حسين سرمك حسن
بغداد المحروسة – 2015
خير الكلام ما دلّ وقل وليس ما قلّ ودل ، فالأهم بالنسبة لنا هو الدلالة وليس طول أو قصر الكلام وعدد كلماته .
وخير الكلام عندي هنا هو سؤال قصير بكلماته ولكنه جسيم بدلالاته :
ماذا تنتظرون أيّها المثقفون العراقيون ؟
إنّ تردّد البعض من المثقفين العراقيين – مهما كانت انتماءاتهم السياسية والإجتماعية وولاءاتهم الفكرية – في التصدّي الحازم لكلاب داعش وليس الإكتفاء بشجب أفعالها الحيوانية فقط ، هو عار أوّلاً ، وعلامة ضعف في التربية الوطنية ثانياً .
ونفس هذا التشخيص الذي أقوله بصراحة وعلنا ينطبق على “بطء” و”تباطؤ” الكثير من المثقفين العراقيين في إعلان موقفهم من داعش وهي تحتل أرضنا العراقية في نينوى الحدباء وصلاح الدين العرب .
ما الذي ينتظره بعض المثقفين العراقيين الصامتين أيّها الأخوة ؟
ما الذي ينتظرونه ليعلنوا كلمتهم المقاومة الرافضة ضد كلاب داعش والأطراف التي تدعمها والتي يعرفها المثقف قبل غيره .
هل يُعقل أن يتصدّى شباب غض صغير في السن (ولا يعرف كتابة المقالات والتحليلات والروايات والقصائد مثلنا) لمهمة الجهاد المقدّس والدفاع عن العراق الحبيب ، ويدرك أبعاد المؤامرة ، ويتأخر المثقفون أصحاب الألسنة الباشطة والأقلام الناشطة ؟!
هذا ليس نقصاً في الرؤية بل خللاً في التربية الوطنية ؟
ونفس الشيء أقوله حين مرّت – يتيمةً وصامتةً و خجلى – ذكرى حرق ألف طفل وامرأة عراقية من قبل شيطان العصر الولايات المتحدة الأمريكية في محرقة العامرية عام 1991 .
يجب علينا أن نعترف .
إننا كمثقفين – بل حتى كمواطنين – نعاني نقصا في التربية الوطنية وكأن الأطفال الذين أحرقتهم الولايات المتحدة الأمريكية هم أبناء النظام السابق وملك له ، أو هم سياسيون ملعونون علينا أن لا نذرف دمعا عليهم !!
نعم نحن مصابون بخلل في التربية الوطنية .. خلل رهيب وشديد يجعل البعض منّا يصطف في أيّ مرحلة مع من يرومون أذى شعبه كرها لحزب أو لشخص أو لحركة . وها هو يتفرج اليوم على جسد وطنه كيف يُقطّع وأعراض أخواته كيف تُستباح وأمهاته كيف تُسبى وتُباع ولا يتحرّك كرهاً لحزب أو لشخص أو لحركة !!
لو دخلت كلاب داعش المسعورة إلى باقي المدن العراقية ، ألن يهتكوا – لا سمح الله – أعراض أخواتنا وزوجاتنا وأمهاتنا ؟
لنتحدّث بصراحة وبلا خجل .
لو دخلت كلاب داعش المسعورة إلى بغداد هل يستطيع أي مثقف فتح فمه ؟ والله راح يشگّون حلگه وحلگ الخلّفه . هذه حقيقة ولا يزعل أحد . والدليل جرى ويجري أمام أعيننا في الموصل وتكريت وباقي الأراضي المقدّسة التي احتلها الداعشيون الأوغاد .
فماذا تنتظرون ؟!!
من يصمت منّا في هذه الأيام العصيبة والمصيرية لن يكون شيطاناً أخرس فحسب ، فالشيطان الأخرس يخوّف ويستطيع الإفلات ، لكنّه سيصبح عبداً ذليلاً يُهتك عرض أخواته أمام عينيه .. أي يصبح (…..) بالقوة !!
دعونا لا نخجل وندفن رؤوسنا عن الحقيقة . ولنسمّي الأمور بأسمائها الجارحة .
ماذا تنتظرون ؟؟؟
دعونا نستغل هذه الفرصة التي سوف نضيع بعدها مجلّلين بالعار ..
ولا تتعكّزوا على مبدأ (أضعف الإيمان) ، هذا المبدأ نسير عليه إذا (لم نستطع) ؛ فمن لم يستطع فبقلبه . رسولنا الشجاع العظيم (ص) لن يعذرنا لأنّنا كلنا (نستطيع) بيدنا وبلساننا .. وبـ ( لساننا ) هو اختصاصنا كمثقفين . لا تدعونا نصبح مسخرة أمام العالم ، فيضحك علينا الشباب المجاهد ويسمّوننا (أهل الجرايد) .
يجب علينا أن نمرّغ جباهنا في التراب الطهور الذي سقط عليه مراسلوا الفضائيات العراقية الذين رافقوا قوات الحشد الشعبي المجاهد ، وأن نطأطىء رؤوسنا إجلالاً للصحفيين والكتّاب الذي أعدمتهم كلاب داعش ، وهل كان ردّ فعلنا على إعدام الصحفيين على أيدي الدواعش القذرين متوازناً مع عظم الفاجعة ؟!!.
ماذا تنتظرون ؟؟
هل تنتظرون أن يحتل داعش عاصمتكم ويستبيح أمّكم الحبيبة بغداد لكي (يصحّح المعادلة) كما يتشدّق البعض !!!
هذا منطق آكلي أثداء أمهاتهم . وهذا هو نقص التربية الوطنية بعينه . وإلّا فكيف يكون النقص ؟ وكيف يمكن أن يخون الخائنون ؟ أيخون إنسان بلاده ؟ إن خان معنى أن يكون فكيف يمكن أن يكون ؟ أيخون إنسان بلاده ؟
ألم نتشدق بأبيات السيّاب هذه طويلاً ؟
ماذا تنتظرون ؟؟
البعض يهمس بأنّه لو كتب أو صرخ أو قاتل فسيساهم في النهاية في تدعيم سطوة القيادات الشيعية ؟
وِلْكُمْ العراق راح يضيع وأنتم تفكرون بهاي الطريقة ، عِمَتْ عينكم ؟
لا نصير مثل ذاك الشايل الخنجر بحزامه اليوم العازه ؟ تعرفونه أليس كذلك ؟
ثم أين هي القيادات الشيعية الآن ؟
هل هي مثلنا تقرأ سقراط في المكتبات ؟ أو تدير الأصبوحات الشعرية في شارع المتنبي برغم أهميّة ذلك ؟ أو تتناظر على صفحات الفيسبوك والمواقع الإلكترونية برغم دور هذه الوسائل في نشر الحقيقة ؟
هؤلاء ليسوا هنا .. ليسوا في هذه الأماكن ؟
إنّهم هناك ..
نعم هناك .. في مكان ليس فيه كتب غير كتاب الشهادة .. وليس فيه أصبوحات شعرية غير فصائد يسطّرها بدمائهم وأرواحهم شباب الڇنابر والبسطيات وعمّال البناء والعاطلون الأمّيون الشرفاء العظماء إخوان أخيّاتهم .
إنهم هناك وسط جحيم المعارك ، وعصف القنابل ، ودويّ القذائف ، ودخان الحرائق ، يودّعون أحبّتهم دفاعاً عن العراق الذي يتفرّج على مذبحته بعضنا من بعيد .
ماذا تنتظرون ؟؟؟
هل اذكّركم بما قاله الشاعر الراحل (عبد الصاحب الضويري) قبيل انتحاره بعد ان ملّ من الثقافة والمثقفين :
قطره إهيْ يا صاحبي مو نهرْ
وريت النهر ذاك الجره ما جره
أُعبُرْ ولو ماي الضماير گُصَر
ابكيفك ولا تِنْشِدْ على مَعبره
أُعبُرْ مثل ما عبروا اعله الشرف
دنيه وغِدَه بيها الشرف گنطره
ألن نسهم في جعل الشرف معبراً بصمتنا ؟
فيا أيها البعض المثقف العراقي الصامت ؟
ماذا تنتظرون ؟؟؟؟؟؟
خير الكلام ( ما دلّ ) وقلّ : أيّها المثقفون العراقيون : ماذا تنتظرون ؟
تعليقات الفيسبوك
الأستاذ الفاضل الدكتور حسين سرمك حسن المحترم..
أن ما طرحتموه من مقاربات تاريخية ونقدية في تقصي جينالوجيا وتاريخ القتل والتدمير في أدبيات واديان وثقافة الآخر التدميرية، ليدعونا جميعا إلى مراجعة وتقويض أسسنا الثقافية والعلمية والأدبية الأرتكاسية. فنحن لا نعاني من تمزق شعوري ولاشعوري على مستوى الإحساس والوطنية والانتماء إلى ثقافة وحضارة العراق العريقة فحسب، بل ونعاني أيضا من استمرار مسلسل قتل وتدمير وإجهاض “فلسفة الانتماء بذاتها” إلى حضارة وارض العراق العريقة. وربما هذه هي الطامة الكبرى، عندما يتم قتل شعور “طفولة الوطنية والأنتماء” إلى ارض هذا الوطن منذ ولادتنا والى يومنا هذا. “فالشعور الوطني والتربية السيكولوجية والاثنية على الانتماء إلى لغة وثقافة وأصالة هذا البلد” هي اكبر من ان تتحول إلى خطاب عون وإغاثة ونداء عاجل لممارستها، سيما من قبل المثقفين والكتاب، وذلك لأنها معطى بديهي من معطيات الوجدان القومي، يتصيّر الفرد بها وينشأ عليها ويستمد وجوده وكيانه منها. لكن الإشكالية الكبرى تكمن في تحول الشعور الوطني للبلد الواحد وثقافته الأصيلة إلى حالة من الاستلاب الثقافي والاغتراب الوطني عند صاحبه في ظل بنية ثقافته الوطنية نفسها، كونه الوحيد الذي يشعر بما لا يشعر به أبناء جلدته؟ وما يحصل اليوم في تاريخ العراق، هو صفحة جديدة من صفحات الانتكاس الثقافي والوطني، فها هي آثارنا وأصالتنا وقومنا وناسنا وأهلنا، يُدمرون ويُذبحون امام زناة الدول المستفيدة، والتي طالما شعرت بعقد الدونية لأنها مجرد أقوام هجينة بلا تاريخ وحضارة. فما الذي بقي حي من المثقف وما الذي مات منه في ظل هذه الظروف واللحظات العصيبة؟ ما بقي حي هو صوته وضميره الحي وحبر دمه الذي يتجاوز ويتعالى على جميع صور الانتماءات الحزبوية الضيقة؛ وما مات واندثر فيه، هو تاريخ ورضات الشعور الوطني لهذا البلد وحضارته العريقة، ذلك الشعور الذي طالما انحرف عن مساراته الحقيقية جراء تواريخ ادلجة الساسة والسياسيون، الذين نجحوا في تدمير أثريات الانتماء إلى تربة الوطن، قبل ان يدمر الدواعش آثاره واصالته. يبقى الرهان قائم على حضور المثقف العضوي الملتزم بقضايا وطنه وبلده، في أمثالكم أستاذنا الفاضل وأمثال جميع المثقفين الغيورين على تربة وثقافة وحضارة العراق العريقة..وفقكم الله وسدد خطاكم..
حيدر علي سلامة
شكرا أخي الأستاذ الغيور حيدر علي سلامة على هذا التعليق الوافي الذي يمثل عمق نظرتكم الموضوعية والأطار الفلسفي الأصيل الذي تتعامل وفقه مع المتغيرات التي تجتاح وطننا الجريح . واسمح لي أن أحييك وأن أقول بلا تردّد أن ما قلته يمثل متناً جوهرياً مضافاً إلى محاولتي المتواضعة . تقبل فائق احترامي . أخوك : حسين سرمك حسن .
الركون الى الصمت دون أن يفقأ يحتمل أسئلة على غير مايجب أن تكون سيما إزاء أمور لاتقبل السكوت وتعد مساسا بفيم الانسان ومواقفه الأخلاقية . من هنا فان عدم اشهار الصرخات الحادة وادانة من يلغي التاريخ ومن يقتل الحياة كالذي تقوم به وحوش داعش في البلاد والعباد يعد أمرا كارثيا في منظومة البناء القيمي والاخلاقي من هنا ينبغي الخروج من خانة التفرج والدخول الى خانة تعرية الكواسر والبرابرة من أجل نيل استحقاق انصاف التاريخ للمواقف الوطنية المطلوبة . نعم للسيد العراق ولكل موقف وطني مطلوب سيما من المستويات الواعية في المجتمع وكل الذين يحبون العراق . ويبقى العراق وتبقى المواقف الوطنية شهادة للوفاء والنقاء . أضم صوتي الى صوتك ياراية مشهودة نرنو اليها باعتزاز وفخر .
شكرا أخي الأستاذ هشام القيسي على تعليقكم الذي يعبر عن روحكم الوطنية الصادقة
تحياتي وخالص تقديري لكم ولما سطره قلمكم النبيل … استاذي الفاضل نحن- كمثقفين- بحاجة الى صراحة وشفافية دون ان تفتعل نفوسنا اتهامات مبطنة تجاه بعضنا..
فالمثقف الاصيل ذو الانتماء للأرض والوطن والرافدين يجب ألا يتقبع تحت أية عباءة أو يلتمس رضاء مراكز القوى دينية أوسياسية أو طائفية ..الخ.. المثقف : لا يسترضع الوطنية من أهل السلطة أو السلاح .. بل يحبه في قلبه وعقله ووجدانه دونما غاية نفعية ومن غير صراخ.
سؤالي : ماذا كان موقفك حين جالت دبابات المحتل في شوارع بغداد ونينوى والبصرة ومرقت من جانب كربلاء والنجف وغبرت قبب الأئمة وأضرحة العلماء والشهداء ؟! تراك سكتت أو بررت الأمر بحجة القضاء على النظام السابق .. نحن يهمنا عز الوطن وليس الحاكم المستبد الفاسد ! لأن الفساد والاستبداد والظلم عاد بالف وجه وقناع…
وأرجو خالصا ألا يشوب قلبك ولو لثانية أي ظن أن قلمي يدافع عن هذا أو ذاك أوطائفة لأني أساسا لست عربيا ولا كرديا ولا تركمانيا ولا ولا بل من أصل مسيحي أسلم جدي منذ القرون السابقة…