إشارة :
احتفاء بتراث الفيلسوف العراقي الراحل الدكتور “مدني صالح” ، وبمساهماته الفذّة في الثقافة العراقية والعربية ، تبدأ اسرة موقع الناقد العراقي بنشر هذا الملف الخاص عنه ، والذي تدعو الأخوة الكتّاب الأحبّة إلى المساهمة فيه . وسيكون الملف مفتوحاً من الناحية الزمنية على عادة أسرة الموقع حيث لا يتحدّد الإحتفاء بالفكر بمساحة زمنية معينة .
المقالة :
في قدم من التاريخ البشري , كانت الفلسفة من العناوين المهمة في الفن البشري ومن العلوم السامية الدالة الى القدرات الانسانية نحو الكمال ، ولها مكانة مرموقة في الذهن البشري وبالتالي فانها من مثريات الصراع الانساني والبشري عبر التاريخ و لتحتل رغم هذا الصراع القلب الادمي والمجتمع في حركته العلمية عموما ، لتكون دليلا مهما عن احداث ورؤى علمية عبر التاريخ ، في اطر ادراك وتحليل الرواية وحركة الحياة الادمية وارتباطاتها الطبيعية ، وتحريك العقل البشري في تقرير الاحكام في كل الجوانب الثقافية المعاشة انتهاء بالحركة العلمية المعروفة ، مما يفسر بشكل أبسط دلائل واسباب انتقال الارث الثقافي عبر العصور والعقائدي وادراك علل وجود الرسالات السماوية ،الى جانب الأمكانية من بناء جدار فكري واقي صامد لحفظ خصوصية انسانية الانسان والقدرة على المواجهات الفكرية في اطرها الثقافية ومنها الأنحرافات السياسية والاخلاقية.
ومن سلسلة العقد الفلسفي هذا بزغ مدني صالح ما بين ولادة الحياة وحقيقة صراع المعرفة والظلم ، ليبدع في منهج السخرية مسلكا فلسفيا يبرء الخير من سكرات الشر المدمرة ويدافع عن الانسان من كونه مخلوق بريء سامي وليس سلعة مزورة ما بين متع الحياة ، ولايمكن ادراك هذه الحقيقة الا بمعايشة الواقع في سفر يطول المفكر فيه كل مأسي الحياة على ان يتحلى بالشجاعة وهو يصوغها سخرية ، او لغزا محيرا على رغم بساطة الطرح كي لاتعدمه السياسة بجرم الخيانة سابقا او الأرهاب حاليا ، مثلما عاش البهلول الحقيقة جنونا فان مدني صالح عاشها سخرية ،كيما يسهل التوغل في الانسان والحياة مهما كانت العناوين فيهما ، ربما تكون لانسان اخر وفليسوف اخر أن يعيشها تغابيا وهو في قمة وعيه بالواقع .
ومنذ اللحظة الاولى للقاء به وانا في المرحلة الاولى من الجامعة عام 1980 م عندما كنت في كلية العلوم جامعة بغداد لألتقيه في مكتب الاستاذ الاديب عبدالرزاق عبدالواحد عندما استلم مسؤلية المكتبة الوطنية خلفا للسيدالشاعر مسلم الجابري بسبب ايفاده لأكمال دراساته في فرنسا، وكان هناك حوار بينهما بموقف كل منها حول البياتي والسياب ونزار قباني وأخرين الى جانب الحديث بخصوص تحديث المكتبة العظيمة بآليات وتقنيات حديثة ومنها لحفظ الوثائق بالشرائح والصور في جهاز الحاسوب. ومنذ تلك اللحظة ونحن ننتقل الى مخازن المكتبة بدأت علاقتنا رغم انقطاعها بين اونة واخرى، ليسألني:..( ماذا تبغي من البحث في القديم هذا)…
وقد اوضحت له اهتمامي بدولة المشعشعيين والموالي من ناحية الحكم والادب ، وقد اطلعه استاذنا عبد الرزاق عبد الواحد على مسببات هذا الأهتمام قبل النزول للبحث في الوثائق ، ليثيرني في سؤال اخر :..(من اجل احتراف السياسة او من اجل ثقافة السياسة )…
فاجبته: من اجل الثقافة الذاتية ، ولكن لماذا هذا السؤال يا استاذ ؟
فاجابني : …( اِحتراف السياسة فيه مبدأ الفن من اجل الفن وربما استوجب الكذب في التاريخ والمغالطة في الموقف والمجيء بمسببات الدماء وغير ذلك من بذور الشيطان ، امّا ثقافة السياسة ربما تعطي املا بالخلاص من الأطلاع على سلبيات وجرائم الأخرين وبما انك انسان فتشمأز منها لتفتش عن الخلاص لتلمس الانسانية وصحوة الضمير … اما ما قلته حول الثقافة الذاتية فان ذلك ابلغ من ثقافة السياسة نفسها وأي ثقافة أخرى لأنها تجعلك خبيرا أحيانا تنقصك التجربة وتعلمك الحياة الكثير ان كنت مبصرا حساسا )…
وكان قد استقرت بعض الاتربة على سترته الانيقة فحاولت ان انظفها ليعلق على ذلك :..( هل دوما انت تهتم بالناس وتزيل الاتربة عنهم ) …
عندها لم اكن اعرف الرد وما يقصد بالسؤال ولكن حاولت ان اثيره بسؤال : لماذا ترغب بالأسألة معرفة شخصيتي ؟
فابتسم وقال :…( جميل ها انت تستوعب سريعا لتكتشف السؤال بالسؤال وعندها ستعرف ماهو المبتغى منك واني اوصيك على ضؤ ما اطلعت من معرفة بك وعائلتك ان تكون عونا للثقافة ومنها السياسية وليس محترفا لها فانت ابن ناس …)…
وقد شغلتنا الخزائن والوثائق لساعات والأسالة بعد ذلك ، لتتبلور عندي آنذاك في عمري المبكر اِن اصحاب هذا الفن من الفلسفة يجمعون بين الدقة في الفكرة وسلوكية الحركة بما يشبه الأيماءة أو الأشارة على اساس امكانيات علمية ،وذائقة في حس العبارة والتعبير الأني و توحي بانها في حالة اكتشاف دائم للانسان والواقع في اطراف تلك العبارات القصيرة التى تنفذ الى حاسة الانسان عندما تصدر منهم لتعطي انطباعا بان القدر خصهم بمثل هذه الموهبة الألهية مثل :..(ماذا تعني لك هذه الوثيقة ؟)….
لتتبعها قصار الجمل والأسئلة وانا في اجابات متقطعة خجولة احاول ان ابدو طالبا جامعيا ، او انه لهم مهمة الخلاص البشري . ليبدو ان الفلاسفة والنقاد في ادائهم الفلسفي يؤدون اعلى درجات الربح من نتائج تحليلهم ، من اجل ان تكون الفلسفة ثرية بالنظرية والتجربة وايضا ان تتسع حوزة اداءها بامكانياتها وخصوصيتها المرتبطة بمثل هذا الفليسوف المسمى بمدني صالح . ونتيجة لمتابعتي له مثلها مثل أي انسان ارتبط معه حتى وان لم نلتقي لفترات طويلة فاني اتواصل معه بشكل او باخر،تبين لي انه من الرعيل الاول لفلاسفة العراق . وما شدني اكثر واكثر اهتمام الاستاذ على الوردي رحمه الله به لعلاقتي الواسعة باستاذنا الوردي منذ منتصف الثمانينات المفكر العراقي من كونه استاذه ، وتحفيزي لمتابعة الفليسوف مدني صالح .لاشعر بان هذا الرجل خرج بالفلسفة في العراق من اطر مركزيتها الى تعدد عناوينها لكل الاطراف الثقافية ليس على شكل اختصاص بل انه محفز ان يقول ان لكل موضوع فلسفته وعلينا الاهتمام به حتى في اطار الظلم لكي يدرك الناس مسبباته عبر بوابة الفلسفة وايضا العدل كيما يتم ادراك ضرورته لاستقامة البشرية ومعرفة الحق، وهو يلغي اسرار بعض العناوين من النفس البشرية بهذا الخصوص ما بين السعي لاسرارها وما بين ابداء الحاجة لاستقامة البشرية بمكارم الاخلاق للوصول الى نتيجة قرآنية اخذا بطرف منها لكي لايكون بديلا عن عالم مختص بالدين ليقول:..
( يفسد الواقع اذا فسدت رؤؤسه )..
استنتاجا فلسفيا للعبارة المقدسة:..( كما تكونو يولى عليكم ).
وهذا ما وجدته عنده في محاضرة له بمجلس الخاقاني في بغداد بعد ان اهديته استنساخ الكتب الفلسفية للشيخ الخاقاني الكبير رحمه الله المثل الاعلى في الفلسفة وكتاب المثل النورية الفلسفي الى جانب كتاب الاسلام للشيخ الكبير محمد امين زين الدين رحمه الله، فاراد ان يعلق على هذا الرقي الفلسفي الذي لم يطلع عليه وقد حفزه كل من الدكتور على الوردي رحمه الله والدكتور حسين على محفوظ والاخ الصدبق الصحفي سلام الشماع ليفسّخ بالسخرية والعبارة علاقة الظلم بالموت وعلاقة العدل بالمعاناة فيذهب ابعد من ذلك ليمنهج طريقا جديدا للحياة اكثر بهجة ولكن لابد من المأساة كيما تتحقق هذه البهجة وكأنها نبؤة العراق وأهله وهو يفجر الجهل والسياسة بسخرية عظيمة، ما بين فلسفة المعرفة وبين النقد الشعري لمسيرة الأدب القديم الحديث وصراعهما الذي دوما كان العراق ساحته، ليحظى حينا بمؤيدين له وحينا برافضين له ،واليعتبر في كلا الجبهتين هناك نضوج في النقد العربي منطلقا من موقفه انه لايرفض الاخر . وبذلك تعرفنا على كل من عارضه ، ان عارضه بصراحة او حاربه بسرية تامة عبر ضحكة على الوجه كاذبة يوجهها الى مدني صالح ليرتقي بعطاء الله اليه من كيان انساني معبر عن الانسان لهذا العصر على رغم ان هناك من ينخر في عظامه مثله مثل أي انسان يريد ان يعيش الحياة بطريقته دون تعدي على الاخرين ،ولكن كأنه سنة الحضارة والسياسة والجهل عندما تبدا بالتدهور، من سنتها لاتقبل مثل هذه الانسانية فلابد لك من تتعدى على الاخرين وتشتمهم ولاتشجع على الحقيقة والنجاح وربما تسفك الدماء لاجل هذا الفساد الاجتماعي والكوني ، وهذا ما لم يكن يقبله مدني صالح والأوفياء من علماء العراق وامثالهم للانسان والحضارة ومنها الفلسفة فكان مخيفا للمزيفين او لمن حرم الفلسفة في اسؤ مؤامرة على الفكر الانساني وهو يغالط نفسه في تحريمها حيث التحريم هو بحد ذاته فلسفة يشعر اولايشعر بذلك وهذا له علاقة بالجهل والعلم والبحث وايضا المؤامرة. ومثل هذه الطبيعة في النقد والفلسفة يظهر سلوكية ضمن سنة الفكر في صراعات الجدل والحوار والمعارضة . وبما ان الزمن ياخذ هذه الصبغة من التناحر فان هذه السلوكية مستمرة، وان الفلسفة بسبب نماذج عناوينها الكثيرة وخصوصياته ا المختلفة، تظهر بمظهر افضل الفنون الاتصالية ما بين الذهن البشري والطبيعة وحوار الانسان والانسان والحضارات وفهم التاريخ ومسببات الاديان من خلال الايفاء باداء ادوار متعددة في الحياة نحو غاية المعرفة والحكمة التى هي رأس المعرفة للوصول الى الحقيقة ومنها الحقيقة المطلقة. وعلى رغم الأنتشار الواسع الاتصالي لكل من تقنيات الصوتية كالمذياع والتلفزيون والسينما واثار الفنون الاخرى وبالاخص الفن الصوري، فان في جانب من هذا التطور هو انقاص الجانب الروحي وتسييد الجانب المادي لتبدو نوعا من المؤامرة الفكرية في تحليل الامور مثل الأكلات السريعة دون فائدتها الصحية لاعطاء انطباع عن الفلسفة من انها فوضى وكلام من اجل الكلام وخلق شعور من التردد للاجيال حيالها وان الفلسفة نوع من الخيال الكاذب ولغو من الحديث . على رغم ذلك فان الفلسفة ما زالت تدافع عن نفسها من انها من افضل فنون الاتصال الذهنى المعرفي متميزة بالقدرة التى يعطيها لها الانسان نفسه عندما يرغب بالحقيقة ضد الجهل في كل اطر الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعي وكل الثقافة، ولتبحث في الانسان بهذه العناوين وتجعله كائنا متجددا متطورا وتكون الفلسفة وبمفهوم ما تحوي من النقذ الذي هو من مختصاتها التي تبناها مدني صالح ان تهدي البشرية الى ذوق عمومي بشري لأدراك سمو الاشياء والخلقة على الارض وكيفية تجددها وتطورها وعصرنتها دوما . وكان هذا المنهج نوعا تفكيكا ايجابيا للفلسفة المادية وترويض هيجل وماركس عربيا عراقيا دون الخضوع للقوانين الجدلية ، فكان ابرز من بعث التراث الاسلامي وروحه العربية في مستجدات الفكر الغربي بشطريه الاشتراكي والراسمالي كثقافة وليس انتماء في تفسير لمظاهر الحياة البشرية والطبيعية والكونية في كل كتاباته وحواراته . ليظهر مدني صالح بسبب ذلك ما بين الهم والفكرة قلقا في الحياة وعلى الانسان ولكن في لغز محير يعطي اجابة نستنتجها من انه هناك امل ، مع استدراج وتوطين التحدي بعفوية الطبع البشري في الحياة و بخصوصية رؤية الفليسوف والتى هي اقرب الى الحقيقة اذا ما اشبعت بالنقد البناء ، غير مهتم بنظريات العقل النظري والعقل العملي بل كان يدرك انه هناك عقل للانسان اما ان يجعله جاهلا او عاقلا وربما كما يقول: …( يبقى الانسان يسقيها املا منه بانه لايقضى عليه بسبب انه يعرف سرا ما من المعرفة لانه هكذا ذبح الاولياء والانبياء والمصلحين)…
معبرا عن ذلك بصوفية رائعة وان لم يكن صوفيا بعبارة:.. ( ولم يبق في قلب رابعة العدوية موطئ قدم لعشق الجسد) .
محددا بذلك وجهة نظره في ما يتعلق برموز الحياة والسلطة ومغريات المجتمع. وليعطي أي انسان مستوى الاستاذية دون ان يقول له ..انا الاستاذ ..فكان اسلوبا تعليميا متميزا لنشر المعرفة في عالم من التوحش والدماء والجحيم العالمي، غير مهتم بكثرة المستمعين من قلتهم، المهم هناك واحد ربما استفاد ليكون عالما او شاعرا او فليسوفا ، وهو يردف لي قائلا: … (دوما تجد الفلسفة في غير المكان المعنونة باسمها لانها لاتحب العناوين والا ما كانت فلسفة )…
وكان قد وصف الصوفية بوصفه: … (إنهم وضعيون وذرائعيون ووجوديون وماركسيون نقديون شكيون تطوريون ويتصوفون واحداً متحداً في الطواف حول الكعبة كما هم رُكع تحت الصليب وكماهم فوق حاجبي بوذا يصطفون من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين) …
على رغم ما لدينا على هذا الوصف من مأخذ ولكن فيه من جمالية التحدي والتنوير،ذاهبا في انتماءه لتوحيد الصف لكل المفكرين دون صراع املا بمدينة الفارابي وتوحدها بجمهورية افلاطون وبروحية السما لسقراظ وبرهافة الحس لدى ابن رشد موفقا بين المصطلحات بوحدة انسانية ما بين فلسفة الامم ،محاولا ان يعلمها هو بالذات الانسانية بدل الكراهية والتصادم ليصل الى فكرة المحبة والواحد الاحد في واجب الوجود، وكم ابه لمثل هذه الثقافة الاخلاقية لشعبه ووطنه وامته، ليختصر هذا الموقف في عبارته المعروف: …( .. ان الفلسفة صرخة تملأ الزمان لتؤسس ارادة القول ) …
واصفا كل الانبياء فلاسفة دفاعا عن رسالات السماء واعترف بها لانه ادرك انهم يدعون الى الخير، فبمقدار ما يحترم الغيب ويخشى الماورائيات فانه سخر من الخرافات والبدع . لتتمثل شخصيته في مكونات تجربته عبر مراحل حياته بتنوعها ، ليتنوع بين مرحلة واخرى نحو الكمال وليس التشظي والتلاشي لان ذلك خلاف شخصيته عموما والافكار عنده تتحول الى تركيز شديد متجهة نحو المطلق. وكان قد طرح مثل هذه المفاهيم عندما رغب بزيارة السيد حسين اسماعيل الصدر في الكاظمية معجبا بعقله العربي الاسلامي المسالم كما عبر عن ذلك وقد اقمنا له الزيارة مع الدكتور حسين على محفوظ وهو كعادته يستحصل اجوبة اسئلته من خلال فتح هذا الكتاب او ذلك في المكتبة عند السيد الصدر .وهكذا فان مدني صالح من خلال وحدته ادرك وظيفتها الفلسفية وعاش احتراقات البشرية العراقية في ظلمتها مكتشفا الكيان الانساني وجانب من مسببات سجود الكائنات لهذا الانسان فكان هو الوالد والابن لنفسه في ان واحد للوصول الى توحد بين المعلم والتلميذ دون ان تنتهي التلمذة ولا الأستاذية في حياته منذ ان ولد من مجتمع عرفي روتيني في الأنبار بهيت الطبيعة الجميلة وتراتها الغافي في الوادي العريق بظلال غاباته البكر على الفرات عام 1932 م . مندفعا نحو تجدد هذا المجتمع في نفس شخص مدني صالح دون التخلي عن عراقة المجتمع الذي ينتمي اليه . ليعجبني حديثه عن تلك المراحل انتهاء بلحظة الوداع بيننا وسفري نهاية التسعينات وابتعادي عن العراق . وهو يجمع بين فهم الثورية كحاجة للتجدد المجتمعي والفرد وبين ادراك اقتناص العلم من التطور الحضاري للعالم الذي كانت اساسياته عربية اسلامية على رغم ما عاناه من الغرب نفسه في محاربته بحصوله على الدكتوراه ليهجر الرسالة ويعود الى بغداد، بسبب كونه انسان موقف وطني ذاتي، وهويهيء نفسه كمدافع عن هذا التاريخ ، ليواجه في جامعة كامبرج اولى معاركه الحضارية التى اثرت على حياته عموما دون ان يفقد حماسية الدفاع عن الفكر عندما رفضت الثقافة العربية الأسلامية وفكرة ان اصل الكثير من ثقافات الغرب عربية من قبل استاذه والمتمثلة في رسالة الدكتوراه عن ابن طفيل الغرناطي المغربي العربي الاسلامي(1100_1185)، رمزا لعلاقة اصل المعرفة بالدين السماوي قي ارتباط الانسان بالطبيعة وحاجة الطبيعة لعقل الانسان الناضج في ادارتها من وحشيتها وهنا تأكيد لأصل الفكرة برفض فكرة الانسان مولود من الطبيعة ، وهذا كان انذاك دمارا لفكرة الغرب ومدارسها ضد الدين وتجاوز على قدسية نظرة داروين في اصل الانسان وفرويد في التحليل النفسي للكائن الحي وتعامله مع هذا الكائن الانساني بنفس موازين التحليل الغريزي للحيوانات . فمثل هذا التوجه لايروق للغرب ابدا، وبالاخص في اطار اصل الروايات والقصص الانكليزية انها اقتناص الافكار من حياة حي ابن يقضان مثلا . بل شعر الاستاذ الانكليزي والجامعة ان مثل هذه الاطروحة تهديم لقناعات نظرية حول كتابات غربية كثيرة من رجل يغزوهم في عقر دارهم وهو من بلد يعتبر انذاك ضمن حوزة الاستعمار البريطاني بكل ما لدى الانكليز من طابع التخلف لديه وانهم جاؤ محررين له ويهدونه الحضارة والحرية ، ليكتشفو انه اوسع مدى من اطروحاتهم وقد عجزوا من الاعتراف بذلك .
فوجد نفسه مدني صالح في معركة انانية قوامها الاستعباد الفكري ليهجر الرسالة ويعود الى عراقه وقد حصل على الدكتوراه في الوطنية والوفاء لفكره في زمن كان يؤسس للخيانات والدماء والدمار والحروب ونتائجها التى نعيشها اليوم ، بعد ان كان خريج الدورة الاولى للفلسفة من جامعة بغداد . وهو يتذكر حجم الصراع الغربي الشرقي في زاويتين منغلقتين في الوقت الذي يحاول العرب تقبل المتغيرات العصرية فهناك انغلاق غربي على تقبل الثقافات الاخرى ليجد العنصرية في الموقف من رسالته مندهشا من كون حضارة الغرب قد اسسست على افكار وانقاض الحضارة العربية والاسلامية ،فلماذا هذا الانكار للجميل؟
وان غرف كأي عالم متفكر من ثقافة الغرب والأنكليز من الافكار والنظريات والتجربة الشعرية والنقدية لديهم . ومن هنا يتم الاستنتاج ان حضارة الغرب قد بذرت تخلفها منذ لحظة انطلاقها وان تطورت تقنيا وتسليحيا فان ذلك لايعني الحضارة بشيء لان التقنية عليها ان تواكب حضارة العقل والروح في ان واحد والا استمرت عقيمة وان بلغت السنين من الادعاء . ليرفض مدني صالح بذلك سلوكية الرفض الكلي وايضا القبول الكلي فالكلية عنده في هذين المسلكين هما الجهل واللاعلم واللافلسفة ليعود ساخرا قائلا :…( هذه الدنيا ولكن نبني بها الاخرة ، انه قول قديم اليس كذلك )… .
فاردفت قائلا: انه معنى من كلام اهل البيت…
فانصت لبرهة وحملني ان ااتي بالنص له مع سنده ومصدره وما هي الاّساعات كان عنده ما رغب عبر الهاتف . ليمتاز بمسيرة صادقة ما بين التصوف غير المعلن وغير معترف به حتى من قبله لانه اراد رؤية اشمل لمحاربة سلمية للحياة والتعلم والرواتب ونواميس التقليدية والاعراف البالية في بعض منها والمتطرف في بعضها الاخر، لتكون لديه الحاجة اكثر من الجوع والعطش ، اِنه الانعدام في الدواء للانسانية ما بين النفاق والجور والفساد في كل مفاصل الحياة ومنها الأدارية والسياسية وحتى على المستوى الاجتماعي، متأملين ان مثل هذا المجتمع سيحفظه الدين والتقاليد العشائرية من انهيار الخلقي ، وهما ميزتان تاريخيتان طالما امتاز بهما العراق وكانا من اسباب الحفاظ عليه من الانعدام ، ليكسر حاجز الصمت بالصمت .ان الوصول الى هذه المنزلة يتم عبر العبور من سيرة الماضين وتراثهم الراقي المستند على رؤية الانسان العالم بانسانيته وبالأخص فيما نحن نغرف منه من تراث عربي واسلامي وسماوي عظيم دافع لوحدة الفكر البشري عبر تنوع الثقافات الأنسانية التى يركز عليها القران والنصوص فيما هو مرتبط بالأنبياء والائمة وفكر العلماء المبدعين . وهذه هي سيرتهم المحفزة لمثل هذا التفجر الرائع الفلسفي النقدي لمدني صالح ، مما تفتح مثل هذه العقلية البناءة منهج الاستفادة من امكانيات العلم الحديث في كل الاطر الثقافية ومنها الفلسفية وما كان يهتم به مدني صالح بخصوص فلسفة النقد الادبي ، وهي رؤية الانسان العالم المحاور رغم وحدته المؤنسة له الموحشه لغيره لمنهج التطور والتجدد،ما قبل ظهور السينما والتلفزيون والقراءات الأيحائية والرمزية في الادب الشفهي والتحريري اِن كان محاضرة او خطابا، او كان اثرا على الجلد او الورق وحتى اثارها في ما رايناه على الجدران والكهوف والاطلال الغابرة ، ليكون الفليسوف هو من الاوائل الذين يستفادون ويربحون فكريا من هذه الامكانيات في مستوى العقلي للانسان الذي هو لم يتغير عبر العصور وان الذي يتغير هو الآلية والتقنية ووسائل الحضارة والحروب ، ليعطي نتائجه الباهرة كفليسوف وان كانت حياته الثمن لذلك ولكن من اجل سلام الانسان والسلم العالمي ، وهذا ما يجذب الراوي وعناصر الاتصال عبر التاريخ لمثل هذا التوهج في الفكر و المسيرة دوما ليؤرخ لها ويبرز المبدعين فيها ومنهم الفلاسفة والنقاد مهما ظلمهم الاخرون . ومن هذه الرؤية وجدت له هذا التاثر والتاثير في مسيرته وما طرحه في البصرة في الثمانينات في مؤتمر دراسات الخليج العربي. وانا اعلق على بعض اطروحاته فيما يخص خطب الامام علي ونظرته النقدية في شان السلوكية بين الراعي والرعية في بيت الوالد انذاك حيث كان ضيفا عنده بمعية رئيس المؤرخين العرب الدكتور مصطفى عبد القادر النجار. وليتفاجىء استاذنا المدني بوجود الفنان المعروف سليم البصري بضيافة الوالد حيث كان هناك مخطط لنص شعري لوالدي لتحويله الى انتاج فني عن تراث وأدبيات بني كعب وتاريخ المحمرة والبصرة والكويت بمشاركة الفنانة سليمة خضير، وما ان راه ليتعانقا بحرارة وتبين هما على علاقة علمية من كونهما خريجي نفس العام في اختصاص الفلسفة وعندما لمس دهشتنا عقب على ذلك:
:…( نعم ان الناس تندهش من ان ترى الفنان فليسوفا كنت اتمنى ان يكون كل فنان فليسوفا كما ان كل فليسوف فنانا ليوصل الفكرة الى الناس عبر التمثيل بدل الخطابة ) …
وما ان شاهد الدكتور مصطفى عبد القادر هذا المشهد ليسئأله: وماذ تقول عن التاريخ والتاريخيين ؟
فرد عليه : …( انهم من كبار الممثلين والتاريخ مشهد كبير لمسلسل لاينضب معينه ، ولكنكم اخطاتم التعبير عنه فذهبتم الى الكتابة المجردة وكان عليكم الذهاب الى منصة المسارح وامام كاميرات التصوير، ومثلكم ايضا المعلمين والشعراء )…
وربما في وقتها لمست احد مسببات الطرح الهزلي والتحكمي والساخر لدى مدني صالح ولكن دون ادراك انذاك لابعاده. وفي ذلك اللقاء ايضا اكتشفت ان مدني صالح كان استاذا في كلية الفقه بالكوفة من خلال استفساراته الوفية عن طلابه انذاك والذين باتو اساتذة كبار اليوم في العراق وغيره، وادركت الصلة بينه وبين والدي بشكل افضل والذي كان هو الاخر خريج ايضا كلية الفقه في بواكير تاسيسها قبل سفره الى القاهرة. ما بين ليلة من الحوار حتى الصباح وما بين تلك الخطى العبثية الأيمائية ونحن نستقصي بدر شاكر السياب في اطلال بيته المهدم و العامر بالعراق بالادب وبالانسان , لاعرف انذاك دلالات اهتمامه بالبياتي والسياب وهو يهمس لي انه عاشرهم في مراحل الدراسة الثانوية وقد غمروه باشعارهم انذاك وهو يقصفهم بنقده وتحليلاته للقصائد التى باتت فيما بعد مؤلفات مختصة حولهما. فقد كان كل من السياب والبياتي منفيين سياسيين بحكم اشعارهم للتدريس في منطقة الرمادي، وكان مدني صالح طالبا انذاك . وادركت عمق العلاقة عندما حملني الشاعر عبد الوهاب البياتي رسالة خاصة في منتصف التسعينات في الاردن لانقلها الى مدني صالح.وفي مناسبة اخرى كان الجمع متمثلا في بيتنا في يغداد الى جانب مدني صالح بالدكتور على الوردي والدكتور حسين علي محفوظ ووجود الدكتور محمد عيسى الخاقاني والاستاذ الشاعر ابراهيم عاشور وقد كان انذاك صحفيا في القادسية وكذلك الاستاذ سلام الشماع ،وكان الحديث يدور عن الحرب الامريكية على العراق في اوائل التسعينات، وقد تبادل الجمع الأراء لتتوضح لي مدى انسانية هؤلاء الافذاذ ووطنيتهم عسى تاتي الفرصة والظرف لاستعرض الأراء وربما يكون للاخ سلام الشماع فرصة افضل في استعراضها كصحفي وايضا الاخ ابراهيم العاشور. وكان لحضور الدكتور حسين محفوظ حضوره التصحيحي لبعض التراثيات التى وجدت مدني صالح شغوفا بدقة المعلومة بها وكثير التسائل عنها مع فاعلية الوردي في تبيان التحليل. لتكون استنتاجاتي على ضؤ مقدرتي الأستيعابية والمعرفية نوعا من الانبهار بهذه التجارب، فيتوضح لي ذلك باعتبار النقد الادبي وبالاخص النقد الشعري الى جانب الفلسفة نوعا من انواع فنون الاتصال ما بين العقول البشرية، لان الادب والفلسفة من الفنون السامية ولها الموقع الحسي والعقلي المؤثر في الذهن والحياة وانهما اكثر جدية بالطرح من غيرهما ان اتصفا بالنقد الحقيقي وهذا دليل صفته الاتصالية، ولان المعرفة هنا لايمكنها ان تخرج خارج مفهوم الاتصال او تجد لها تعريفا غيره في هذا المجال .
فالمعرفة بهذا المفهوم تاخذ شكل البلاغ الانساني والعالمي ، وان تضع نفسها في خدمة كل ثقافة مطروحة للوصول الى صواب الطرح، ليبرز النقد هنا من كونه بهذا الأسلوب لدى مدني صالح وامثاله من انه منهجية لتنمية القدرات وامثال هذه البلاغات والمساعدة على فرز الصحيح من الخطأ فكريا ومنهجيا، لتحصيل ردة فعل معرفية من اجل التجديد والاعتراف بالتطور ضد العصبيات والتطرف والأنفرادية في القرار على حساب العدالة وحرية الانسان والاخلاق . وهذا الطرح يتحمل التعبير عن بيان منتمي لفكرما، او مستقل شخصي مع اظهار اهداف الى غايات ما، ليسهل انسانيتها، وربما لايحمل أي اهداف سوى ان هواجس انسانية محفزة لاكتشافان القدرات الذاتية . مع التاكيد على كون الفلسفة ومنهج النقد من الممكن ان يكونا شاهدين معرفيين على العصر، ومهما بدت الأطالة في طرح هذه المعرفة فانها ايضا دليل على توضيح الفكرة وليس اللغو والثرثرة اذاما اتصفت بالوضوح والسهولة مع شمولية مراجع الاطلاع على العلوم والمعارف الاخرى التى تحقق مثل هذه البساطة، ولابد ان نقول ان لمثل هذه المعرفة فلسفتها ونقدها الموسوم بالتشاؤم المرمز والملغز بتفسير ما ،كالشعر الرمزي او كالمثال القراني، وربما احيانا لا يراعى القوانين والقواعد اذا ما كانت عائقا للتطور وانها بذرة الشر لوثنية جديدة ، وجاهلية عصرية اخرى، ولكنه لايفقد الذوق ويتطلب ادراكه ان يكون المتلقي له ذوقه الانساني للمعرفة،ولهذا فان الفلسفة والنقد لمثل هذه المنهجية ولمثل هذا الاسلوب عند مدني صالح ما هي الا التعرض لمقتضيات العصر واستخدام اليات العصر وتطورها التقني، وهو اسلوب قديم جديد لدى العباقرة من العلماء، وربما نستنتج ذلك من توضيحاته بالأخص في محاضرته التى فرضتها عليه في قسم الاعلام بداية التسعينات في كلية الاداب ليؤكد :.. ( وفي الوقت الذي هذه المعرفة تمارس الرقابة الانسانية والطبيعية فانها ترفض من اجل ضرورات اكتشافاتها أي رقابة , ومن هنا يتوضح اسباب الجهل المعرفي وتفشي الظلم عند الاهتمام برقابة المعرفة ومنعها دون احترام منهجية رقابتها على الاخرين وتنمية الضمير والانسان في الحياة ) …
فاذن المجتمع من اساسياته بحاجة لهذه المعرفة ولمثل هذه الرقابة من المعرفة عليه وليس العكس، من اجل فاعلية اكثر للعلم والوصول الى مساحات اوسع من البشرية والعالمية . وكلامنا هذا يعكس ان المعرفة نتاج وثمرة مهمة تحصل بسبب ارتباطها الصميمي بتفاعل امكانيات وعي الباحث بزمانه وماضيه وفاعليته الانسانية الذاتية، ليتناسب الظهور بين الفشل والنجاح مع هذا التفاعل، ان كان رمزيا او لغزيا او سخرية او تغابيا وحتى ادعاء بالجنون هروبا من ظلم ما او جهل عصري ما . وبذك يدرك امثالنا العلاقة من عدمها بين مفهوم الاتصال ومحفز الرغبة بالاتصال كما هي اليوم فان هذه الحقيقة كانت هي دوما كما هي عبر العصور.ان ظهور وسائل الاتصال كان بامكانها ان تعطي للثقافة وفلسفتها المتنوعة الموقع الحقيقي في الحياة وتلعب دورا اساسيا في تحريك الذهن البشري، ولوحظ عدم انسجام مناهج هذه التقنيات مع التوجه الصادق للفكر والفلسفة، لتظهر هذه التقنيات الاتصالية مثل الاعلام التلفزيون كانها وحش كاسر لايروض بالثقافة الفلسفية وبات متاخرا عنها مما خلق اجيال معبئة بالفكرة الجاهزة دون تعب ومشاريع معلبة دون نقاش وان حدث نقاش على سبيل المثال في جدليات السياسة الظاهرة بالاخص في القنوات الفضائية، فانها من باب تفريغ الشحنات وليس تأسيس الثقافي الانساني وكان هذا هو المفترق الطرق بين جهل الاعلام وبين العلم والفلاسفة، وبالاخص اذا ما عرفنا ان الفلسفة والنقد من ادواتها التوضيحية القلم والكتابة اكثر من التصريح الشفهي وان كان ذلك ضروريا على سبيل رؤؤس الاقلام والعنواوين وليس كل البحث . ومن هنا لم تتخلى الفلسفة والنقد وبالاخص عند مدني صالح عن هذه الخاصية للفكرة المعلبة الجاهزة المفروضة من الأعلام الصوري، وهي تواجه ايضا ان ظهرت علانية سياسة تهمة اللغو والتفلسف الناتج من انطباعات الناس التي اكتسبت من الاعلام الجاهل والمعلب كما اريد له عالميا وايضا مع الاسف من قبل الانظمة الحاكمة وطنيا في عالمنا الشرقي. وهذا دليل على ان السياسة المعاصرة لاتتحمل فكرة المثقف الا في اطار المصلحة المشتركة وليس المصلحة الوطنية او العامة ومنها يكون النقد مكروه ويصل الى درجة القتل،وعندها يرى الفلاسفة اليوم بان النقد والفلسفة ورب ما حتى الادب لم يجد جدوى في التعامل الربحي مع التقنية المعاصرة لانه مصلحي اناني بعكس الزمن الماضي . ووجود الترابط الوثيق بين الفلسفة وآلية التقنية لتنحصر اليوم المعرفة بين عالم وعالم او مع صديق او ضمن وريقات من الدفاتر والكتب لنرى ان توضيح فلسفة الظلم والموقف منها من ابلغ ما يمكن ان يكتبه كاتب او يتعرض لها فليسوف بسبب هذه الظاهرة في الواقع من علاقة المعرفة بالاعلام ووسائل الاتصال وبالاخص التلفاز والمذياع، لنشعر بامثال صالح مدني وكأن هناك سجن غير معلن يقبع به او منفى يعيشه بسخرية وانفعال ولكن مثل هذا السجن والمنفى لم يقلل من قيمة البحث عن الحقيقة عندهم ومما سطروه للاجيال على رغم الشعور بالعجز عن الدفاع عن الانسانية والانسان في هذا الزمن ونحن نلتقط هذا التصريح من فم مدني صالح .ولكن يبقى النقد والفلسفة وكل معرفة حقيقية علما او فنا بامتياز مقام ابناء الانسان نفسه ، ليندفع الفليسوف وان يزيد ثرائه العلمي من اجل تغذية هؤلاء الابناء وهو مسؤل عن ذاته وعن الانسانية بحق .وكان لمحاضرته في الذاكرة اثرها في منتدى ادباء الشباب في بداية الثمانينات وهي كانت مشتركة في بادىء الامر بين الدكتور عبد الامير الورد وهو يحاضرنا عن نظام اكتشاف التفعيلة الشعرية الجديد واكتشاف البحور على اساس ذلك دون تعب منا ، لتتداخل المعلومات بين علمية الادب لدى الورد وفلسفة النقد لدى مدني صالح عبر استعراض مؤلفاته بانطباعات الحدث البشري نحو الانسانية منذ الخمسينات وهكذا بطابع السخرية من حركة الزمن واقتناص الفكرة من زمنها كقدسية للتطور في لحظة واحدة بالضد من مبالغات الهوى الغربي دون جدوى بحقوق الانسان . فالفكرة دون تطبيق لاقيمة لها ليكون العراق وفلسطين والحروب من الغرب ضدهما مثال عدم التطبيق هذا، ليمتد بنا بعد تلك الانطباعات من المحاضرة عبر الثمانينات الى التسعينات وانا التقيه طالبا في قسم الاعلام بكلية الاداب بعد كلية العلوم وبتحفيز ومتابعة من الدكتور علي الوردي وعبر علاقتي بجريدة الجمهورية وغيرها فكان لجلسات الصحفيين معه نكهة خاصة رغم انفرادنا به مع زهير العامري سكرتير تحرير الجريدة والاخ سلام الشماع ، ليبلغه الاستاذ سعد البزاز ان لمدني صالح لاوجود للخطوط الحمر وله الحرية فيما يكتب . لاقرا التحليل بعمق له ما بين كتاباته الفلسفية والنقدية وتوجهها الادبي مفككا اللغز والوهم عند الانسان من الارتعاب التاريخي للانظمة وروتينية التوجية بالمنع من الكت ابة وكانت قوة شخصيته في عدم الانتماء لحركة ما معقبا على هذه السلوكية , انه لايتحمل ان يسفك دم احد بسبب معارضة هذا الشخص لتوجهات انتماءه ، وعندما كان ردنا له ليس بالضرورة ذلك … فيجيب:…( ان الجهل يجعل الانتماء وثنا عليك ان تذيح الناس من اجله كضحاية لقدسية الفكرة وهذا ما يحصل عبر التاريخ لآفضل الرجال الا استثناءات الانبياء مثل النبي بدخوله مكة والامام علي مع الخوارج ودخوله البصرة ) …
لبجعل من الخير في النفس قوة ترعب الشر وتحفز للانسانية المعدومة بالشعارات, حتى يعبرفي شيخوخته بامان الى القرن الواحد والعشرين دون ان تتلطخ يده بدم او عرض او سمعة احد وهو يناهز (75) من العمر محاولا فلسفة امراضه انها :..( من بقايا امراض العصر)..
واعتقد كان يقصد ما سببته له الدنيا والاحداث من تفضيل الاعتكاف والاعتزال . كانت هذه ابواب فلسفته في الحياة الظاهرة في كل ما كتب فيما يسمى بالمقامات من مؤلفاته وكذلك في كتاباته النقدية الموحية بذكاء انتقادا لحركة الفكرفي مسيرته التى اسس عليها نقد الاخرين في اشاراته الرائعة .واتذكر عبارات له اثارتني كثيرا وهو يلقي ندوة في مجموعة مختصرة في اتحاد الباراسيكولوجي في نادي العلوية ببغداد وبحضور الصديق الكاتب الاعلامي حاليا في الامارات صفاء النعيمي وكانت المحاضرة بتشجيع من الدكتور عبد الستار الراوي المختص بالفلسفة واستاذي في الفلسفة بكلية العلوم قبل انتقالي الى الاداب قبل ايام من سفره سفيرا للعراق في طهران في التسعينات وطالما كانت حواراتهما الفلسفية عن الحضارات وبالاخص صيرورة العلاقات العربية ومنها العراقية مع العالم في اطارها الفلسفي تبهرني بنقاطها المختصرة ، ومما قاله في تلك الندوة: … (بان الفلاسفة القدماء كانوا يتلقون النقد من عظماء عصرهم دون اهتزاز بقناعاتهم الفكرية بل يعتبرون ذلك تاكيدا على علميتهم .ومثل تلك الظاهرة تؤكد ان تلك العصور كانت عصورا علمية بحق .. وهم في نفس الوقت لهم الفرصة بالدفاع عن اراءهم ضد النقد وحتى توجيه النقد لاراء هؤلاء العظماء في التاريخ نفسه.. وهذه الواقعية التاريخية هي التى تحقق الموقع البارز للعالم عبر الازمنة بعكس زماننا هذا عندما يعتبر النقد عداء وحسدا والفلسفة لغوا لان العصر يعيش الجهل في قمته . وقد كانوا على اطلاع مرجعي موسوعي بالعلوم كعلوم النقلية كالكلام والحديث والقران والتفسير وايضا العلوم العقلية كالفلسفة والرياضيات والهتدسة والمنطق والنجوم والطب وغيرها وهم بذلك يستكملون عالم الفلسفة ضمن الاختصاص بهذه الشمولية ..كانوا على اطلاع بزمانهم وهم في نفس الوقت مراجع في هذه الاختصاصات ومازالو هم كذلك بعد قرون من رحيلهم . لاننا نشعر بحاجة اليهم دوما .. في زماننا مدّعون الفلسفة والشعر اليوم وهم كسالى العصر.. وفي جهل مطبق تجاه هذه العلوم لدعم اختصاصهم وهم عاجزون باستخدام آلياته في نتاجهم التخصصي ولهذا يستمرون اكاديمين مجردين في علبة الشهادة والاختصاص.. مع طرح المبررات ان اختصاصهم او الفلسفة مثلا غير محتاجة ل ذلك ..وعندها تفسر بذلك اسباب كثرة الثرثرة في الاختصاص وغموض الطرح وانعدام البساطة لان المختص اكاديميا لم تكتمل لديه ادوات التعبير بالاطلاع على المعارف ليكون موسوعيا في مادته .. فيصعب فهم الفلسفة المعاصرة حديثا .. على رغم ندرة عامل الاتصال انذاك ووسعتها حاليا للتعبير بتطور التكنلوجيا وادوات الورق والنشر والكتابة والحديث.. حيث يمكن ان يطلع البشر على أي علم من خلال التلفاز والسينما .. هذه الوسائل التى تشبه عرض بضاعة في السوق فيعطى على بيعها المبالغ المادية . لأتسائل ان الفرد الذي لديه فكرة سينمائية من حقه ان يستغل كل الامكانيات التقنية التى هي في خدمة البشرية اليوم لتوضيح فكرته واحداث فلمه و ان يستخدم عناصر اختصاصات اخرى لانجاح الفلم .. ولكن الذي لديه فكر ادبي او فكرة فلسفية يحرم من هذه الامكانيات..هل لان تلك تتعامل مع الظواهر وهذه تمس صميم الانسان فيخشى من اكتشاف اعماقه.. على رغم ان هناك اجابة مقتضبه.. لانه لكل من الاتجاهين انصاره وهذا الامر له علاقة بقوة العلم او قوة الجهل.. فماذا يتلقى المرء وهو يسمع محاضرة نقدية فلسفية وماذا يتلقى وهو يتابع مسلسل دائم او فلم ينتظر نهايته ولكلاهما الحق في حياته هذه.. ولكن ايهما اكثر صوابا ؟ ولابد من القول ان الكثير من الافلام في تاريخ السينما اعتبرها شعرا وهي انتجت دون قصد ببلوغ هذه النتيجة واعتقد يمكن ان تكون فكرة ما اوقصيدة فلم سينمائي ولكن صناعة الفلم هنا لابد ان تكون بقصد لان الفلسفة والمعرفة لاتحدث بعفوية فكيف بانتاج فلم سينمائي.. واني ارى الحياة هكذا لايمكن ان نعيشها دون شعور او قصد لاهدف منها )….
وعند ختام هذه المحاضرة يتبادر الى الذهن ان مدني صالح يؤسس للعبادة كغاية وما ان سألته:… هل تقصد انك تريد الوصول الى عبارة الاهية من ان الله لم يخلق الناس عبثا بل خلقهم ليجدو حريتهم فيما بينهم بمركزية العبادة لله عزوجل؟
فرد معقبا:( فسّره ما تشاء لكي لانقطع السبيل على الاخرين للوصول الى الاجابة بهذه القطعية من المعرفة)
وسرعان ما يتجسد الانطباع بانه مسالم معادي لاي انحراف في السلام الفكري، فهناك من يصنع من التعصب والتطرف فكرة يصلى خلفها وهناك بحكم هذا التعصب والتطرف تسقط الفكرة الى الحضيض وكلا التوجهين سببهما الانحراف ومنه الانحراف الخلقي الذي يعدم الضمير والحس انساني بقيمة خلق الله عزوجل، وفي الوقت الذي نشعر بتسارع الزمن فان هناك من لايجرا على قول كلمة او يحذر لسبب او اخر لتنعدم الحرية، لتتوضح سلبية هذا الزمان من تقطيع اوصال الصلات التى كان تتميز بها العصور بين المعارف مهما بلغت المآسي والجهل والظلم . ومع الاسف هناك من يرفض النظر الى الماضي ليعتبر منه، و الاعتبار حكمة . ومع الاسف ايضا هناك من جعله صنما يقدسه دون الاعتراف بالمستقبل، وهو يناقض نفسه بذلك من خلال قدسيته للماضي برفضه سبب تكامل ذلك الماضي من مرحلة تسبقه ليكون هو المستقبل لوقته . وارتبطت هذه المواقف بمتغيرات الذهن بين المرونة والتحجر. ان للمعرفة ومنها الفلسفة والنقد لديها حركة الحياة الخاصة الجارية في الاعماق بطول الدنيا وعرضها . لننظر ان الفلسفة الخلاقة والنقد البناء وان هدم السلبيات بما في ذلك من واقعية فنية لذوق الانسان وادراكه الحياة، ولا تكفي وسائل الاتصال المتاحة والتعليم والكتب ان تصل الى كنه سره الاتصالي مع الذهن والبشرية . وان من الفاجعات العلمية عدم ادراك هذه الصلة واهمية هذه المعرفة،لان كل ما يرد في النقد هو كراهية وشتائم. على رغم ان كل انسان باي مستوى كان واي مهنة اختصاصه ، فان له نقده الخاص وفلسفته في منهج حياته، مثلا ،حتى بائعة اللبن كذلك مثل ذلك في مقابلها السارق او الظالم او الجلاد او الشاعر . وربما تكون هناك فوضى فكرية تمر على الحياة و سببها الضياع الانساني والانحرافات . ولكن من الممكن الاستفادة من عدم الرقابة وعدم اقتطاع المعرفة للعودة من الفوضى والعبث الى الطريق الصائب، وحتى في الحياة البسيطة كحياة الاهوار ربما نجد كتابات وافكار في الدواوين تضاهي فكر العظماء ان توفرت لها البيئة الصالحة ووسيلة الاتصال الصادقة . ان المعرفة لايمكن ايجادها عن طريق اقتراض من مصرف او استثمار في شركة، انها بديهية تحتاج الى تنمية بشرية مهما كانت الحالة المعيشية مع ثقة بالنفس وعدم العمالة والتبعية والعبودية، وهذه من الظواهر الواقعية التى يجد مثالها في مدني صالح وحياته . ان الانسان الحي لوحده لديه مسائِله وقضاياه الخاصة كيف اذا امتدت اهتماماته المعرفية والشعور الانساني لديه على المستوى العالمي.
ومثل مؤثرات الفضاء الذاتي للانسان فان الفضاء الخارجي له مؤثراته ، ومن هنا نجد عدم تحمل الكثيرين لهذا الانتاج الحاصل من تفاعل الفضاءات نحو التعبير عن الانسان ليصنعوا اجواء الاستبداد ضد المعرفة والبشرية بانواعها ان كانت قوة عظمى ظالمة او حكومة ظالمة في البلد او مجموعة منافسين لايتحملون ابداع زميلهم ليعكسوا ضعفا في النفوس بكتابة التقارير واتخاذ المواقف وارسال الانسان الى المشنقة . وهذا ما يفسر امر ظواهر الدمار والحروب والاستغلال والدموية. وما يسعف الحال ان هناك شعب ومثقفون اذكياء ومطلعون يرغبون بالاطلاع وقراءة الابداعات من كونها قيمة ابداعية فيعطون صفة المثقف للبلد مهما بلغ الاستبداد والمآسي ، وربما يكون العراق مثلا لذلك. ولابد ان نقول ان الابداع ليس له علاقة بالحاجة والفقر والصعلكة لانه ربما تكون هذه الواقعيات مادة للابداع والعكس ايضا صحيح.وهذا البحث بحث قديم يكفي ارادة شخص واحد ان يدرك العلم افضل من الاف يجبرون الى الحضور الى ندوة او محاضرة باجبار او يشاركون في مسيرات دون قناعة بشعاراتها .المهم الثقة والقناعة موردان اكد عليهما مدني صالح في نشر المعرفة واحترام عقل الاخرين. ومن البحوث المهمة التى تطرح في حياتنا المعرفية وما تعرض له مدني صالح هي قضية عدم تثبيت الشعر، ان الشعر ليس امرا متحركا من نقطة الصفر وانه ليس ممن يخضع لقوانين كثيرة، وان قوة الشعراء تستند على هذه الحقيقتين، وهم يتفقون ان الشعر في جانبه المهم منه الشاعرية وليس القوانين الجامدة وهذا ما يعقب عليه استاذنا المدني: ( ونحن نرى البعض يقول انه هو الاول في التجربة وفي اكتشاف منهجية جديدة في الشعر) ….
وللظروف دورها في خلق الاجواء الخصبة من عدمها لتنمية الشعر والشعراء وحتى الفلسفة والفلاسفة، وهذا جزء من معانات هذه البلدان:…( ولايد ان تكون فكرة الانسان العالم المساهمة في خلق هذه الاجواء وليس اظهار نفسه فليسوفا او ناقدا)…
ونحن نعرف ان مثل هذا الامتياز ليس عطاءا من شخص ما او معلم ما ، انه هبة الاهية تستوجب التنمية، حيث لايمكن ادخاله الى ذات الانسان من الخارج دون ان يكون له استعداده الذاتي ومحفزاته الباطنية، ليكون جزء من شخصيته. ومن المفرح ان الابداع ليس مثل المناصب له علاقة بالواسطة او الرشوة لان الحاكم هنا هو التاريخ وذوق البرية وعقل الانسان . ان الاداء الخلاق من اليات صنع المستقبل مهما كانت المعاول والشر محكمة بالتهديم: … ( لانه عندما انت تتغاضى عن شعر مؤثر وابداع له تحوله الجاد في معرفة الجمال وتحجبه او تمنعه عن العالم لاي سبب كان فبالاضافة لصفة الجريمة على هذا الموقف فان الناس ستشعر بحفرة كبيرة جدا ومتناثرة الاطراف في عالمها المعرفي , وربما تكون سببا لسقوط مسميات كثيرة لان الله يحعلها كالعقاب على جريمة ذبح الابداع وستكون ابضا بقعة محفورة في التاريخ باسم هذه الجريمة ) ..
مما يدل على ان مثل هذا الانطباع في التاريخ والمعرفة الانسانية بان الامور منظمة والابداع ياتي في وقته مثله مثل اكتشاف خيط التنكستن للمصباح لتكون هبة من الله لتنوير بيوتنا والازقة والشوارع ولكن الاهم ان يكون هناك من ينور كياننا ويكتسح ظلمة الحياة, ومنع مثل هذا الابداع يعرقل المسيرة لتتخبط في الفوضى و تكون مدمرة متمثلة بالحروب والكوارث التى تدل على ان هناك منع للحقيقة وتلاعب بالعقول ومقدرات الحياة الطبيعية، ولاتصح الا ان تعود الامور لمجاريها وموقعها زمنا ومكانا: … ( ونحن عندها لايمكن ان نورد التجربة الانسانية التى نعيشها في عصرنا وما نسعى اليه وما نبحث عنه اذا ما كان واقعنا يخضع للرقابة او ادعاء هيئة ما بصفة الفلاسفة عندما تقول لك ليس لديك الحق بقول كذا او قول كذا وان مثل هذا الموقف اكثر ايلاما من موقف الرقابة التى تمنعك من النشر والقول ولكن لاتلغي شخصيتك وانها تحترمك لانها ان اصررت كل ما في الامر تحكمك بالاعدام او تغتالك ولكنها لاتغتال شخصيتك او علمك فموت الجسد لايعنى موت الفكرة اما الذي يقول لك ليس لديك حق فانه يجعل نفسه اله ويعدم الفكر لاالجسد )…
ليذهب العقل البشري في استتاجه بحكم هذه التجربة من القراءات النقدية والفلسفية في محيطها العلمي وحوزاتها المعرفية وفي اطار المعرفة الجمالية المعاصرة , يلفت النظر الى هذا التحكم الذي يمنع الحياة للوصول الى بر الامان حيث لايوجد التوافق العام في ساحات ما بصطلح عليه بالفن والابداع والفكر عموما والفلسفة ليظهر هناك صراع بين الشارح والمفسر، ليقف الكثيرون عند حدود الشرح وهم يدعون اكثر من ذلك لينعدم الفكر عندهم ، لان الفكر يعني النقد واضافة كلمة الى جانب كلمات الاخرين , لان أي شيء لايمكن ان ينتج من أي شيء ولا العدم من العدم . ولان العمل لايمكن فصله عن جنس النتيجة والعكس صحيح , وفي الاطار البلاغي والابداعي فان هذه الظاهرة تعتبر من الامتيازات لحفظ الفكر والخصوصية والشخصية: …..( فهذا الشعر لايمكن الاان يكون عراقيا وان العراقي لايمكن ان يكون الا ان يكون مبدعا وان لم يكن فاليفتش عن اصله ) …
ومن اجل ذلك ان الفطرة تشدد على اصالة الشيء من اجل معاصرته لاظهار وجه واقعي لمسيرة ثقافة ما،ولا تؤخذ مثل هذه الحقيقة من وسائل الاعلام لانها الى اليوم قاصرة في ابراز الثقاة بل يجب البحث في الارضية نفسها ولكن بنية الحقبقة وليس الاحراف والتشويه كما فعل الكثير من المستشرقين امام ضعف انتشار المثقف العربي: … ( واما الذي يريد ان يعرف العراقي لابد ان يكون فليسوفا بحق ) …
انه عشق العراق مثلما عشق الفلسفة. ومن اجمل نغماته الحياتية هي انه طلبني من الاستاذ سلام الشماع منتصف 1991 لنزور سوية نازك الملائكة الراقدة في المستشفى بعد ان علم من الاخ سلام الشماع اني اتابعها هناك، وهي نغمة بين هرولته الشائخة المتفاعلة بروح الشباب ونبرته الجهورية واصفا في تلك الهرولة نازك الملائكة:…( انها شاعرة انها اعظم امراة شاعرة احببت ان اكتب عنها .. انها شاعرة .. ولكن اتعرف مثل ما يقال خلف كل رجل عظيم امراة .. فاعرف اذا يصدق القول خلف كل امراة عظيمة رجل.. وهذا ينطبق على زوجها الدكتور عبدا الهادي محبوبة.. الذي فضل الظلال ليعطي كل النور الى زوجته … فلماذا لايكون الشعراء او الفلاسفة وزراء ورؤساء اليس ذلك افضل للثقافة والانسانية وجمال السياسة … ماذا تقول ؟ ) …
وكنت قد خشيت عليه وهو يتنفس بصعوبة عند الهرولة مع الكلام لنقف على باب المستشفى القريبة من جريدة الجمهورية ، فتسائلت على سؤاله: … هل ذلك يلغي الظلم ويحقق العدالة ؟
فسرعان ما توقف وهو يعيد انفاسه بنظرته الثاقبة المخيفة احيانا ليعقب قالا : …( دعنا اذا نبحث ذلك ) …
ولا ادري هل بحثها ام لا ولكن لم نعود الى مثل هذا السؤال ابدا.هذا الابحار مع فليسوفنا واستاذنا وان اختلفنا في جوانب منه يلهمنا حبا للوطن والثقافة ويقربنا من الله وان لم يكن تصريح بذلك لان الايمان فعل فردي واستعداد ذاتي ، ندرك هذا العشق للفكر والوطن ولاينتهي الابحار معه في رحيله لانه كان مفاتيحا لأسئلة كثيرة يذكرها في وصيته التى قراناها في تراثه في يوم رحيله ، الخميس 19 تموز/يوليو 2007. ليهديني قبل ذلك بسنين من سفري صورة كاريكاترية له دون صورة واضحة ويقول:…( هذا انا رغم اني مدني رسمها صديق عزيز)…
لأجد نفس العبارة خلفها ومقطوعة شعرية له:…
( انت بعد اليوم سلوى***وخيال في كتاب ***اسفا صليت في حضنك واشتمت عيوني قدميك ***انت يامن انت من صيرتني فصل كتاب ***اسفا ابتاعني الناس كتابا في يديك)…
فاخذتها لاحتفظ بها للتاريخ،لاتحسس ان له باع في التمرد والمغامرة وقد فلسفهما، ايكون حقا كاسمه مدني في التوحش وصالح في الفساد. ليكون مع الموت ايضا قد خط فلسفة من حياته ، كما كان يصنع في حصنه الفكري قناعات التحدي والتجديد معتقدا انها تدل على مفتاح علاقة النقد المعرفي مع الفلسفة من اجل ايجاد افاق الرحبة للمستقبل والتى بدت له ضيقة بالقوانين والأنظمة وجوازات العبور المحتاجة الى تاشيرات للوصول الى الثقافة الانسانية عبر الحدود لانه لم يكن يثق بالاعلام كوسيلة اتصال امينة . فقد كان يتمنى ان تكون المعرفة ومنها النقد والفلسفة يتشارك بها المجتمع على المائدة الى جانب الخبز والتمر واللبن والماء …
bahaaldeen@hotmail.com
bahaa_ideen@yahoo.com
* عن مجلة بصرياثا