( ليس صحيحا أن نقلد أبطال الروايات كما لو كانوا أشخاصا حقيقيين أو أنهم مجرد أصدقاء مخلصين لنا . وإذا كان تقليدهم يغرينا ، خصوصا في بدايتنا أو خلال تولعنا في سبر أحداث رواياتهم ، فلا مناص من تمردنا عليهم بعد حين من الزمن حيث ننغمر نحن أيضا في لجة الحياة ، حياتنا التي ينبغي أن نعيشها كما نشاء نحن ، لا كما يريد أبطال الروايات أو مؤلفوها )
بهذا المدخل الهاديء والمتوازن والذي سنلمس درجة مكره حين نتوغل في مسارات رواية ( الحلم العظيم ) ، يقودنا الروائي المبدع ( أحمد خلف ) في روايته الأخيرة هذه والتي صدرت مؤخرا عن دار المدى ، في عوالم رحلة شائكة وجسور تعالج المتغيرات الحاسمة في مرحلة الستينات العاصفة ، خصوصا تجربة المثقفين الشيوعيين من جيل الستينات وذلك من خلال الصلة بين بطل الرواية ( المؤلف ) الضائع في اختياراته الحياتية والسياسية والوجودية وبين أصدقاء الشلة ( الولد الفلسطيني ومحمود عبد العال وجلال كريم وكلها مسميات توحي برموز اختزناها في وجداننا .. ) الذين تنوعت انتماءاتهم وتضاربت ، ولكن خلاصتها تركزت في سلوك المناضل الشيوعي ” جواد الحمراني ” الذي يتصدى لقيادة تجربة قتال السلطة في الأهوار والتي تنتهي بالفشل . وبين تماهي بطل القصة المتناوب والقلق مع أبطال الروايات التي يقرأها وعوالمهم اليوتوبية المستعصية ( دستويفسكي ، سارتر ، همنغواي ، نجيب محفوظ … ) ، والأسئلة الشائكة التي يثيرها حول سلوكهم ، وبين ما تفرضه الحياة اليومية الفعلية من ضغوط مرهفة تعكسها تجربة البطل في إحباطاته الحياتية والجنسية وجريمة القتل التي يتشارك بها مع الزوجة الخائنة ، وشقيقة صديقه المثقف التي يحبها وزوجة أبيها المتهورة ، وبين المثال السياسي / الحل الذي لا يعرف أين يجده وتتلاطم به اختياراته ، يلعب أحمد خلف ، بإسلوبيته الفريدة التي تمثل بصمة خاصة في السردية العراقية ، على كل الوقائع ، خصوصا تفصيلاتها الدقيقة والبسيطة ( مثلا جرة النقود القديمة التي يعثر عليها البطل وهو يحاول دفن جثة الزوج المغدور ) ، فيحمّلها معان رمزية عميقة ، موظّفا وباقتدار عطايا سيّدة الحكايات : ألف ليلة وليلة ، ومسطرا تجربة هائلة لجيل عاش تجربة مدويّة لا تتكرر هو جيل الستينات .
( … كانت عيناه الغائرتان والفم الناشف والجبهة المتربة ، كلها تشي بتعاسة غطس فيها الحمراني حتى شحمة الأذن .
قال المؤلف سائلا إياه : ماذا جرى ؟ هل صحيح فشلت الانتفاضة ؟ هزّ الحمراني رأسه : كانت حركة غير مدروسة .
ساد صمت بينهما . من الواضح أن الحمراني يعاني ( هنا ) عزلة مكثفة ، بل مقصودة تماما . انتبه المؤلف إلى أن لا أحد من السجناء يرفع يده بتحية للحمراني .
– هل أنت على خلاف مع الجميع ؟
– كلا ، بل لم أنسجم مع الحركة بالتمام . أتدري ؟ لقد دفعنا الثمن باهضا . هناك من وجدناه متهورا ، وتهالك في أول خطواته معنا .
– لقد سمعنا أخبارا كثيرة غير سارة .
– خدعنا الفلاحون وغدروا بنا . نحن ضحايا خيانة أكبر من حركتنا .
كانا يلقيان خطواتهما في الأرض التي لا يعرفها المؤلف من قبل ، وفكر بجدية مخلصة : ماذا لو تلاشى الحبر من رسغه ، لو اختفت دمغة الدخول إلى السجن .وحين شاهدها الحمراني ، ضحك بعد أن هز رأسه : حافظ عليها ، وإلا ستبقى هنا حتى تثبت أنك لست من نزلاء السجن ( … ) لم يكن باستطاعة المؤلف أن يحسن التفكير الهاديء لكي يتمكن من استنتاج يخصه وحده في مسألة جواد الحمراني والسجناء الذين يرفضون الكلام معه . لم يتمكن حتى من معرفة الخطوات الدقيقة التي أدت إلى فشل حركة الكفاح المسلح في الأهوار . حتى الآن لم يتوصل إلى قرار حازم بشأن كل شيء يدور من حوله هنا ، في هذا المكان أو هناك في ( مدينة الحرية ) ، وفوجيء في داخله ، قد ارتفعت بعض المصدات والحواجز تمنع دخول الحمراني أو عبد العال إلى صميم قلبه . كان الفلسطيني وحده يقترب رويدا رويدا من عصب القضية كلها ) .
رواية هامة جدا جديرة بالقراءة ..
“الحلم العظيم” رواية جديدة للمبدع “أحمد خلف” قراءة: حسين سرمك حسن- دمشق
تعليقات الفيسبوك
المبدع الجميل حسين سرمك حسن / درس في الانشاء
/ في اواسط تسعينات القرن الماضي صدرت مجموعة المبدع الجميل احمد خلف – خريف البلدة – وقد اقيمت على حدا\ئق اتحاد الادباء امسية بمناسبة صدور – خريف البلدة –
– المجموعة التي تحتمل الكثير من التأويلات في تلك المرحلة الحساسة وقد انبرى الجميع بما فيهم مبدعون كبار للتحدث ليس عن المجموعة – كان تهربا ذكيا منهم – بانهم لم يتمكنوا من قراءة المجموعة بعد ولايسعهم ان يعطوا رأيا فيها ، وحينما جاء دور الكاتب احمد خلف ليقدم المجموعة ونفسه ، تصور انه قال بشجاعة انا احيلكم الى قصة – درس في الانشاء – قالها الرجل بشجاعة محتميا بعبارة – المنشورة في جريدة الثورة العدد …. -رغم ان القصة كانت تعني انه يتهم السلطة بالتجسس حتى على اطفال المدارس الابتدائية . لان ثيمة – قصة درس في الانشاء – كانت تقوم على التجسس على اباء وامهات الطلاب الصغار من خلال الطلب منهم ان يكتبوا انشاءا موضوعه السؤال التالي – ماذا يفعل ابوك وامك مساءا – او بالصيغة الاخرى للسؤال – ماذا يفعل ابوك وامك وهو يشاهد الرئيس من شاشة التلفزيون – هذا ماعناه المبدع يومها احمد خلف امام قاعة كانت ملغومة برجال المخابرات والشرطة – ولهذا لااسستغرب ان يكتب احمد خلف – الحلم العظيم – واعتبر مقالتكم عنها اجمل تعريف وتقديم هائل لما فيها من الكثير من الحكايات التي سبق لابو ريم ان حدثني عنها ولكني لم احصل على نسختي منها بعد –
احييك ياابو علي على مواضبتك التي لم استطع ان اكتشف سر قوتها وجبروتها واشد على قلمك الحر الشريف والبقاء للكلمة الحرة الشريفة