أحمد خليل العزوز : ما بعد جواد سليم ..الاتجاه الاسلوبي في التجربة التشكيلية (ملف/4)

ahmad khalil alazozإشارة :
مرّت الذكرى الرابعة والخمسون لرحيل الفنان العراقي العظيم “جواد سليم” (توفي في المستشفى الجمهوري ببغداد إثر نوبة قلبية يوم 23/1/1961) عابرة وباستذكارات لا تليق بفنان أثبت أن الإبداع يمكن أن يكتب للإنسان الخلود ، وأن المبدع يمكن أن يحفر اسمه في صخرة الوجود حين يلتحم بتراثه وبتراب وطنه المقدّس ويعبّر عن آلام إنسانه المعذّب. تدعو أسرة الناقد العراقي الأخوة الكتاب جميعا إلى المساهمة في هذا الملف الذي سيكون مفتوحاً من الناحية الزمنية حيث لا حدود زمنية للإحتفاء بالإبداع.

المقالة : 
يتساءل الكثيرون ماذا بعد جواد سليم وما هو الأثر الذي تركه في الحياة الفنية العراقية ؟ هل كان لجواد سليم اثر مغير في أي اتجاه فكري أو أسلوبي كالذي تحدثنا عنه وكتبنا عنه طويلا أثناء حياته وبعد موته ؟ هل كان جواد مجرد أسطورة يتمثل فيها طموح الفنان العراقي في فترة كانت بحاجة إلي من يمكن أن يكون رمزا لهذا الطموح أو رأس رمح لاندفاعه ؟ هذه أسئلة يجب أن يتساءل بها المرء عندما يعيد النظر فيما ترك لنا جواد من فن ورأي،ولا نحسب إننا نستطيع أن نحدد سهولة الأجوبة إلا إن الذي لا ريب فيه هو الأثر الكبير الذي بقي لفكر جواد وفنه لا في الرسم والنحت في العراق وحسب, بل, أولا, النحت والرسم في الوطن العربي أجمالا ( ولو إن هذا أمر يحتاج إلي مزيد من الدراسة الدقيقة للبرهنة عليه ), وثانيا في مجالات الفنون الأخري في العراق بوجه خاص واهم هذه المجالات المعمار العراقي,
قد يبدو هذا الرأي غريب, غير إن التمعن في ما حاول جواد أن يتبدعه من أسلوب يجمع بين المحلية, وأخر ما توصل إليه العالم الخارجي, وكذلك بين التراث العراقي القديم والاتجاهات الأوربية الحديثة و هذا التمعن سيكشف لنا عنه النظر في مجالات المهندسين المعماريين في العراق في ربع القرن الأخير…فمما لا ريب فيه إن معماريين بارزين كرفعت الجادرجي والمرحوم قحطان عوني ( الذي كان أصلا عضوا في جماعة بغداد للفن الحديث ) ومدحت علي مظلوم.وسعيد علي مظلوم…تأثروا كثيرا بشخصية, الفنان والروائي جواد سليم, وبالتالي ظهر أثره الفكري والفني في أسلوبهم المعماري.ويخيل إلي أن الكثير من الحديث هذه الأيام عن الجمع بين ما يسمي بـ ( التراث والمعاصرة ) يعود أصله إلي اثر جواد سليم وجماعته ( جماعة بغداد للفن الحديث ) وقد jawad 9اتخذ هذا الأثر لنفسه أشكالا ربما لم تكن في الحسبان يومئذ, حتي الحديث عن الموسيقي العراقية, فضلا عن الحديث من هذه الناحية في كثير من القضايا الشعرية لا يخلو من هذا الأثر الذي تغلل في اتجاهات العراق الفنية, وبلور موقف الكثير من الفنانين تجاه أي عمل فني, فضلا عن الرسم والنحت.هذا ما يؤكد لنا باستمرار قيمة رجل لم يمتد به العمر ليري كل ما كان يحلم به, وقد قام بين يديه…غير انه في ما اتيح له من عمر قصير استطاع بما قال وفعل أن يزعزع الكثير من المفاهيم القديمة, ويلقي في الأرض بذارا جديدة تتنامي مع الزمن.ليس اثر الفنان في أن يقلده الآخرون.هذا أمر مفرغ منه.الرسام الذي يقلد بيكاسو يرفض في الحال…والذي يقلد جواد سليم سيرفض أيضا…ونحن لا نتوقع من أي فنان عربي أصيل أن يقلد جواد…غير أن الأثر هو في الموقف…في نوع الرؤيا…في إيجاد المقترب…في إثارة الذهن…وفي الوقت نفسه في تسهيل المهمة علي الفنان في بحثه عن شخصيته و أسلوبه.في هذا كله اثر جواد سليم اثر باق وخطير…ولعل العافية التي ما زالت بادية في الكثير مما يرسم في العراق اليوم تعود في أصلها إلي الحيوية التي احد أسبابها شخصية جواد سليم…وهل يمكن هنا أن تري أثرا أهم وأقوي من ذلك ؟ وقد كان ظاهرا علي جواد, حتي في أثناء حياته, انه لم يكن يريد لأحد أن يقلده, بل كان من دأبه أن يشجع الآخرين علي استخراج ما في أنفسهم وطاقتهم الذاتية, فكان أثره الذي يرفع الحجب منهم هندما يقعون في الظلام, أو تضيق أمامهم سبل الرؤيا.كلمة من جواد سليم ألقاها الفنان في أيار 1951..عند افتتاح معرض مشترك لمجموعة من الفنانين العراقيين كان هو احدهم..وقد كتبها وألقاها باللغة الإنكليزية ) قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية في عام 1939 ,عرض في المكتبة الوطنية بباريس كتاب بالغ الأهمية.كان ذلك الكتاب مقامات الحريري التي تروي مغامرات متشرد يدعي (أبو زيد).كان الكتاب واحدا من الكتب التي أرضت الحاجة الأدبية لسكان بغداد وأشبعت نهمهم للقصص والمتعة وقد قرأته أجيال متعاقبة من المسلمين باهتمام وحب.وتعاقب علي استنساخه وتزويقه نساخون ومزوقون عديدون حيث اعتبر الكتاب مجالا رحبا يعرض فيه الخطاطون والرسامون عبقرياتهم الفنية.لقد عكس الكتاب ,بكل أمانة المرأة العاكسة ,صورا حية لحياة أهل بغداد اليومية.يضم هذا الكتاب الذي ألفه الحريري في بداية القرن الثاني عشر خمسين قصة أو مقامة كانت النسخة التي عرضتها المكتبة الوطنية نسخة الرسام البغدادي الكبير ( يحيي الواسطي ) الذي يعد واحدا من ابرز مؤسسي مدرسة بغداد للرسم في القرن الثالث عشر.أن عمل الو اسطي الفني يمثل النقيض الكامل لمدرسة المنمنمات والتزويق الفارسية في القرنين السادس عشر والسابع عشر التي كانت حصيلة فترة ثقافية تميزت بالانغماس بالشهوانية الحسية المنجرفة نحو التحلل.كتب ناقد فرنسي معاصر للواسطي قائلا بأن عمل الواسطي جدير بان يوضع جنبا إلي جنب مع روائع الفن العالمي لما يحويه من ثروة في الإبداع التخيلي وجرأة في الإدراك ومتانة في الأسلوب.رقدت بغداد لخمسة قرون بعد سقوطها في ظلام دامس وبؤس مريع.وأستمر ذلك حتي بعد سني الحرب العالمية الأولي 1914-1918 عندما أصبح العراق بلد جديد وأصبحت بغداد قلبه النابض.وكانت الخطوة jewad_101الأولي في الصراع من أجل الثقافة هي تطوير الفنون.اليوم ,وقد طلب إلي أن أتحدث عن الرسم المعاصر في العراق عدت بمخيلتي إلي أمجاد بغداد القديمة وسالت نفسي ( هل بين فنانينا ألان رجل يمكنه أن يبلغ عظمة الواسطي ؟ ) الجواب بصراحة هو لا ! إن ذلك محزن جدا ولكن ثمة أسباب…أولا : إن الفن لا يمكن أن ينمو ويتطور بعشرين عاما وهذه حقيقة , بقد بدا الانعطاف في تاريخ الفن في العراق عام 1930 عندما بدأت الحكومة العراقية بإرسال الشباب العراقيين للدراسة في الخارج.ثانيا : إن الفن يحتاج إلي أجيال لكي يتطور.إن جذور مدرسة باريس الفنية الحديثة تمتد إلي عصر الكاتدرائيات العظيم.ثالثا : إن الفن يحتاج إلي من يرعاه والي جمهور ذي مستوي معين من الثقافة.لقد كانت نفوس العراق خلال أيام الواسطي 8 ملايين.أعود الآن إلي السؤال الأتي : هل هناك مدرسة عراقية للرسم ؟ أو هل هناك أسلوب جديد في الرسم ؟ لن أحاول الإجابة عن هذين السؤالين لان ذلك صعب جدا إذ إن ذلك قد يجرني إلي الحديث عن فنانين أنا واحد منهم , ولهذا ساترك الحكم علي أعمالنا للآخرين لكنني اعلم بان هناك رغبة صادقة وعملا جادا ميز الفن العراقي منذ بدايته للبحث عن أسلوب عراقي متميز في التعبير الفني , وقد تحدث المعجزات وفي الواقع فان المعجزات تقع أحيانا في بغداد وعلي سبيل المثال فقد خلقت فرقة سيمفونية عراقية من العدم تقريبا وبدأت تعزف القطع الموسيقية الجادة لجمهور بدا يتذوق الموسيقي الغربية.لقد ساهم الفنانون العراقيون عام 1947 في معرض اليونسكو الدولي للفن الذي أقيم في مصر وكان تعليق احد النقاد البارزين ما يلي : ( لقد عرضت روسيا فنا رديئا وعرضت الصين فنا لم يكن أجود ما لديها , أما الفن العراقي فقد تميز بالجودة والقوة ).وفي السنين التي تلت ذلك أقيم معرض آخر في بيروت حيث أثارت المعروضات العراقية اهتماما كبيرا لدي نقاد الفن العالميين.في عام 1940 أسس مجموعة من الفنانين العراقيين جمعية أسموها ( أصدقاء الفن ) وكان معظم أعضائها العائدين الذين انهوا دراستهم في باريس ورما ولندن وقد استطاع هؤلاء أن يقيموا معرضهم الأول عام 1941.بعد سنين الحرب العالمية الثانية غادر عدد من الفنانين العراقيين للدراسة في الخارج ببعثات حكومية وقد برز خلال السنوات القليلة الماضية مجموعة من الفانيين الذين لهم من المعرفة الفنية الواسعة ومن الطموح في البحث عن الاصالة والصدق والتعبير ما يفوق كل الحدود.لقد برزت خلال السنوات الأخيرة جمعيتان فنيتان تستحقان الإشارة اليهما هما : جماعة الرواد و جماعة بغدد للفن الحديث.لقد كان إنشاء معهد الفنون الجميلة خطوة هامة وإنجازا كبيرا في تاريخ الفن العراقي , لقد أسس العهد أصلا لتدريس الموسيقي ثم أضيف الرسم والنحت والتمثيل إلي برامجه الدراسية كما تم في عام 1944 افتتاح المعرض الوطني انه لا يزال متواضعا في الوقت الحاضر لكنه يمثل النواة لمتحف كبير في المستقبل.جواد وإخوانه…في مقالة كتبها نزار سليم عن شقيقه الفنان جواد سليم نشرها في العدد الأول من مجلة ( الوقت الضائع ) لعام 1946 تحدث فيها عن ابرز jewad-selim_7b300cbfdbخصائص شخصية جواد الفنية مستقصيا الجذور التي أمد منها ذلك البناء الفني والمحاولات التي سبقت الخلق في حياته الفنية وفي مرحلة من مراحل حياته حيث التكوين , كيف انطلق مستمرا في البحث المجرد من كل شيء سواء ألذات الخالقة التي تكمن في قرار نفسه فأطال التأمل في السجاجيد الموصلية والألوان والمربعات التي كانت تتراقص تحت اقادمه , وسري في كل مكان , حتي أحقرها وتفرس في الوجوه يريد أن يتعرف إلي قراراتها , فلم يجد سوي اللاشيء المقرون بالألم الذي لا يشعر به صاحبه لان ولد معه , وهنا بدأت معالم الطريق تبرز لوجود فرسم ورسم( كان هذا في مرحلة من مراحل حياة جواد , سبقت ذهابه إلي لندن أطول فترة من فترات دراسته للفن ) وفي الأخير ينهي نزار كلمته عن جواد بعد أن يتحدث عنه رساما ونحاتا وفنانا له امتيازه في عصره , يقول بعد أن يتساءل عما إذا كان هذا الذي يقدمه هو كل شيء يعرفه عن جواد.( انه لحديث طويل لا ينتهي )…هذه العبارة التي كتبها أخ عن أخيه العام 1946 قد حسدت ما تحقق فعلا بعد ذلك سواء في حياة الفنان التي كان لها أن قطعت الكثير من الأشواط بعد هذا التاريخ , في الحياة وفي الفن , أم في ( حياة فنان بشكل خاص , أم في مقدار الأثر الفني ) الذي تركته تلك الحياة في مجاليه وفي مسار الفن عموما في العراق المعاصر.وأي حديث أطول من هذا الحديث ؟ أن يكون الفنان رائدا لاتجاه…وان يري من حوله وان نري نحن بعده كل ذلك العمل يجتمع , ليكون تجربة من اثري تجارب فننا العربي المعاصر ؟ ونتحدث مع نزار عن جواد وقد تحدث من قبل كثيرا لكننا هذه المرة نريد للحديث أن يكون في حدود العائلة التي وسطها نشأ جواد ومن بيئتها اخذ معطياته الأولي…يقول نزار…الواقع إننا جميعا لم نكن أخوة فقط بل كنا أصدقاء ورغم إننا كنا خمسة إخوة ( رشاد , سعاد , جواد , نزيهة ) وأنا فإننا جميعا كنا نشعر أن جواد هو المفضل بيننا..كنا جميعا نشعر انه هو المتميز , حتي رشاد الذي هو أكبرنا سنا وأولنا في البدء بالرسم , كنا نراه يحيطه برعاية خاصة وكان موضع عنايته.ماذا تذكر لنا من ملامح جواد الشخصية ؟ ابرز ما كانت أراه فيه هو هدوءه , فقد كان إنسانا هادئا وكان ميالا إلي الرياضة , إن التمارين التي كان يمارسها تلك التي تساعد علي طول القامة , إن قصر قامته جعله يحاول أن يمدها عن طريق الرياضة.وقد لازم الهدوء فيه خاصية التفكير كان كثيرا ما يبدو مشغول الذهن , بعدها كان ينصرف إلي عمل ما , فني في جوهره يميل فيه إلي jauad-salem--03_11a9fafbf9الابتكار * هل لنا في عودة إلي البيت إلي جوه , حبذا لو نتعرف علي طبيعة البيت وفي أي جو نشأ جواد ؟ البيت…لقد كان واقعا فنيا غنيا * كيف ؟ ألام ( وهي التي كانت المسؤول الأول عنا بحكم ارتباط والدنا بوظيفته العسكرية ) كانت تشبع أجواء حياتنا بالقصص والحكايات , كان لطريقها في وصف أجواء هذه الحكايات والقصص لون خاص وأسلوب مؤثر في السرد مما أضفي علي تفكيرنا ( وبالأخص علي جواد ونزيهة ) بعض المؤثرات التي كان لها أن انعكست في عدد من أعمالنا الفنية , وقد تمثل هذا التأثير في طبيعة الموضوعات.الأب ( الحاج محمد سليم ) هو من الرسامين الأوائل في العراق وبالإضافة إلي ذلك كان يحفظ أصول فن أخر هو ( المقام ) سعاد , الأخ الأكبر لنا بعد رشاد هو الأخر رسام ومسرحي ومن أوائل من رسموا ( الديكور المسرحي ) في العراق , كما انه مصور فوتوغرافي , وواحد من رسامي الكاريكاتير البارزين في العراق.نزيهة , الأخت الوحيدة لنا هي من أوائل الفنانات العراقيات…أما رشاد , الأخ الأكبر لنا جميعا , فقد كان رساما وملونا له اهتمام واضح بالموسيقي…كنا يعزف الكمان كما كان يجيد الضرب علي العود وقد فقدناه ونحن في سن الشباب الأول.كان ذلك عام 1941وأنا المتحدث عنهم : ارسم وارسم الكاريكاتير كما اكتب القصة والمسرحية…بيت له واقعه الفني…ويضيف الفنان نزار معقبا…وهكذا تجد هذا التناغم في حياة العائلة التي يجمعها اهتمام مشترك , ويوطد حياتها توجه فني له من الآفاق ما لا يحد , جميعهم يصنعون جوا نادرا بقدر ما فيه من التنوع فان فيه من الوحدة , كن يلون إرادتنا جميعا ويخرج لها إلي عرض الحياة.تعبيرا عن حاجة نفسية وذاتية , ومن ثم حضارية , عبرت عن خصائصها في كل ما قدمته العائلة.لقد نشأنا وتربينا جميعا في بيت كان هو ( واقعه الفني ) وهو بيت لم يكن فقيرا ولا ميسورا , إنما كانت له باحة كبيرة واسعة , بيت من طراز بغدادي عريق اتخذ جواد من واحدة من غرفه في الطابق الأرضي مشغلا له…( ويتوقف نزار لحظات وقول…) ماذا أقول عن جواد ؟ كان كثير العمل , وكانت الموسيقي ترافقه في عمله , أينما حل فهناك موسيقي , وفي الساعات التي كان يأخذ فيها استراحة…كان التفكير يستغرقه…ربما هي فكرة في رأسه , تتشكل لتأخذ أبعادها من بعد في عمل فني.هناك الكثير مما اذكره عن جواد ( يقول نزار ) فهو قد ترك لنا الكثير في الفن كما ترك الكثير في حياتنا كأخوة وأصدقاء.اذكر انه حين سافر إلي باريس عام 1939 كان يكتب إلي شقيقتنا سعاد وكانت رسائله أما علي شكل صور و تخطيطات أو إن الصور و التخطيطات و الكاريكاتير كانت هيه الجزء الأكبر فيها , فقد كان يتخذ من الرسم بديلا عن الكتابة.واذكر انه كان وهو يكتب إلي يخاطبني بعبارة ( صديقي نزار ) ولمثل هذه العبارات دلالتها في حياتنا نحن الأخوة كما قلت.إعجاب كبير كثيرون هم الذين عرفوا الفنان جواد سليم في حياته…واحتفظت ذاكرة كل منهم بانطباعات خاصة عنه…يعودون إليها , بين الحين والأخر , يوم أن تمر ذكراه , أو ساعة تلتقي عيونهم بواحدة من لوحاته , أو منحوته منحوتاته…أو نقرأ كلمة عنه هنا أو هناك.ولكن صلة الفنان رفعت الجادرجي بالفنان جواد سليم لها أبعاد أخري تتصل بشخصية الفنان , بعمله وبالثقافة التي يشيعها هذا العمل.هذه العلاقة كما يخبرنا الفنان الجادرجي تتوزع علي أربع فترات : الأولي : ما بين عام 1944-1945 تتميز هذه الفترة – يقول رفعت – بان علا قتي بجواد لم تكن علا قة مباشرة , إنما هي علي النحو التالي…كنا مجموعة من الشباب تتراوح أعمارهم بين السادسة عشرة والعشرين , كنا معجبين بجواد , وكانت هناك مجموعة أخري , اكبر منا سنا علي صلة مباشرة بجواد وكان هو الشخصية البارزة فيها , وكنا نحن علي صله به , نتحسس القيم الفنية عن طريقها هذه المجموعة التي كنا نشكلها نحن تتألف من قحطان عوني نزار سليم وأنا , و قد انظم إلينا فيما بعد شباب آخرون بعضهم واصل وبعضهم الآخر انقطع من بينهم…خالد الرحال , جميل حمودي , خلدون الحصري…أما حلقة الوصل بيننا وبين جواد الذي كنا معجبين به غاية الإعجاب هما…نزار سليم وصالح عوني.كنا نتعرف علي الحركة الفنية , التي كانت تتخلق العراق من خلالهم , وكانت آراء جواد وأفكاره هي الأساس بالنسبة لنا في بناء هذه الحركة.كان هذا هو جو الفترة بصورة عامة , وكانت هذه هي اهتمامات شباب يشدهم تطلع خاص , ويربطهم توجه فني , وكانت هناك توجيهات من آخرين في جوانب أخري وبتأثيرات آخرين , خصوصا في الأدب والموسيقي…من جانبنا كنا معجبين بهذه المجموعة لحد إننا كنا نذهب إلي السينما التي يذهبون إليها ونجلس خلفهم لنستمع إلي تعليقاتهم…إلي هذا الحد وأكثر.وتحدث الجادرجي عن الشخصيات التي تشكل هذه الجماعة..قبل سفر جواد تبلورت هذه المجموعة في…مدحت علي مظلوم , جعفر علاوي , وآخرين غيرهم…وقال الجادرجي عن المؤثرات التي رآها تساعد علي مثل هذه الأجواء الحميمية والجدية.كثيرة يقول رفعت ولكن بالنسبة لي كشاب في ذلك الوقت كان يتطلع إلي الكثير ما كان يؤثر علي وبوضوح ما كنت أراه أو اسمع عنه , وبالذات وجود الفنانين البولونيين الذين جاءوا إلي بغداد بشكل غير متوقع , ودخلوا في حوار مع الفنانين العراقيين وبالذات مع جواد و فايق حسن , كان ذلك اللقاء انقلابا في حياتهم…في الرسم وفي أسلوب العيش…
فالانطباعية والتنقيط في الرسم دخلت العراق لأول مرة عن طريقهم , بعد ذلك جاءت شخصيات أخري خلال الحرب العالمية الثانية , كان أبرزهم ( كينث وود ) فبينما كان الرسم بالنسبة لجواد و فايق عبارة عن ( الموديل ) و ( الطبيعة ) انتقل جواد إلي مرحلة أصبح فيها يرسم صورا من الحياة اليومية…
وبدأ بموضوعات عراقية وبأسلوب انطباعي , طوره علي طريقته الخاصة وبسرعة ملفته للنظر , وبرائي إن عبقرية جواد سليم تكمن هنا.

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

د. قصي الشيخ عسكر: نصوص (ملف/20)

بهارات (مهداة إلى صديقي الفنان ز.ش.) اغتنمناها فرصة ثمينة لا تعوّض حين غادر زميلنا الهندي …

لا كنز لهذا الولد سوى ضرورة الهوية
(سيدي قنصل بابل) رواية نبيل نوري
مقداد مسعود (ملف/6 الحلقة الأخيرة)

يتنوع عنف الدولة وأشده شراسة ً هو الدستور في بعض فقراته ِ،وحين تواصل الدولة تحصنها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *