الأناشيد
عبد المنعم الأمير
شخصيات المسرحية
1 ـ عباس
2 ـ عبيد
3 ـ الأمير
4 ـ رباب
5 ـ الأم
6 ـ الحورية
7 ـ الملك
8 ـ الوزير
9 ـ الحاجب
10 ـ ثلاثة جنود
11 ـ صوت المنجمة
12 ـ صوت الريح
المشهد الأول
شاطىء النهر ، يدخل
الصياد حاملاً شبكته
عباس : هذا المكان ملائم للصيد ، وقد أصطاد
هذا اليوم ، ما يعوضني عما فاتني من
صيد ، في الأيام الأخيرة ” يصمت ” من
يدري ، لعل المنجمة العجوز ، تصدق
هذه المرة ، فيتغير حظي .. ” يرفع رأسه
منصتاً ” .
صوت المنجمة: عباس ، اسمع يا عباس ، ستصطاد
قريباً سمكة كبيرة جميلة ، ليست
كالأسماك ، وسترى عند وجودها معك ،
ما لم تره ، طول حياتك .
عباس : ” يهز رأسه ” كذب المنجمون وإن
صدقوا ” يهم برمي الشبكة في النهر ”
فلتصدق هذه المنجمة العجوز مرة واحدة
، ولتكذب بعدها العمر كله ” وهو يرمي
الشبكة ” ها إني أرمي الشبكة ، وسأرى”
يسحب الشبكة شيئاً فشيئاً ” كذبت المنجمة
العجوز هذه المرة أيضاً ، ويبدو أنني لن
أرى ما لم أره طول حياتي .
ترتفع بالتدريج دمدمة ،
مع ارتفاع صوت الريح
الصوت : هوووو عباس .
عباس : يا لهذا الصوت الغريب .
الصوت : هوووو عباس .
عباس : كأنها دمدمة المنجمة العجوز .
الصوت : هوووو.. ارفع رأسك .. يا .. عبا .. س .
عباس : يا إلهي .
الصوت : هوووو عبا .. س .
عباس : ” يهز رأسه ” يا لحمقي ، إنها غيمة ،
مجرد غيمة ” يتلفت حوله منصتاً ”
الصوت يرتفع ، فلأصغ ِ .
الصوت : هوووو .. ارم ِ شبكتك .. في النهر .. يا
عباس .. هوووو .. ارم ِ شبكتك .
عباس : لا فائدة ، لقد رميتها مرة .
الصوت : عبا .. س .. هوووو .. ارم ِ شبكتك ..
هوووو مرة أخرى .. هوووو .
عباس : إنني أعرف حظي ، لقد رميت شبكتي
كثيراً ، ولم أصطد شيئاً .
الصوت : هوووو .. عبا .. س … ارم ِ شبكتك هذه
المرة .. وسترَ .
عباس : حسن ، لن أخسر شيئاً ، سأرمي شبكتي
في النهر ، وسأرى .
الصوت يتلاشى ، الصياد
يهم برمي الشبكة
عباس : ها إني أرمي شبكتي ” يرمي الشبكة في
النهر ” والآن سأسحبها من الأعماق ،
وأرى ” يسحب الشبكة بصعوبة ” الشبكة
ثقيلة ، ثقيلة جداً ، أيعقل أنها سمكة ؟ من
يدري ، فلأسحبها وأعرف الحقيقة ”
يتوقف وينظر مذهولاً إلى الشبكة ” يا لله
، إنها سمكة كبيرة جداً ، وجميلة جداً جداً
، ولابد أنها تساوي مبلغاً كبيراً جداً جداً
جداً ” فرحا ” سآخذها إلى السوق ،
وأعرضها على شهبندر تجار السمك و ..
” يصمت ” كلا ، سأحتفظ بهذه السمكة ،
ولن أبيعها ، حتى لو أعطاني مال الدنيا ”
يشرق وجهه ” فكرة ، فكرة عظيمة ،
سأهديها للملك ، فقد يجعل مني .. ، لا ،
لن أهديها للملك ، فأنا أعيش هنا حراً ، لا
يتحكم بي أحد ، ولا يأمرني أحد ، أن
أفعل ما لا أريده ” يصمت ” آه وجدتها ،
سأضعها في الحوض ، الذي بنيته في
بيتي لأسماك الزينة ، واستمتع دوماً
بالنظر إليها ، وهي تسبح في الماء
كالحورية .
عبيد : ” من الخارج ” عباس .
عباس : ” يلتفت قلقاً ” الويل له ، هذا صديقي
اللدود ، عبيد .
عبيد : الصوت يقترب ” ها إني أزورك ، كما
أفعل كل يوم ، لتعرف كم أنا أحبك .
عباس : ” يدمدم ” أحبك عزرائيل ” يشد طرف
الشبكة إلى صخرة قريبة ” هذا اللعين ،
ما الذي جاء به الساعة ؟
الريح تدمدم ، يدخل
عبيد قلقاً مستريباً
عبيد : أيها المتشرد ، لقد آن أن تترك حياتك
هذه ، وتستقر .
عباس : ” يبتعد عن الشبكة ” أنت تعرف جيداً ،
أنني لست متشرداً ” يرتفع صوت الريح
” فأنا لي بيتي ..
عب : بيتك ! يا للقصر المنيف ، إنه مجرد
كوخ ، أشبه بالزريبة .
عباس : ولي عملي ..
عبيد : تعقل ، يا عباس ، إن عملك هذا لم
تحصل منه إلا على الفقر .
عباس : ولي حريتي .
عبيد : دعك من حريتك ، فالذئب الذي يجول
جائعاً في البراري ، حرّ أيضاً .
عباس : مهما يكن ، فلن يجد أحد في عنقي ، أثراً
لأي طوق .
عبيد : كفاك حمقاً ، تعال معي ، واترك حياتك
الزرية هذه ، وستشبع ,
عباس : العمل معك ، كما قيل لي ، لن يشبعني
سوى ضرب السياط .
عبيد : لا تصدق ما قيل لك ، أنت عاقل ، إن
من أخبرك بذلك كاذب .
عباس : الكاذب هو أنت ، فأمك لا تكذب .
عبيد : أمي امرأة عجوز ” يرتفع صوت الريح
أكثر فأكثر ” خرفة .
عباس : لا يا عبيد ، أمك أعقل من عرفتهم من
النساء .
عبيد : لأنها مثلك تهوى البؤس والفقر
والأحزان .
عباس : الحديث معك لا جدوى منه .
عبيد : مهما يكن ، فإنني أريدك معي ” الريح
تزأر ” تنعم بما أنعم به في القصر ”
يلتفت خائفاً ” ماذا يجري هذا اليوم ؟ ”
يتجه إلى الخارج مسرعاً ” لأذهب ، فقد
يفتقدني الملك ، و ..
عبيد يخرج مسرعاً ،
كمن يلوذ بالفرار
عباس : لن يتغير عبيد هذا ، سيبقى عبداً يلهث
حتى النهاية ، خلف السراب ” يسمع
حركة تند عن الشبكة ” إنها سمكتي ”
يقترب محدقاً في الشبكة ” آه ما أجملها ،
فلأسرع إلى البيت ، وآتي بقربة فيها ماء
، ثم أنقل السمكة إلى الحوض ” يتجه إلى
الخارج ” حقاً هذه سمكة ليست كالأسماك
، ومن يدري ، فقد تصدق المنجمة
العجوز ، فأرى ما لم أره طول حياتي ”
يخرج مسرعاً ” .
يدخل الأمير ، بعد
قليل متلفتاً حوله
الأمير : لم أرَ الحورية اليوم ، لا في النهر ، ولا
على اليابسة ، ترى أين مضت ؟ ” يحتد ”
لعلها تقابل أميراً غيري ، هيهات ” منفعلاً
” سأمزق كلّ من في النهر ، أو على
اليابسة ، إذا .. ” يهدأ إذ يتطلع إلى
الخارج ” ها هي الآنسة رباب قادمة ،
إنها حزينة كالعادة ، سآخذها يوماً إلى
أعماق النهر ، وأريحها من هذا الحزن .
تدخل رباب ، وتقبل
مترددة على الأمير
رباب : أيها الأمير .
الأمير : رباب .
رباب : نعم .
الأمير : جئت البارحة ، في حدود هذا الوقت ،
وانتظرتك دون جدوى .
رباب : عفواً ، إنها أمي ، لقد حبستني في
غرفتي ، طول النهار .
الأمير :أخشى أن تكون قد رأتك معي ، هنا على
شاطىء النهر .
رباب : كلا لم ترني معك ، ولو رأتني لجنت من
الخوف .
الأمير : إنني لا ألومها ، إنها أم ، والأم تخاف
على ابنتها ، وخاصة إذا كانت البنت
مثلك.
رباب : أمي لا تعرفك ، وربما لن تخاف إذا
عرفتك .
الأمير : أنت أيضاً على ما أظن ، لا تعرفينني .
رباب : نعم ، أنت محق ، إنني لا أعرفك بما فيه
الكفاية ، لكني لم أخفك .
الأمير : هذه ثقة أعتز بها ” ينظر إلى الخارج ”
أنظري ، إنه الصياد .
رباب : ” تنظر إلى الخارج ” نعم ، إنه هو ،
الصياد عباس ” تصمت أمي تريد أن
تزوجني منه .
الأمير :إنني أراه يصيد كلّ يوم ، والحقيقة إنه
شاب وسيم .
رباب : كنا جيراناً ، وطالما لعبنا معاً ، عندما كنا أطفالاً صغاراً .
الأمير : انتبهي ، إنه يقترب ” يتراجع ” الأفضل أن لا يرانا معاً ” يتجه إلى الخارج ” أستودعك الله .
رباب ” ” تلوح له ” إلى اللقاء ، هنا غداً.
الأمير : ” يخرج ” ….
رباب : ها هو عباس قادم ، ليتنا لم نكبر ” تتراجع ” أمي تريدني أن ألتقي به ، وهو يعرف ذلك ” تهز رأسها عناداً ” لن ألتقي به ” تتجه مسرعة إلى الخارج ” فلأختبىء في مكان قريب ريثما يبتعد .
رباب تختبىء ، يدخل
عباس ، حاملاً قربة
عباس : ” يتلفت ” عجباً ، لا أحد هنا ” يصمت
” خيل إليّ أنني رأيت أحدهم مع .. ”
يصمت ثانية : أتلك كانت رباب ؟ هذه
المجنونة ، عليّ أن .. ” يصمت ” مهما
يكن ، هذا شأنها ، يا للمجنونة ، ستبقى
صغيرة حتى تشيخ ” يتجه نحو الشبكة ”
فلأسرع إلى سمكتي ، وأضعها في هذه
القربة ، ثم أنطلق بها إلى البيت ” يقف
محدقاً في السمكة ” يا لله ، ما أجملها ،
كأنها حورية بحق ” ينحني على الشبكة ”
الوقت يمضي بسرعة ، فلآخذ السمكة ،
وأنطلق .
الصياد يضع السمكة
في القربة ، ويخرج
رباب : ” تخرج من مخبئها ” ترى ماذا وضع
عباس في القربة ؟ ” تهز كتفيها ” هذا لا
يعنيني ” تتجه إلى الخارج ” فلأذهب
مسرعة إلى البيت ، لابد أن أمي تبحث
عني الآن .
رباب تتلفت حولها ،
ثم تخرج مسرعة
إظلام
المشهد الثاني
شاطىء النهر ، تدخل
رباب مهمومة حزينة
رباب : ” إصبعها مشدودة بخرقة ” الصباح
اليوم جميل ، وكل ما حولي جميل ،
السماء ، النهر ، الأشجار ، الجبال ،
التلال ، وأنا وسط كلّ هذا الجمال والفرح
حزينة .. حزينة ” تنصت إلى بلبلين
يغردان ” بلبل وبلبلة يغردان ، آه ما أجمل
صوتيهما ” تصمت ” يا لحظي ، إنني
حين أغرد ، أغرد وحدي ، لا يسمعني
أحد ، ولا يجيبني أحد ” تصمت ثانية
وتحرك إصبعها ” الأمير حلم ، من أين
يأتي ؟ إلى أين يذهب ؟ إنه حلم ، أيُسأل
الحلم ؟ ” تصمت ” لا عليّ ، قد يأخذني
هذا الأمير ، ولو في الحلم ، إلى حيث
يذهب ، فيذهب عني الحزن ، وأمتلىء
بجمال الصباح ، والسماء ، والنهر ،
والأشجار ، والجبال ، والتلال ” تتنهد ”
آه ” تنتبه وتنظر إلى الخارج ” إنه عباس
” تحرك إصبعها متألمة ” آه من عباس ”
تصمت ” إن تصرفاته غريبة هذه الأيام ”
تتجه مسرعة إلى الخارج ” فلأختبىء
ريثما يذهب .
رباب تختبىء ، الصياد
يدخل حاملاً شبكته
عباس : لن أصيد ثانية إلا هنا ، إن هذا المكان ،
الذي أعطاني سمكتي الكبيرة الجميلة ،
لابد أن يعطيني الكثير من السمك ، فأبيعه
، وأعيش بأثمانه في رخاء ” يصمت ”
رحم الله أمي ، كانت تقول لي دوماً ،
الحياة قلّب ، يا بنيّ ، مرة سعة ، ومرات
ضيق ” يصمت ” مهما ضاقت بي الحياة
، يا أمي ، فلن أفرط بسمكتي ، ولن أدع
أحداً يلمسها ، لا الآن ، ولا في المستقبل ،
وحتى النهاية ” ينتبه وينظر إلى الخارج
” آه ها هي أم رباب قادمة ، لقد رأتني ،
ولن تفلتني ، فلأبقَ وأمري إلى الله .
تدخل أم رباب ،
وتقترب من الصياد
الأم : صباح الخير .
عباس : أهلاً أم رباب ، صباح النور .
الأم : قصدتك قبل قليل في البيت ، ولم أجدك
هناك .
عباس : أنت تعرفين ، يا أم رباب ، أن عليّ أن
أعمل ، وأحصل على قوتي .
الأم : وفقك الله ، يا بنيّ ، فأنت مثل المرحوم
أبيك ، رجل جد وعمل .
عباس : الحياة صعبة ، يا أم رباب ، وأنا كما
تعرفين ، وحيد لا سند لي ، ولا معين .
الأم : فديتك نفسي ، يا بنيّ ، أنت بحاجة إلى
فتاة شابة ، تعرفها وتعرفك ..
عباس : ” ينظر إليها صامتاً ” ….
الأم : تنظف لك بيتك ، وتغسل ملابسك ،
وتطبخ طعامك ، و .. تسعدك .
عباس : ” يبقى لائذاً بالصمت ” ….
الأم : لو تعرف ، يا بنيّ ، كم هو لذيذ الطعام ،
الذي تطبخه ابنتي .. رباب .
عباس : ” يبتسم محرجاً ” ….
الأم : لقد طبخت اليوم حساء عدس ” تحرك
إصبعها ” فيه شيء منها ” تتضاحك ”
قالت إنك تحب العدس ، ولكن ليس أي
عدس ، فأنت مثل أمك رحمها الله ذواق ،
وخجلت أن تأتيك بشيء منه بنفسها ،
فجئتك بطبق ، ووضعته على المائدة في
كوخك .
عباس : شكراً أم رباب ، لكن ..
الأم : بلا لكن ، إنه عدس خاص ، يا عزيزي
، آمل أن تأكل منه طول حياتك .
عباس : أشكرك .
الأم : أنت ، يا بنيّ عباس ، أحب شاب عندي
، وعند .. ” تصمت ” رباب ، كما تعرف
، جميلة ، وفتية ، ومؤدبة ، وشغولة ، و
.. وقد خطبها الكثيرون ، لكن هيه .. كل
فتاة ونصيبها .
عباس : ” ينظر إليها صامتاً ”
الأم : عفواً ، لا أريد أن أشغلك عن عملك ”
تصمت ” هداك الله يا بنيّ ، إلى ما فيه
الخير والسعادة ” تتجه إلى الخارج ”
العدس على المائدة ، يا بنيّ ، سخنه حين
تعود إلى البيت ، وسترى كم هو لذيذ .
عباس : أشكرك ، أشكرك يا أم رباب .
الأم : ” تخرج وهي ترفع يديها بالدعاء ” ….
عباس : الوقت يمضي بسرعة ، وأنا لم أرم ِ
شبكتي حتى الآن ، مرة واحدة ” يقترب
من النهر ” فلأرم ِ الشبكة ، لعلي أصطاد
شيئاً من السمك ” يرمي الشبكة في النهر
” هذه أول مرة ، أرمي فيها شبكتي في
النهر ، بعد أن اصطدت سمكتي الكبيرة ،
الجميلة ، والآن فلأسحبها ، ولأرَ إن كان
قد جدّ شيء ” يسحب الشبكة ” يبدو أن
البداية تبشر بخير ” يسحب الشبكة حتى
النهاية ” ثلاث سمكات متوسطة ، واثنتان
كبيرتان ” وهو يضع الأسماك جانباً ” هذا
حسن ، فلأرم ِ الشبكة ثانية .
الصياد يهم برمي
الشبكة ، يدخل عبيد
عبيد : يا لبؤس ما تمُنه عليك شبكتك .
عباس : ” يلتفت ” من ! ” بسخرية ” صديقي ؟
عبيد : نعم ، صديقك ، الذي لا يريد لك إلا
الخير .
عباس : ليتك ، يا صديقي ، تبقى متمتعاً بهذا
الخير وحدك .
عبيد : هيهات ، سأمتعك بما أتمتع به ، رغماً
عنك .
عباس : دعك من هذا الهراء ” يلتفت عنه ”
امض ِ ، ودعني أعمل .
عبيد : مهلاً يا عباس ، مهلاً ، لا تغضب ،
جئتك زبوناً هذه المرة .
عباس : اذهب عني ، ليس لدي ما أبيعه لك .
عبيد : ليس لي بل للملك ” يميل على الصياد ”
الملك يريد اليوم ، في ما يريد ، سمكاً .
عباس : اذهب إلى السوق ، إنه مليء بجميع
أنواع السمك .
عبيد : لا ، لا يا صديق ، أريد سمكة منك ”
يحدق في الأسماك ” ليس بين هذه
الأسماك السمكة ، التي أريدها للملك .
عباس : حمداً لله .
عبيد : أريد سمكة كبيرة ، جميلة .
عباس : ” يحدق فيه متشككاً ” ….
عبيد : ارم ِ شبكتك في النهر ، فقد تصطاد لي
مثل هذه السمكة .
عباس : لن أرمي شبكتي هنا ” يتأهب للخروج ”
سأذهب وأرميها في مكان آخر .
عبيد : أيها المجنون ، ستبقى طول عمرك ،
صياد سمك معدماً .
عباس : ” يتجه إلى الخارج ” هذا أفضل من أن
أعيش ، والطوق في عنقي ” يخرج ” .
عبيد : ” يدمدم مغتاظاً ” لن يغمض لي جفن ،
ولن أرتاح ، إلا إذا رأيتك معي ، وسأراك
معي ، مهما طال الزمن ، أو أدمرك .
عبيد يخرج ، وبعد
قليل ، يدخل الأمير
الأمير : ” يبدو قلقاً منزعجاً ” ….
رباب : ” تطل من وراء شجرة ” يبدو أن
الأمير يبحث عني ، فلأنتظر قليلاً .
الأمير : يا إلهي ، أين اختفت كل هذه المدة ؟
إنني أبحث عنها ، في كل مكان ، دون
جدوى .
رباب : لعله يتحدث عني ، فلأصغ ِ .
الأمير : أبواها قلقان جداً عليها .
رباب : أبواي ! صحيح أن أمي على قيد الحياة
، لكن أبي رحل إلى العالم الآخر .
الأمير : وكذلك أخواتها .
رباب : ليس لي إخوة أو أخوات ” بحزن ” إنه
لا يتحدث عني ، ترى عمن يبحث ؟
الأمير : ” بعنف ” سأجن .. سأجن .
رباب : يا ويلي ، كم أخشى أن يكون قد جن
فعلاً .
الأمير : سأبحث عنها ، وأعثر عليها ، حتى لو
كانت في سابع طبقات الأرض .
الأمير يهم بالخروج ،
تدخل رباب مسرعة
رباب : أيها الأمير .
الأمير : ” يلتفت إليها ” أهلاً رباب .
رباب : عفواً ، تأخرت اليوم أيضاً .
الأمير : لا بأس ” ينظر إلى يدها ” ما بال
إصبعك ؟
رباب : لقد طبخت أمي عدساً ..
الأمير : عدساً ! نحن لا نأكل العدس .
رباب : وأصرت أن أضع إصبعي فيه ، وهو
يغلي على النار .
الأمير : ” يبتسم ” يا له من عقاب ، لابد أنها
رأتك متلبسة بجرم ما .
رباب : لا ، لم ترني ، ولم أجرم ، وإنما لأنها
أرادت أن تهدي الصياد طبقاً منه .
الأمير : آه لو أن في هذا العدس فائدة ، لوضعت
فيه زعنفتي .
رباب : زعنفتك !
الأمير : أعني كفي ، كفي كله .
رباب : ” متشككة ” آه .
الأمير : أهو مفيد ؟
رباب : ماذا ؟
الأمير : العدس .
رباب : لم يفد حتى الآن .
الأمير : ” ممازحاً ” جربيه ثانية .
رباب : لا أريد أن أجربه ، مادمت إلى جانبي .
الأمير : ” ينظر إلى الخارج ” يبدو أنني لن أبقى
إلى جانبك طويلاً .
رباب : ” تهم بالتشبث به ” لا ، أرجوك .
الأمير : انتبهي ” يتراجع ” أمك قادمة .
رباب : آه إنها لا تدعني وشأني لحظة واحدة ،
كأنها تخشى أن يخرج كائن ما من النهر ،
ويخطفني .
الأمير : ” يتراجع ” من يدري ” وهو يخرج ”
لعلها محقة .
رباب : محقة ! يا للأمير ، إنه يقول أحياناً ،
كلاماً لا أفهمه ” تنظر إلى الخارج ”
المسكين أبي ، ظلت أمي تزن في رأسه ،
حتى أرسلته إلى الآخرة ، ترى أين
سترسلني أمي بزنها هذا ؟ آه .
تدخل الأم ، وتقبل
مستبشرة على رباب
الأم : ” متحمسة ” بنيتي ..
رباب : أمي .
الأم : أخيراً رأيته ورآك ..
رباب : ” تحملق فيها ” ….
رباب : أمي ..
الأم : و .. ” تزداد حماساً “أرأيت ؟ العدس ،
إنه وصفة مجربة ، لقد قدمت أمي ، طبقاً
واحداً لأبي ، وأكل منه ملعقة واحدة ، و
..
رباب : كفى يا أمي ، كفى ، إنني لم أرَ أحداً ،
ولم يرني أحد ..
الأم : ” مازالت على حماسها ” أنت خجلة .
رباب : ولم أمن ّ أحداً ، ولم يُمنني أحد .
الأم : يا بنيتي ، لقد سمعته بأذنيّ .
رباب : ” قلقة ” ورأيته ؟
الأم : الحقيقة ؟ لا ، لم أره ..
رباب : حمداً لله .
الأم : أنت تعرفين أن نظري .. ” بحماس ”
لكني واثقة ، كل الثقة ، أنه كان معك .
يا بنيتي ، هذا أمر طبيعي ، أنا نفسي ..
رباب : أمي ..
الأم : الصياد .. عباس .
رباب : أقسم لك بقبر أبي ، وبالعدس الذي
أحرق ” ترفع إصبعها ” إصبعي هذا ،
إنني لم أرَ الصياد عباس اليوم .
الأم : آه تذكرت ، أنت محقة ، إنه لم يأكل
العدس بعد .
رباب : ” تتجه إلى الخارج ” سأجن ” وهي
تخرج ” سأجن .. سأجن .
الأم : يا للعجب ، لقد سمعتها بأذني هاتين ،
كلا ، لست أخرف ، ترى مع من كانت
تتكلم ؟” تلحق برباب ” مهلاً يا رباب ،
مهلاً ، انتظريني يا بنيتي ، أريد أن أفهم ،
مهلاً ، مهلاً .
الأم تخرج مسرعة ،
في أثر رباب
إظلام
المشهد الثالث
كوخ الصياد ، المائدة
عامرة بلذيذ الطعام
عباس : ” يدخل متعباً ” رغم تعبي الشديد ، فإني
سعيد جداً اليوم ” يضع شبكته جانباً ” لقد
اصطدت الكثير من السمك ، وبعته في
السوق بثمن طيب ” صمت ” يبدو أن
السمكة ، التي اصطدتها ووضعتها في
الحوض ، كانت بشارة خير لي ” وهو
يلتفت ” فلأذهب لأراها ، وأمتع نظري
ب .. ” يتوقف مذهولاً أمام المائدة ” يا لله
، من أين هذا الطعام كله ؟ أهو من أم
رباب ؟ لا ، مستحيل ، إنها معدمة مثلي ،
ولا أظنها قد أتتني إلا بطبق .. ” يحدق
في المائدة ” أين طبق العدس ؟ يا للعجب
، ” يصمت مفكراً ” أيعقل هذا ” عبيد ؟
لا يمكن ، لو كان منه ، فلابد أنه مسموم ،
عبيد ظل لصقي طول العمر ، وأنا
أعرفه ، إن أكثر ما يحسدني عليه هو
حريتي ، وكأني أنا من
وضع الطوق في عنقه ” يهز رأسه ” لا ،
لا يمكن ، أن يقدم عبيد لي مثل هذا
الطعام ، إلا إذا .. ” يصمت ” يا لهذا
الطعام ، إن طباخي القصر على خبرتهم
، وتفننهم في إعداد الطعام ، لن يستطيعوا
أن يقدموا ما يماثله ” يقترب من المائدة ”
إنني جائع ، جائع جداً ، وهذا الطعام
يناديني أن تعال ، وكل ، وتمتع ، واسكت
صراخ جوعك ” الباب يطرق ” من
يأتيني في مثل هذا الوقت ؟ لعله عبيد ،
جاء يتباهى أمامي ، بما في مطبخ القصر
، مما لذ وطاب من الطعام ” الباب يطرق
ثانية ” هذه ليست طرقة عبيد ، إنها طرقة
رقيقة ” يتجه نحو الباب ” مهما يكن ،
فلأفتح الباب ، وأرَ .
الصياد يفتح الباب ،
تدخل أم رباب
عباس : أم رباب !
الأم : مررت من هنا ..
عباس : ” يحاول اعتراضها ” ….
الأم : ” تبعده عن طريقها ” وفكرت أنك قد
تحتاج إلى شيء .
عباس : لا أشكرك ، لست بحاجة إلى شيء .
الأم : أتمنى أن تكون قد أكلت العدس ، بعد أن
سخنته ، فهو عدس طيب جداً ، طبخته
رباب بنفسها .. ” تصمت حين ترى
المائدة ” .
عباس : لا أكتمك ، يا أم رباب ، لم أجد طبق
العدس على المائدة .
الأم : ولن تجده ، يا عباس ، مع كل هذه
الأصناف من الطعام .
عباس : لا عليك ” يتقدم من المائدة ” سأبحث
عنه ثانية ، لعلي أجده .
الأم : دعك منه ، فمن أتاك بهذه الأطباق ،
لابد أن يكون قد ألغى طبق العدس .
عباس : إنني لا أعرف في الحقيقة ، من أتاني
بهذا الطعام ، حتى إني فكرت ، لأول
وهلة ، أنه ربما يكون منك .
الأم : ماذا تقول ، يا عباس ؟ إن مثل هذا
الطعام ، لا تستطيع أرملة مثلي ، أن
تقدمه لأحد .
عباس : لعله إذن من صديقي .. عبيد .
الأم : لا .
عباس : إن مطبخ الملك ، وما يزيد فيه من طعام
..
الأم : لا .. لا .
عباس : يا للحيرة .
الأم : ” مرتعبة ” آه ، يا إلهي ..
عباس : ” خائفاً ” أم رباب .
الأم : إنها هي .
عباس : ماذا !
الأم : لا أحد غيرها ..
عباس : ” يحدق فيها صامتاً ” ….
الأم : الجنية .
عباس : لكن .. ليس في بيتي جنية .
الأم : أنظر ” تشير إلى المائدة ” هذا ليس
طعام بشر .
عباس : أم رباب .
الأم : لابد أن فتاة من الجن ، قد رأتك ،
وأعجبت بك .
عباس : ما تقولينه وهم ، لا يقبله عقل .
الأم : رباب ” تصيح ” إنها الحرب ، لن
أسمح لجنية رعناء ، أن تنتصر ، وتحطم
قلب .. ” تهم بقلب المائدة ” ..
عباس : ” يعترضها ” لا ، أم رباب ، أنت امرأة
عاقلة .
الأم : لا ؟ ” تتوقف وتتمالك نفسها ” الحق
معك ، لعل الجنية تغضب ، وأنا لا أريد
إغضابها ” تدمدم جانباً ” هناك سبل
أخرى ، غير الحرب المباشرة ” تتجه إلى
الخارج ” إنني أم رباب ، ولن تغلبني
جنية ، مهما كانت .
الأم تخرج ، الصياد
يبقى وحده حائراً
عباس : لعل أم رباب على حق ، فهذا الطعام
غريب ، ولا يستبعد أن يكون من صنع
جنية ” يحدق في المائدة ” لكنني جائع ،
جائع جداً ، وهذا الطعام يقول لي ، تعال
” يتقدم من المائدة ” تعال ، تعال ” يتوقف
” فلأتريث ، صحيح إنني لم أرَ جنية ،
ولا أومن بوجود الجن ، لكن .. آه .. يا
للحيرة .
الصياد يجلس ، رامقاً
الطعام ، صوت الحورية
الحورية :
من عالم النهر ووشوشات الماء
يأتيك بالسحر والخير ولآلاء
* * *
هيا إلى الطعام هذي أواني الخير
كلامهم أوهام لا تلتفت للغير
فإنهم حساد
يا أيها الصياد * * *
ستفرح الدنيا وتضحك الأيام
لا تلتفت هيا الخوف والأوهام
* * *
هذا أوان الحب فاسمع أغانيه
بعد عناء الدرب هلت أمانيه
بالفرح والأعياد
يا أيها الصياد
عباس : ” ينهض ” آه ما أجمل هذا الصوت ،
ترى ما مصدره ؟ أهو من أعماقي أم .. ؟
من يدري ” يقترب من المائدة ” إنني
جائع ، جائع جداً ” يحدق في الطعام ” آه.
الحورية تزيح الستارة ،
وتطل من ورائها
عباس : لو أعرف فقط ، من أعد هذا الطعام .
الحورية : ” تنظر إليه مترقبة ” ….
عباس : أهي جنية حقاً ؟
الحورية : ” تكتم ابتسامتها ” ….
عباس : مهما يكن فلابد أنها رائعة .
الحورية : ” تبتسم فرحة ” ….
عباس : ماذا لو كنت واهماً ؟
الحورية : ” تتراجع ابتسامتها ” ….
عباس : ربما تكون عجوزاً ..
الحورية : ” تعبس ” ….
عباس : قبيحة ..
الحورية : ” تزداد عبوساً ” ….
عباس : تعوض عن قبحها ، وتقدمها في السن ،
بإعداد ما لذ وطاب من طعام .
الحورية : ” تحرك يدها منفعلة فتتحرك الستارة ”
….
عباس : ” يلتفت ” ….
الحورية : ” تختفي وراء الستارة ” ….
عباس : الستارة تتحرك ، لتتحرك ، ماذا دهاني
؟ لعل نسمة هواء حركتها ” يلتفت ” لكن
النافذة مغلقة ، فمن أين جاءت نسمة
الهواء ؟ ” يلمح خيال الأمير يمرق خلف
النافذة ” ما هذا ؟ فلأتمهل ، لعله ضيف ،
أو رجل مستطرق ، لابد أن الباب
سيطرق بعد قليل ” ينتظر ” لم يطرق أحد
الباب ، يا للعجب ” يمرق خيال الأمير
ثانية ” إنه الشخص نفسه ” يتجه نحو
الباب ” فلأسرع وأرَ من يكون ” يفتح
الباب ويحدق في العتمة ” لا أرى أحداً ،
لعله اختبأ هنا أو هناك ” وهو يخرج ”
فلأبحث في الجوار ، وأقف على حقيقة ما
تراءى لي ، ليطمئن قلبي .
تدخل الحورية ، وتضع
وردة على المائدة
عباس : ” من الخارج ” يا للعجب ، لم أجد أحداً
في أي مكان .
الحورية : ” تعود مسرعة إلى مكانها ” ….
عباس : ” يدخل ويغلق الباب ” المكان غريب
هذه الأيام ، الستارة تتحرك داخل البيت ،
دون نسمة هواء ، وخيال رجل يمر خلف
النافذة ، ولا أثر للرجل في الخارج ”
يصمت مذهولاً حين يرى الوردة ” يا
إلهي ، هذه الوردة لم تكن هنا قبل برهة ،
من أين جاءت ؟ومن جاء بها ؟ ” يتلفت
قلقاً ” آه ، أتكون أم رباب على حق ؟ ”
يحاول أن يتماسك ” فلأدع أفكار العجائز
هذه جانباً ، من يدري ، لعل هذه الوردة ،
كانت هنا من قبل ، ولم أنتبه إليها .
الحورية : ” تطل من وراء الستارة ” ….
عباس : مهما يكن ، فلأجلس وأتذوق هذا الطعام
، فإن أعجبني أكلت ، حتى أشبع ، وإن لم
يعجبني .. ” يجلس أمام المائدة ” ما العمل
؟ ” يمد يده ” فلأجرب .
صوت الأم : عباس .
عباس : ” ينصت ” ….
صوت الأم : حذار ، هذا الطعام ليس طعام بشر .
عباس : ” يبدو متردداً ” ….
صوت الحورية :
من عالم النهر ووشوشات الماء
يأتيك بالسحر والخير ولآلاء
* * *
هيا إلى الطعام هذي أواني الخير
كلامهم أوهام لا تلتفت للغير
فإنهم حساد
يا أيها الصياد
عباس : هذا الصوت ، الذي يشبه خرير الماء ،
يقول لي ، كل ” يأخذ لقمة ” سآكل ،
وليكن ما يكون ” يتذوق الطعام متلذذاً ”
يا لله ما ألذه .
الحورية : ” تتحرك فرحة فتتحرك الستارة ” ….
عباس : ” يتوقف عن تناول الطعام ” إنها
الستارة ثانية ، ليكن ” يضع لقمة في فمه
” فلآكل ” ينهمك في تناول الطعام ، آه ،
يا للذة ، يبدو أنني سآكل الطعام كله .
الصياد يأكل بنهم
الحورية تبدو فرحة
إظلام