يبدأ الكاتب صلاح صلاح روايته كيف تقتل الأرنب بإعلان فيقول: ( هذا إعلان عن أرواحنا في الهجرة، اللجوء) ثم يستدرك ويقول أكتب هذا الزبور بفيض استدلالات تأريخي الشخصي ” نحن أمام رواية عراقية تتحدث عن مصائر المهاجرين الذين نكلت بهم الحروب وعصرتهم الظروف الاقتصادية بسبب الحصار يرويها راوٍ مثقف مصاب بالهلوسة بعد تناوله سموم عقاقير الكآبة والشيزوفرونيا مضيفا قدسية لما كتبه باعتباره أول زبور يؤرخ تأريخ اللاجئين الوهميين الذين يدعون الاضطهاد في بلادهم هربا من الحرب والحصار الاقتصادي فيمارسون الكذب والدجل على المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وتستمر هذه الأكاذيب إلى بلدان المهجر فيقومون بخداع السلطات المحلية للحصول على الأموال بطرق غير شرعية ,الراوي يعرف نفسه أنا الأنوناكي …. من المزبلة ولدت وإلى المزبلة أعود … هنا يصر الراوي أنه بكتب الزبور فيستخدم لغة الكتاب المقدس من التراب والى التراب أعود بالوقت الذي بعترف أنه قادم من الفضاء الخارجي حسب الأسطورة السومرية التي تقول إن الإنسان السومري هو نتاج تلاقح العمالقة القادمين من الفضاء الخارجي مع الإنسان البدائي الأول في رمزية استعلائية للراوي على البشر الذين اضطر التعامل معهم في هذه الرواية .
الرواية مدورة كعادة الروائي صلاح صلاح إلا أن تدوير رواية كيف تقتل الأرنب يختلف عن رواية أوراق الزمن الداعر التي كانت تدور بين زمنين الحاضر والماضي فينتقل بنا من لحظة زمنية في كندا ليسرد لنا روايته في العراق ويرجع الى الحاضربعد عملية السرد وقت بداية الرواية , في هذه الرواية الراوي يلتقي مع صرصار انكليزي يدبّ في مرحاض المطار يبشره بأنه سوف يكتشف اشياء رائعة وعندما يتسائل الراوي البطل: مثل ماذا ؟ يقول له الصرصار: لاحقا .. ويأتي سرد الاحداث ليلتقي به مرة اخرى في مرحاض مقهى تم هورتنز ويقول هل فعلوها بك ؟
اقول كان حريا بك ….ويسكت الراوي بقصد ان تقول لي الحقيقة
فيجيب الصرصار لم اشأ ان تفقد ايمانك مثلما فقدته بالوطن … كنت اعرف منذ قبل ولادة العالم لكني لم اشأ التدخل بالانساق , الانساق هي الرواية بين البداية والنهاية لاكثر من 242 صفحة يسرد بها صلاح صلاح دون ان يفقد ترابط خيوطه المتشابكة التي تنم عن وعي عال وادراك لما يقول , وبذلك يكون صلاح صلاح قد خدعنا بلعبة الرواية على ان البطل كان يهلوس ويسرد روايته بعد تعاطية لسموم العقاقير حيلة لجأ اليها المؤلف لتفادي المشاكل والمطبات القانونية بسبب رواية تكشف المستور وتزيل الغشاوة عن عيون الكثير الذين وقعوا ضحايا عمليات النصب والاحتيال التي مارسها مهاجرو البلدان النامية في الدول المضيفة دول اللجوء ضد ابناء جلدتهم المهاجرين الجدد فيكشف الاعيبهم وممارساتهم اللا انسانية وفقدهم شرفهم بعد ان فقدوا الوطن . رواية كيف تقتل الارنب رواية سقوط الانسان العراقي وقتل المثقف العراقي في المهجر بعد سقوط الوطن
وهي الرواية الخامسة للمؤلف صلاح صلاح الصادرة عن دار مومنت في لندن كتبت على شكل فصول مرقمة كل فصل ينتهي بحدث في كندا بين مدينة هليفكس وتورنتو يستعمل الفكاهة السوداء بصياغتها فيجعلنا نضحك الى حد البكاء ونبكي الى حد الضحك ينهي احداث فصوله بكلمة اكشن وهي كلمة لتقطيع الحدث في صناعة الافلام السينمائة ليزد تسليط الضوء على السرد ولينتقل بنا الى مقطع اخر بعد اكشن اخر , تسيطر على هذه الاحداث الكتابة الكابوسية المليئة بالتشاؤم وهو بهذا الاسلوب يقترب من كثير من الكاتب الجيكي فرانز كافكا الذي كتب بالالمانية نص المسخ الذي تحول فيها البطل الى حشرة كبيرة لكن في رواية صلاح صلاح يجري آنسنة الحشرة الصرصار فيقف الرواي امامها يتكلم معها ويجادلها والحشرة تتحول الى راو عليم لكنها لا تتدخل بالانساق حسب تعبير الحشرة وتترك البطل ليسرد النص بحرية تامة يظهر فيها الكاتب براعة بصياغة الجمل بأسلوب شعري جميل بجعل القاريء يحلق مع الكلمة الى السماء لكنه سرعان ما يستعمل كلمة نابية تسقط بنا الى الحضيض , هذا التلاعب والتناقض بالكلمات والمستويات السردية بجعلنا ندرك ان الكاتب صلاح صلاح وصل الى مرحلة النضج والاستاذية بالسرد فنكون ازاء كاتب لديه ادواته ولغته الخاصه اضافة الى اسلوبة المميز الذي ما كنا نراه في رواية بوهيميا الخراب بالرغم من اماطة اللثام عن الواقع المأزوم للمجتمع العراقي في ظروفه الاستثنائية واستعماله الواقعية الصادمة في النصين , صلاح صلاح لا يكتفي بنقد الاوضاع الداخلية بالعراق وانما ينتقل بنا ليسلط الضوء على مجتمع المهجر وهم شرذمة من ادعياء اللجوء من بائعي نفط وكاولية ورجال دين معممين وسماسرة وغانيات واناس لاتجيد ثقافة بلدها الاصلي ولا تستطيع الاندماج بالمجتمع الجديد لذا تتقوقع على نفسها في مجتمعات منغلقة متمثلة بالحسينية والمساجد تمارس فيها العهر والجنس باسم الدين واستغلال الاخرين من اجل الجنة الموعودة وزرع الكراهية و العداء بينهم والمجتمع الجديد الذي وفر لهم الحماية فشيخ الجامع يرسم صورة خنزير على باب الجامع ويصورها ويرسلها الى جماعة المسلمين بالدول الاسلامية الاخرى من اجل التشهير و الوقوف معهم ضد استغلال الكفار لهم في حين يحاول ان يكون متسامحا مع الشرطة المحلية بان الحدث لا قيمة له لكنه يحرض الشباب داخل الجامع ضد الكفار باساليب شتى تنتهي بتجنيد البعض بعد الايقاع بهم بمكائد مدبرة وارسالهم الى معسكرات التدريب الارهابية , ص 189 يمسك الشيخ عكرمة بي ويقول لاحظت انك لاتصلي مثلنا هل انت رافضي ؟ واقول لا عراقي اننا لا نعرف الفرق بين المذاهب والاديان كما انتم في البلاد الاخرى , الكاتب يثبت عراقيته البعيدة عن الطائفية بأكثر من موقف ويعتز بعراقيته فيذكر كوكب نيبور في ص 159 الكوكب الذي رسمة السومريون على لوحات طينية ويعتقد حسب الاسطورة ان العمالقة الذين تزاوجوا معهم قد نزحوا من هذا الكوكب
صلاح صلاح يصور كيف يتم الاحتيال على برنامج الضمان الاجتماعي والولفير ورفض كثير من المهاجرين دفع الضرائب والتهرب منها وهو لا يكتفي بهذه المشاهد بإدانتها بل يصور لنا صور مروعة اخرى يتحول فيها الانسان داخل المدينة الى حيوان مفترس ينزع قناع الانسانية ليصيد الحمام المسالم الذي يمشى على الارض في ساحة بارك المدينة ص162 واقف مدخنا في العالم وما ان تصل السيجارة الى نهايتها حتى تتوقف بغته سيارات الشرطة واهرع واطلب من حيدر ان يحكي لي بسرعة ويقول بلهاث:( مناويك لم افعل شيئا فقط التهمت عشرة آلاف حمامة بالساحة انكم تضطهدوننا لاننا مسلمون ساشتكي الى البرلمان ) واخيرا البطل يدرك ان لافرق بين التشرد في تورنتو وبغداد ويصل الى قناعة زوجته تتكلم بحكمة ما ص 170 تجري كلمات زوجتي من ليس له باع في وطنه ليس له نصيب من هذا العالم
نيران العبيدي
نيسان 2015
كندا