إشارة :
هذه الرسائل التي خصّ موقعنا بها الباحث الدكتور صالح جواد الطعمة هي في حقيقتها وثائق ، فبالإضافة إلى ما تثيره من آلام بسبب حالنا الثقافي المنافق والجائر الذي لم يرحم مبدعاً رائداً مثل ذنون أيوب ، فإنها تحمل دلالات ثقافية واجتماعية وسياسية كبيرة وهامة . شكراً للدكتور صالح الطعمة .
الرسائل :
22/3/1976Wien 1060 Web G 43 – 19 D. Ayoub
عزيزي الدكتور صالح جواد الطعمة المحترم
عدت من بغداد قبل شهرين تقريباً، وشغلت بأمور خاصة عن الاتصال بكم. أرجو أن تكونوا على ما يرام، لاقيت في بغداد بعض التكريم، ووعداً بإعادتي طبع آثاري السابقة (الأعمال الكاملة) وتلكؤاً في قبول ما ألفته حديثاً من روايات ومجاميع قصصية وقد علمت أن وزارة الإعلام لا تريد تحمل مسؤولية طبعها. وطبع أي شيء بدون مساعدتها يكاد أن يكون في حكم المستحيل. فالملزمة عند الطبع تكلف ثمانين ديناراً.
لا أدري إن كان ثمة أمل في ترجمة بعض ما أرسلت إليكم إلى اللغة الإنكليزية، ما دام الطبع باللغة العربية يلاقي مثل هذه المصاعب.
في وزارة الإعلام فوضى تتحكم في سياستها أنانية الكتّاب الناشئين الذين يتوقون إلى الشهرة دون أن يقدموا ما يؤهلهم لذلك. لذلك نراهم بالمرصاد للشيوخ من كتاب وشعراء، ولا يستطيع هؤلاء أن يشقوا لهم طريقاً إلا بواسطة الانتماءات الحزبية، وأين المفر لكل من يرى أن الأدب أو الفكر فوق هذه الأساليب الرذيلة؟الحقيقة يا أخي إنني في محنة، فأنا أتوق أن أنشر آخر تجاربي في هذه الفانية قبل أن أفارقها، وأنا ممن بشروا بكل إخلاص بالاشتراكية والتقدمية باعتراف الفئة الحاكمة نفسها.
التقيت بالخليلي وأهداني مؤلفاته الأخيرة الثمينة (هكذا عرفتهم) وكم أحزنني انه لم ينل تقاعداً مع أن الذين قيمتهم عشر معشار قيمته مرفهون بالتقاعد والهبات. الدكتور علي منصور يحييكم وهو في حالة طيبة وقد نال تقديراً يستحقه. أرجو أن تحضى ]كذا[هذه الرسالة بمطالعة الأخ زكي الجابر، والدكتور أكرم يذكره بحسرة عندما تحيط به الملمات في العمل.
المخلص
ذوالنون
أرجو الانتباه إلى تغيير رقم الشقة فقط من 15 إلى 19.
Wiem 1060 Wel G. 43 – 15 D. Ayoub
24/8/1975
عزيزي الدكتور صالح الطعمة المحترم
تحية طيبة
حدثني عنك الأستاذ زكي الجابر في رسالة، عن طريق أخينا الدكتور علي يحيى منصور، فشكراً لهما وقد أحببت أن أراسلكما أنت والأستاذ الجابر لأفيدكما وأستفيد منكما فيما يتعلق بالأدب العربي، والقصصي منه على الأخص، بعد أن لمست اهتمامكما بذلك.
لقد أبردت للأخ الجابر أولى رسائلي، ولم تستوعب الرسالة كل ما أردت قوله، فرأيت أن أثنيها برسالة إليك، وعسى أن تكون الثانية فاتحة مراسلة أدبية. هذا إذا وجدتكم من وقتكم الثمين ما يمكن تكريسه لذلك.
أرجو الإطلاع على رسالتي للأستاذ الجابر وإبلاغه أسفي لخبر وفاة الكاتب القصصي أدمون صبري. تصور يا أخي أن يموت هذا الكاتب دون أن أعرف أنا. فأين خبر وفاته وتأبينه ورثائه، إني أعرف أدمون وأقدر أدبه وهو قصصي أصيل ولست أنسى قصته سعيد أفندي التي أخرجت فلماً سينمائياً في العراق، وقد ترجمت بعض آثاره إلى بعض لغات شعوب الإتحاد السوفياتي. حقاً لقد أحزنني نعيه. ولعل تكالب الأدباء على الشهرة في العراق قد زاد من همومه وعجل بأجله. وقد كانت تلك المصيبة السبب في تعجيل آجال الكثيرين من الكتاب في العراق. وأبرز مثال على ذلك الكاتب الصحفي مجيد الونداوي.
وأنا متضايق أيضاً من مثل هذا الجو ولدي إنتاج غزير واعتقد أنه يهم العرب بل والعالم، فتجاربي الحياتية التي هي مصدر إلهامي في قصصي ليست عراقية ولا عربية بل هي من صميم المشاكل العالمية بين الشرق والغرب. وأرجو الا أكون مغروراً لو قلت انها ستكون موضع اهتمام المثقفين غير المتعصبين في العالم فيما لو نُشرت بلغة مثل اللغة الإنكليزية. سأحاول بأقرب فرصة أن أرسل لكم صورة مخطوطة قصتي أو هريرة وكوجك للإطلاع على الأقل. وأنا في خدمتك وخدمة الأخ الجابر في هذا الميدان.
6/9/975
الأخ الكريم الأستاذ ذو النون
تحية ومودة:
عفوكم لتأخري في الردّ على رسالتكم الكريمة.
لقد حملت إلي صدى مما أردده أو يخطر ببالي في مغتربي حول ضياع القيم في وطننا الحبيب.
أتراه – وتأخذ بي أبداً حيرة التساؤل – نتيجة حتمية لمسعانا نحو نظام أفضل أم أنه تعبير عن الضعف أو العجز فينا يطغى ويهدر ظلماً كفاءات المواطنين أو يلقي الستار على معالم وطنية مخلصة من محاولات الإبداع والفكر، أو أن مردّه غير هذا وذاك؟
وهكذا تراني أشاركك مشاعرك وألمك متطلعاً إلى الصحو الذي يعيدنا إلى السبيل السوي ولكن كيف؟ ومتى؟ وهل يتحقق ذلك قبل التضحية بالقوى والطاقات القادرة على الإسهام الإيجابي في حياتنا؟
أنا صنوك لا أملك غير الكلمة – وما أبخسها من صناعة! – أقولها هنا أو هناك لعلّها ومثيلاتها من كلمات كتابنا تعد يوماً بالخلاص.
يعزّ علي ألا تكون في متناولي جميع مؤلفاتكم لأفيكم حقكم في دراساتي التي أنشرها بين حين وآخر بالإنكليزية. معظمها رهن (ممتلكاتي) المتواضعة في الوطن، وليس من السهل شحنها إلي ولكني مع ذلك أستعين بما يتيسر لدي للتعريف بدوركم وتدريس نماذج من أعمالكم وأكاد أفعل ذلك كل عام عندما أدرس مادتي الأدب الحديث والرواية ومن الكتب التي استعملها كتاب يضم فصلاً من رواية الدكتور إبراهيم وتعليقات تتصل بالمؤلف وأعماله وغير ذلك. وأتوقع شخصياً أن أتناول أعمالكم بشيء من التفصيل في كتاب أعده للنشر عن الأدب العربي الحديث بالإنكليزية كما آمل أن يتاح لأحد الطلبة المتقدمين التفرغ لأدبكم في إطار دكتوراه.
يسرّني أن أسمع منكم بين حين وآخر كلما وجدتم متسعاً من الوقت وأن أقوم بأية خدمة ممكنة في هذه الديار ولعل اليوم الذي نستطيع فيه التمرد على الاغتراب، لعنة العصر، لنكون على صلة شخصية مباشرة ليس ببعيد.
لكم تحياتي وتحيات الأخ زكي الجابر مع أطيب التمنيات والتقدير.
صالح جواد الطعمة
**تعقيب
قد يكون من المفيد تاريخيأ ان أضيف بايجاز ملاحظتين: (1) لقد ترجمت لذي النون صفحات مختارة من روايته الدكتور ابراهيم ونشرت عام 1956 في “الاتلنتك ريفيو” غير ان ما كتب عن نتاجه القصصي بالانكليزية منذ ذلك التاريخ حتى 2013 اكثر مما ترجم منه (الى الانكليزية) لاسباب متعددة اهمها ريادته في مجالى الفكر والسياسة واعتبار بعض اعماله الروائية وثائق مهمة تعكس الوضع الاجتماعي والسيلسي في العراق في النصف الاول من القرن العشرين و (2) ان رسائل الاستاذ ايوب التي اطلعت عليها تشير الى انه كان يعاني في سبعينيات القرن الماضي ازمة فريدة او تكاد تكون فريدة في حدتها بالنسبة الى غيره من الادباء ناتجة عن شعوره بالغبن والاهمال وما كان يحسبه تشويها لمواقفه ونتاجه الادبي او يلقاه من معاملات سلبية مما دفعه-كما يبدو- الى الشروع بنشر قصة حياته عام 1980 مكتوبة بخط يده وان يوجه رسالة اهداء الى رئيس الجمهورية صدام حسين لاتليق بعلو مكانته الادبية وتميزه في دوره الفكري الريادي وقد اختتمها بكلمات تعبر عن حدة ازمته “ذو النون ايوب الراجي لرحمة الله بعد يأس من رحمة الناس” فينا نيسان 1980.