تهادى البلم العشاري متبخترا ، جميلا ، حرا لمالكه دون ان يدرك مايجري حوله من صراع طبقي ، في مياه شط ” الكباسي” الكبير ، المتفرع من نهر شط العرب العظيم ، من صفحته الشرقية ، وهو يحمل اثنين من الرجال ، احدهما وهو عبود البلّام ، الملاّك الصغير ، ماسكا بيديه ” الغرّافة ” يدفع بها الماء ليندفع البلم ، حسب قانون الفعل ورد الفعل النيوتني . والرجل الاخر حسّون الفلاح يجلس بين ثنايا البلم وبين مجموعة من ” الجلل ” ( جمع جِلّة ، وهي حاويات كبيرة نسبيا ، اسطوانية الشكل ، تقريبا ، تصنعها النساء عادة من خوص النخيل ) مملوءة بالبامياء والخيار مما تجود به الارض التي يزرعها ، ولايملك منها سوى جهده ، ذاهبا بها نحو ” سوق العِشِر” في منطقة الداكير في العشار .
في مقاطعة شط العرب لم يكن هناك سوق تجاري ، كمنطقة ريفية اختصت بالزراعة ، وبما تجود به الارض من محاصيل . وكان السوق الكبير هو في منطقة العشر في الضفة الاخرى من النهر لتسويق الانتاج .
كان الوقت فجرا . وكان حسون الفلاح كغيره من الفلاحين ينقل بضاعته من محصوله مرة او مرتين من كل الاسبوع ، حسب المواسم وما تجود به . اي انه حفظ اسماء البساتين واسماء مالكيها عن ظهر قلب ويعرف كل شاردة وواردة عنهم وعن الفلاحين الذين يسكنون فيها واسماء ابنائهم وبناتهم حتى . ولكنه راح يسال كالعادة ، ليروي ضما في نفسه :
– هذا البستان لمن ؟ وهو يشير الى احد البساتين الكبيرة المليئة بالنخيل وما لذ وطاب من الاعناب والرمان والخوخ والمشمش وغيرها . فيجيبه عبود البلام وكانه اعتاد السؤال والجواب :
– لمسلم السرداح .
– وهذا لمن ؟
– لمسلم السرداح ، كذلك .
– وهذ ؟ وهذا ؟
– له ايضا . كل هذه البساتين له .
– وذاك الذي يقع في الجهة الاخرى من الضفة الشرقية للنهر الكبير ؟
– كل منطقة الكباسي والجزيرة ، وما يحيط بها مع امتداداتها من القرى المجاورة هي ملك له .
– اللعنة عليه !! . وكيف استطاع امتلاك هذا كله ؟
– الله يا اخي .
– وكيف يقبل الله ذلك ، ولماذا لم يقسمها بالتساوي ؟ . الجميع جياع وواحد يمتلك كل هذا ؟؟
– الله هو من يريد ذلك . يقولها عبود البلام بتردد واضح ، كمن يقول شيئا لا قناعة فيه .
فيفغر حسون الفلاح فاه تعجبا وهو يطلق حسرته ، ويتاوه ، ويروح يردد لازمته المتكررة :
” اصبحنا واصبح المللك للسرداح ” !!! و هو يضيف :
– ساقولها عند كل صباح ، ما زال هو يريد ذلك .
—————————————————