من حسنات قناة mbc2المختصة بعرض الأفلام الأجنبية هو أنها تعيد الفيلم الذي تعرضه أكثر من مرة . هذه الخاصية أتاحت لي مشاهدة أفلام هوليودية رائعة عدة مرات متفحصا كل دقائقها الإخراجية والتأليفية والفنية بهدوء وتركيز . ومن بين هذه الأفلام فيلم matchstick menالذي مثله نيكولاس كيج وأخرجه المخرج المعروف ( ريدلي سكوت) الذي قدم لنا أفلاما مهمة من قبل من بين أهمها فيلم (المبارز – gladiator)الذي مثله الممثل الاسترالي ( راسل كرو ) .ونيكولاس كيج الذي قدم لنا ممثلا ، وهو مخرج ومنتج أيضا ، أفلاما حظيت بشهرة كبيرة لدينا مثل :face off و national treasureو snake eyes وthe rockمع شين كونري وغيرها رشح لجائزة الأوسكار مرتين فاز بها في الثانية عن فيلم leaving las vegas الذي أدى فيه دور مدمن انتحاري على الكحول وهو من أعظم الأفلام التي عالجت هذا الموضوع في تاريخ السينما وستكون لنا معه وقفة .ومن المهم الإشارة إلى أن كيج هو من عائلة فنية كبيرة ، فهو ابن أخت المخرج العالمي (فرانسيس كوبولا)وابن عم المخرجين رومان كوبولا وتاليا كوبولا والممثلين روبرت كارين وجاسون شوارتزمان وشقيقه المخرج كرستوفر كوبولا وصديقه الممثل جوني ديب هو الذي نصحه بالاتجاه نحو التمثيل . في هذا الفيلم يؤدي كيج وباقتدار عال دورا كبيرا سيبقى عالقا في الأذهان وهو دور (روني) المريض نفسيا فهو يعاني من الأفكار التسلطية والأفعال القسرية ( حركات لا إرادية متكررة في عينيه ورقبته ، لا يفتح الباب إلا بعد أن يحسب 3،2،1 ، يغسل الأثاث والشبابيك ، يطلب ممن يدخل منزله أن يخلع حذاءه ، لا يدخن إلا وشباك السيارة مغلق ، مهووس بنظافة السجاد .. إلخ ) ولكنه في الوقت نفسه يمارس النصب على الناس لسلبهم أموالهم مع شريكه فرانكي (سام رودويل) الذي ينصحه بمراجعة طبيب نفسي بعد أن يترك مموله بالأدوية المدينة وتتدهور حالته إلى الحد الذي يفكر فيه بالانتحار ولكنه يخشى توسيخ السجادة !!. يساعده المحلل النفسي د.كلاين (بروس ألتمان) على العثور على ابنته الوحيدة التي أنجبتها زوجته التي طلقها منذ سنوات وهي حامل ولم يسأل عنها أبدا بعد ذلك .هنا تدخل حياته ابنته أنجيلا ( أدت دورها باقتدار أليسون لومان ذات الأربعة والعشرين ربيعا وأدت دور صبية في الرابعة عشرة ) فتقلب حياته رأسا على عقب حيث تستثير في أعماقه حس المسؤولية ومشاعر الأبوة فيبذل المستحيل لضمان مستقبلها .تطلب منه انجيلا تعليمها بعض خدع النصب فينصبان على امرأة تود الفوز باليانصيب وينجحان لكن روي يطلب من ابنته إعادة المال إلى المرأة . يدخل الشريكان (روي وفرانكي) في عملية نصب كبرى على ثري انكليزي هو شوك
(بروس جيرارد) الذي يكتشف الخدعة ويطارد روي وابنته التي ساهمت في الخدعة بتشتيت انتباه رجال الشرطة لاستبدال الحقائب .
يهربان وحين يعودان إلى المنزل يجدان شوك وقد ضرب فرانكي بقسوة ، يحصل اشتباك وتطلق انجيلا النار على شوك وتصيبه ، يطلب روي من فرانكي أن يأخذ انجيلا ويختبئان في مكان آخر فيخرجان ، يصحو شوك ويضرب روي فيفقده وعيه .يستيقظ روي فيجد نفسه في المستشفى تحت رقابة الشرطة ، يزوره الطبيب النفسي فيعطيه كلمة السر لحسابه الهائل في المصرف ويطلب منه تسليم المال لابنته حين تظهر .يصحو بعدها روي فيجابه بصمت مطبق – وهنا تتحقق الخدعة الكبرى – ، لا شرطة ولا ممرضات .. ولا طبيب .. ينهض فيجد نفسه أنه كان راقدا في غرفة صغيرة في أحد الكراجات ..يذهب إلى مطلقته فتخبره أنه عندما طلقها وهي حامل تعرضت للإسقاط ولا توجد لديها ابنة !! ثم يظهر أن أنجيلا كانت نصابة متعاونة مع فرانكي لسلب ثروة روني بتخطيط فرانكي .فقد روني كل ما يملك الآن . لقد أدى كيج وبصورة مذهلة دور المريض نفسيا المصاب بمرض الأفكار التسلطية ودور الأب الذي استثيرت في أعماقه مشاعر الأبوة متأخرا ودور النصاب الماكر ليقدم ، كما يقول أحد النقاد ، واحدا من أعظم أدوار السينما في السنوات الأخيرة .إن مشاهد مثل انتظار كيج لابنته للقاء الأول في السيارة بعد الفراق الطويل ونوبات القلق التي تجتاحه والحركات اللاإرادية التي تسيطر عليه وثورته في وجه المحلل النفسي وارتباكه أمام الصيدلاني وغيرها ستلتصق بذاكرتنا طويلا . لكن نقطة ضعف الفيلم جاءت في نهايته التي حطت من قدر الفيلم كما عبر عن ذلك أحد النقاد بحق .فهي نهاية (مصنوعة) لإسعاد المشاهد ،حيث يلتقي روي الذي أصبح عاملا في محل لبيع السجاد وتزوج وشفي من مرضه بأنجيلا التي خدعته وكانت برفقة صديقها، فيتعاتبان وتبين له أن فرانكي خدعها أيضا ولم تحصل على شيء فيسامحها ويعيشان في ثبات ونبات بصورة تجهض التوتر الدرامي الذي نعيشه طوال وقت الفيلم .
حسين سرمك حسن: نيكولاس كيج وتلبس الشخصية المرضية
تعليقات الفيسبوك