علي المسعود : قصيدة (أوطان) شاهدأ على المنفى والاغتراب

ali almasodهل يمكن ان تختزل التجربة الشعرية للشاعر عادل سعيد  بقصيدة ؟؟
وهل بأستطاعة القصيدة المختارة ان تفرز لنا مظاهر استقراء ممكنة لتجرية عادل سعيد الشعرية ؟ ولكن في قراءتي  لآغلب قصائد الشاعر أحاول الولوج الى عوالم الشاعر والتي تسكن الدهشة على عتباتها منذ البداية و لكن هذه القصيدة المنتخبة  (اوطان  ) تستطيع ان تكشف التجرية الشعرية للشاعر عادل سعيد في فرادتها و تميزها في الوقت الذي أُتخم المشهد الشعري السائد بالكثير من الصراخ و العويل و بقليل من دهشة الشعر!!!! وقد استطاع الشاعر عادل سعيد في اغلب قصائدة ان يخرج بعصارة فكره و ثقافته وقراءاته المختلفة واهتماماته الادبية و الاهم من ذالك  هو وعيه المبكر والذي جعل االشاعر أن يكتب ضمن رؤيا شعرية موحدة مفعمة بالآلم والمنفى و الاغتراب  وفي قصائده نلمس البحث المستمر و الدؤوب
في التجريب والدخول بالنص الى مناطق محظورة و غير أمنة بالنسبة لوعي و ادراك المتلقي  لكني اؤمن  أن الكتابة عند الشاعر لا لزوم لها إن لم تنطلق من النقد المستمر لما نعرفه و نركن إليه  و لا يريد الشاعر ان يدجن فينا الخوف من غير المألوف وهذه غاية الشعر و المسؤولية  التي تقع على عاتق الآديب في ارجاء الوطن العربية وفي قصيدة ( أوطان ) يصف الشاعر غربته :
adel saedفي آخرِ الطابور أقف
كما ينبغي لمشرّد مُحترفٍ ان يفعل
تماماً في آخر الطابور
امام لجنة توزيع الأوطان
على الفائضين عن حاجة الزمان
والمكان
والخرائط
و سجلاتِ النفوس
و المقابرِ
في آخر الطابور اقف
يستحضر الشاعر هنا صورة الوطن من خلال غربة عنه امتدت اكثر من ثلاثون عامأ و الوطن  وهو المرادف الى  الامل الغارق في الدم و القهر و الخرافة التي قضت  على حلم العودة لوطن كان يحلم ان يراه حرأ و سعيدأ و يحلم بالوصول اليه و لكن الوطن هنا ملتبس و منسي و معروض في المزاد وهذه الصورة التي تعكس الواقع المعاش و من خلال  الغربة التي يعيشها العراقي في وطنه,   وفكرة المنفى و الاغتراب   تفتح الباب على جرح غائر يمتد عمقه غربة أكثر من ثلاثين عامأ !! ربما  يقتحمه كلا  الاحساسين  معأ  الغربة و المنفي في داخل وطنه و وبين  اهله !!!!!
وبفرح طفولي غامر يترنم  الشاعر نشيد الطفولة ( يابط..يابط…أسبح بالشط) حين يقول
لي نكهة لم تستأصلها القابلة مع حبل السرّة
لي في القلب نشيدٌ عن بط
يسبح في شط
ولكنه يعود و يسترجع  اللوعة و الحزن على عمر ضاع في المنافي و أحلام ابادها الديكتاتور و كلابه المسعورة من رجال الزيتوني وحرمته من حنان امه و طيبة الوالد حين يقول  :
و احلامي البائدة
في صرّة طفولتي التي اضاعت دميتها
وحصتي المؤجلة من حنان أمي
يستذكر الشاعر وطنه و ما وقع عليه من حيف و قهر وجوع ويدفعه هذا الى الاحساس بالمرارة و لوعة وغصة الغياب بلا وداع و المترسب في ذاكرته غبار الطلع  و تمرات أدخرها من النخلة العراقية والتي لها الكثير من الدلالات :

ولي في حصّالة حياتي
تمراتٌ ادخرتُها من توق النخلة للأرض
وبعضُ غبار الطلع مازال يسافرُ في رئتي
ليس في جبيني علامات النبوّة

وهذه الصورة يستحضر الشاعر فيها صورأ جميلة بعد أن أمتلك رؤية شعرية تجسدت في القمع والنفي من نظام فاشي ديكتاتوري  (كتبٌ في الجوع وحربِ الطبقات…..  احرقها الفاشست ) )
هذه الرؤيا الشعرية محفورة في وجدانه والذي استطاع ان يخرجها شعرأ راقيأ استطاع من خلاله وضع قدميه بين شعراء العرب الذين ابدعوا و كتبوا و تركوا لنا أثرأ أدبيأ
القصيدة إذن تتأرجح بين عالمين متجاورين ومتصارعين: الواقع الحالى بكل مظاهره الشرسة وإحباطاته  اليومية، والعالم الداخلى الخاص بالشاعر. إن مملكة الشاعر يحكمها طفل بعمره، طفل يرفض أن يوقع على سجل  الكراهية مغمورأ بالحب ، ويبغض عصر  الخرافة  وبشاعة  القتل المجاني مملكة مطلع نشيدها الوطني: ”  يابط…….يابط ” . عالم الشاعر إذن ذكريات تمتزج ببراءة طفولتنا وهى تبحث عبثا  عن
و لن اقبل بذاك الوطن اللامع الذي على اليمين
و لا بذاك المترف الذي على اليسار
فقط ذاك
ذاك الذي رأسُه نخل
و ذراعاه نهران
******
إنها لوحة من الذاكرة، فأن ” نكتب ذاكرتنا، معناه أن تخلى عن وهم محاكاة الواقع ونحرر اللغة من ترجمة المرئي، ونرتاد فوضى التخييل المنفتح على أكثر من سجل والمكتسب شرعيته من ما يرتديه من دلائل انسانية و المخزون الثري في الاكرة من وقائع و احداث مرُ بها الشاعر فحولها لنا صورأ سينما- شعرية”
مثل دمعةٍ معلقة في مأتم
اجمع ما تساقط من سنيني
وخرافاتي
واحلامي البائدة

يعتصر الشاعر عادل سعيد طاقة الكلمة، متجاوزأ مستويات سطح النص، لينفذ إلى مكامن العمق الشفاف المليء بالجمال والسحر والإيقاعات، ويبدو الإنسان لدية او ما يطلق عليه بطل النص الشعري ـ ضمير المتكلم في النص ـ مخفيًا في طياته إنسانًا رائعًا حميميًّا وشفافًا  مبتكر الشاعر لغة ومفردات جديدة خاصة به ،وتؤرخ  لنفسه حضور الرجل الحزين و المجهد و القاسي و الشفاف وفظ الملامح ؟؟
اوقد نجح تمامَا في اكتشاف هذه اللغة الخاصة، التي تشير إلى قيمة متفردة في مجال التعبير الشعري هذه الطاقة  الشعرية التي تدفع بالشاعر عادل سعيد
ان يحلم برصيف لن ينتهي أبدأ التى تدفعه في رسم سنوات العمر الباقية   ولان الشاعرمن النوع الذي يعتمد في تركيب الصور الشعرية و التي يكون أطارها  الأمل فى تغيير هذا العالم. إنه الحلم، وهو سمة طاغية على القصيدة , فالحلم هو الضمان الأصلى ضد عمليات التغريب  و القهر المتراكبة .. التي تمارسها ألانظمة
الديكتاتورية المتسلطة . وهذا  القهر والتسلط سبب رئيسى للمعاناة فى القصيدة كما فى الواقع المعيش؛ مما يجعل الإنسان بلا أمـل.

علي المسعود
كاتب عراقي مقيم
في المملكة المتحدة

القصيدة
اوطان
للشاعر
عادل سعيد

في آخرِ الطابور أقف
كما ينبغي لمشرّد مُحترفٍ ان يفعل
تماماً في آخر الطابور
امام لجنة توزيع الأوطان
على الفائضين عن حاجة الزمان
ِوالمكان
ِوالخرائط
و سجلاتِ النفوس
و المقابرِ
في آخر الطابور اقف
مثل دمعةٍ معلقة في مأتم
اجمع ما تساقط من سنيني
وخرافاتي
و احلامي البائدة
في صرّة طفولتي التي اضاعت دميتها
وحصتي المؤجلة من حنان أمي
لي نكهة لم تستأصلها القابلة مع حبل السرّة
لي في القلب نشيدٌ عن بط
يسبح في شط
واغانٍ عن دمع الحلوة يسيلُ مع الكحل
و اصابعي مازالت ترتجف
من هول الدرس
و حفيفِ مسطرةِ المعلم
و لي في حصّالة حياتي
كتبٌ في الجوع وحربِ الطبقات
احرقها الفاشست
و اطفأوا دموعَ الحبّ الممنوع
ولي في حصّالة حياتي
تمراتٌ ادخرتُها من توق النخلة للأرض
وبعضُ غبار الطلع مازال يسافرُ في رئتي
ليس في جبيني علامات النبوّة
ولا هالاتُ القدّيسين
ولكنه سيعرفني
وطني الجالسُ هناك
في لجنة توزيع الأوطان
و انا في الطابور
لن ازاحم رفاقي المشرّدين
في اوطانهم
و لن اقبل بذاك الوطن اللامع الذي على اليمين
و لا بذاك المترف الذي على اليسار
فقط ذاك
ٌذاك الذي رأسُه نخل
و ذراعاه نهران
******
انت ايها السيد*
يامن كنت في آخر الطابور
لم يتعرف عليك وطنٌ من الأوطان المجتمعة في اللجنة
لقد أطفأَت المنافي نكهتك
و ذبُلت اغانيك
و بالرغم من منسوب العشق العالي فيك
و لكن ما من وطنٍ في الأرض
يفهمُ لغتك
حتى ذاك! ؟ —
حتى ذاك —
و اشفاقا منّا عليك
قرّرنا منحك رصيفاً
رصيفاً لن ينتهي ابدا
تهدرُ فيه
ما تبقى لك في حَصّالة حياتك
مِن سنوات

الشاعر \ عادل سعيد
شاعر عراقي مقيم في النرويج

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. صادق المخزومي  : قصيدة الرصيف للشاعر صباح أمين – قراءة أنثروبولوجية.

مقدمة من مضمار مشروعنا ” انثروبولوجيا الأدب الشعبي في النجف: وجوه وأصوات في عوالم التراجيديا” …

| خالد جواد شبيل  : وقفة من داخل “إرسي” سلام إبراهيم.

منذ أن أسقط الدكتاتور وتنفس الشعب العراقي الصعداء، حدث أن اكتسح سيل من الروايات المكتبات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *