القضايا الانساني تكاد تكون واحدة لو نظرنا اليها من رؤية خارج مفهوم اللون ونوعية الجنس ، لان عندنا نشعر باننا تحررنا من العقدة الضيقة التي تحاول جرنا الى علاقة لايمكن فهمها في غير اطار الانتماء للرقعة الجغرافية.
الفن السابع هم من الوسائل التي تجردنا من انانية الذات والانتماء لنسبح في عالم اوسع ، مادته ولغته الحياة والعلاقة الانسانية وجعل المحسوسات تتفاعل مع الحدث دونما انحياز لاي طرف ، في هذه الحالة يصبح الفرد بانسانيته اداة طيعة في كشف بعض الخبايا التي غفلت عنها عيون الاخرين ،ويأتي فيلم ( جزيرة النبيه صالح ) للمخرج العراقي المغترب احسان الجيزاني ضمن اطار العلاقات الانسانية ونبذ النفس المتعالي الذي يحاول ابعاد الاخر لمجرد الاختلاف في قضية ما والتجاهل التام للعوامل المشتركة التي تربط بني البشر .
الجيزاني وجد في ( حزيرة النبيه صالح ) مضمون فريد ومثالي يمكن الدخول منه وربط بين عالمين مختلفين من الناحية العمارنية ،لذا اختارها بداية ونقطة انطلاق لكشف خبايا الاشياء مع انتقال حركي للعدسة بين هذين المتناقضين مكانيا ، تمهيدا للدخول الى عالم لايملك من الحياة سوى جريد النخيل وكوخ تلاعبه الريح ورمال عشقت الاقدام الحافية .
انتقالات المخرج احسان الجيزاني المتتالية ولدت نوعا من الانزياح والمقاربة مع التركيز على عنصر الحركة الذي كانت صميم مشاهد الفيلم لاسيما العلاقة بين الاطراف السفلى والعليا ، القدم الغافية على بحر الرمال وكيفية قطعها للمسافات بتواضع نحو مكان ما . اليد هي الاخرى وجدت في عملية حياكة الحبال نظرة الامل التي تبدو بعيدة المنال ، وقد تكون العصا هي الدليل على الوجود ان كانت دلالتها سلبية بعض الشيء.
حاول الجيزاني ايجاد علاقات مشتركة بين الثلاثية الحركية ( القدم ، اليد ، العصا ) وكيفية توظيف هذه العلاقة في ايصال المغزى الى المتلقي ، حيث يكاد يكون توزيع الوقت بين هذه الثلاثية الحركية متساويا مع دخول عنصر رابع مكمل فقد الحركة البصرية هو العين . افضيت هذه الاضافة على العمل السينمائي مسحة درامية حيث تكون هذه الحاسة المفقودة الضربة النهائية عند البطل الذي يتفوه اخيرا بجملة واحدة ” انا لاارى الناس ولكنهم يرونني ” هذه الكلمات المقتضبة عالجت قضية برمتها وعولمتها انسانيا من خلال طرح المعاناة في ملعب الاخرين .
اعتمد المخرج على عنصر الصمت كمحرك للاحداثه وجعل الامور تسير على طبيعتها دون مؤثرات ماعدا الموسيقى التصويرية ذات المسحة العراقية الحزينة ما افضى على الفيلم بعدا يقترب من المأساة ، وقد يكون العنصر الواقعي هو المهيمن على الاحداث لانه الغاية احكمت المخرج اعتماد الاسلوب المباشر في شد المتلقي مع عدم اغفال الحركة والضوء والزاوية هي من العناصر الطبيعية في اي عمل سينمائي .
الفيلم صور في احدى الجزر البحرينية ، عالج قضية الصراع البشري عبر شخصية الشيخ حسن الذي يسكن جزيرة صغيرة مع حياة بدائية انعدمت فيها كل مظاهر الحضارة ، انه الاهمال المتعمد من قبل السلطات الحاكمة هناك لاسباب لاتخفي على العيان ، اشار اليها الجيزاني في نهاية الفيلم ،ولكنه مع هذه الاشارة البسيطة والتي لابد منها ،طيلة 15 دقيقة وهي مدة عرض الفيلم تجرد من هذه النظرة الى ابعاد انسانية في عملية طرح الموضوع .
تجربة فيلم (جزيرة النبيه صالح ) هي محاولة للخروج من شرنقة الذات نحو عوالم اوسع اكثر شمولية تلفها المشاعر الانسانية وهي لغة تجمع بني البشر حولها وتتضامن معها بكل تجرد .
عبد الكريم ابراهيم : معاناة الحركة في فيلم (جزيرة النبيه صالح) لاحسان الجيزاني
تعليقات الفيسبوك