من ذكريات العيد 1 :
كان احدالرجال الطيبين في قريتنا
يخرج ليلة العيد . بعد ان يصل خبر العيد الى الرجال الجالسين في حسينية الحاج عجيل قادما من النجف الاشرف عبر التلفون :
” باجر العيد ، عيّد يا سعّيد . ويروح يقطع كل دروب القرية وهو يردد تلك العبارة . يوم ذاك لم يكن هناك من اعلام يبلغ كل طائفة بموعد خروج هلالها الخاص بها
من ذكريات العيد 2 :
كانت الارض في قريتنا يومذاك ارضا طينية تماما . وحدث في سنوات طفولتنا الاولى ان عيد الفطر المبارك يصادف ايام الشتاء الممطرة . و من ذكرياتي في احد ايام الاعياد الجميلة ان كانت السماء تهطل مطرا غزيرا . وفجاة نوقف المطر صباحا لتشرق الشمس الخجولة عندها خرجنا من بيوتنا . عند ذلك صادفت صديقا لي – وكانت عائلته غنية نوعا ما – عندما قذف لي بقطعة من ذوات العشرة فلوس . وحين رفضت اخذها . قال لي :
– انني نذرت ان اعطيها لاي شخص اصادفه صباحا حين ينقطع المطر . وانت اول شخص اصادفه .
كانت العشرة فلوس مبلغا كبيرا لطفل في العيد !
من ذكريات العيد 3 :
اكبر مبلغ كنت ايقاضاه من شخص مفرد ، عيدية ، في ايام طفولتي ، كان مبلغ الربع دينار . وكنت احصل عليه من احد معارف والدي الواقع عند اطراف القرية المجاورة الشرقية على طرف الصحراء الواصلة بايران . وكان يعمل على تهريب الشاي العراقي الاسود الى ايران . لان ايران وقتها ايام الشاه بهلوي لا يتداولون الا الشاي الاخضر .
ليتكم تعلمون كم احب الرجل رغم انه كان يعمل مهربا !
في طفولتنا ، ايام العيد ، كانت سعادتنا مربوطة باخر فلس لدينا . وحين نصرف اخر فلوسنا ، لغاية اخر قطعة نقدية من فئة العشرة فلوس ، او الخمسة والعشرين فلسا نقامر بها في لعبة الانكَر والتاج . او لعبة تحت السبعة وفوق السبعة وغيرها من العاب الحظ المغرية التي كنا نعتقد ، كما غيرنا انها تكسّبنا المال . ونروح نلقي بها علّ النرد يكون في صالحنا ، ونكسب المال . متناسين ان لا احد يربح في اية لعة حظ . فحتى لو امتلات جيوب اللاعب نقودا فانه يستمر في اللعب لغاية خسارته ، وافلاسه .
ذلك ما حدث لي .
من ذكريات العيد 5 :
كانت ساحة العيد تقع خارج القرية في الدروازة . حيث تنصب مراجيح العيد والدواليب . والمرجوحة عبارة عن حبل ضخم يربط بين نخلتين المسافة بينهما تزيد على الخمسة امتار . وتضرب بالعصا من قبل عاملين قويين يضربانها باتجاه واحد لتصعد وتعود من ثم بقوة الجاذبية الارضية .
اتذكر من اعياد طفولتي ان عددا كبيرا من الاطفال كانوا يزدحمون بكثافة كبيرة جدا حول احدى الاراجيح . تاركين كل شيء لان احدى فتيات القرية الجميلات كانت تجلس في الارجوحة . وكان عاملا المرجوحة اللذان يضربانها بالعصا في حالة نشوة ، رغم كبر سنهما ، فراحا يضربانها بقوة خارقة ويصيحان :
– الحك على فر العصر ——– لايضل كَلبك محتصر
حتى راحت الفتاة الحسناء تكاد تطير في السماء . وتطير معها قلوب الجميع
من ذكريات العيد 6 :
كانت اجرة ركوب الحصان عشرة فلوس والحمار خمسة فلوس . ولاني كنت صغيرا ، ولعلو ظهر الحصان . فقد اكنريت حمارا . اركبني المؤجر الدابة ورحت اسير بها . ولكن ولسبب ما اختل توازن الحمار فاسقطني ارضا . وسقطت معي كل حمولته من اكياس الجنفاص التي خيطت بطريقة غريبة لتوضع على ظهره ويسمونها ” رَحَلْ الحمار “بتفخيم اللام . كان وزنها يكفي لقتلي لو انها سقطت فوق جسدي مباشرة . لكنها على ما اذكر ظلت مربوطة الى جسد الحمار بسبب ربطها بحزام دائري الى بطنه . ولم استطع رفعها لاعود واركب على ظهره مرة اخرى .
وحين عجزت بعد فترة زمنية قصيرة يبدو ان الحيوان فهم المسالة فغادرني وعاد راكضا الى صاحبه وهو يجر حمولته الطنّية .