هادي جلو مرعي : أطوار بهجت تستحق دمعة (ملف/4)

hadi jaloإشارة :
في الثاني والعشرين من شباط وعلى مشارف مدينة سامراء المقدّسة في محنة العراق المعروفة آنذاك ، سُفح دم الشهيدة الصحفية العراقية (اطوار بهجت) لتكون قرباناً لعذابات شعب وآلام أمّة . الرحمة على روحها في عليين .

المفالة :
للمرة الأخيرة كانت تمر من قرب كنيسة النجاة في الكرادة، أطوار بهجت الصحفية العراقية، تقاسمت النتيجة مع الكنيسة، كلاهما كانتا عرضة لهجوم الشر من قبل متطرفين، حتى القناة الفضائية التي تعمل فيها دمرت من قبل المتطرفين، وقفنا جميعنا عند شواهد الدمار، دمار أصاب حياة أطوار بهجت الجميلة وأنهاها بعنف، ولاحقها حتى المقبرة حيث كان المشيعون يوارون جسدها الممزق الثرى، بعد رحيلها بسنوات دمر القتلة مبنى القناة التي كانت تعمل لحسابها، بعدها قتلوا المصلين في الكنيسة التي مرت الى جوارها يوما قبل أن ترحل الى حيث كان الباحثون عن الصيد الثمين ينتظرون، وفي كل عام نحتفل بذكرى رحيلها المفجع ونشعر بالعار، فكأننا نتفرج على مشهد مسرحي، أو تمثيلية مأساوية دون أن نبالي، ثم نترك المكان لانفكر في شئ، وقد نكون راغبين بأمور أخرى غير فجيعة أطوار.
أطوارنا تغيرت كثيرا، لكن أطوار الشهيدة لم تتغير، ولم تتأثر بالمعنى الذي ذهب إليه إسمها، وربما يكون العذر لنا إننا في كل يوم نعيش الفجيعة حيث يموت الناس بالمجان، ويقتل الصحفيون دون وجع قلب، ودون أن نمسك بالقاتل ونحاكمه ونعرف من يعاضده في المهمة القذرة التي دمرت الحياة وتركتنا نهبا للوجع والخوف والبكاء، فالضحايا يتكررون كل يوم بأشكال وأسماء مختلفة، لكنهم جميعا أطوار واحدة، ونوع واحد، وحزن واحد لايتغير ولايتبدل حتى مع تغير وتبدل أساليب القتلة وفنونهم التي يستخدمونها في تنفيذ جرائمهم.atwar 2
ننعى في كل عام زميلتنا أطوار بهجت ، وقد نكتب، إننا إذ نستذكر أطوار بهجت الصحفية الشابة التي لم تحصل من الدنيا على شئ بإستثناء العذابات فإننا نمنحها كلمات لاتغني شيئا، بل هي عذر لنا نتلافى به حرج التقصير تجاه أنفسنا وزملائنا الذين يتعرضون للتهديد دون أن نتمكن من مساعدتهم، ونصف الأحياء منهم بالضحايا المحتملين الذين ينتظرون في الدور مصيرا مشابها قد يكون مشابها، أو مختلفا لكنه في النهاية يمثل جوهر المأساة التي نجتمع عليها بذهول وحيرة ولانستطيع شيئا سوى الجري خلف مصالحنا الشخصية لنكمل حياتنا الرتيبة بلا أدنى خجل متجاهلين وجودها بيننا.
في تلك الأيام كانت الفجيعة قائمة ومتاحة للجميع فالدماء تسيل في أماكن عدة في طول البلاد وعرضها، ولم يكن الصحفيون لوحدهم عرضة للموت، فالفوضى هي الحاكمة والمحظوظ من تجنب الأمكنة الخطرة، والبعض كان القدر يسحبه بعنف ليكون في الكمين المعد له لننعاه بحزن ونترك على قبره بعض الورد، ثم سرعان ماتضربه شمس الصيف الحارقة فييبس، ومعه تيبس أحلامنا بلقاء، وتجف دموعنا، ولانعود نعيش سوى لحظات إنتظار لنعرف من هي الضحية التالية التي يتحتم عليها الذهاب الى كمين مشابه.
أطوار تستحق دمعة، وكل الصحفيين من الشابات والشبان الذين قتلوا يستحقون دمعة ودمعات، وأن تضاء لهم الشموع كل ليلة حتى لو كانت تضاء بعنوان مختلف.

* عن موقع عراق القانون

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

د. قصي الشيخ عسكر: نصوص (ملف/20)

بهارات (مهداة إلى صديقي الفنان ز.ش.) اغتنمناها فرصة ثمينة لا تعوّض حين غادر زميلنا الهندي …

لا كنز لهذا الولد سوى ضرورة الهوية
(سيدي قنصل بابل) رواية نبيل نوري
مقداد مسعود (ملف/6 الحلقة الأخيرة)

يتنوع عنف الدولة وأشده شراسة ً هو الدستور في بعض فقراته ِ،وحين تواصل الدولة تحصنها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *