الانسان بطيعتة لايولد مجرما خارجا على القانون ولكن الظروف هي التي تدفعه لسلوك منحى يخالف العادات والتقاليد والدولة ويحاول ان يجد مبررات شرعية لهذا التصرف ،كأن تكون من باب تحقيق العدالة الاجتماعية في منظور يتخذ من السلوك العسكري وسيلة لبلوغ غايته، لذا نجد التاريخ الانساني يضج بشخصيات تعتبر نفسها ثائرة في وجه التمييز الطبقي والاجتماعي وتنهج سلوكا موحدا وان اختلف الزمان والمكان ، وتجمعها قواسم مشتركة سمات واحدة،ولعل ابرز تلك القواسم هي:
* تشكيل مجاميع مسلحة تقوم بكسب المال بالقوة العسكرية وان اختلف المبرر وتعددت الاسباب وراء ذلك0
* المعاني السامية في سلوك تلك الشخصيات التي جعلها في نظر الاخرين المنقذة والساعية للتحقيق العدالة بانواعها.
* حالة التشرد بسبب المطاردة وحالة الكر والفر حتى اخر العمر.
* المهارة العالية والشجاعة الفائقة حتى اصبحت تلك الشخصيات مضرب للامثال.
*العيش من اجل الاخرين ونكران الذات حتى يصل الامر الى الجود بالنفس.
هناك شخصيات يمكن ان تعد الاشهر في التاريخ التي سلكت هذا السلوك ، رغم الفواصل الزمانية والمكانية لكن تجمها هموم مشتركة وهدف واحد ولعل عروة ابن الورد وابن عبدكة وروبن هود هي الشخصيات الاكثر جدلا على وجه التاريخ الانساني من جميع النواحي وقد تناولتها الكتب بنوع من القسوة احيانا بنوع من التعاطف مما يجعل صعوبة الحصول على مصادر مؤكدة عن طبيعة تلك الشخصيات والمؤثرات التي دفعتها ان تكون في قمة السرد القصصي وحيكت حولها اساطير وحكايات اشبه ما تكون بالخرافية ولعل الادب الشعبي لعب دورا في هذا التوسع الديناميكي في تنامي هذه الشخصيات وتحبيبها الى قلوب الناس . وما يمكن القول عن سلوك هذه الشخصيات فالبعض يتعاطف معها فيعدها ثورة ،في حين يراها البعض الاخر تمردا من اجل الحصول على المكاسب المادية ،وآخرون يعدوها من اعمال الصعلكة وقطع الطريق ، وربما تجمع هذه الشخصيات كل هذه المسيمات حيث لا يمكن تنزيه اي عمل مهما كانت دوافعه وغاياته عندما يتخذ منحى القوة العسكرية .. الانسان لايقطع طريقا الا اذا كان جائعا ولا يثور الا عندما يشعر الظلم وهكذا ،هي ردود افعال تجاه شيء ما واحيانا هناك مبالغة في تصوير هذه الشخصيات بفعل العمل الحكائي الشعبي غير المدون والذي غايته امتاع الناس واضافة بعض اللمسات التي تزيد من الاثارة مما يجعل بعض افعال تلك الشخصيات تقترب من الاسطورة الخالدة في اذهان الطبقات الشعبية والتي تبحث عن بطولة تعيش فيها وتحقق بعض الرغبات الكامنة ، لذا نالت تعاطف الناس رغم بعض السلبيات التي تعترض طريق التعامل مع تحقيق العدالة .
الشخصية الاولى عاشت في عصر القبلية المتطرفة قبل الاسلام بقليل حيث صراع من اجل لقمة العيش وغزو وثارات قديمة وجديدة وكرم ومروءة وشجاعة ، انها حياة البادية كر و فر وصراع والبقاء للاقوى مع عادات وتقاليد صارمة تنبذ الذي يخرج عنها ، لدا ظهرت الصعلكة كنوع من رد الفعل على تلك الاعراف وحاولت خرقها عبر اقامة كيان خاص يلبي حاجاتها الضائعة ويحقق غاياتها المفقودة فكان عروة بن الورد حامل لواء الصعاليك واميرهم المطلق بالرغم من انه من قبيلة عبس العربية العريقة الا انه كان ناقما على نسب امه التي كانت من قضاعة وهي قبيلة وضيعة كما يقول :
ومابي من عار اخال علمته سوى ان اخوالي اذا نسبوا نهد َ
ونهد بطن من قضاعة , ولكن هذا ليس مبررا قويا لشخصية شجاعة ومعروفة في اوساط العرب ان تسلك درب الصعلكة ولكنه الايمان بعدالة قضيته هي التي دفعته لهذا الامر حتى قالت العرب عنه ” من زعم ان حاتما اسمح الناس فقد ظلم عروة بن الورد ” .ولعل اروع ما قاله في الجود والكرم ونكران الذات ابياته المشهورة :
افرق جسمي في جسوم كثيرة واحسو قراح الماء والماء بارد
ورغم النهاية المأساوية التي كانت امرا متوقعا لمثله بفعل الغارات والغزو فانه ترك اثرا خالدا تذكره الاجيال .
وفي الجانب الاخر من العالم وعند الجزر البريطانية ولدت شخصية اخرى متمردة يلفها بعض الغموض بسبب قلة المصادر واختلاطها على الكَتاب انها شخصية : روبن هود التي يبدو انها عاشت في القرون الوسطى وبالذات بعد فشل الحملة الصيبلية على الشرق الاوسط حيث يتردد اسم الملك ريشارد قلب الاسد مع روبن هو د . عرف عن هذا الانكليزي مهارته في رمي السهام وتشيكك مجموعة قوية عرفت بـ( ميري من ) مكونة من (140) شخصا معظمهم من ابناء الطبقة المتوسطة في غابة ( شيروود ) في مدينة ( نوتنغا شاير ) بالقرب من نوتيغهام ،وكانت مهمة روبن هود مساعدة الفقراء من خلال اخذ من اموال الاغنياء مما جعله مقربا من المحرومين والفقراء . نالت هذه الشخصية الكثير من الاهتمام عبر حزمة من الافلام والمسلسلات حتى ان افلام الرسوم المتحركة تناولت هذه الشخصية بنوع من الشجاعة والفخر وهي تتحدى الظلم والطغيان محاولة تطبيق العدالة الاجتماعية حسب مفهومها . وفي العراق وبداية نهاية الدولة العثمانية وبالتحديد في منطقة بعقوبة ظهرت شخصية فريدة تحمل صفات الصعلكة والشجاعة والكرم والثورة والشهامة انه ابراهيم بن عبد كة الذي دفعته ظروف الثار للتمرد على الدولة العثمانية في ذلك الوقت ومحاولته ايجاد نوع من العدالة عبر مفهومه الخاص وقد قاده هذا الامر الى للتنقل بين بغداد وديالى والحلة ،وبعد قيام الحكم الوطني عام 1921 تم القاء القبض عليه وحكم بالاعدام ولكم وساطة بعض الاعيان ومنهم (مسز بيل) الشخصية النسائية ذات التاثير في بدايات القرن العشرين حيث شاءت الظروف ان يهاجم ابن عبدكة القطار الذي كان يقلها وعندما عرفها اكرمها واطلق سراحهاما جعلها تسعى الى تخفيف الحكم عليه فحكم بالمؤبد واطلق سراحه عام 1934 وعين حارسا في اثار بابل ليقتل عام 1952 على يد نجم الزهو الغزاوي الذي كان يلاحقه ثارا لابيه الذي قتله عندما كانت في بعقوبة . عرف ابن عبدكة بالشجاعة والكرم حتى وهو في السجن لذا نال احترام السجناء والمشرفين على السجن واصبح حتى اليوم مضربا للمثل في الشجاعة والشقاوة .ورغم اختلاف المكان والزمان والدوافع فان هذه الشخصيات يجمعها جامع مشترك انها اصبحت قصص شعبية تتناولها الاجيال بنوع من الاهتمام .
عبدالكريم ابراهيم : الثورة والتمرد والصعلكة عند عروة بن الورد وروبن هود وابن عبدكة
تعليقات الفيسبوك