عندما سئلت: لماذا تصر علي كتابة القصة القصيرة وحدها؟
أجابت آليس مونرو: “إذا كنت بدأت بكتابة القصص، فهذا لأن حياتي لم تترك لي الوقت الكافي لكي أكتب رواية، ولم أغير أبدا نبرتي”. تلتفت إذن جائزة نوبل هذه المرة لفن يظن الكثيرون أنه في طريقه إلي الانقراض، ” القصة القصيرة”، وأيضا إلي كاتبة ليصبح عدد الكاتبات اللائي يحصلن علي الجائزة ثلاثة عشر كاتبة من بين 109 كاتب حصلوا علي الجائزة. الكاتبة المولودة في 10 يوليو 1931 والتي تعد أول كندية تفوز بالجائزة، يطلق عليها النقاد لقب “تشيكوف عصرنا”، واعتبرها بيان الجائزة “أعظم من كتب القصة القصيرة في العصر الحالي”.
ولدت مونرو لوالد مزارع، وأم تعمل في التدريس، بدأت دراسة الصحافة واللغة الإنجليزية سنة 1951 بجامعة ويسترن أونتاريو، لكنها قطعت الدراسة بعد زواجها، واستقرت للعيش في فيكتوريا- كولومبيا البريطانية، بدأت كتابة القصص القصيرة حين كانت في سن المراهقة، إلا أنها نشرت أول مجموعة قصصية لها بعنوان “رقص الظلال السعيدة” سنة 1968، والتي حظيت باهتمام كبير، وكانت قبلها تنشر أعمالها تباعاً في المجلات المختلفة منذ سنة 1950، وفي سنة 1971 بدأ نجاحها المدوي مع نشر مجموعتها القصصية “حياة الفتيات والسيدات”، و لها عدد كبير من الأعمال منها: “من تظن نفسك” 1978، و”أقمار المشتري” 1982 و”هروب” 2004، “المشهد من قلعة روك” 2006، و”سعادة غامرة” 2009، ومجموعة كتب حملت عناوين” الكراهية”، و”الصداقة”، “التودد”، و”المحبة”، و”الزواج” التي صدرت سنة 2001 وأصبحت مصدر إلهام للعديد من الأفلام، خاصة التي قامت بإخراجها سارة بولي، وآخرها مجموع قصصية بعنوان ” الحياة العزيزة”.
مونرو معروفة لدي النقاد بدقة سرد التفاصيل الحياتية، علاوة علي تحليل الواقع النفسي، تدور أحداث أعمالها القصصية غالباً داخل بلدات صغيرة، وتناقش غالباً مسألة القبول الإجتماعي بين الفئات المختلفة للمجتمع، التي تحددت نتيجة العلاقات المتواترة والصراعات المتعلقة بالمباديء، والمشاكل النابعة من صراع الأجيال، وصدام اختلاف طموحات الحياة، ويتميز أسلوبها السردي بتصوير تفاصيل الحياة اليومية والطقوس المعتادة في المجتمع مع تسليط الضوء علي لحظات بعينها مما يطرح أسئلة تثري الأحداث ويدفع القارئ لطلب المزيد.
حصلت أليس مونرو علي عديد من الجوائز منها جائزة الحاكم العام للرواية باللغة الإنجليزية سنوات 68، 78، 86، وجائزة بولو سيلرز المخصصة للكتابة من أجل الفتيات سنة 1971، كما حصلت علي جائزة المان بوكر الدولية سنة 2009، وكانت قصتها “الخادمة الشحاذة” أدرجت بالقائمة القصيرة بها سنة 1980 . وفي أول رد فعل علي فوزها بالجائزة قالت إنها لا تصدق هذا.
في حوار مع مونرو عن مجموعتها الأخيرة “الحياة العزيزة”
كنا فقراء..ولكن الكتب كانت حولنا دائما
حوار ديبورا تريسمان
ترجمة: أمير زكي
اجرت مجلة نيويورك حوار مطولا مع أليس مونرو بمناسبة صدور آخر مجموعاتها القصصية ” الحياة العزيزة” ، وهي مجموعة تتضمن قصصا عن نساء تلقي عن أكتافها قيود تربيتهن والقيام بشيء غير تقليدي ، وربما يُعاقبن علي ذلك من قبل رجال يخونونهم ويهجرونهم في ذروة ضعفهن. هذا يحدث في قصص: “هَجْر مارفلي”، “آموندسين”، “كوري”، “القطار”، وقصص أخري. حتي العمة في قصة “الملاذ” تدفع ثمن ما يبدو التمرد المحدود ضد ديكتاتورية زوجها. وهو الأمر الي اعتبره الصحفي الذي اجري الحوار وكأنه مسار حتمي بالنسبة لمونرو: “آموندسين” تجربة الفتاة الأولي تكون مع رجل أناني تماما ، هذا هو النمط الذي يستهويها. جائزة تستحق السعي إليها، علي الرغم من أن العلاقة تنتهي بشيء أكثر واقعية، هي تحفظه في عالم الخيال. كما أري الأمر.في “هَجْر مارفلي” عدد معقول من الناس يبحثون عن الحب والجنس. يبدو لي أن المُعاقة وزوجها حصلا علي ذلك، بينما حولهما، لا يلتحق العديد من الناس بالركب لأسباب عديدة. أنا أعجبت بالفعل بالفتاة التي خرجت، وآمل بالأحري أن تجتمع بطريقة ما مع الرجل الذي ماتت زوجته. في “الملاذ”، هناك “زوجة مثالية” واضحة، تقريبا شخصية كاريكاتورية، كأنها تسير علي خطي مجلات المرأة التي كانت موجودة عندما كنت شابة. في النهاية، تشعر بالضجر من ذلك، والله يعلم ما الذي سيؤدي إليه هذا الضجر. قصة “القطار” مختلفة تماما، إنها عن رجل يشعر بالثقة والرضا طالما لا يقف الجنس في طريقه. أظن أن امرأة لعوب قد جرحته عندما كان شابا، ولا أظن أنه استطاع أن يفعل مع ذلك شيئا سوي الهروب.
س: في قصصك هناك عادة جرح عند كل فتاة تحاول جذب الاهتمام لنفسها ، الفردية، بالنسبة للنساء، يتم رؤيتها كدافع مثير للعار. هل احتاج الأمر منك جهد كبير لاختراق ذلك في حياتك، لتأخذي مكانة الكاتبة؟ هل كان من الطبيعي بالنسبة للفتيات القادمين من أونتاريو الريفية أن يلتحقن بالجامعة مثلما فعلت؟
مونرو: لقد تربيت علي الاعتقاد أن أسوأ شيء يمكن أن تفعلينه هو أن “تلفتي الانتباه لنفسك” أو “أن تعتقدي أنك ذكية”. كانت أمي استثناء لهذه القاعدة وعوقبت بالعلامات المبكرة لمرض باركنسون. (القاعدة كانت تنطبق علي الريفيين مثلنا، لا سكان المدن). حاولت أن أمضي في حياة لائقة وخاصة وحصلت علي القبول في معظم الأوقات. لا توجد فتيات أعرفهن كن يذهبن إلي الجامعة، والقليل من الأولاد كانوا يفعلون ذلك. حصلت علي منحة لعامين، ولكن في هذا الوقت كنت قد حصلت علي فتي أراد أن يتزوجني ويأخذني إلي الساحل الغربي؛ بالتالي كان باستطاعتي أن أكتب طوال الوقت. (هذا ما كنت أرغب فيه منذ كنت في بيتنا. كنا فقراء ولكن كانت الكتب دوما حولنا).
س: لقد كتبت الكثير عن نساء شابات يشعرن أنهن محبوسين بداخل الزواج والأمومة، ويبحثن عن شيء آخر في الحياة. أنت أيضا تزوجت في وقت مبكر، وكان لديك ابنتان وأنت في منتصف العشرينيات. ما مدي صعوبة موازنة التزاماتك كزوجة وأم وطموحاتك ككاتبة؟
مونرو: ليست الأعمال المنزلية أو الأطفال هي التي كانت تشدني للأسفل. كنت أقوم بالأعمال المنزلية طوال حياتي. إنها نوع من القاعدة الاعتباطية تتعلق بأن كون النساء تحاولن فعل شيء غريب كالكتابة سيجعلهن غالبا مهملات. لقد وجدت صديقات بالفعل، نساء أخريات يمزحن ويقرأن خلسة وكنا نقضي أوقاتا طيبة. المشكلة هي في الكتابة نفسها، التي عادة ما لا تكون جيدة. أعمل في ظروف تعاقد لم أكن أتوقعها، كان للحظ دور في ذلك، كان ذلك في وقت طُرح فيه سؤال “أين أدبنا الكندي؟” لاحظ بعض الناس نقص العروض التي توجه لي، وساعدوني من ساعتها.
س: “الحياة العزيزة” تتضمن أربع قصص تصفينها علي أنها “ليست قصصا تماما… هي بمثابة سير ذاتية من جهة المشاعر، لا يوجد تفكير، غالبا، أو في الحقيقة فالأمر كذلك كلية” (إحدي القصص “الحياة العزيزة” تدور في نيويورك كمذكرات وليس قصة). هذه القصص تبدو أشبه بالأحلام؛ مجزأة، تسترجع اللحظات غير المذكورة جيدا وغير المفهومة جيدا من طفولتك. هل هي منقولة من مذكرات كنت تكتبينها في هذا الوقت؟
مونرو: أنا لم أحتفظ أبدا بمذكرات. أنا فقط أذكر الكثير لكوني منغمسة ذاتيا أكثر من معظم الأشخاص.
س: تلعب أمك دورا في القصص الأربع. قلت في حوار عام 1994 في باريس ريفيو أنك أمك كانت المادة الرئيسية في حياتك. هل هذا حقيقي؟
مونرو: أمي كما أفترض هي الرمز الرئيسي في حياتي لأن حياتها كانت حزينة جدا وظالمة لها، وقد كانت شجاعة، ولكن أيضا لأنها كانت مصرة علي جعلي فتاة كنيسة تقليدية، هذا الذي قاومت لرفضه منذ كنت في السابعة تقريبا.
س: فوجئت أن أراك تصفين هذا القسم من الكتاب بأنه “الأول والأخير” الذي سيدور حول حياتك. يبدو أن العديد من قصصك استعانت بعناصر من طفولتك وحياة أبويك، مجموعتك المنشورة عام 2006: “منظر كاسل روك” كانت مبنية علي تاريخ عائلتك، أليس كذلك؟
مونرو: لقد استعنت بأجزاء من كل تاريخ حياتي، ولكن الأشياء الأخيرة في الكتاب الجديد كانت كلها حقائق بسيطة. كان من المفترض أن أقول إن “منظر كاسل روك” هي قصة عائلتي بقدر ما استطعت الحكي.
س: لقد اكتشفتِ وأنت تبحثين من أجل الكتاب، أنه كان هناك كاتب في كل جيل من أجيال عائلتك. هل كان لديك إحساس بهذا عندما كنت في طريقك لتصبحي كاتبة، أم كنتِ ترين طموحاتك علي أنها شيء فريد من نوعه؟
مونرو: فوجئت بوجود العديد من الكتاب في العائلة. الأسكتلنديون مهما كانوا فقراء فهم يتعلمون القراءة. الأغنياء والفقراء والرجال والنساء. ولكن بشكل غريب لم يكن لديّ علم بذلك وأنا صغيرة. كان هناك سعي منهم لأتعلم فنون الخياطة (من قبل عماتي وجداتي وليس أمي). وفي مرة صدمتهم وقلت إنني سألقي بكل هذه الأشياء عندما أكبر، ولقد فعلت ذلك.
س: عندما كنت تكتبين في هذه الأيام المبكرة، هل كان هناك كتاب آخرون اعتبرتيهم بشكل واع نموذج لك، كتاب كنت متعلقة بهم؟
مونرو: الكاتبة التي أعجبت بها كانت إيدور ويلتي. وما زلت أحبها، لم أحاول أبدا أن أقلدها. هي جيدة جدا، وتكتب نفسها جدا. كتابها الأروع هو “التفاح الذهبي” علي ما أظن.
س: كيف استقررت علي شكل القصة القصيرة ، أم الشكل هو الذي استقر بادخلك؟
مونرو: لسنوات وسنوات كنت أفكر أن القصص مجرد تدريب، حتي أصل للوقت الذي سأكتب فيه رواية. ثم اكتشفت أن القصة هي كل ما أستطيع فعله، وواجهت الأمر. أظن أن محاولتي لأن أضع الكثير من الأشياء في القصص هي بمثابة عزاء لي.
س: عادة عندما أحرر قصة لك، أحاول حذف فقرة تبدو زائدة عن الحاجة جدا في الصفحة الثالثة، ثم عندما أصل للصفحة 24 أكتشف فجأة أنها كانت أساسية للقصة. نقرأ القصص وكأنك تكتبينها بنفس طويل، ولكني أخمن أنك تقضين وقتا طويلا في التفكير في وضع هذه الفقرة هنا أو هناك.
مونرو: أنا أتجول كثيرا جدا مع القصص، أضع الأشياء هنا وهنا. أصبح واعية عندما أفكر فجأة أن كل هذا يمضي بشكل خاطيء.
س: هل تجدين الكتابة صعبة، وأن هذه القاعدة، وهل تصبح أسهل مع الوقت؟
مونرو: أجد الكتاب صعبة وغير صعبة. البداية تكون لطيفة في المسودة الأولي، ثم التألم عند المراجعة، وإعادة الكتابة وهكذا.
س: قلت مرتين في العقد الماضي أنك ستعتزلين الكتابة. ثم أجد قصصا جديدة لك علي مكتبي. ما الذي يحدث لك عندما تحاولين التوقف؟
مونرو: أتوقف بالفعل، من أجل الرغبة الغريبة في أن أكون “أكثر طبيعية” وأن آخذ الأمور ببساطة. ثم تأيني فكرة مثيرة. هذه المرة أظن أن الكلام عن الاعتزال حقيقي، أنا في الحادية والثمانين، أنسي الأسماء والكلمات كما هو متوقع.
س: علي الرغم من أن القصص في “الحياة العزيزة” فيها انفتاح ونزوع متسامح، فتراكم الندم والاغتراب في حيوات شخصياتك يضفي نهاية مريرة بشكل ما. قليلة هي قصص حيوات النساء الخالية من الفقد أو الحزن. أنا واثقة من أن هذا سؤال مزعج، ولكن هل تعتبرين نفسك كاتبة نسوية؟
مونرو: لم أعتقد أبدا أنني كاتبة نسوية، ولكن بالطبع لن أعرف، أنا لا أظن أن كل الأمور تجتمع معا بهذه الطريقة. أعتقد أنه من الصعب جدا أن تكون رجلا؛ أفكر كيف يمضي الأمر إن كان عليّ أن أحمل هم عائلة خاصة في السنوات الفاشلة الأولي.
س: هل هناك قصة في “الحياة العزيزة” تميلين عاطفيا إليها بشكل خاص؟ واحدة تؤثر فيك بشكل أكبر من القصص الأخري؟
مونرو: بشكل جزئي أميل الي “آموندسين” ، إنها تؤثر فيّ كثيرا. ومشهدي المفضل موجود في قصة “الكبرياء”، عندما بدأ طفل الظربان بالسير علي العشب. في الحقيقة، أنا أحب القصتين جدا، علي الرغم من كوني أعلم أنه ليس من المفترض أن أقول ذلك.
النيويوركر 20 نوفمبر
* عن ألف ياء الزمان