مرة أخرى تشب نساء الروائي (حميد الربيعي ) عن طوق الممنوع والمحرم لتهيمن على ساحته السردية في المجموعة القصصية الجديدة ، التي صدرت هذا الأسبوع عن دار أمل الجديد بعنوان ، ذي دلالة ، (بيت جني) ، وهي المجموعة الثانية له بعد أربع روايات .
عبر خمس عشرة قصة يتناول شخصيات نسائية ، حتى يمكن أن تصنف المجموعة ضمن تيار النسوية المتحررة ، لا المنغلقة أو الملغية للآخر (الرجل) ، كما وصفها الناقد ( حاتم الصكر)، في مقدمته ، ” فالشخصيات نسويه والساردات أيضا ، الجنس حينما يحضر فليس للعرض والرغبة ، بل ليكمل تهميش المرأة أو معاملتها بعنف أو بقمع اختياراتها وشهواتها وأحلامها ” .
القاص يحاكي هموم المرأة وتطلعاتها ، مثلما يحاكي تاريخ المدينة وتشظيها ، لقد نجح في جعل المرأة والمدينة صنوان ، لا تكاد تفصل بينهما ، فقد لاحق مدينته و تاريخها المتدحرج عبر وجه الأنثى ، فحين ترحل المرأة ، في أحدى قصصه، يوقن الراوي بأن المدن ، كما التاريخ تشيخ ، لقد جسدت المرأة لديه صور المدينة ، بكل أرثها الحضاري و تحولاتها عبر الأزمنة .
نصوص (حميد الربيعي ) تشد القارئ وتجعله يتماهى مع شخصياتها، ملاحقا لها في أقبية ودهاليز المدينة ، لقد أرخ عصور الازدهار والانحطاط ، شادا القارئ في رحلة غرائبية ، يتداخل الماضي فيها مع الحاضر، في أجواء سحرية ، لكنها غير بعيدة عما يجري من أحداث وتحولات في واقع حياتنا الراهنة ، دون أن يلمس ذلك ، بشكل فج أو مباشر ، بل يؤطر علامته السردية ، لتحيل القارئ إلى متابعة تلك الدلالات .
أن الخيط الشفاف ، الذي حافظ عليه القاص عبر المجموعة ، هو ذاك الدفق الدافئ من اللغة ، والتي بقدر ما تحمل من رؤيا ، بقدر ما كانت معبرة عن ذات الشخصيات في إيقاع الحياة الصاخب
مرة تكون المرأة راقصة في ملهى رخيص عنوانا عن التدهور المريع لموضوعة الرقص ، حينما كانت أمها راقصة بالية وما آلت هي أليه في ركن مهمل من قاع المدينة ، في قصة أخرى ينمو في فرج فتاة أسنان كي ما تبعد عنها عهر سماسرة دور الرعاية الاجتماعية ، فتاة أخرى تموت من فرط أمنيتها ، التي واعدت صديقها بتحقيقها في اليوم التالي ، أيضا ثمة فتاة أخرى، حينما شغفت برائحة شاب ظلت تجوب الأصقاع بحثا عن تلك الرائحة حتى غدت خبيرة روائح .
القصص الخمس عشرة يختلط فيها الحلم مع الواقع، لكنه يفتح افقأ للخلاص من واقعية الحدث وماساته ، كذلك تجترح لها مساحة في لا مألوف الحكاية ، داخلة في عمق الشخصيات ، لترسم أمانيها وتطلعاتها .
على الغلاف الأخير ثمة مقطعان ، أولهما مقتضب من المقدمة ، التي كتبها الناقد حاتم الصكر ، المقطع الثاني مقتبس من دراسة مطولة للدكتورة زينا الكسبي ، من جامعة بابل ، تؤشر فيه إلى ” شكل حميد الربيعي حكاية للمكان ، فهو يكتب بكل تفاصيله ، في وسط دهاليز تشبه أزقة المدينة ، فالشخصيات تتناثر مدونة نسيج حيوات ، فهي مصابة بقلق المكان واضطرابه ، إذ ينشطر الفضاء السردي مولدا إيقاعا خاصا لفضائي اليقظة والحلم “.
تقع المجموعة القصصية في 108 صفحة من الحجم الوسط وبطباعة أنيقة وغلاف جذاب .
زهر حسون الابراهيم