صدرت ، هذا الأسبوع، رواية ( دهاليز للموتى ) من دمشق وبيروت، بحجم وسط و230 صفحة ، للروائي حميد الربيعي ، وهي الرواية الرابعة له بعد “سفر الثعابين ” و ” تعالى وجع مالك ” و جدد موته مرتين ” .
في الغلاف الأخير كتب أستاذ الأدب المعاصر ، في جامعة السوربون ، د. حسن سرحان :
” الروائي حميد الربيعي ، كاتب مولع باستحضار الميثولوجيا الشعبية ، تشهد بذلك نصوصه السابقة ، حيث تلامس بحرفنة من ناحية التجريب حافة النضج البنائي ، يختلط فيها الكوني والديني بالجغرافية السياسية .
تمتاز ” أساطير ” حميد الربيعي بخاصية أنها لا تدور في أول الزمان ، بل في آخره ( أو آخر آخره) ، حيث تنشأ وتنمو صراعات .
يستعير بطل الربيعي ( أو بطله المضاد أن شئتم دقة اكبر) مسيرة أسطورية ، تلونها دوافع تنتمي إلى العصر الذي توظف فيه الحكاية .
هذا المخطط الأرثي \ الاجتماعي ، غير المطابق تماما للأسطورة ، المعاد تفعيل حضورها ، ينفلت عن الأصل ، كي يقترح مقاربات غير تلك التي تصدت لها الأسطورة في نسختها
الأولى . أن تجربة اشتغال الروائي حميد الربيعي على منطقة الاغتراف من الموروث الحكائي الشعبي ، بوصفها محاولة مواربة لزحزحة التبئير، في فضاء الكتابة ، من اليومي والعادي ونقله نحو العلوي والمقدس .
تظل تجربة أبداعية مميزة ، من منظور سعيها لخلق بنية روائية متفردة ، يتداخل فيها ألغرائبي بالمألوف ، والعجائبي بالممكن ، والملحمي بالواقع “.
تبدأ الرواية من لحظة تصادم شخصية ” كفؤ البابلي” مع الدبابة ، التي تسد منفذ الدائري الرابع ، في الساعة السابعة صباحا من يوم 2 أب ،وهي لحظة غزو الكويت.
” البابلي ” في تكوينه يتماهى مع الأله ” تموز ” في صيرورته الموسمية ، كما في الأسطورة السومرية ، إذ تأخذه قوى الظلام إلى العالم السفلي ليبقى مقيدا .
من هذا التماهي تتولد لحظة الصدام مع الدبابة ، وتستمر عبر الرحلة ستة أشهر وبضعة أيام ، بما يعادل فترة حرب الخليج ، يقضيها ” البابلي ” في البحث عن الجذور ، التي تؤهله لاسترجاع قواه بامتداداته الأسطورية .
من خلال مجموعة حكايات يرويها ” البابلي ” لعائلته ، كي ما يتسلوا كل ليلة بحكاية ، وهم محاصرون في بيتهم ، الحكايات تسترجع سيرة الروي كما في قصص ألف ليلة وليلة ، لكن المبنى الحكائي ينسج العلاقة الشائكة مع دولة الكويت ، بدءا من عام الاستقلال في عقد الستينات ، مرورا بإقطاعية آل الشبوط ومعمل خياطة الملابس العسكرية ، أيام جمهورية قاسم ، وصولا إلى حرب إيران، ثم حرب الخليج الثانية .
وكذلك عبر العلاقة الشائكة بين شخصيات الرواية ، في محاولة لإعادة قراءة تاريخ المرحلة . في هذا السياق ثمة إسترجاعات كثيرة ، يعود بها السارد إلى قبائل الجزيرة وغزواتها على حضارة الأنهر ، فالرواية تزخر بمعلومات جمة عن تأريخ المنطقة ، القديم والحديث ، رغم أنها لم تحدد أماكن معينة ، حتى ليبدو الحدث وكأنه قابل للتطبيق في أي بقعة .
رواية ( دهاليز للموتى ) ، طوال صفحاتها، تتحدث عن دراما إنسانية ، حيث إن الثيمة تتمحور حول صراع القيم ، وكيفية تشكيل مكونات المجتمع ، بأجناسه وأعراقه ، في تطوره و تخلفه .
في فصلها الأخير تجسد يوميات حرب الخليج وتقدم القوات الدولية باتجاه البصرة ، عبر طريق الموت .
شخصية المروي له ، الذي كان يستمع طوال الوقت إلى حكايات ليالي الحصار الخانقة ، يعود بعد عام 2006 إلى بغداد ، في محاولة لتوثيق تلك الحكايات من خلال أماكن حدوثها ، وفي نفس الوقت مشاهدة ماضي الحكايات ومعاينة اندماجه في زمن الحرب الطائفية هذه المرة .
الرواية تعتمد على لغة مكثفة لسرد حيوات ، عاشت خضم أحداث مؤرقة ، حاولت أن تعكس انفعالات شخوصها وتفاعلهم مع الوقائع .
الرواية لم تتناول الأحداث بتسلسلها الزمني ، إنما ثمة تداخل متعمد ، يتبنى التشويق والإثارة ، بالإضافة إلى متعة القراءة .
المخيلة حاضرة ومتحفزة طوال الأحداث لتعيد تشكيل الصورة السردية بشكلها الإبداعي ، الذي يواكب مدارس السرد الحديثة .
“دهاليز الموتى” رواية جديدة للروائي العراقي “حميد الربيعي”
تعليقات الفيسبوك