان المدينة،وقلقه وأزمات عصره المتجددة،هكذا تأتى للعامية العراقية أن تشتغل في مساحة جديدة غير مأهولة سابقا،بعد ذلك جاء جيل السبعينيات ومنه رحيم الغالبي،كاظم غيلان،غازي ثجيل،كاظم الركابي،كريم العماري،جبار الغزي،كاظم اسماعيل ،عريان السيد خلف الخ فالقائمة تطول..وأسماء أخرى كثيرة،أما جيل الثمانينات والتسعينيات،فأن له أشياء جميلة كثيرة تشير إلى المستقبل وتوعد به،رغم إن حضور القديم واضح لديه (خطاب المدح والذم والفخر)،والذي يفترض أن تتجاوزه القصيدة منذ عقود،ومع صحة وجود هذا الثقل وهذه الكثافة غير الإبداعية في قصائد هذين الجيلين،إلاأن هناك أصوات جديدة جميلة،منها ،ناظم الحاشي ،صباح الهلالي،علي الربيعي،،جليل صبيح، حسام السبعاوي،سمير صبيح،جبار رشيد،وبالتاكيد صوتك ياكرار لاني اعتبرتك خليفة لاستاذ الشعر وماستر الادب العامري العظيم،،..
ايها الشبل الذي انجبه الاسد رحمه الله كامل العامري واسكنه فسيح جناته،،
وعموما فأن إختلاف هذه الأجيال الشعرية يؤكد إن الأساليب الأبداعية لا تستعار وإنما على المبدع الإصغاء لحركة عصره المتغيرة على الدوام.

* النجومية التي يكتسبها الشاعر الفصيح تفوق إن إتفقت معنا مايحصل عليه الشاعر الشعبي،هلا وجدت في ذلك علاقة بطبيعة القصيدة الفصحى من حيث الرؤية الأعمق واللغة الصافية ومجالات التحديث التي طرأت على شكلها؟
– الشاعر الحقيقي بالأساس لايفكر بالنجومية،قد يفكر بخسارة هائلة تعصف بحياته مقابل أن يكسب عالمه الداخلي ونفسه،فالشاعر معني بالبعيد والمستقبل برغم إنه ابن اللحظة التي يعيشها،فلايمكن أن يصبح شاعرا إن لم ينتمِ لعذابات وألام وأعراس وعشق زمنه والوطن الذي يعيش فيه،ويجب أن تفوح منه رائحة رغيف الخبز والخضرة والظل والطريق والتراب،ومتى ما حمل هذه الأشياء في داخله بصدق،سينتمي إلى فكرة تلوح في الأفق وتشير إلى المستقبل الذي يليق بناسه.اللغة الفصحى أمنا،والقصيدة المنبثقة عنها هي الحاضنة الأعظم لفكرنا ورؤانا ومن دونها نكون في ضياع،فاللغة لا تعني فقط إيصال أفكار،إنها فضاء للخلق والإبداع والثورة المتواصلة وطريقة حياة تساهم أنت في خلقها،فتعود لتخلقك مرة أخرى،حتى تتكون هنا حالة جدل لاتنقطع،الخالق يتحول الى مخلوق والأخير يتحول الى خالق،بعض الشعراء يفكر بطريقة تبعث على السخرية،فما دام شاعرا يكتب بالعامية وتصفق له الناس،فهو أفضل من أقرانه الذين يكتبون بالفصيح. نحن تربينا وتعلمنا ونشأنا في سماء الفصحى وما كتب بها من فكر وفلسفة وأداب وعلوم،وعلى الشاعر العامي أن يعي ذلك بأن ما أنتج بالفصحى على مر العصور،يمثل المجال الكبير الذي يمكن ان يطور من خلاله نفسه وأدواته،واللغة الفصحى أخيرا هي الشمس والقمر والنجوم التي نحن لها ساجدون.
“التعلم من الشعراء الشباب”
* إذا أردنا تقييم الأجيال الشعرية العراقية في كتابة القصيدة العامية،أيهم تعتبره الأبرز بينها (الستيني،السبعيني أم الثمانيني أو التسعيني) والذي قدم الكثير ضمن حركة هذا الشعر؟
– إن الحقب لاتمنح جيلا بعينه ميزة،فقد يظهر شاعر عظيم في 2010 يخترق زمن الكتابة أفقيا وعموديا ذاهبا إلى جميع الأبعاد،وواجبنا نحن الإصغاء له والاستماع لما يقول،أنا مقتنع بصورة كاملة إن هناك شباب رائعون،يجب أن نتعلم منهم لإثراء تجربتنا ورؤيتنا،في تأريخ الإبداعية الإنسانية هناك منجز وتراكم ومناخ تتحاور فيه الأجيال،ليتحول الكم الثقافي الى كيف معرفي خلاق.إن مأساة العراق الذي خرج من غبار ودماء و إلى موت وغبار الاحتلال البغيض تتجسد في بعض وجوهها بأن فرصة حوار الأجيال هذه تعرضت للقطيعة والتشوه،فالعراق الذي أطل على العالم برؤيا مدهشة في ملحمة ككامش:”هوالذي رأى كل شيء،فغني بذكره يابلادي “،الأن يطل على العالم بالتخلف والطائفية والقتل والإرهاب، والطائفية لاتخلق إلا هذا الوضع سيما في ظل محيط عربي طائفي ووعي متخلف وإستحكام الغرب بكل الوضع العربي،شخصيا لا أفضل جيلا على أخر،كل الأجيال فيها مبدعون،لكن جيل نهاية الستينبات كان يميزه انتماؤه إلى المستقبل في الخطاب الشعري،ولا أظن إن هناك جيلا لم يقدم شيئا لتأريخ الشعر الشعبي العراقي،غير إن الجيل الذي ظلم،هو السبعيني بسبب الفاشية التي منعت الشعر الشعبي مبكرا والأجيال التي تلته ظلمت أيضا، لأنها لم تعش في عالم الحرية الذي يبرز الموهبة الحقيقية،وعظيم جدا أن تجد أصوات استطاعت المقاومة والاستمرار بكتابة نصوص جميلة..
فنحن يااحبتي كما قال ابا فراس……….
بين حدين يتراقص بينهما الليل والنهار..علينا ان نختار،،بكل مايتطلب الاختيار من حقيقه..علينا ان نرتفع بشرف الكلمه وشبابها وشجاعتها،،انني لا اقول بان ماقراته للكبير ابافراس والشباب المتجدد الان ناضجا ولكني اشعر بانه ساهم في ترجمة الصمت الذي يحيط ببقعة الدم المتجمده على وجوه العالم ومع هذا الشعور ينطلق حنينه وكلماته وشفافيته الى الحب والنور والانسان..

* عن موقع الشاعر كرار العامري

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| هايل علي المذابي : حوار مع الفنان والناقد المسرحي العراقي د. محمد سيف .

“أي أمل هذا الذي لا زلنا محكومين به أيها السيد المبجل” الفنان والناقد المسرحي العراقي …

| حوار تربوي يجيب عليه المشرف التربوي فراس حج محمد .

فريق منهجيات: وصلني عبر البريد الإلكتروني، هذه الأسئلة من موقع مجلة منهجيات التربوية (بدر عثمان، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *