تسعى القنوات الفضائية الى تقديم عدد من البرامج والمسلسلات المتنوعة خلال شهر رمضان، لكسب رضا المشاهدين. فإضافة الى المسلسلات الدينية والبرامج الخفيفة التي تعتمد على الكوميديا السريعة، وبرامج الفوازير التي تجذب المشاهد، والمتضمنة اسئلة متنوعة تطرح على الشخص الذي يلتقيه مقدم البرنامج خارج الاستديو، بأقل قدر من التحضير، ليقدم له سؤالا، وعلى الضيف أن يجيب عنه ليحصل على هدية. وكثيرا ما ترعى مثل هذه البرامج وغيرها من برامج رمضان، شركات او مؤسسات تتحمل كلفة ما تقدمه من هدايا. وفي كثير من الأحيان تكون هذه الهدايا عبارة عن منتجات تلك الشركة او المؤسسة لغرض الإعلان عنها.
وقد دأبت في السنوات الأخيرة الكثير من الفضائيات على تقديم برامج “الكاميرا الخفية” التي تعتمد على خداع ضيف البرنامج ووضعه في موقف محرج. وكثيرا ما يدفع هذا الموقف الى حالة إرباك أو تصرف غير متوقع لردة فعل الضيف، على تحمل المزحة التي يقع فيها او من يشاركه في هذا البرنامج من الشخصيات الأخرى، لكي تنطلي عليه تلك “المزحة” أو المقلب. وفي أحيان أخرى يقع الضيف في حرج كبير، والكثير من هؤلاء الضيوف يفقدون السيطرة فيتلفظون بكلمات غير لائقة، او حركات انفعالية معيبة يخفيها المخرج أو يخفف منها بقطع الصوت عن المشهد، لكي لا تصل الكلمات التي يطلقها الضيف المسكين وسط انفعاله وإحراجه، فينتهي المشهد بابتسامة يكون الضيف مجبرا على رسمها على محياه بعد أن يكتشف انه كان ضحية لـ”مزحة” ثقيلة وضعه بها كادر البرنامج.
غير أن مثل هذه البرامج بدأت تأخذ منحى خطيراً، لا يهتم بكرامة الضيف. فقد بدأ معدو تلك البرامج يضعون الضيف أو الضيوف في ظروف مرعبة من ظلام دامس، يعجز الضيف فيها عن رؤية أي شيء حتى أطرافه، وتصاحب ذلك موسيقى مؤثرة تنمي الاحساس بوقوع شيمخيف، ويجعلونه يبحث في هذه الأماكن عن أشياء يجب عليه جمعها وسط جثث الموتى وحيوانات مخيفة عندما يراها في النور! فكيف به وهو يستلقي في صندوق ومعه أفاعي وفئران.. الخ.
ولا يخفى على أحد أن هذه المواقف المرعبة التي يتعرض لها ضيوف هذه البرامج تؤثر على هؤلاء الضيوف بدرجات متفاوتة تصل في أحيان كثيرة الى توتر في عضلات الجسم وارتفاع حاد في ضغط الدم، وزيادة في معدلات ضربات القلب، وقد تصل الى حالات الإغماء لأصحاب القلوب الضعيفة.
إننا نقصد في هذا الكلام برنامج “هندس” الذي تقدمه إحدى القنوات العراقية، وتدلل كلمة “هندس” على المكان شديد الظلام، إذ يطلب من الضيف في البرنامج البحث عن اشياء توضع في اماكن تثير الهلع مثل توابيت الموتى، او الثعابين او الفئران، ويصاحب بحث الضيف عن هذه الأشياء صياح لمقدمة البرنامج وتحذيرات، لإضفاء شيء من الرعب على المشهد الذي يعيشه الضيف بدون ان يرى شيئا مما حواليه. واغلب الضيوف يطلبون الخروج من هذه الورطة بحجة ارتفاع ضغطهم، أو عدم قدرتهم على تحمل حالة الرعب التي يعيشونها اثناء البرنامج.
انه من غير اللائق إضحاك المشاهد على حالة الهلع التي يعيشها الضيف. وان هذه البرامج التي نستطيع ان نشاهدها في أكثر من فضائية عربية، لاقت الاستهجان من قبل الكثير من الاختصاصيين والمشاهدين على حد سواء. فقد طالب رئيس الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري في تونس بـ “توجيه تنبيه الى بعض القنوات التونسية التي تعرض مثل هذه البرامج، وعدم بثها، إلا في اوقات محددة، وضرورة تنبيه المشاهدين بإعلان يكتب على الشاشة يشير الى احتواء هذه البرامج على مشاهد عنف من شأنها التأثير على الفئات الحساسة من الناس، ولا سيما الأطفال، وان هذه البرامج تمس كرامة الإنسان”.
ويقول د. صفوت العالم، أستاذ الإعلام، ورئيس لجنة تقييم الأداء الإعلامي في مصر: “انقسمت البرامج هذا العام إلى أكثر من فئة، منها الساخرة والسياسية والاجتماعية، فـ«الساخرة» تضم مشكلات عديدة من ناحية الأفكار في حد ذاتها؛ لأن الإضحاك من الممكن أن يكون بأكثر من طريقة بعيداً عن الاستهزاء بالضيوف وتعريضهم لضغط نفسي كان من الممكن أن يعرضهم للموت أو السكتة القلبية، كما أن إضحاك الجمهور على حساب الضيف غير مقبول”.
ويضيف المنتج طارق الشورى: “برامج الترفيه كانت شديدة السوء هذا العام، واعتمدت على إرعاب الضيوف، والغريب أن صناعها ينظرون إليها على أنها برامج تافهة، لكنها شديدة الصعوبة؛ لأن الضحك من أصعب الأشياء، ولم يكن يوما مرادفا للخوف أو الرعب الذي يحدث للضيوف في كل البرامج التي يطلقون عليها ترفيهية أو كاميرا خفية”
يوسف علوان : هندس ؛ برنامج يستغل الضيوف ويُضحك المشاهدين
تعليقات الفيسبوك
يبدو أن الجميع من مؤسسات اعلامية يساعدها في ذلك المؤسسات السياسية والاكاديمية والتعليمية، اتفقت على مهمة التسطيح الكلي للذهن الانساني وللذوق العام، بدء من اختيار الموضوع والاسلوب في التحرير واخراج ذلك الموضوع بطريقة تكمل مسلسل التسفيه الذي يؤسس لبطولته الاختيار العشوائي لاعلاميين لا يجيدون لغة الاعلام الحر، داموا هم انفسهم ادوات تخدم مؤسساتهم الاعلامية وتسهل لهم الحصول على اكبر قدر ممكن من المناصب والامتيازات في فترة وجيزة. وكل ذلك على حساب سايكولوجية المشاهد الذي سلعوه ومسخوه وجعلوه العوبة بيد اصحاب رؤوس الاموال الخالدة بخلود مصادرها المجهولة الهوية. الادهى من ذلك أن ذلك الاتفاق المريض يتضامن معه اغلب الجهات والمؤسسات في شهر رمضان بالذات، وهذا ليس بالشيء الغريب، دام هذا الشهر اخذ منحى اخر، غير المنحى الروحاني، وهذا يعود للعمل الدؤوب لشركات الانتاج العربية التي تود الفوز بالمكسب المادي اولا، لكن الاهم هو مكسب تحقيق اكبر كم من التسميم المرضي للروح ولازدواجية سقيمة في ذلك الشهر، لا ينفع معهما لا طب نفسي ولا طب عرب. والدليل هو كم المسلسلات الهابطة والبرامج المرعبة والتي لا تثير الا روح السأم من الحياة. الا يكفينا مسلسل الموت المتواصل الذي يسقم النفس يوميا كي يتكرر علينا تلفزيونيا أيضا، فأين المفر؟
مع جزيل الشكر والتقدير
اعتقد ان هذه النوعية من البرامج ظهرت وتكاثرت لسببين : اولهما انها نتاج مجتمع مريض وهذا نستشفه من طبيعة الدول الرائدة في برامج من هذا النوع . ثانيهما ان المتلقي حين يكون بهذه المثابة من النفس الغير سوية يسعد بهكذا برامج فيكون ارضية خصبة لانتشارها باضطراد .