قراءة : د. حسين سرمك حسن
عن دار تموز بدمشق ، صدر كتاب جديد للدكتور “ابراهيم جنداري” عنوانه : “الفضاء الروائي في أدب جبرا ابراهيم جبرا” (358 صفحة) ، وقد أجاب الباحث في “مقدّمة” الكتاب عن سؤالين أساسيين : الأول يتعلّق بأهمية دراسة الفضاء الروائي في النقد العربي حيث أشار إلى أن الدراسات العربية التي حاولت أن تدرس موضوعة الفضاء ، قد وقعت في اختزالية المصطلح عندما جعلت الفضاء مساوياً للمكان ، في حين أن المكان جزء من الفضاء . لذا جاءت الدراسات القليلة عن ثيمة الفضاء قاصرة لم تحاول أن تستنتج مفهوما للفضاء بتصوّر عربي ينبع من الخطاب الأدبي العربي . ينطبق هذا على محاولات سيزا قاسم وياسين النصير وشجاع العاني . فالدراسات السابقة – كما يرى جنداري – لم تبحث الكيفية التي يصير بها المكان داخل الخطاب الروائي فضاء لاستيعاب أحداث الرواية . إن تحديد مفهوم الفضاء ينبغي أن يظل ملتصقاً بالقراءة . أي أن تكون نقطة الإنطلاق من النموذج لا من النظرية ، لكي تتم لنا عملية وعي خصوصيات التصوّر العربي للمفاهيم (ص 13 و15).
…………………….ز
أمّا السؤال الثاني فيرتبط بسبب اختياره أعمال الروائي جبرا ابراهيم جبرا كمادة تطبيقية لبحثه هذا ، حيث يرى الباحث أن اختياره روايات جبرا يعود إلى اهتمامه – أي الباحث – بالشكل الروائي الذي أثبت قدرته على المواكبة الملازمة للتحولات المعرفية والإجتماعية . فقد حققت نصوص جبرا الروائية طفرة مهمة على مستوى نمط الكتابة الروائية المتعارف عليها ، إذ تخلصت رواياته من النظام السردي المعتاد ، لتفتح الباب على مصراعيه للرواية العربية ، لترتاد قنوات سردية متعددة من خلال البناء المتميز لهذه الروايات .
بعد المقدمة جاء التمهيد الذي حدّد فيه الباحث معنى المصطلح وهو (الحيّز الماكني الذي تتمظهر فيه الشخصيات والأشياء متلبسة بالأحداث تبعا لعوامل عدّة تتصل بالرؤية الفلسفية وبنوعية الجنس الأدبي وبحساسية الكاتب) . ويشكّل المكان والزمان العاملين الأساسيين فيه (ص 20) . يلي ذلك فصلان تناول الباحث في الأول منهما مكوّن “الزمان” من الفضاء الروائي في خمسة مباحث : مفهوم الزمن وأبعاده (الزمن الطبيعي (الأفقي) والنفسي (العمودي) ، البناء الزمني للأحداث (البناء المتتابع والمتوازي والدائري) ، اتجاهات الزمن (النسق النازل والصاعد والمتقطع) ، اشكال حركة السرد الزمني (تقنية السرد الزمني من استباق أو استرجاع) ، وأخيرا الرؤية السردية (وجهة النظر) .
أما الفصل الثاني فقد تناول موضوعة “المكان” في أربعة مباحث : طبيعة المكان وأهميته في البناء الروائي (الوصف طبيعته ووظيفته) ، وصف الأمكنة (الفضاء المديني العام / المفتوح ، والفضاء المديني الخاص / المغلق ، ثم وصف الأشخاص والأشياء) ، أنواع المكان (الأليف/ المعادي ، الواقعي/ المُتخيل ، التاريخي/ الآني ، المسرحي / الكوني) ، ثم الرؤية للتعرف على المكان (الرؤية التجزيئية والمشهدية والشمولية) .
أخيراً حدّد الباحث استنتاجاته النهائية في الخاتمة ، موضحاً أن روايات جبرا تلقي بنا في تيار متدفق من التجربة تتآلف معه نفوسنا تدريجيا وسط سيرورة من الإستدلال والتداعي ، ونهايات هذه الروايات غالبا ما تكون مفتوحة لتترك القاريء في حالة ارتياب وتأويل للمصير النهائي للشخصيات .. وأن الفضاء الروائي المديني في نصوص جبرا ساحة للصراع الدائم بين الرؤى والأصوات المتناقضة ، وبداية ولع متنام بالمتاهة وبسيطرة المكان على الإنسان ، بعد أن كان هناك نوع من الوحدة المكانية ومن سيطرة الإنسان على الجغرافيا (ص 336 و337) .
ومن الضروري الإشارة إلى أن الدكتزر ابراهيم جنداري كان قد أصدر كتاباُ آخر عن الفضاء الروائي عنوانه (الفضاء الروائي : مفاهيم وإشكاليات) ، صدر عن دار تموز أيضا ، ويمكن اعتباره تمهيداً لهذا الكتاب ، وسوف تكون لنا وقفة عنده قريباً .
كتاب للدكتور ابراهيم جنداري : الفضاء الروائي في أدب جبرا ابراهيم جبرا
تعليقات الفيسبوك