د. جمال خضير الجنابي : أهمية الصورة الشـــــعرية ووظيفتها عند هشام القيسي (1)

jamal khudier aljanabiالإهداء

امسكت أوراقي
وكادت مهجتي الحيرى تذوب
ورأيتُ وجهكِ حين قابلني الغروب …
ماذا أقول…
حبكِ آخرُ أولوياتي وآخرُ ما اكون
انتِ التي…
سقتني حباً يموت بهِ ويحيا الميتون
لو أنني…
احظى بشيءٍ من رضاكِ اليَّ تلتفتُ السماء
فدعي ذكراكِ تمضي لحظةً لما أصلي
يا هلالاً دائماً يطلعُ فوقي
قد أخذنا ما لنا منذُ الصغر
واصطبرتِ كم على حكم القدر
فاحملي يا ريحُ أشواقي أليها
وانشريها حولها هاتفةً بصوتي…
إليكِ … وحدكِ..
أمي…
الفصل الاول
مفهوم الصورة الشعرية

hosham 7هناك من يرى ان (الشعر رحلة في اعماق اللغة)(103:ص16) واذا كان الشعر كما يقول الدكتور عدنان حسين رحلة في اعماق اللغة فانني ارى ان الشاعر هو المسافر في تلك الرحلة وهو الغائص في تلك الاعماق.
وحري به وهو يغوص فيها ان يكتشف ما تكتنزه تلك الاعماق من خفايا جديرة بالدهشة والانبهار، اذا ما تمكن بمهارته ان يفعل ذلك ولكي يفعل،ذلك مرهون، فضلا عن مهارته بمدى قوة ودرجة العلاقة التي يقيمها الشاعر مع اللغة فكلما كان قريبا ومحبا ومخلصا لها كلما كانت مهمته ايسر واقرب فاللغة (كنز الشاعر وثروته وهي جنيته الملهمة في يدها مصدر شاعريته ووحيه فكلما ازدادت صلته ونحسيه لها كشفت عن اسرارها المذهلة وفتحت له كنوزها الدفينة)(151:ص22).
وما سبق قوله يتفق مع قوله مع ما ذهب اليه الدكتور عدنان حسين قاسم بهذا الخصوص فهو يرى ان الابداع في العمل الشعري يتأتى من (قدرة الشاعر على هتك استار اللغة وتفتيق اكمامها ليستخرج ما بها من طاقات غنية كامنة في خلاياها وعلى قدر امتلاكه لطاقات اللغة والحياة فانه يمنحها من الشخصية والكيان بما يجعلها قادرة على الاستثارة والتحريك وهذا اروع هدف واسمى غاية للشعر(103:ص16).
لنضع ما تقدم قوله بخصوص اللغة وعلاقتها بالشعر نصب اعيننا ونعرج صوب بعض من مفاهيم الصورة الشعرية لنقف على درجة العلاقة التي تربط اللغة بالصورة الشعرية ومدى انعكاس هذه العلاقة على العمل الشعري باعتباره النتيجة.
فهذا عبدالقاهر الجرجاني يقول (ومعلوم ان سبيل التصوير والصياغة وان سبيل المعنى الذي يعبر عنه سبيل الشيء الذي يقع التصوير والصوغ فيه كالفضة والذهب يصاغ منهما خاتم او سوار، فكما ان محالا اذا انت اردت النظر في صوغ الخاتم وفي جودة العمل ورداءته ان تنظر الى الفضة الحاملة لتلك الصورة او ان تعرف مكان الفضل والمزية في الكلام ان تنظر في مجرد معناه وكما انا لو فضلنا خاتما على خاتم بان تكون فضة هذا اجود او فضته انفس لم يكن ذلك تفضيلا من حيث هو شعر وكلام وهذا قاطع فاعرفه) (42:ص255-266).
عندما نتأمل قول عبد القاهر الجرجاني هذا نرى انه في رؤيته النقدية هذه اكد تضافر المعنى واللفظ والصورة الشعرية وعدم امكانية الفصل بين هذه العناصر لان الشعر هو نتيجة لاجتماعيا جميعا واذا ما كان اجتماعها موفقا وهذا مرتبط بمهارة الشاعر وقدرته التشكيلية المقترنة بالابداع يكون كل عنصر من هذه العناصر قد ادى وظيفته او دوره على اتم صورة سواء على جانب القائل او على جهة المتلقي. ويؤكد ابن الاثير على اللغة واهميتها في التشكيل الصوري وان نوعية الصورة مرهونة باللفظ جزالة او رقة (ان الالفاظ تجري من السمع مجرى الاشخاص من البصر فالالفاظ الجزلة تتخيل في السمع كاشخاص عليها مهابة ووقار والالفاظ الرقيقة تتخيل كاشخاص ذوي دماثة ولين اخلاق ولطافة مزاج ولهذا ترى الفاظ ابي تمام كانها رجال قد ركبوا خيولهم واستلاموا سلاحهم وتأهبوا للطراد، وترى الفاظ البحتري كانها نساء حسان عليهن فلائل مصبغات وقد تحلين باصناف الحلي)(107:ص252) وتعد مقولة الجاحظ (ت 255هـ) (الشعر صناعة وضرب من النسج وجنس من التصوير)(37:ص131-132) اقدم مقوله جاءت فيها لفظة التصوير واستخداما ادبيا في مجال الشعر (160:ص11) ومن الباحثين من يرى ان الخليل بن احمد الفراهيدي قد اشار الى قدرة الشعراء على التصويرعندما قال الشعراء(يصورون الباطل في صورة الحق والحق في صورة الباطل)(108:ص143) واكدوا بان الفراهيدي قد سبق الجاحظ في ايراد لفظه الصورة بقوله هذا الذي اورده حازم القرطاجني في منهاج البلغاء (161:ص187) و(162:ص18-19).
اما عبدالقاهر الجرجاني فلقد اورد لفظة الصورة كثيرا في كتابه دلائل الاعجاز ومن ما قاله في ذلك (ومعلوم ان سبيل التصوير والصياغة وان سبيل المعنى الذي يعبر عنه الشيء سبيل الذي يقع التصوير والصوغ فيه كالذهب والفضة يصاغ منهما خاتم او سوار)(42:ص175-176)، اما التهانوي فقد قسم الصورة الى نوعين خارجيه وصورة ذهنية اذ عد الصورة (ما يتميز به الشيء مطلقا سواء كان الخارج ويسمى صورة خارجية او في الذهن ويسمى صورة ذهنية)(97:ص911).
وقال ايضا (الصورة ما به يتميز الشي في الذهن فأن الاشياء في الخارج اعيان،وفي الذهن صور)( 97:ص912) اما ابن سيده وحسب ما جاء في لسان العرب فقد اعتبر ان الصورة في الشكل)(102:ص143(.
وعندما ننظر الى مفهوم الصورة الشعرية على ضوء النظرة النقدية الحديثة نجد ان مصطلح الصورة الشعرية او الصورة الفنية هو مصطلح حديث تعارف عليه النقد العربي نتيجة لتأثره بمناهج النقد الغربي وهذا الكلام لا يعني ان النقد العربي كان بعيدا عن هذا المصطلح لانه قد اهتم بالجوانب التي اشار اليها هذا المصطلح قديما ولكن الذي اختلف في الامر طريقة العرض والتناول وهذه الصياغة الحديثة للمصطلح)(66:ص7).
لقد كانت الصورة دائما موضع الاعتبار في الحكم على الشاعر حتى وان لم ينص عليها في الدراسات النقدية العربية، وحين يقدم امرؤ القيس بأجماع نقدي واضح فان اهم مسوغات تقديمه انه اول من بكى واستبكى وقيد الأوابد وشبه النساء بالبيض.. الخ. وهكذا فان التمييز بالصورة المبتكرة في شكل استعارة او تشبيه لا يخفى ويمكن ان نعود الى كتاب مثل (طبقات فحول الشعراء) لنرى الخصائص المميزة لكل طبقة او لكل شاعر على حدة او لكتاب اخر مثل (الموشح) لنرى اهم الانتقادات الموجهة الى الشعراء وسنجد (الصورة) تاخذ مكانها البارز في المفاضلة بين الشعراء.
بل ان ناقدا بارزا مثل ابن رشيق قد اقام منهج كتابه (قراضة الذهب) على اساس الصورة الشعرية، مقررا من بادىء الامر ان السرقات لا تقع الا فيها، وان المفاضلة لا تقوم الا على اساس منها)(67:ص17).
وعلى ضوء ما تقدم يتبين لنا ان نقدنا العربي القديم قد اهتم بموضوع التصويرفي الشعر وهذا يدحض الاراء التي تزعم ان النقد العربي لم يحفل او لم ينتبه الى موضوع الصورة وان لم يكن ذلك الاهتمام بالسعة التي وصلت اليها النظرة النقدية الحديثة للصورة (والباحث في تاريخ نقدنا القديم لا بد ان يطلع تلك الاهمية وذلك التقدير الذي اولاه لهذا الجانب المهم في الشعر- جانب التصوير- فقد نظروا اليه بمنظارهم الخاص انذاك وقدموا جهدهم في هذا الصدد، مهما كان مفهومهم للصورة الشعرية فلا يسعنا الا ان نحترم ذلك الجهد ونقدره حق قدره وننظر اليه على انه جهد له قيمته في دراسة شعرنا العربي القديم)(68:ص50).
ويمكننا ان نحدد سمات الصورة في النقد العربي القديم على ضوء اراء النقاد القدماء التي قامت على اساس من عمود الشعر الذي كان له (اثركبير في تقييد حرية الشاعر القديم والحد من انطلاق شاعريته وبالتالي جعله يسير ضمن حدود معينة لا يتعداها الا في اليسير، ونهج الشعراء الجاهليون والتقليديون منهجا معينا في تصور الاشياء وتصور اللغة عماده الاعجاب بالنظم وقوة اللفظ والتنوع في السبل وتوجيه العناية للصياغة والسبك اكثر من العناية بالتصوير والخيال، فالنزعة التقليدية تميل الى تقرير المعاني الحقيقية في صياغة خلابه، والشاعر لا يوجه اهتمامه للصورة والخيال بقدر ما هو خطيب مفصح يتحدث الى سامعيه مهتما بمطالب المنفعة الجماعية ومن ثم لجأوا الى التعبير المجرد واستساغوه)(68:ص59) وهكذا نرى ان الصورة قد اصبحت عقليه لانها اعتمدت المنطق على حساب الشعور والعاطفة) (69:ص161) وقد اولى النقاد القدماء وضوح التشبيه وقرب المعنى وخلوه من الغموض اهتماما كبيرا (ينبغي للشاعر الاشارات البعيدة والحكايات المغلقة والايماء المشكل ويتعمد ما خالف ذلك ويستعمل من المجاز ما يقارب الحقيقة ولا يبعد عنها من الاستعارات ما يليق بالمعاني التي يأتي بها)(109:ص143).
وفي ما يخص الاستعارة فقد حددوا غرضها بـ (شرح المعنى وفضل الابانة عنه او تاكيده والمبالغة فيه او الاشارة اليه بقليل من اللفظ او تحسين المعرض الذي يبرز فيه)(99:ص268).
وعلى هذا فقد كان الوضوح من مهام الاستعارة اذ ان افضل الكلام (ما دخل الاذن بلا اذن)(107:ص352) وإحتوي على شيء من الغموض لان الغموض في الاستعارة يزيدها حسنا وبهاء ولقد تميز عبد القاهر الجرجاني بنظرته الى الاستعارة، انه يرى ان الخفاء في التشبيه يزيد من حسن الاستعارة (اعلم ان من شأن الاستعارة انك كلما زدت التشبيه اخفاءا ازدادت الاستعارة حسنا حتى انك تراها اغرب ما تكون اذا كان الكلام قد ألف تألفيا ان اردت ان تفصح فيه بالتشبيه خرجت الى شيء تعافه النفس ويلفظه السمع)(42:ص292) ومن سمات الصورة ايضا اعتمادها على التشبيهات الحسية وابتعادها عن المعنويات فقد شبهوا المراة بالشمس والقمر والكثيب والغزال والبقرة الوحشية والسحابة البيضاء والدرة والبيضة (98:ص54) وشبهوا عين المرأة بعين الظبية والبقرة الوحشية والانف بحد السيف والعنق بابريق الفضة والساق بالجمار والشعر بالعناقيد والفم بالخاتم وجمال الطول بالرمح (81:ص217).
وقيل في حسن التشبيه الحسي (احسن التشبيهات ما اذا عكس لم ينتقض، بل يكون كل شبه بصاحبه مثل صاحبه ويكون صاحبه مثله مشتبها به صورة ومعنى)(82:ص11) ومن هنا جاء اعجاب العرب بالبيت القائل:
فامطرت لؤلؤا من نرجس وسقت
وردا وعضت على العناب بالبرد
وعدوا هذا البيت من ما ليس له نظير (43:ص256) وقالوا في بيت امرى القيس: بأن التشبيه فيه افضل تشبيه (139:ص126) اما في مجال الوحدة والتضافر في العمل الشعري فقد اهتم الشعراء العرب بوحدة البيت على حساب وحدة القصيدة ذلك ان (الناقد يبحث عن بيت القصيد والبيت الذي يجري مجرى المثل ويفضلون القصيدة التي بها جملة من عيون الابيات على تلك التي تخلو منها وان جمعت من الترابط ووحدة الموضوع وفنية العرض القدر الكبير (24:ص33)، وان اهتمامهم بالبيت الشعري جعلهم يقولون عنهة(البيت من الشعر كالبيت من الابنية قراره الطبع وسمكه الرواية ودعائمه العلم وبابه الدربة وساكنه المعنى،ولا خير في بيت غير مسكون، وصارت الاعاريض والقوافي كالموازين والامثلة للابنية او كالاواخي والاوتاد للاخبية فما سوى ذلك من محاسن الشعر فانما هو زينة مستانفة ولو لم تكن لاستغني عنها)(81:ص121(
اما انعكاس احتفائهم بالبيت الشعري ووحدته على الصورة الشعرية فيتمثل في انه (اعان على تقبل الحلي التي تفشت اضرارها في التفكير العربي وخلق مجالا صياغيا يستبد بالصورة المجازية او يعطيها حدودا واسوارا صناعية او ثباتا واستقرارا دخيلا بحيث تتحرك الصورة في حدود معلومه من جمال شكلي)(160:ص240)، ونتيجة لذلك تحدد مفهوم الصورة لدى النقاد القدماء،اذ ان مفهوم الصورة لم يرتبط بمفهوم وحدة البيت.
ولهذا فقد تناثرت الصورة الشعرية في شعرنا القديم تبعا لوحدة البيت، فالشاعر كان وهو ينظم قصيدته يسير على وفق قواعد محددة تقوم على براعة الاستهلال ووحدة البيت وفصاحة اللفظ ورصانته وموسيقاه وقصيدته اشبه بالعقد المتناثر، كل حبة منه جميلة بمفردها ولكننا لو حاولنا ان نبحث عن ذلك الخيط الذي يجمع تلك الحبات فيمنحها لونها الخاص وصورتها المحددة او وحدتها ذات الشكل الخاص فاننا عبثا نفعل، فالشاعر كان يميل الى التعبيرالمجرد ويهتم بالحقيقة والوضوح وكان يتجه الى متعة العقل اكثرةمن متعة الخيال وكان وراء تاكيد الشعراء على هذا النهج انهم وجدوا التشجيع من النقاد.
فالناقد القديم لم يكن يحفل بوحدة القصيدة العضوية ولا بوظائف الصور وكان تركيزه على وحدة البيت وكانت نتيجة ذلك ان الشاعر لم يعر اهتماما الى تضافرالصورة مع الفكرة العامة او الشعور الذي يريد تصويره ولذلك جاءت الصورجزئية غير متأزرة في اظهارالصورة الكلية وان اتحد موضوعها)(132:ص448). اما الجوانب النفسية بما لها من تأثير في النتاج الشعري وصياغة الصورة الشعرية فقد اهملها النقد العربي القديم ولم يتمكن من تكييف التفكير على وفق الانطباعات والانفعالات وهذع من اهم سمات الابداع في التصوير الشعري ولذلك جاءت الصور الشعرية تقريرية بعد ان فقدت صفة الايحاء)(133:ص258)، اما الخيال فقد اهمله النقد العربي الى حد كبير وفهمه النقاد فهما خاطئا فاعتبروه تجاوزا وانحرافا يحمد ولا يحمد وكثيرا ما وصفوا هذا الانحراف بالكذب مما حدا بالشعراء الى ان يبتعدوا عن الخيال ويتجهوا صوب الواقع وهذا ما قيد الشعراء وحد من حريتهم وانطلاقتهم)(160:ص10).
ولقد اضعفت مسألة صدق الشعر وكذبة الخيال الذي ارتبط بالمبالغة والكذب والابتعاد عن الواقع فكان ان قيل في ذلك ان خيرالشعراصدقه مستشهدين بقول حسان بن ثابت.
وان أحسن بيت أنت قائله بيت يقال إذا أنشدته صدقا(17:ص308(
وهكذا عد الخيال خداعا للعقل لان الشاعر (يثبت امرأ هو غير ثابت أصلا ويدعى دعوى لا طريق إلى تحصيلها ويقول قولا يخدع فيه نفسه ويريها ما لا يرى) (17:ص311(
فكان ان فقدت الصورة الشعرية احد عناصرها المهمة (فالخيال أساس الصورة الأدبية مهما كانت درجته الفنية فأليه يرجع تحقيق الاندماج بين الشعور واللاشعور وتحقيق التوافق بين الوحدة والتنوع وهو الذي يخلق العمل الفني)(68:ص97).
اما مفهوم الصورة في النقد الحديث فقد اختلف عنه النقد القديم ذلك(ان النقد الحديث يكاد يتجاهل كل مباحث البلاغة العربية ومقاييسها ويعتمد في تقيمه للعمل على مقاييس وموازين جديدة تقوم على اسس نفسية غالبا، فاصطلاح الحقيقة والمجاز في النقد الحديث قد اتخذ اسم الصورة، والصورة هي الصيغة اللفظية التي يقدم فيها الاديب فكرته ويصور تجربته، ويتضمن اصطلاح الصورة الشعرية جميع الطرق الممكنة لصناعة نوع التعبير الذي عليه الشيء مشابها او متفقا مع اخر) (68:ص78).
وقد تعددت وتباينت المناهج النقدية التي سار عليها نقدنا العربي الحديث (وافاد نقادنا في هذا المجال من مناهج النقد الحديثة عند الغربيين التي اعتمدت على المعارف والعلوم المختلفة واشدها تأثيرا علم الجمال وعلم النفس والفلسفة رغبة منهم أي النقاد في التوسل بما يشبه اساليب العلم وطرائقه والاستعانة بها في دراسة الشعر وتحليله) (159:ص8). ونتيجة لتعدد المناهج وتباينها تعددت مفاهيم الصورة الشعرية وتباينت ايضا وسائل صياغتها وتشكيلها.
وقد اضفى كل منهج درسها واعتمدها في تحليله ظلاله على مفهومها فمنحها بذلك بعدا نقديا جديدا بعد ان حملت سمات وملامح ذلك المنهج مما جعل لها خصائص محددة في مجالات عديدة من مجالات المعرفة الانسانية في الدراسات اللسانية او اللغوية والفلسفية والرمزية والبلاغية أو الفنية (23:ص42).
ان تخلي النقد الحديث عن المباحث البلاغية دفع الشعراء (إلى التعويض عن هذه العناصر المثيرة في الشعر بالاكثار من الصور الشعرية وكانوا يعانون فوق ذلك من تعقيدات عاطفية وفكرية وروحية تلزمهم بها اللحظة الحضارية التي بدت كأنها تخترق بوابة الزمن نحو تقرير انبل لوضعية الإنسان في هذا الجزء من العالم، ولم يكن بإمكانهم إن يعبروا عن هذه الحالات المعقدة عن طريق الشعر المباشر فلجأوا إلى الصورة والأساليب الموارية من أسطورة وفلكلور وإشارة ورمز. وقد ساعدهم تأثرهم بالشعر الغربي المعاصر بالصورة في اجتياز العقبة من الأساليب القديمة نحو أسلوب جديد حي يتنفس بروح العصر الحديث) (60:ص48-49).
ومن دواعي تخلي الشاعر الحديث عن الإشكال البلاغية انه كان يرى فيها (تركيبا ذهنيا حرفيا جافا ومباشرا وغير قادر على إثارة العواطف) (152:ص53-54).
اما قبوله لها فيعني انه (كمن يستسلم لحقيقتها فينسق عندئذ وجوده الفكري وفقا لهذه الصور، وهو عندئذ لن يضع صورا بالمعنى الفني المألوف للصور، بل سيضفي النسق الطبيعي القبلي على الفكره، فتخرج الصورة عند ذلك إشكالا صحيحة مبرأة من كل تشويه ولكنها ليست صورا على الإطلاق) (60:ص178). فهي (لم تكن متعلقة بالعاطفة والتجربة، بل كانت ثوبا مفصلا سلفا) (72:ص170).
وعلى هذا الأساس ونحن نتطلع إلى علاقات لغوية جديدة تسهم في خلق صور شعرية جديدة (قد يبدو لنا نتيجة لرواسب تفكيرنا القديم ان نستكر للوهلة الأولى إن تكون اللغة نابضة بروح العصر وشعرية في الوقت نفسه، ولكننا ألان نستطيع إن نقول أنها لا تكون لغة شعرية بحق إلا عندما تكون نابضة بروح العصر، وليس من اليسيرعلى الشاعر الذي تربى ذوقه على شعر عصر أخر له لغته الخاصة ونبضه الخاص إن يقول الشعر بلغة عصره لأنه يحتاج في البداية إلى عملية تخل عن القوالب والصيغ التعبيرية القديمة لكي يستكشف القوالب والصيغ الجديدة التي تحمل نبض العصر اكثر من غيرها، وليست هذه بالعملية الهينة لان استكشاف لغة جديدة للعصر تكاد تكون خلقا لهذه اللغة) (60:ص178)
ولذلك فان الجدة في التصوير سمة أساسية من سمات الصورة الشعرية الجديدة (إن الصورة الشعرية الحقة هي إبداع فني يخاطب الروح والإحساس والخيال معا… ويشيع فينا مدركات خيالية جديدة مادية ومعنوية ويضع بين أيدينا الصلة التي قد تشرد عن أذهاننا عند مواكبة الصور المختلفة أو عند الجمع بين النقيضين في خيال صادق وإدراك فني بديع) (44:ص66).
ولذلك جاءت الصور الشعرية الجديدة على اساس فني جديد استمد وجوده من عناصر الصورة الشعرية ذاتها وليس من المعالم الحسية للواقع (إن أول ما نلحظه هنا هو إننا إمام تركيبة وجدانية تنتمي إلى عالم الداخل اكثر من انتمائها إلى الواقع.
أنها صورة داخلية نتيجة إلى تنسيق الوجود الخارجي وفقا للمشاعرالذاتية الداخلية…… فقد اصطبغت الصورة الشعرية بموقف الشاعرمن الوجود، هذا الموقف الذي اعتمد فيه الشاعر على ثقافته الخاصة اكثرمن اعتماده على تجاربه المباشرة.
لقد أدرك الشاعر الحديث إن عالمه لا يعطيه أنماطا واضحة للاستجابة ولهذا فهو مضطر الى إن يفكر ويشعر في حدود ذاته…. وهكذا سيطرت الرؤية الداخلية للشاعر على صوره الشعرية فجعلتها صورا ذات وجود نفسي داخلي تحرص على الداخل أكثر من حرصها على العلاقات الخارجية (104:ص126).
ان اختلاف عالمنا عن عالم إسلافنا كان له اكبر الاثر في ان يتوجه الشعراء هذه الوجه ان عالمهم (طبع نفوسهم على استجابات اكثر وضوحا ونقاء في حين ان عالمنا في ظل مناخنا الحضاري طبعنا على القلق والحيرة فنحن نستقبل كثيرا من مجريات الحياة منقسمين عاجزين عن اتخاذ موقف واضح ومن هنا كان رصيد الشاعر المعاصرلاحساساته واستجاباته الفردية هو السبيل الوحيد للخلاص) (104:ص126).
ولذلك اتجه الشاعر الى ذاته في بناء قصيدته وتشكيل صوره الشعرية، كما ان (اعتماد الشاعرالحديث على ثقافته الخاصة في بناء صوره الشعرية جعله يفضل الواقع الأسطوري على الواقع الخارجي، هذا الواقع الغني برموزه الانفعالية وأحاسيسه البكر لقد ادرك الشاعر الحديث خلال تجاربه المستمرة ان افعال الذات الداخلية وافعال الاسطورة هما وحدهما المالكان لصفة الضرورة وانهما لهذا اسمى من الواقع الخارجي العرضي الذي فقد في ظل مناخه الحضاري ان يمد انسانه بمواقف واضحة للاستجابة) (104:ص126-127).
واذا ما اتجه الشاعر الى الواقع الخارجي فهو انما يتجه اليه على وفق تشكيل جديد يتضمن تنسيقه باتجاه يكفل له المطابقة مع رؤيته ومشاعره.
فكانت معرفة الشاعر للواقع الخارجي تتمثل بطريقته في التعبير عن وجوده الذاتي، ولم يكن الواقع الخارجي الا تلك الصورة التي شكلها الشاعر. فاصبحت الصورة الشعرية صوره ذاتية انفعالية تتضمن قدرا كبيرا من العاطفة وتحتوي طاقه ايحائية كبيرة.
ان هذا التشكيل الصوري الجديد النابض بروح العصر قد تم بابتعاد الشاعرعن اللغة المعتادة او بما يسمى(بالمعجم الشعري) الذي اعتادت عليه القصيدة العربية التقليدية،ذلك ان اللغة المعتادة تفقد تأثيرها بكثرة الاستخدام واعادة حيويتها وتأثيرها هما من مهام الشاعروهذا ما اشار اليه (اروين ادمان) في كتابة (الفنون والانسان) اذ يقول(لا يمكن الوصول اليه- أي التأثير- بمجرد استخدام الكلمات الحسية فكثير من هذه الكلمات قد صار باردا حائل اللون خلال الاستعمال الروتيني وانما يثير الشاعر فينا الدهشة بمعرفة جديدة عن طريق الارتباط غير المتوقع الذي يخطف الابصار) (60:ص133)
وفي هذا يكمن سر جمال الصورة التي تم تشكيلها على وفق طريقة لغوية جديدة غير مألوفة تجعلها اكثر قدرة على الاكتشاف والمعرفة وكما يقول (بول ريفردي) (ان الصورة تستكشف شيئا بمساعدة شيء اخرالمهم فيها هو ذلك الاستكشاف، أي معرفة غيرالمعروف لا المزيد من معرفة المعروف ولهذا لايكون التشابه بين الشيئين تشابها منطقيا او كما قال العالم اللغوي(كارل فسلر) ان صورة الاقتران اللغوي التي من هذا النوع ليست على الإطلاق حركات منطقية للتفكير.
انها حلم الشاعر حيث تتضام الأشياء لا لأنها تختلف فيما بينها او تتحد، بل لانها تجتمع في الفكر والشعور في وحدة عاطفية) (60:ص143)
وكان هذا من الأسباب التي جعلت الغموض يسيطر على هذه الصور الداخلية التي تخاطب ما بعد الحس محاولة الوصول بالمشاعر الى ما لم يكن باستطاعة الحواس والعقل الوصول اليه.
ولذلك برز الغموض كسمة من سمات القصيدة الحديثة اذ ان الوجود الذاتي واللاشعور عالمهما الايحاء والرمز (فالصورة الشعرية في القصيدة الحديثة تتوشح بنوع من الغموض الشفيف المشع، وهذا الغموض ليس مجرد نتيجة للعبث بالعلاقات المنطقية بين عناصر الوجود فحسب وانما هو ايضا وسيلة يستخدمها الشاعر عن وعي لتقوية الجانب الايحائي في الصورة وبخاصة اذا كانت الصورة توحي بتلك الجوانب الخفية المستمدة من تجربة الشاعر………..ومثل هذه الصور.
لا تقدم شيئا محددا واضحا وانما هي تشف عن مجموعة من الدلالات والمعاني من خلال هذه الغلال الشفيفة من الغموض وعدم التجرد وبواسطة هذه الظلال الموحية غير المحددة تستطيع الصورة ان تعبرعما لا تستطيع التعبير عنه الالوان المحددة الواضحة) (83:ص87)
هذا ما يخص الشاعر إما جدوى الغموض بالنسبة للقارئ تتمثل بـ (مشاركة القارئ للشاعرفي عملية الاكتشاف والإبداع لان الصورة إذا ما حددت للقارئ كل شيء فانه لن يبقى لديه شيء يكتشفه ويشعر بمتعة اكتشافه كما إن في الوضوح خطر الملل لان القارئ يؤثران يكتشف هو اسرار الصورة بنفسه على إن تتكشف له هذه الاسرار من تلقاء نفسها، فتضيع عليه لذة الاكتشاف والمشاركة في الإبداع) (83:ص88).
فالصورة الشعرية الجديدة ترينا الاشياء التي نحسب اننا قد عرفناها وكاننا لم نعرفها من قبل وتجعلنا نشك في مفاهيمنا الثابتة للاحداث وفي تأويلاتنا للاشياء وتجعلنا ننعم برؤى جديدة، وتأويلات جديدة، وذلك لطاقتها الايحائية وقدرتها على خلق الدهشة لان (الشعريزيل حجاب الالفة الذي يقف بيننا وبين الوجود،ويجري امام عيوننا الجمال النائم الذي هو روح الكون بكل صوره….ويرفع اللثام عن الجمال المختفي وراء استار الالفة والاعتياد، ويجعلنا نبصرالاشياء المعتادة كانما لم نشهدها من قبل على الإطلاق) (14:ص17).
والصورة الشعرية الحديثة هي وسيلة إيحائية وليست وسيلة تقريرية أي ان مهمتها الإيحاء وليس التسمية او الوصوف المباشر ذلك ان الوصف المباشر يجعلها صورة تقريرية تقدم على تسجيل التشابه الحسي الملموس وهذا ما بعده النقاد المحدثون عيبا من عيوب الصورة الشعرية التي يجب إن تحمل من الإيحاء ما يجعلها قادرة على تصوير عوالم الشاعر الداخلية بكل ما يجيش بها من افكار وخواطر ومشاعر وهواجس من خلال استغلال معطيات العالم الخارجي المحسوس وهنا نرى إن نفرق بين نوعين من الغموض.الأول هو ما تحدثنا عنه، والأخرهو ذلك(الغموض الكثيف الذي لا يكاد يشف عن شيء والذي يقوم حاجزا سميكا بين القارئ ودلالة الصورة الشعرية بل بين القارئ والقصيدة الحديثة بوجه عام،فهذا النوع من الغموض لا يستطيع القارئ إن يخترقه إلى عالم الشاعر مهما بذل من جهد وإخلاص بخلاف الغموض الشفيف الذي يستطيع القارئ بقليل من الجهد الصادق إن ينفذ منه إلى ايحاءات الصورة ودلالاتها ومن ثم الرؤية الشعرية التي يجسدها الشاعرفي قصيدته) (83:ص88).
وحري بنا ونحن نتحدث عن ظاهرة الغموض في الصورة الشعرية الحديثة بنوعيها الايجابي والسلبي ان نذكر ان نقدنا العربي القديم قد وقف عند هذه الظاهرة ودرسها وكأن من تناولها من النقاد النحدثين قد وضع ذلك نصب عينيه وهو يبحث في تلك الظاهرة. فهذا ابن الاثير ينقل عن الصابي قوله (افخر الشعر ما غمض فلم يعطك غرضه الا بعد مماطلة منه) (107:ص7).
وهذا عبدالقاهر الجرجاني يتحدث عن الغموض الشفيف في الصور الشعرية فيصفها بانها (كالجوهرفي الصدف لا يبرزلك الا بعد ان تشقه عنه،وكالعزيز المحتجب لايريك وجهه حتى تستأذن عليه، ثم ما كل فكر يهتدي الى وجه الكشف عما اشتمل عليه، ولا كل خاطريؤذن له في الوصول،فما كل احد يفلح في شق الصدفة) (15:ص128).
وتحدث عبد القاهر الجرجاني عن الغموض الكثيف وعده من عيوب الشعراء فقال (فاما اذا كنت معه كالغائص في البحر يحتمل المشقة العظيمة ويخاطر بالرح ثم يخرج الخرز فالامر بالضد مما بدأت به، ولذلك كان احق اصناف التعقد بالذم ما يتعبك ثم لا يجدي عليك، ويؤرقك ثم لا يروق لك) (15:ص130).
وبالمقابل عد النقاد والبلاغيون القدامى الافصاح والمباشرة عيبا من عيوب الشعراء من ذلك قول ابي هلال العسكري (فما كان لفظه سهلا ومعناه مكشوفا بينا فهو في جملة الرديء المردود (99:ص79). نخلص من هذا الى ان النقد العربي قديما وحديثا قد اولى ظاهرة الغموض في القصيدة اهمية بالغة واكد وجوب اهميته بالنسبة للصورة الشعرية لكي تكون اقدر على اداء وظيفتها ودورها سواء على جهة الشاعر او على جهة المتلقي وفي ضوء ما تقدم تظهر لنا اهمية الصورة الشعرية مجسدة ايضا بكثرة الدراسات التي جعلتها محورا لها، وتعدد المناهج التي اهتمت بها وتباين الاراء النقدية التي تناولتها ولذلك تعددت مفاهيمها وكثرت اصطلاحاتها، ولكن المهم في الامر كله هو ذلك الاتفاق الذي يرى إن الصورة الشعرية هي الجوهر والاساس في القصيدة فمن النقاد من قال عنها (تركيب لغوي لتصويرمعنى عقلي وعاطفي متخيل لعلاقة بين شيئين يمكن تصويرهما بأساليب عدة إما عن طريق المشابهة أو التجسيد أو التشخيص أو التجريد أو التراسل (39:ص31).
ومنهم من قال عنها أنها(تشكيل لغوي يكونه خيال الفنان من معطيات متعددة يقف العالم المحسوس في مقدمتها) (75:ص12).
وهناك من يراها لوحة فنية ولكنها غير ساكنة وهي تحمل أفكارا وعواطف تجعلها توحي بما هو اكثرمن معناها الظاهر (الصوره كلام مشحون شحنا قويا يتألف من عناصر محسوسة، خطوط، ألوان، حركة، ظلال تعمل في تضاعيفها فكرة وعاطفة أي أنها توحي باكثر من المعنى الظاهر واكثر من انعكاس الواقع الخارجي، وتؤلف في مجموعها كلا منسجما) (31:ص192-193).
ويبدو ان تعريف (فان) هذا للصورة الشعرية التي اوردته روز غريب قد ترك اثره في نفسها وهي تحاول صياغة تعريفها للصورة الشعرية اذ تقول (الصورة في ابسط وصف لها تعبير عن حالة او حدث باجزائها ومظاهرها المحسوسة، هي لوحة مؤلفة من كلمات، ومقطوعة وصفية في الظاهر لكنها في التعبير الشعري توحي باكثر من المعنى الظاهر وقيمتها ترتكز على طاقتها الايحائية فهي ذات جمال ذاتي تستمده من اجتماع الخطوط، والالوان، والحركة، ونحو ذلك من عناصرحسية، وهي ذات قوة ايحائية تفوق قوة الايقاع لانها توحي بالفكرة كما توحي بالجو والعاطفة) (31:ص191).
وقريبا من تعريف (فان) و روز غريب للصورة الشعرية يبرز لنا تعريف سي (دي لويس) الذي يقول انها (رسم قوامه الكلمات المشحونة بالاحساس والعاطفة)(76:ص23). اما الدكتور علي عباس علوان فيصفها بانها (اخطر ادوات الشاعر بلا منازع)(32:ص41).
ومن الباحثين من يراها احدى طرائق التعبير ويحدد دورها في طريقة تقديم المعنى بعد ان تضفي عليه خصوصيتها وتأثيرها فهي (طريقة خاصة من طرق التعبير او وجه من اوجه الدلالة تنحصر اهميتها فيما تحدثه في معنى من المعاني من خصوصية وتأثير ولكن ايا كانت هذه الخصوصية او ذاك التأثير، فان الصورة لن تغير من طبيعة المعنى في ذاته.انها لا تغيرالا من طريقة عرضه وكيفية تقديمه) (66:ص392).
ويرى الدكتور زكي مبارك ان نجاح الصورة الشعرية يتمثل في مهارة الشاعر في ان يحول القصيدة الى لوحة فنية تسحر القارىء (الصورة الشعرية هي اثر الشاعر المفلق الذي يصف المرئيات وصفا يجعل القارىء ما يدري أيقرأ قصيدة مسطورة ام يشاهد منظرا من مناظر الوجود والذي يصف الوجدانيات وصفا يخيل للقارىء انه يناجي نفسه لا انه يقرأ قطعة مختارة لشاعر مجيد) (111:ص81). اما الدكتور احمد مطلوب فيرى ان الصورة الشعرية هي احدى وسائل التعبير التي يشترك فيها المتلقي مع الشاعر فهي (طريقة التعبير عن المرئيات والوجدانيات لاثارة المشاعر وجعل المتلقي يشارك المبدع افكاره وانفعالاته) (70:ص35).وليس بعيدا عن هذا ما ذهب اليه احمد الشايب في تعريفه للصور الشعرية اذ يقول عنها (الوسائل التي يحاول الاديب بها نقل فكرته وعاطفته الى قرائه وسامعيه) (111:ص242).
اما الدكتور عناد غزوان فيرى الصورة الشعرية تتمثل بمقدرة الشاعر في التعامل الفني مع اللغة فهي تعني لديه (قدرة الشاعر في استعمال اللغة استعمالا فنيا يدل على مهارته الابداعية ومن ثم يجسد شاعريته في خلق الاستجابة والتأثير الفني في المتلقي، فالصورة هي الوعاء الفني للغة الشعرية شكلا ومضمونا) (153:ص83).
ومن النقاد من يراها اندماج لفكرتين الاولى داخلية تعتمد على العاطفة والثانية بالصياغة التعبيرية التي تضيء الفكره الاولى (انها استعارة بها تتم علاقة ما بين فكرتين او اكثر اولهما الفكرة الاساسية التي تدعم الصورة، والاخرى تعبير مستمد من الخارج يقدم عوضا عن التباين الحر في للمعنى، وهذا التعبير ينور أو يكيف الفكرة الاساسية من الناحية العاطفية) (67:ص36).
اما التشكيل الصوري عند (مري mury(فهو قريب من ذلك الذي عند فوكز فهوعنده (يرتكز على عنصرين هما داخلي (الفكرة العاطفية او العاطفه الفكرية) وخارجي (المدرك الحسي او الموضوعات المشخصه)وهما يؤلفان بتشابكهما وتفاعلهما الفذ الذي سمي الصورة الشعرية او الادبية او الفنية) (163:ص25). وهو يرى ان الصورة الشعرية هي وسيلة الشاعر الاثيرة والوحيدة في تحديد مشاعره وانفعالاته (ان الشاعر عندما يحاول تحديد انفعالاته ومشاعره الوجدانية ازاء الاشياء يضطر لان يكون استعاريا) (154:ص84).
وهناك من يركز في الصورة الشعرية على العنصر الخارجي المحسوس فتصبح الصورة عنده اقرب الى الشكل فهي (مظهر خارجي جتىء به في الشعر ليعبر عن عالم من الواقع والانفعالات لا يحد ولا يحس) (71:ص14).
ومن الباحثين من يقرن الصورة الشعرية بالاستعارة ويرى إن لفظ الاستعارة إذا ما أحسن استعماله فسوف يكون أجدى من لفظ الصورة،ويرى أيضا إن الإيحاء يقترن بالصورة ولكنه قد لا يقترن بالاستعارة.
فالصورة تستعمل(للدلالة على كل ما له صله بالتعبيرالحسي وتطلق أحيانا مرادفه للاستعمال الاستعاري للكلمات… إن لفظ الاستعارة إذا حسن إدراكه قد يكون أهدى من لفظ الصورة وان الصورة إذا جازالحديث المفرد عنها لن تستقل بحال ما عن الإدراك الاستعاري) (72:ص5). ويقول أيضا (إننا إمام عبارات أو صور موحية ولكن ليس كل إيحاء استعارة) (72:ص4).
إما الدكتور جابر عصفور فيبدو انه قد أفاد مما قاله (مدلتون مري) عن الصور الشعرية والذي اشرنا إليه أنفا فهو يقول (فالشاعر يتوسل بالصورة ليعبرعن حالات لا يمكن إن يتفهمها او يجسدها بدون الصورة) (66:ص264).
وهذا ما ذهب إليه مري أيضا ولكن الدكتور جابر عصفور آثر ان يكون المعنى بصياغة أخرى. إما إذا اقترنت الصورة بالدلالة الرمزية فسوف تصبح (تركيبة وجدانية تنتمي إلى عالم الوجدان اكثر من انتمائها إلى عالم الواقع) (60:ص127).
وإما اقترانها بالدلالة النفسية فيجعلها (انطباع أو استرجاع أو تذكر لخبرة حسية، أو إدراكية ليست بالضرورة بصرية) (110:ص44).
فالدلالة النفسية للصورة هي دلالة داخلية وليست خارجية ولذلك فان ادراكها قد لا يكون حسيا (بصريا).
وهناك من يرى ان الصورة (اثر خلفه الاساس) (112:ص172). و أرى ان الصورة الشعرية هي ذلك النسيج اللغوي السحري الذي ابدعته يد الخيال بأنامل العاطفة في لحظة شعورية متسامية.

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| طلال حسن : رواية للفتيان – خزامى الصحراء

إشارة: بعد أن أنهينا نشر فصول مخطوطة كتاب “حوارات” لأديب الأطفال المبدع العراقي الكبير “طلال …

هشام القيسي: أكثر من نهر (6) محطات تشهد الآن

ينفتح له ، وما يزال يرفرف في أفيائه مرة وفي حريق انتظاره مرة أخرى ومنذ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *