ياسين طه حافظ : الخسارة الثانية (إلى حسب الشيخ جعفر) (ملف/4)

yasin taha hafezإشارة :
في عيد ميلاده الثالث والسبعين ، يسرّ أسرة موقع الناقد العراقي أن تقدّم هذا الملف احتفاء بالمنجز الإبداعي الفذّ للشاعر الكبير “حسب الشيخ جعفر” وإجلالاً لمسيرته الإبداعية الرائعة . وتدعو أسرة الموقع جميع الكتّاب والقرّاء إلى المساهمة في هذا الملف بما لديهم من دراسات ومقالات وصور ووثائق تتعلق بمسيرة مبدعنا الكبير . وسيكون الملف مفتوحاً من الناحية الزمنية انطلاقاُ من حقيقة أن لا زمان يحدّ الإبداع . تحية لشاعرنا الكبير حسب الشيخ جعفر .

القصيدة : 
لا القرى الحجريّةُ تعرف روحَكَ
لا شجرات الضفاف تمدّ الظلالَ لكي تستريحَ
ولا طرُقٌ أنت تسلكها عائداً
ترتضي وجهَك الغائمََ يعبر فيها .
فليست شطوط العمارة هذي
ولا هي تلك الحكايا
ولا ناسُها صبغ الطميُ والشمس أوجهَهم
والمحبة تطفح قبل الكلامْ
وكلامهمُ يكشف الروحَ مثل المرايا…

أنت بين وجوهٍ محايدةٍ
وبيوت محايدةٍ
والظلالُ ظلالُ المنافي.

hasab 3قد ترى من بعيدٍ عوالمَكَ الغائبة
قد ترى من بعيد مصابيحَ تلك البيوت ونيرانَها
قد ترى أوجُهاً وأكفاً تراعَشُ حولَ
مواقدها في الشتاءِ
قد ترى الطفل، كنتَه، يركض فوق الحقولِ
ويصطاد فوق المناقع بعد المساءِ..،
انما هي خاطرةٌ زائره
والجهامَةُ ترجع ثانية لترى أوجهاً متيبسةً
ومفارزَ من حجرٍ يعبر وجهكَ فوق ترقُّبها.

ليس غير الرضا بالكآبة
فالنهار الذي كنتَ في العتمة تسري اليه
نزفَ الضوءَ مثل جريحْ
وانتهى مّيتاً وعليه سحابه

أترى ما تزال الضلالاتُ تمنحنا لذةً
فنرى ذهباً في الخريفِ؟
كُفََّ هذا المزاحَ مع النفس، هذي
المدينة ينفر وجهُكََ منكمشاً من سفاهاتها
لتلوذ بمقهى بعيد
أو تقفَّ وحيداً على لوحٍ مصطبةٍ
رضِيَتْ أن تلمَّ شتاتَك بعد الرحيل.

هكذا انتَ تجلس للاعترافِ
لتقرَّ بأنك تحمل إثمَ محبّتك الغابرة
وانك في عالم يقتضي جََلَداً وانفصاماً
عن الحقل والله، وان ترتدي سِترَةَ الغرباءْ
ويُقبّلُ خطوُكَ إسفلتَ هذا الطريقْ
تتحاشى كلاباً مَُجََلْبََبَةً بالأساطيرِ،
وبين بنادقَ مشرَعةٍ تطلب المجدَ
فوق سباخ المساكينِ..
إني رأيتْ
جُثّثاً فوقها جُثثٌ تتأرجحُ سيقانُها
وتخبُّ بها الشاحنات!
ذلك موطن روحِكَ، ما أنتَ تحلمُ فيهِ:
خرابٌ وأسلحةٌ وبقايا نخيلْ
هكذا الآن يُحْرَثُ وجهُ الحياة،
فتقَبّلْ خسارتَكَ الثانيه!

ترجعُ الآن، وجهكَ منطفيءٌ مكفهرٌّ
ترى، لا ترى.
كل هذا الزحام وأنت بقفرْ،
واحد من كثيرين وسْطَ الضجيج الذي
يتسرّب نحو البيوتْ.
هل ترى أحداً في زحام القمامة يعرف
من كتبَ القارةَ السابعه؟

عالمٌ لا يرى، جِنَّةٌ أم عماءْ؟
حجرٌ أنتَ يا صاحبي تتدحرج في الحالتينْ
قطعةً من ظلام الأسافلِ
أو فِلْقةً من كواكب هذي السماءِ …،
سواءٌ سواءْ
حجرٌ يتدحرج، أنغامهُ هي هذا الرثاءُ
الذي أنت تكتبه والغيوم على كتفيكْ.
فتوقَّ العثارََ
بطيئا يهيلُ الزمانُ وأنتَ تمرٌّ وحيداً
لتخلو بكاسك بعد المساءْ…

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

د. قصي الشيخ عسكر: نصوص (ملف/20)

بهارات (مهداة إلى صديقي الفنان ز.ش.) اغتنمناها فرصة ثمينة لا تعوّض حين غادر زميلنا الهندي …

لا كنز لهذا الولد سوى ضرورة الهوية
(سيدي قنصل بابل) رواية نبيل نوري
مقداد مسعود (ملف/6 الحلقة الأخيرة)

يتنوع عنف الدولة وأشده شراسة ً هو الدستور في بعض فقراته ِ،وحين تواصل الدولة تحصنها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *