عبدالكريم ابراهيم : (عبد الشط).. حكاية من ذاكرة جدتي

abdulkarim ibrahimكانَ يختبئ في مخيلة الماضين وحكاياتهم عنه، وقلما نجد منطقة من بلادنا إلا ولها قصة مع هذا الشيء المجهول، الذي اختفى في السنوات الاخيرة. ولعل الحروب وقنابلها والتلوث البيئي ومشاكل طبقة الاوزون جعلته يختفي الى غير رجعة، ما خلا حكايات الكبار وقصصهم عنه.. لقد كان يلاعب الآخرين ويمازحهم ليس لغاية سوى اللهو والهزل، ويبدو انه كوميدي من الطراز الاول، ولكن مزاحه هذا احياناً يكون ثقيلاً يصل الى درجة القتل.     جميع الذين رأوه قالوا عنه انه طويل الساقين، أشعث وطويل الشعر، حتى يصل الى قدميه، سمرته كليلة شتائية غاب عنها القمر، يلبس من الثياب فقط ما يستر البدن، ويتخذ اشكالاً عديدة، فهو يملك قابلية تقمص صور الاشخاص وتقليد اصواتهم، وقد ينقلب الى اشياء يألفها الناس، ويسكن قرب سواحل الانهار والشطوط القديمة. ولعله على علاقة وطيدة مع الماء، ولكن مخلوقا بهذه المواصفات جعله صعب الاصطياد والتغلب عليه، ولا يمكن حتى لمن يملك قوة خارقة في اصطياده، اما الذين تغلبوا عليه ووجدوا نقطة ضعفه استطاعوا من خلالها السيطرة عليه وبعدها كسبوا صداقته وثقته، وكل الذين عايشوه يقولون: انه صديق وفي ومخلص. وفوق كل هذا يقوم باعمال لا يستطيع مئة رجل تنفيذها. كانت نقطة ضعفه انه يخشى الابرة وكلمة (سكين وملح)! ولا نعرف ما تأثير ذلك  على هذا المخلوق العجيب؟ وينقلون عنه انه لا يحب الطعام المالح.. ربما كان مصاباً بارتفاع ضغط الدم، او يعاني من تصلب الشرايين! وكذلك لا يحب الطعام الحار، ويقولون: انه فقد اسنانه نتيجة اكله الطعام هو حار. مخلوق عجيب يصنع الاشياء، فهو مبتكر من الطراز الأول، يفوق اديسون وكراهام بيل، وله القدرة على قراءة الطالع وافكار الناس، وايضاً خجول، ولاسيما من الجنس اللطيف، فهو لا يجيد هواية غزل البنات، وفوق كل هذا انه كخط مستقيم، لا يتلاعب بالالفاظ والكلمات، وكل الذي في قلبه على لسانه، فهو صريح جداً حتى عندما يمارس اعمال الشر، وان كانت لغرض اللهو البريء كما يعتقد هو. بعد هذه السنوات الطويلة التي قضاها (عبد الشط) بين احضان ذاكرة الاجداد وحكاياتهم التي لا تنتهي عنه، وعن اعماله الخارقة ومزاجه المتقلب بين الشر والخير والخوف من الابرة وملح الطعام.. اختفى في زحمة المرور واختناقاته والكتل الاسمنتية والسيارات المفخخة  وضجيج المركبات، وربما طلب اللجوء الى احدى الدول ـ طبعاً غير العربية ـ لأنه لا يؤمن بالشعارات التي يطلقها البعض، طبعا ولا الدولة النامية، لانه يخشى الدكتاتوريات المقنعة بالثورية والمواطنة الصالحة.. طبعاً هو لا يملك ميولاً رأسمالية، لذا من المستبعد ان يكون في احدى الدول الغربية، وليس ذا نزعة اشتراكية التي يمكن ان تجعله في الشرق. ربما عاد الى الشط الذي جاء منه وانتسب اليه بالرغم من اقامة سدود عديدة على نهري دجلة والفرات، في وقت انحبس المطر عنهما، او هرب من مرض انفلونزا الطيور، برغم الاجراءات الصحية المشددة لمنع انتشاره. علماً انه يحب اكل الدجاج العراقي وخصوصاً المشوي بالتنور. هل ذهب الى دارفور؟ لان الناس هناك يشبهون سمرته وطول قامته، لا احد يعرف مصيره حتى الان سوى حكايات الاجداد..

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

حــصــــرياً بـمـوقـعــنــــا
| أحمد خيري : الكتابة وفضيلة أن نكون اجتماعيين “قراءة في كتاب اعترافات بلا كمامات” .

قد يكرّس المثقّف موهبته لحملِ رسالةٍ ما، أو تمثيلِ وجهة نظرٍ ما، أو موقفٍ ما، …

| عبد الرضا حمد جاسم : الاحتلال الأمريكي للخليج و الجزيرة العربية 1/4 .

مقدمـــــــــــــــــــة: ونحن في أيام ذكرى الهجمة الامريكية الصهيونية العربية لتدمير العراق و من ثم احتلاله …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *