هل هو قدر ليس للشرفاء خلاص منه؟ هل يظل جزاء العفة والمكابرة الانسانية على الدوام النسيان والاهمال والعوز والمرض والموت؟ هو انسان لم يخلف في قلوب ذويه ومعارفه واصدقائه، سوى المحبة والعطف والجمال، يمر بهم نسيم عذب يبث عطرا عبقا يلبث في الارواح زمنا ولايزول، روحه المعطاء شملت كل تفاصيل عوالمه، رؤوم بوالديه المسنين كأم رؤوم لاتترك لحظة من دون ان تفكر بحاجاتهم، نذر عمره الذي تجاوز الخمسين خادما تحت اقدامهما، حارما نفسه من حقه الطبيعي في الاقتران بشريكة حياة.. اصدقائه يحفظون له جمائل عدة، وقوفه معهم في ساعات عوزهم او شدائدهم بإريحية وغيرية على الرغم من كونه معوزا على الدوام ومعتلا على الدوام، ولم يكن يرضى على كذب او زيف او تلفيق يسمعه او يراه، يتصدى دائما للانحراف والخطاء بروح غير هيابة ومن غير جعجعة. هو شاعر كتب لواعج روحه في وقت مبكر من مسيرة عمره، وفي زمن وعر لايسلم فيه الحقيقي في الابداع من أذى الاستبداد والطغيان، إن لم ينضوي في القطيع، وكان أبيا على الخضوع، على الرغم من فاقته الممضة واغواءات(مكارم القائد الضرورة)، اصدر في الزمن الصعب، زمن الحصار، مجموعتان شعريتان لاقتا رجعا طيبا في الاوساط الثقافية محليا وعربيا. فاض به الفرح، شأنه شأن العراقيين الشرفاء جميعهم، بزوال عتمة الاستبداد المكينة، واستبشر خيرا بزوال كل الاقصاءات والتهميشات التي احالته كما احالت كل العراقيين الى محض اشباح او اعجاز نخل خاوية، ولم تكتمل فرحة الانعتاق حتى اللحظة، فالعوز هو العوز والتهميش هو التهميش، ولم تزل الارواح المبدعة الحرة تكابد الامرين، لتنتكس حالته الصحية ويبداء غول المرض نهشا شرسا في اجزاء بدنه ويفشل كبده من القيام بوضائفه. خدم طويلا في ميدان الثقافة والصحافة من خلال عمله في جريدة المدى منذ اول اعدادها ومن ثم في طريق الشعب وخلال ذلك العمل اسس مع اقرانه المبدعين ملتقى الخميس الابداعي وكان صوته وفكره حاضرين فاعلين في كل نشاطاته، كما اصدر بعد التغيير ثلاث مجاميع شعرية، وفي جعبته المزيد. انه محمد درويش علي الانسان العفيف اللسان الصادق السلوك الشاعر الاصيل الاعلامي الدؤوب.. الذي يرزح اليوم تحت وطأة مرض عضال ويتلفت، صامتا، ذات اليمين وذات الشمال لمن ينتخي لنجدته…فمن يلتفت لشاعر يحتضر؟ –
كاظم الجماسي : من يلتفت لشاعر يحتضر؟ (مقالة مبدع شريف عن أخ في المحنة) (ملف/2)
تعليقات الفيسبوك