بالرغم من حزن المدينة
فهيَ عبرَ زجاج بسمتها تُري أعماقها للناظرين
أضواؤها أحداقُ ألافِ العيون الغائباتِ – الحاضرات
ودروبُها
مثلُ الشرايين التي في قلبها المملوءِ بالآهاتِ تنبضُ بالحنين
تلك الأغاني لم تزل كالشاي تُشربُ في مقاهيها
ومثلَ سحائبِ الدُخّان
تُمطرُ فوقَ رُوْسِ الراكبين
فهل الأغاني محضُ دمعاتٍ تُعتّقُ في سَراديبِ الخمور ؟
أم أنها ضوءُ الفوانيسِ الخفيةِ في الصدور ؟
من شُعلةٍ في الغيب تقبسُ نارَها
لتضيءَ عتماتِ السنين
تلك المدينةُ أضلعٌ
رُصّتْ ، فصارتْ فوقَ أنهرِها جسور
ماتتْ ، وقامتْ قبلَ هذا الموتِ
واجتازتْ حَصَاراتٍ
وعادتْ من ظلام الدهر تنسلُ كالجنين
**
لا تنطلي حِيَلُ الغزاةِ على المدينةِ
فهيَ شبّتْ تحصُدُ الخوفَ الذي في لحمِها
بذروه بذراً من عصور
لكنها خُدعتْ بأثواب الملائك
عندما فتحتْ لأهلِ النُسكِ بواباتِها
كانوا يَرَونَ عدوّهم بوجوههم
فتكاثرَ الأعداءُ

والحربُ الولودُ قد انجبتْ حرباً
وصارتْ تزحمُ الماشين
– ماشيةً على رجلين –
في الأرض القبور
كانوا – بحسبِ دمائهم – أبناءَها
لكنهُ الدمَ ليس يصدقُ دائماَ
فالشعلة الأولى التي حَمَلتْ أياديهم
بها قد أحرقوا أهدابَها
وعلى بطونِ الناسِ صَلّوا ، والظهور
واستهدفوا بالنَبل والطلقاتِ أعنابَ المدينةِ
أغلقوا حَاناتِها
فغدتْ بُطونُ الأرضِ حاناتٍ
وصارَ الخمرُ يُفجِرُ أعيناً خللَ الصخور
وبرغم تكفيرِ البلابلِ والسواقي
فاللحونُ تُصَبّ ما زالتْ ، وتُمزجُ في كؤوسٍ
والكؤوسُ تُدارُ من ساقٍ لساقٍ
ثمّ من حانٍ لحانٍ
والسُكارى من عَلٍ يُلقونَ أنفسَهُم بأشداق النُمور
لم تُذبحِ الأحلامُ منذُ اليومِ
ألافٌ من الأعوام مرّتْ بالمدينة مذ تيبّسَ ضَرعُها
لكنّ شعباً كاملاً
ما زال يغفو تحتَ أعذاقِ التُمور
**
ألنهرُ يأتي بالزوارقِ مثقلاتٍ بالصبايا
وعلى الضفاف الصبيةُ الفرِحونَ
من أعماقِهِم قد أطلقوا الآهاتِ سِرباً من طيور
ومن التقاءِ جموعِهِمْ بجُمُوعِهنّ ستُقدحُ السُحُبُ الثِقالُ
وتُمطرُ القبلاتِ
حتى يمتلي ، ويفيضُ حوضُ النهر قُبْلاتٍ
وتولدُ عن فيوضِ النهرِ قِطعانُ النُهور
سَمَكٌ كأقراطٍ تلامعُ فوق جيد عرائسِ الأمواج
سَمَكٌ كأكداسِ النقودِ
تلامعت بزوارق الصيد الفقيرةِ
بعضُهُ ينشقّ عنهُ القاعُ
والباقي تساقَطَ من صُحونِ الشمسِ مثلَ رذاذِ نورْ
وهناكَ ، في الأفاق إنفرشَتْ ملايينُ الشِفاهِ
ونُسّجَتْ في بعضها بعضاً بساطاً من زهور