إشارات الألوان عند أديب كمال الدّين
1.1 دولاب ألوان الشّاعر
ـ سؤال في اللون
إنّ اللون من الناحية العلمية ظاهرة ضوئية ظلّ تفسيرها غامضا لآلاف السنين، وقد اهتم بها في الماضي العديد من العلماء المسلمين كابن الهيثم والبيروني وابن سينا وغيرهم. أما ظاهرة استيعاب اللون والشعور به فربما يكون مردّه إلى عنصر الضوء الذي ينعكس على سطح الأشياء. وهذه هي الفكرة ذاتها التي كان قد عبّر عنها سابقا “إسحاق نيوتن” عبر اكتشافه لما يُسمّى اليوم بـ “طيف الضوء المرئي” والذي قسّمه إلى سبعة أجزاء أو ألوان. لكن، هل توجد حقّاً سبعة ألوان فقط في الكون كما حددها سابقاً “نيوتن”؟ طبعا لا. فنظريات الألوان ظلّت تتطوّر إلى أن جاء الرسام الفرنسي “كلود بوليه” وقدّم دولاباً جديداً للألوان سنة 1708، ثم جاء بعده الأديب والعالم الألماني “يوهان جوته” فقدّم دائرة أخرى للألوان شرحها في كتابه نظرية الألوان (Theory of Colours,1810) والذي يعدّ أول دراسة منهجية للتأثيرات الوظائفية للّون بشكل عام، إلا أن الفرنسي “ميشيل أوجين” كان أول من قلب موازين القرص اللوني، فقال بوجود ألوان يزيد عددها على 14 ألف وليس سبعة ألوان فقط، تختلفُ كلها في قيمتها ودرجة لمعانها وكثافتها . وإذ تمت الإشارة إلى هذا العدد الهائل من الألوان، فإن هذا لم يكن إلا بغرض الوصول إلى ما في ألوان الشاعر من جِدّة تنبع من كمونها تحت ستار الحجب، فوجب الكشف والسؤال عن معنى اللون بالنسبة لشاعر لا يهتم فقط بالحرف وناره وتنوره الكوني، ولكن بكيميائه أولاً وقبل كل شيء. فمن يدري، لربما تكتشف أيها القارئ أن الأسود في قصائد هذا الشاعر قد يكون علامة فرح، والأبيض إشارة حزن، والأحمر دلالة على شيء آخر لا عهد لك ولي به!
ـ الباء كمنظار للكشف عن اللّون
يقول أديب كمال الدّين في قصيدته “أنثى المعنى”:
“الباءُ لها شكلُ الأنثى،
شكلُ الحلم السريّ وضوضاء الأمطار.
الباءُ فنار.
(أخرجُ من شيخوخةِ رأسي
في المرآة
كي ألقي القبضَ على الشاعرِ فيّ
وأجلسه قربي منتصف الليل، أدفّئه
من بردِ شتاءٍ مقرور.)
تدخلُ في دائرةِ الفعلِ الباء.
///
الباءُ جمال وحشيّ
الباءُ: الليلُ بلا أحداق ونجوم.
الباءُ: فراش مكتظّ بالمعنى.
( أخرجُ من شيخوخة قلبي
وأحدّق في حرفِ الفجرِ وحرفِ الله
فأرى وجهي يتغضّن، والكلماتُ الحقّ
تتوعدني بالمحذور.)
///
الباءُ: البحرُ بعيد: سجّادةُ ألوان غامضة بالطير
الباءُ: الصحراءُ هنا تمتدُّ مفاجأةً للهارب
لا ليل سوى الليل الأعمى
والفجرُ بعيداً أقعى..
الأسودُ سيدّ دعوتنا”
ليست هذه هي المرّة الأولى التي يتطرّق فيها الشاعر إلى المفهوم الكوني للأنثى، لكنه في هذا النص جعل من الباء دالا على الجانب الأنثوي من روح الوجود، بل جعل من هذا الحرف رديفاً لصفة الحلم السريّ وضوضاء الأمطار. فالباء مصباح كاشف، طاقة أنثوية مطلّة على المكنون في الغد وما بعد الغد. إنها نوع من الدخول أو الولوج في عملية التحوّل والتطوّر والاستعداد إلى استقبال حالة الامتلاء بنور ونار الروح القدس (أخرجُ من شيخوخةِ رأسي / في المرآة / كي ألقي القبضَ على الشاعر فيّ / وأجلسه قربي منتصف الليل، أدفّئه / من بردِ شتاءٍ مقرور.) إنها نوع من الصلاة هذه التي تدعو إليها الذات الشعرية عبر حرف الباء، صلاة يومية ومتواصلة، بل معراج نحو السماء عبر البحث عن الذبذبة الأنثوية التي تحرك الكون (تدخلُ في دائرةِ الفعلِ الباء).
إن الأمر لا يتعلّق بمجهود موجّه نحو الخارج ولكن نحو الداخل، نحو منجم النفس الذي تنصهر في داخله الصفة الذكرية وتتلاحم مع الروح الأنثوية لكل إنسان. والشاعر استعان بالباء هنا كي يكشف عن جزء يسير جداً من تجلّيات الوجود، أي ذاك الجزء الذي يخصّ ماهية الألوان. فهو، أي الشاعر يقول في هذا النص وفي نصوص أخرى بأنّ حرف الباء أظهر أن الأسود هو سيّد الألوان (الأسودُ سيّد دعوتنا)، والباء هنا إذ يقوم بدور الفنار فذلك لأن وجود الكون بأسره موقوف عليها، فما بالك باللون؟ وقد جُعلت النقطة تحتها لأن صدور الكون من الباء إنما يَظهَر في الجانب السفلي من مقام الباء، فتكون النقطةُ بين الباء وبين الكونِ هي عينُ التوحيد، أو الحاجزُ الذي يَمنع الكونَ من الشِّرْكِ ، فيبقَى التوحيدُ معصوماً في الخَلق والأشياء.
إذن إذا كان اللون الأسود هو سيّد الألوان حسب ما ورد في هذا الجزء من القصيدة، فهذا يعني أن دولاب الألوان المتعارف عليه سوف ينقلب رأساً على عقب، وبدلاً من أن يكون مؤلّفاً في ألوانه الأولية من الأحمر والأصفر والأزرق حسب ما اتفق عليه أهل اللون، فإن اللون الأولي الذي ستصدر عنه كل الألوان سيصبح هو الأسود، وهذا ما سيدفع المتلقّي إلى طرح السؤال التالي: لماذا الأسود هو أول لون في دولاب أديب كمال الدّين؟
يقول الشّاعر في النص نفسه دائما:
“الباءُ جمال وحشيّ / الباءُ: الليلُ بلا أحداقٍ ونجوم./ الباءُ: فِراشٌ مكتظّ بالمعنى
الباءُ: البحرُ بعيد: سجّادةُ ألوانٍ غامضة بالطير / لا ليل سوى الليل الأعمى.”
مازال حرف الباء هنا يتحدث عن الجمال الوحشي، أي البدائي الذي ظهر أول ما كانت عملية التخليق، بكل ما فيها من قوة وعنف واختمار وانفجار، جمال أسود وكأنه ليل معتم لا أثر فيه للضوء، ولكنه مع ذلك فهو سجّادة من الألوان الغامضة، وغموضها هذا نابع من كونه لا يُعرف كيف ولماذا خرجت منه ألوان أخرى رغم كل هذا السواد والظلام العظيم. إنه حقاً سؤال كبير لا يمكن سبر أغواره إلا عبر الغوص في نصوص أخرى من دواوين شعرية أخرى.
ـ لماذا الأسود سيّد الألوان؟
في نصه “الغراب والحمامة” يقول الشاعر:
“حين طارَ الغرابُ ولم يرجعْ
صرخَ الناسُ وسط سفينة نوح مرعوبين.
وحدي – وقد كنتُ طفلاً صغيراً-
رأيتُ جناحَ الغراب،
أعني رأيتُ سوادَ الجناح،
فرميتُ الغرابَ بحجر.
هل أصبتُه؟
لا أدري.
هل أصبتُ منه مَقْتَلاً؟
لا أدري.
لماذا كنتُ وحدي الذي رأى
سوادَ الغراب
ولم يره الناس؟
لا أدري.
2.
حين عادت الحمامةُ بغصنِ الزيتون
صرخَ الناسُ وسط السفينةِ فرحين.
لكنَّ الغراب سرعان ما عاد
ليصيحَ بي بصوتٍ أجشّ:
أيّهذا الشقيّ لِمَ رميتني بالحجر؟
اقترب الغرابُ منّي
وضربني على عيني
فظهرت الحروفُ على جبيني
عنيفةً، مليئةً بالغموضِ والأسرار.
ثُمَّ نقرَ جمجمتي
فانبثقَ الدمُ عنيفاً كشلال.
3.
نزلَ الناسُ من السفينةِ فرحين مسرورين،
يتقدّمهم نوح الوقور
وهو يتأمّلُ في هولِ ما قد جرى.
حاولتُ أنْ أوقفَ
شلالَ الدمِ الذي غطّى رأسي ووجهي.
فاقتربت الحمامةُ منّي
ووضعتْ على رأسي حفنةَ رماد:
حفنةً صغيرة،
مليئةً بالغموضِ والأسرار.
4.
هكذا أنا على هذه الحال
منذ ألف ألف عام:
الغرابُ ينقرُ جمجمتي
فينبثقُ الدمُ عنيفاً كشلال.
والحمامةُ تضعُ فوق جمجمتي،
دون جدوى،
حفنةَ رماد!”
أسئلة كثيرة تتدفق داخل الذهن بمجرد القراءة الأولية للنص: لماذا بدأ الشاعر عنوان قصيدته بالغراب وليس الحمامة؟ أي لمَ لمْ يقُل “الحمامة والغراب”؟ ثم إذا كان الشاعر قد صرّح بلون الغراب قائلاً بأنه أسود، فما كان لون الحمامة؟
لا شك أن هندسة الكلمات هنا ونظامها بل ترتيبها يمتلك معنى خاصاً ومحدداً. فكون الشاعر بدأ بالغراب لا الحمامة فذاك مردّه إلى رغبته في التأكيد على أسبقية اللون الأسود ثم بعد ذلك تأتي بقية الألوان الأخرى، لكن لماذا؟
لأنّ اللون الأسود هو لون التخمّر والتحلل البيولوجي والكيميائي للمادة، أي لون الولوج في النار أو الحرارة الخارجية التي تتفاعل كيميائيا مع الحرارة الداخلية لأي جسم، والمسؤولة عن كل أشكال “التعفن” البيولوجي، هذا الأخير الذي سيحّول بدوره أيَّ مادة حيّة إلى الأصل الذي كانت عليه في البدء. والشاعر إذ يشير إلى هذا المسار العجيب، فإنه يؤكّد على فكرة بدأ الإنسان مرحلة الوعي بذاته الداخلية، أي بمنجم نفسه، ذاك المنجم الذي سيستيقظ فيه وينتبه إلى نفسه كي يرى فجأة فوق مرآتها جناح الغراب الأسود، ومن هناك سيبدأ في التحلل والتفتت بهدف التخلص من كل الشوائب والعودة إلى منبع الروح. وهي الفكرة التي عبّر عنها أديب كمال الدّين في قصيدته “نوم” قائلا:
“لِمَ تنام؟
النومُ عادةُ السعداء والمُهرّجين
وأصحاب الملايين أيضا.
أما الشعراء فلا ينامون”
والشاعر هنا لا يقصد بالنوم ما اعتاده الناس، وإنما تجده هنا قد أعطى لظاهرة النوم مفهوماً جديداً مرادفاً للغفلة أو الخروج والغياب من وعن الذات، أي عدم حضور النفس والروح حتى لحظة النوم العادي، إذن ففي ظهور الغراب فجأة وتعرّف الإنسان عليه، أو استيعاب الإنسان لما بداخله من سواد، استيقاظ من الغفلة ودخول إلى تنّور النفس، وحضور دائم وانتباه مُرَكّز للذات وهي في سيرها نحو التفتت والتحلل والتخلّص من كل الشوائب. وفي الحديث عن ظهور الغراب، لا يُقصد به أنه لم يكن موجوداً سابقاً، لكن الإنسان هو الذي لم ينتبه إلى وجوده، والشاعر أديب كمال الدّين قد تطرّق إلى هذه الفكرة وتوقّف عندها بشكل مركّز، حينما قال:
“وحدي – وقد كنتُ طفلاً صغيراً- / رأيتُ جناحَ الغراب، / أعني رأيتُ سوادَ الجناح”.
فكون شخصية “الطفل” رأت سواد الجناح، فهذا يعني أن الغراب كان في حركة رفرفة دائمة وسط سديم الكون أو النفس، بل في حالة ذهاب وإياب سريعين ومستمرين (انظر عبارة: ” لكنَّ الغراب سرعان ما عاد”)، هذا يعني حركة الإنسان وتنقّله بين الوعي واللاّوعي مستمرة، وإلا ما كان الشاعر ليختم نص “الغراب والحمامة” بهذه الأبيات:
” هكذا أنا على هذه الحال / منذ ألف ألف عام:/ الغرابُ ينقرُ جمجمتي / فينبثقُ الدمُ عنيفاً كشلال./ والحمامةُ تضعُ فوق جمجمتي، / دون جدوى، / حفنةَ رماد!”
وهي خاتمة تجدها تكررت في نص آخر أسماه الشاعر في مجموعة أخرى ب “قصيدتي الأزليّة”، وهذا مقطع منه:
” وإذ كانت النارُ على إبراهيم برداً وسلاماً
فإنها لم تكنْ لي
سوى نارٍ من الألمِ والحقدِ والحرمان
اشْتَعَلتْ
ولم تزلْ تشتعل فيّ
في كلّ يوم
هكذا إلى يوم يُبعَثون!”
محقّ إذن هو الشاعر إذ نعت قصيدته بـ”الأزليّة”، فأزليّ هو هذا المصير العجيب الذي ابتلي به آدم وذريته منذ أول لحظة من لحظات الخلق. لذا فما على الإنسان إلا أن يسعى جاهداً كي يخلص نفسه بنفسه من هذه الانتقالات المستمرة بين حالات الوعي واللاوعي، عليه أن يسعى إلى بناء جسده الكوكبي أولاً بشكل يسمح له بعد ذلك إلى وضع اللبنات الأساس لما يمكن تسميته بالجسم الخالد والأبدي، أي الروح. فالهدف إذن هو معرفة الطريق المؤدية إلى التحوّل من الوعي، إلى العقل، إلى القلب ثم بعدها إلى الروح.
إذن فالحرف الذي ذكره الشاعر منذ البداية في عنوان ديوانه الجديد يُقصد به “الإنسان” ولا أحد غيره، أي الإنسان في رحلته مع غراب نفسه. كيف ذلك؟ الجواب هنا في هذا المقطع من قصيدة أديب كمال الدّين الأزليّة والتي كان قد كتبها قبل صدور ديوان “الحرف والغراب” بسنين عدّة:
“حتّى إذا هدأت العاصفة
وقيل يا أرض ابلعي ماءك
هبط الكلّ من سفينةِ نوح
فرحين مُبَاركين
إلاّي.
وثانيةً صرختُ بنوح:
يا رجلاً صالحاً
يا رجلاً عادَ من طوفانه: الجلجلة.
قالَ نوح: مَن أنت؟
قلتُ: أنا الإنسان.
قالَ: مَن؟
قلتُ: أنا المؤمن الضال.
قالَ: مَن؟!
وتركني في المركبِ دهراً فدهراً
حتّى إذا غيّبَ الموتُ نوحاً
تحرّك المركب
تحرّك بي وحدي
لأواجه طوفانَ عمري
في موجٍ كالجبال
أنا الذي لا أعرفُ الملاحةَ ولا السباحة
وليس لديّ حمامة أو غراب.”
إذن فالإنسان الذي يعتبر نفسه اليوم حيّاً بعد حادثة الطوفان النّوحي، هو في حقيقة الأمر الواقع جسد ميت، منذ أن ذهب عنه نوح وتركه لمصيره الأسود. لكن كيف يمكن التصريح بهذا، هل يعقل القول بأنه لا وجود اليوم للحياة على سطح هذا الكوكب؟ والجواب الطامّة يوجد في هذه القصيدة، وليست ثمّة مساحيق أو ألوان في الكون بأسره يمكنها أن تزيّن أو تغطّي أو على الأقل تلطّف من صدمة مواجهة هذه الحقيقة المرّة:
“مرّتْ قرون طويلة
على فراقنا.
غرقَ مركبُ نوح ثانيةً في الطوفان
فصارعلى الناجين
أن يجرّبوا الصبر
من دون نبيّ.
واحترقت المدنُ العظيمة
خلف الجبال والزمن والأمطار
واحترقت الاحلامُ كلّها:
أحلامُ العصافير وأحلامُ الطغاة
ولم أزل انتظر
أن ألتقي بكِ يوماً
لأستعيد معك
قصةَ رحلتنا الأولى مع نوح،
مع الأمل،
مع الحمامةِ والغراب،
لأستعيد معك
ذكرى المدنِ العظيمةِ التي احترقتْ بعيداً
وأستعيد معكِ شيئاً من الحلم
على سريرنا الضيّق.
نعم
لم أزلْ أنتظرك
لأقولَ لكِ ما لم يقله أحدٌ من قبل
ولأشير إليك:
بإصبعي الوحيد الباقي حيّاً في كفّي
لم أزلْ أنتظرك
مستمتعاً بانتظارك
مثلما تنتظرُ شجرة وحيدة في الصحراء
صاعقةً أقبلتْ إليها من السماء
مليئةً بالنارِ والموت.”
لذا فسواد الموت الذي غرق فيه الإنسان بعد النبي الصالح المسالم نوح (ع)، هو أسود من سواد الاختمار الروحي والتحلّل الداخلي، بل هو أشدّ سواداً من الغراب نفسه. ألم تسمع الشاعر وهو يقول:
“حين مرّ الغرابُ من فوق رأس الموت
قال: أنا الغراب.
قال الموتُ: ثم ماذا؟
قال الغرابُ: أنا الغراب الأسود!
فضحك الموتُ وقال: أنتَ بالنسبة لي
أكثر بياضاً من الثلج!”؟
نعم حتى بياض الثلج هنا لم يعد له معنى أمام سواد الموت، بل حتى السؤال عن حمامة نوح لم يعد يجدي بنفع مصداقاً لقول الشاعر نفسه:
“قال الطائر،
الطائرُ الذي ينامُ عشّه فوق الشجرة الوحيدة:
لا تسألْ عن اسمي
سواءً كان اسمي الغراب أو الحمامة
بل اسألْ عن سفينتك:
سفينتك التي غادرها نوح
منذ زمنٍ طويل
ونزلتْ منها الكائناتُ كلّها
فرحةً مستبشرة.
وبقيتَ أنتَ فيها وحيداً كالموت
تنتظرُ معجزةَ أن تبحر السفينة
لوحدها من جديد!”
لكن وإن كان لا يحقّ السؤال عن حمامة نوح، فلربّما السؤال عن لونها قد يكون شفيعاً للتعرّف إلى ما تعنيه الحمامة في نصوص الشّاعر بشكل عام وفي قصيدة “الغراب والحمامة” بشكل خاص.
ـ اللون الأبيض
إن وصول الإنسان إلى اكتشاف منجم نفسه، هو في حقيقة الأمر ليس مجرد مسار ذهني أو ثقافي أو حتى تاريخي، ولكنه أولا وقبل كل شيء مسار جوانيّ مفعم بالتفاعلات والانفعالات والأحاسيس البشرية، التي لها قدرة قوية على توجيه الإنسان نحو مرحلة الاختمار وبالتالي التحلل، هذا الأخير الذي تليه مباشرة لحظة ولادة أو قيامة من الموت، بل انبجاس للنور وسط الظلام الدامس وكأنه حمامة نوح. هكذا إذن يتجلّى لك أن اللون الثاني الذي يأتي مباشرة بعد اللون الأسود هو الأبيض.
إذن فكون حمامة نوح بيضاء، ففي هذا ربما إشارة إلى أن السفينة هي رمز للجسد البشري، وماء الطوفان رمز لماء التخليق، إذ بدون ماء لا يمكن أن يحدث اختمار أو تحلل، وسواد الغراب هو رمز لسواد العدم وبداية الكون الغارق في ظلامه الرهيب. وما من فراغ قال الشاعر في ديوان (مواقف الألف):
“أوقَفَني في موقفِ الظلام
وقال: الظلامُ يحيطُ بك
مِن كلِّ صوبٍ يا عبدي.
فَعَلامَ الهرب؟
وَعَلامَ التعب؟
إنْ تصوّرتَ أنَّ للجسدِ شمساً
أو أنَّ للحلمِ ألَقاً
أو أنَّ للذهبِ روحاً
فأنتَ مِن الواهمين.”
لكن على الرغم ما قيل في حقّ اللون الأبيض باعتباره ثاني محطة يحطّ بها السالك رحاله وهو في طريقه إلى الخلاص، إلا أن الشاعر يظلّ يرى في الأسود طمأنينة الألوان كلّها. انظر كيف يمدح السواد وهو في مقام الحديث عن البياض:
“قال الطبيبُ الذي يرتدي قميصاً أبيض
وبنطلوناً أبيض
وحذاءً أبيض
– هل كانت طفولتكِ بيضاء؟
• (لا)
– هل كان شبابكِ أبيض ؟
• (لا)
– هل كانت شيخوختكِ بيضاء؟
• (لا)
– قال الطبيبُ: إذن ماذا تنتظرين؟
• قالت: (أنتظرُ الموتَ ليأتي ويأخذني
مرتدياً طفولةً سوداء
وشباباً أسود
وكهولةً سوداء.)
مدّ الطبيبُ يده ذات القفّاز الأبيض
إلى الضحية
فأبعدها الموتُ برفق
كان الموتُ يبكي على الضحيةِ بدموعٍ سود.
لكنّ الضحية نفسها
وجدتْ في الأسود،
في آخرِ المطاف،
طمأنينةَ الألوانِ كلّها.”
الموقف هنا رغم البياض الذي فيه موقف موت وعودة إلى سواد العدم والسديم الأوليّ. والنص فيه ثلاثة شخصيات، كلّها أساسية، والذات الشعرية هي محرّكها الوحيد وفق مخطط معين ومدروس جدا:
الشخصية الأولى
وهي الطبيب لكن حضوره في النص بهذا الشكل يستدعي الجواب عن أسئلة أخرى يمكن طرحها كما يلي:
لمَاذا الطبيب؟ لمَاذا اللون الأبيض؟ وما مقامه داخل نسيج متن النص الشعري؟
الطبيب هو القوة النفسية الداخلية لكل إنسان، هذا الأخير الذي بمجرد وعيه بما يحمل من آلام، تقطع نفسه بداخله مسافات هائلة من التحوّلات والتغيّرات كي تخرج من صحارى السواد وتنزل أخيراً في واحات البياض، فيصبح الإنسان طبيب نفسه، وذلك بهدف تقديم يد المساعدة والنجاة، وبالتالي شفاء جسده وروحه معاً من الحزن والارتباك، من الخوف والاحباط، ومن كل المشاعر السلبية كيفما كان نوعها ومصدرها.
أما اللون الأبيض فهو شاهد على هذا التحول من حالة إلى أخرى، وعلى ما يحدث داخل الإنسان من تطور، واتجاه نحو البساطة والنقاء.
أما مقامه ففيه إشارة للسلطة الروحية التي تساعد الإنسان في الاهتداء إلى معالجة نفسه بنفسه، مع تنقية روحه من الشوائب والتأكسدات التي طالتها. وهذه السلطة هي سلطة ملائكية خصّ بها الله كل إنسان، وغالباً ما تكون مصحوبة ببكاء الإنسان ودموعه الحرّى وهو في طريقه بعون هذا الملاك إلى أن يصير طبيب نفسه، وما من فراغ تجد الشاعر يقول ما يلي في موقف يتحدث فيه عن الدمع والبكاء، موقف لا يبدو أبداً من قبيل الصدفة، إنه أسماه ب”موقف البياض”:
“أوقفني في موقفِ البياض
وقال: أدهشكَ البياضُ يا عبدي
أم أدهشكَ الحرمان؟
أدهشكَ المشهد
أم أدهشكَ اللون؟
أدهشكَ الدفء
أم أدهشكَ الإصبع؟
أدهشكَ الدمع
فكنتَ على سجّادتي تبكي؟”
الشخصية الثانية
لا يُعرف عنها سوى أن الذات الشعرية تسميها “بالضحية” وتخاطبها بصيغة التأنيث (انظر حركة الجر تحت الكاف أو ضمير المخاطب)، وأن كلّ أجوبتها عن أسئلة الطبيب تنفي كل ما له أيّ صلة بالبياض.
ماذا يعني هذا؟ أو ما الذي يعنيه هذا الإلحاح في التمسك بالسواد؟ “(أنتظرُ الموتَ ليأتي ويأخذني / مرتدياً طفولةً سوداء / وشباباً أسود / وكهولةً سوداء).
إنه رغبة روح كل مؤمن في العودة إلى سواد البدء، إلى ظلمة السديم، أيْ إلى النقطة الأُمّ، وإلى مركز الكون السابح في ظلام عظيم:
“أنا نقطتك التي هي مركز الكون،
نقطتك السابحة في ظلام عظيم”
الشخصية الثالثة
هي الموت. وهي أعلى درجة من الشخصية الأولى، باعتبار أن هذه الأخيرة تنحّت وانسحبت وتركت لملـَك وسلطان الموت سلطة أخذ الروح والعودة بها إلى مركز الكون:
” مدّ الطبيبُ يده ذات القفّاز الأبيض
إلى الضحية
فأبعدها الموتُ برفق
كان الموتُ يبكي على الضحية بدموعٍ سود.”
بقيت كلمة أخيرة لا بد من قولها في حقّ الذات الشعرية. إذ عبر هذا السفر في رحاب كلمات وبعض معاني قصيدة “ألوان” يتضح أن هذه الذات هي نفسها الطبيب والضحية، والأعجب في كل هذا، هي هذه السعادة والطمأنينة التي شعرت بها بعد أن أسلمت روحها لملك الموت، وكأنها عريس يموت عشقاً ويذوب من اللهف والحرقة من أجل لقاء عروسه نقطة الكون ومركزه:
“النقطة عروس
والحرف عرس
فما أسعدني أنا لابس البدلة البيضاء
وواضع الزهرة البيضاء في أعلى البدلة.”
2.1 ماذا بعد اللونين الأسود والأبيض؟
ـ الإنسان الأحمر
يقول أديب كمال الدّين في قصيدة “الغراب والحمامة”:
“اقترب الغرابُ منّي
وضربني على عيني
فظهرت الحروفُ على جبيني
عنيفةً، مليئةً بالغموضِ والأسرار.
ثُمَّ نقرَ جمجمتي
فانبثقَ الدمُ عنيفاً كشلال.”
المقطع فيه تجل لعين الحرف ونبعه، وعليه فالغراب هنا لعب دور الكاشف عن هذا المكمون من العلم والمعرفة اللدنية داخل الإنسان. وإذ يقول أديب كمال الدّين، إنها “مليئة بالغموض والأسرار” فذلك لأنّ الإنسان لم يزل لم يصل إلى تلك المرحلة التي يصبح فيها عالماً وعارفاً بالعلوم الربانية، وهذا يعني أنه لم تزل بداخل منجمه النفسي، مفاوز وشعاب ووديان عليه أن يتكبّد عناء ووعثاء السفر فيها، علّه في الأخير يصل إلى شلاله الأحمر، فيغتسل به ويصبح إنسانا أحمر. وهذا التصريح مبني على هذه الصورة الموجودة في أواخر أبيات المقطع أعلاه تتحدّث عن هذا:
“ثُمَّ نقرَ جمجمتي
فانبثقَ الدمُ عنيفاً كشلال”
إذن فصورة الانبثاق حسب وصف الشاعر لها، كانت عنيفة، وشدّة عنفها هذه جعلته يقول عن الدم السائل، أنه شلال هادر، لذا فصورة الشلال هذه تعني أن الإنسان مغطى بالدم الأحمر من قمّة رأسه حتى أخمص قدمه، وإن كان الشاعر يركز في القصيدة على الرأس والوجه:
“حاولتُ أنْ أوقفَ
شلالَ الدمِ الذي غطّى رأسي ووجهي”
ما معنى أن يتحول الإنسان من اللون الأسود إلى الأبيض، ليختم الرحلة بالوقوف عند اللون الأحمر أو عند ما يمكن تسميته مجازاً بالمرحلة الحمراء؟
غالبا ما يفضل أهل العلم والعرفان عدم الحديث عن هذه المرحلة، لكن الباحث إذ يجد نفسه أمام كتابات الشاعر الحروفي أديب كمال الدّين، لا يسعه سوى أن يشرع صدره كي يتهيأ لقبول المعرفة التي قدمها له الشاعر على مرّ دواوينه، داعيا إياه بلطف “ربّ اشرحْ لِي صَدْري وَيَسّرْ لي أمْرِي” ومحبّة “أرسلتُ لكِ سينَ سليمان / حتّى تنشرح نونكِ وتكتمل.” وإذ ينشرح الصدر وتكتمل النون، يكتشف الباحث، أن الشاعر قد خصص العديد من قصائده لهذه المرحلة الحمراء في حياة الإنسان السالك، أيْ مرحلة الإزار الأحمر، مرحلة الدم، بل مرحلة النقطة الحمراء.
والوصول إلى هذه المرحلة الحمراء يعني أن الإنسان قد توصّل إلى حقيقته الروحية الإلهية التي كانت بداخل جسده الفيزيائي منذ البداية وهو غافل عنها. وهذا النوع الجديد من الحقيقة يمكن تسميته بالجسد الريشي، الذي تحدّث عنه أديب كمال الدّين في ديوان “الحرف والغراب” قائلاً في مقطع من قصيدة “بطاقة تهنئة”:
“لا بأس.
هذه المرّة
لا تكتبْ عن الطائر.
أنتَ لستَ بطائر،
فهمتْ؟
ولا عن الجناح.
أنتَ لستَ جناحاً،
فهمتْ؟
ولا عن المنقار.
أنتَ لستَ منقاراً،
فهمتْ؟
ولا
ولا
ولا.
اكتبْ، فقط، عن الريش.
أنتَ ريشةٌ سقطتْ من جناحِ طائر.”
إذن فالوصول إلى هذا الجسد الريشي هو ضالة كل إنسان اليوم وغداً، وهذا ما دفع كبار أطباء علوم النفس المعاصرين بالاعتراف بأن سعادة الإنسان هي رهينة بوصوله إلى هذا الجسد، وعليه يصبح مفهوم السعادة روحانياً لا مادياً، أي مفهوماً لصيقاً بما هو سماوي معراجي.
السعادة هي سفر وهجرة، تبدأ بتحديد البيت الحقيقي لكل إنسان. تحديد لا يمكنه أن يتحقق إذا لم يطرح الإنسان أسئلته الفلسفية الوجودية الكبيرة: “من أين أتيتُ؟ وأين هو وطني الأنطولوجي الكينوني الذي عليّ أن أعود إليه؟”، هو فقط تحديدُ هدف الوصول كفيل بأن يضمن للإنسان تجنّب خطر الوقوف عند أول محطة من محطات هذا السفر العسير، أو الوقوع في شباك أنصاف أو أشباه الحلول، وهي الفكرة ذاتها التي عبّر عنها الشاعر أديب كمال الدّين في قصيدته “انسلال” التي يقول فيها:
“مثل كلّ مرّة
اختفى الطريقُ إلى البيت
وأنتِ معي.
فماذا سأقول؟
بل ماذا سأفعل
والظلامُ يحيطُ بي من كلِّ صوب
كما يحيطُ الصبيةُ العابثون بمجنون؟
وكيف لي
وسط ليلٍ يستقبلني بحجارةٍ من سجّيل
أنْ أقودكِ ثانيةً
لأعبر بكِ الشارعَ المظلم
إلى الغرفةِ المُعلّقةِ في الأعالي؟
أقودكِ كي لا أترككِ تنسلّين
وقت الفجر إلى الأبد.
أقودكِ كي أعاهدك
أنْ أبقى الليل كلّه،
أعني العمر كلّه
يقظاً مثل جمرة.”
على كل إنسان أن يحاول البقاء يقظا كجمرة حمراء، كي يضمن الوصول بروحه إلى “الغرفة المعلّقة في الأعالي”، عليه أن يحافظ على جسده الريشي الجمري اللون، ويحميه من فتنة كلّ من يعدُه بقيادته إلى بيت آخر لا علاقة له إطلاقاً ببيته الحقيقي، وذلك حتى لا يحدث له ما حدث ل “عوليس” الإغريقي، ملك “إيثاكا” مع الحورية “كاليبسو” التي حبسته بكهفها وحاولت لما يزيد عن سبع سنوات فتنته وإغواءه وسحره لتحول دون عودته إلى بيته الأصلي ووطنه الأم، هذا الوطن الذي لا محيد عنه لكل إنسان على وجه هذه البسيطة مصداقاً لقول الشاعر في نصه “موقف البيت”:
“يا عبدي
لا بيت لكَ إلا بيتي،
فادخلْه مطمئناً
وقلْ: سلامٌ سأستغفرُ ربّي.
وقلْ: الحمدُ للهِ الذي آواني
بعد تَشرّدٍ وضياع
وَجَعلَ حرفي ونقطتي جدرانَ بيتي.”
3.1 أديب كمال الدّين الرسام النّـُقـْطيّ
هل وقفت يوماً أمام نص شعري فقرأته بأذنيك وسمعت أحرفه بعينيك، وشعرت بعد ذلك كأنك أمام لوحة فنية تنبض بالحياة وتتمتع بألوان قوية الاختراق بشكل يفوق كل خيال وتصور؟!
قد يبدو السؤال غريباً، لكنه على غرابته يستند إلى أرضية شديدة الارتباط بإشكالية الشعر والرسم وما يجمع بينهما من وطيد العلاقة الضاربة بجذورها في أعماق تاريخ الإبداع البشري. إذ كلما كان للشاعر أوالرسام بصيرة نفّاذة قادرة على التقاط ما تراه حولها في الكون من تجلّ للفعل ولونه، ولحركة الأجسام بكافة أنواعها وأجناسها، كلّما تحوّل نص الشاعر إلى لوحة، وأصبحت لوحة الفنان قصيدة. وأديب كمال الدّين شاعر ريشته الحرف ولونه النقطة، لذا فهو رسّام نُقْطيّ. لأنّ معظم نصوصه أثبتت أنه في فعله الكتابي يتحرك داخل النقطة. منها يخرج وإليها يعود، وفيها يقف ويدور ويدور، فيخرج من يده اللون الأسود (خرجت النقطةُ من الباب / كانتْ عسلاً أسود) ومن الأسود الأبيض (كانت النقطة نوراً يلفّ كلّ شيء / نوراً خرج لينير سواد طفولتي / فحاول قتله كلُّ ظلام الأرض). ومن الأبيض الأحمر، الذي هو اللون الحقيقي للنقطة: “كانت النقطةُ دمَ الجمال / دمَ المراهقة / دمَ اللذة / دمَ السكاكين / دمَ الدموع / دمَ الخرافة / دمَ الطائر المذبوح / كانت النقطةُ دمي) . وهو في هذا يُرسّخ مفهوماً جديداً للكتابة والرسم انطلاقا من النقطة لا لكي يتحدّث فقط عمّا يحكم حياة الناس من عبث وتناقض وهوس وألم وأفراح، تنتمي كلّها إلى عالم من أحلام يعتقد كلّ إنسان أنها حقيقته وضالته المطلقة، ولكن لكي يتحدث أيضا عمّا في هذا التناقض والعبث الظاهري من تناسق وكمال مطلق يصعب الوصول إلى كنه الحكمة فيه. وهو في هذا رسّام يخلط الألوان خلطاً حروفياً بصرياً مع الفصل بين اللون الموضوعي واللون الضوئي، وبين حركتهما التفاعلية التي هي: حياة الناس فوق هذا الكوكب العجيب السابح في ظلام عظيم. والشاعر إذ يقوم بهذه العملية الشديدة الصعوبة، لا يكتفي بالشعرية في مفهومها الأدبي، ولكن يلجأ إلى الشعرية بمفهومها العلمي أيضا: كي يقلب كل الموازين التي سبق لمنظري الأدب أن حدّدوها جاعلين من الشعر مجرّد فنّ إنساني لا علاقة له بالعلوم الحقّة وخاصة منها علوم الفيزياء والكيمياء والرياضيات.
والشاعر في رسمه لقصائده “العلمية” يرتكز على مفهوم “التضاد اللوني”، فكلّ بيت مضيء بمعنى ما، يقابله بيت آخر غارق في الظل والظلمة، وهو في هذا يدعو القارئ إلى تفتيت لون المعنى أو الفكرة المراد إيصالها، تفتيتاً عقلياً وبصرياً حتى يقع انسجام المعنى الحقيقي بداخل العقل، وفي هذا المقطع مثال تطبيقي لهذه الأطروحة:
“قالَ الشحّاذ: ما معنى الرغيف؟
فهبطتْ بهدوءٍ من عينيه دمعةٌ حرّى.
قالَ الشرطيّ: ما معنى المظاهرة؟
وملأ بثقةٍ مسدسَه الكبير بالطلقات.
قالَ النهر: ما معنى الماء؟
فارتبكَ بشدّةٍ وكادَ قلبُه أنْ يتوقّف.
قالَ الغراب: ما معنى الحمامة؟
وضحكَ بخبثٍ ضحكةً صفراء.
قالَ الحرف: ما معنى النقطة؟
ومسح بألمٍ صورتَها من كتابِ الوجود.
قالَ الموت: ما معنى الحياة؟
وغسلَ بلا مبالاةٍ يديه الضخمتين من الدم!”
والقول بهذا الطرح يُذكّر باسم فنان ذكره الشاعر أديب كمال الدّين في أكثر من نصّ، ويُقصد به “فان كوخ”. فما علاقة هذا الأخير بأديب كمال الدّين؟
والجواب بسيط ومعقّد معاً: إنها النقطة هذا السرّ العظيم الذي يجمع بين فنان من القرن التاسع عشر (1853 ـ 1890) وآخر معاصر. فـ”فان كوخ” كما تقول الدراسات النقدية الفنية كان يرسم بالنقطة، وكل لوحاته تشهد بذلك، ومن النقطة كان يعطي للوجود الغائص في تراكُبيّاته المتداخلة معنى جمالياً منقطع النظير، معنى مفعما بالضوء والحياة. ولربّما هذا هو السبب الذي دفع بالشاعر أديب كمال الدّين أن يدرج النص الذي ذكر فيه “فان كوخ” في ديوان “النقطة” والذي يقول فيه:
“هل سمعتَ بميكائيل أنجلو؟
هل سمعتَ بفان كوخ؟
///
هل سمعتَ بما لا ينبغي أن تسمع؟
لكنني كنتُ أضحك حتّى أبكي
وأبكي حتّى أموت
ثم أولد كي أبكي ثم أموت.”
وهناك نص آخر يحمل اسم “فان كوخ” كعنوان له، ويقول فيه الشاعر:
“لأجلِ أن أشمّ خفايا حرفكِ البضّة
فإنني مستعد أن أهديك أذني
كما فعل فان كوخ”
وعليه فإذا كان “فان كوخ”، قد جعل من خفايا الليل وحلكته لوحة مضيئة منيرة ومشرقة أسماها “الليلة المضيئة بالنجوم” (1898)، فإن أديب كمال الدّين، أخرج من سواد السديم، أبجدية من نور تقيم معرضها في الهواء الطلق كلّ ربيع، بل أبجدية أصلها النقطة وكاشفها الباء، كما يشير هنا الشاعر في نصّ “ذات ربيع”:
” ذات ربيع
أقامت الحروفُ معرضاً في الهواء الطلق.
رسمت الباءُ امرأةً عارية
تبيع البيضَ في السوق.
ورسمت الحاءُ دماً يتدفّق
وجلاّدين يتقاتلون كالوحوش.
ولثغت الراءُ باسمها
فتساقطتْ طفولةُ الفراتِ من كأسها
وسطعتْ ألوان العيدِ البعيدِ في عينيها
لتضحك أفلامُ الغرامِ والانتقام
في جيوبها التي مزّقها الدهر.
وتألّقت السين في مشهدِ الطين والماء.
ولوّنت النقطةُ مشهدَ الارتباك
حيث يعزّي الأنبياءُ والأولياءُ والشعراء
بعضهم بعضاً
بمناسبةِ حضورِ مشهدِ الجنازة
ممتلئاً برفيفِ أجنحةِ الملائكة
وصيحاتِ الأتباعِ والخاطئين، والمخلصين والمرتدّين.
وحده الألف
كان يراقبُ المشهدَ من شرفته العالية
مذهولاً
إذ أنفق العمر كلّه
يتأمّلُ في مشهدِ المرأةِ العارية
والدمِ المتدفّقِ وصيحاتِ الجلاّدين
والفراتِ الطفل
وأفلامِ الغرامِ والانتقام
ومشهدِ الارتباك
مزدحماً بالأنبياءِ والملائكةِ والخاطئين والمرتدّين.
وحده الألف
كان يراقبُ المشهدَ المضحكَ المُبكي.
لكنّه في ربيعٍ عجيب
سقطَ من شرفته العالية.
( قيل إنّ رفيفَ الملائكة
شجّعه على الطيران
وقيل إنّ الشيطانَ أغراه)
فلما سقطَ على الأرض
وانفصلت الهمزةُ عن رأسه الشريف
أفاقَ وصاحَ: لِمَ؟
وكيف؟
ومّم؟
وعلامَ؟
وإلامَ؟!
غير أنّ الحروف
لم تأبه كثيراً لأسئلته الكبرى
ولا لدموعه الحرّى
وبقيت تقيمُ معرضها في الهواء الطلق
كلّ ربيع.”
إذن فالحروف هنا ترسم ولها الريشة والألوان، والباء في عريها ترمز إلى الكشف ورفع الحجاب كي تُظهر العالم كما هو عليه: مليئا بالارتباك والازدحام والفوضى، مليئا بمشاهد “الدم” و”الغرام” و”الانتقام”، ومليئاً بالجلاّدين، بالأنبياءِ والملائكةِ والخاطئين والمرتدّين. إلا أن كلّ هذا لم يمنع الشاعر بنعته لهذا العالم أو المشهد ب”المضحك المبكي”، ولا من طرح أسئلته الوجودية الكبيرة: “لِمَ؟ / وكيف؟/ ومّم / وعلامَ؟ / وإلامَ؟!”. أسئلة وإن كان العالمُ من حوله وبمختلف حروفه يقابلها بالتجاهل والإهمال، إلا أن الشاعر يقدم الجواب عنها في نصّ فلسفي رياضيّ أسماه ب “مثلثات” ويقول فيه:
“(1)
على مائدةِ الخوف
أرى مثلثَ السُلْطة:
رأسه إلى الأعلى،
ومثلثَ الرغبة:
رأسه إلى الأسفل،
ومثلثَ القوّة:
رأسه إلى اليمين،
ومثلثَ العبثِ والسأم:
رأسه إلى اليسار.
(2)
وحين أمدُّ يدي
لأرى مثلثَ السرِّ،
أعني مثلثَ الحرف،
فإنَّ المثلث يدورُ على نفسه كالمجنون،
يدورُ، يدورُ، يدور
ليريني في الأعلى طفولتي الحافية،
وفي الأسفل صباي الغارقَ في النهر،
وفي اليمين شبابي المحاصرَ بالشظايا والدخان،
وفي اليسار شيخوختي التي تشبه
مسافراً سعيداً
في قطارِ الجنّةِ الذاهبِ إلى جهنم،
القطار الطويل السريع الذي لا يتوقّف
في أيِّ محطّةٍ أبداً
رغم احتجاج الركّابِ ودموعهم وصيحاتهم!”
يبدو كأنّ عالماً رياضياً جبرياً هو الذي كتب هذا النص وليس بشاعر، وتبدو أيضاً أمراً منطقياً حيرةُ الناقد د. صالح الرزوق وهو يتساءل ويقترح في الوقت ذاته جواباً عن جدوى اختيار موضوعة “المثلثات”:
“ولا أستطيع أن أجزم لماذا اختار الشاعر رمز المثلث. ولكن هذا لا يخلو من إشارة واضحة لفلسفة اللامعقول. وهي فلسفة لا تبرير لها، ولا يمكننا رؤيتها إلا بعيون بيكاسو وغيره من السرياليين. لا سيما أن الأشكال المنتظمة لم تعد مجدية مادامت لا تعكس الحقائق المشوهة للمعاني والأفكار.” ويبدو أن المضي قـُدماً في إكمال ما اقترحه الناقد من جواب عن سؤاله مسألة مشروعة أيضا. إذ لا شك أن الأمر فيه “إشارة واضحة لفلسفة اللامعقول”، ولكن، هل ما هو لا معقول، لا معقول حقا؟ أم أن الأمر فيه وَهْم لشيء اسمه اللامعقولية والسريالية الغير المبررة؟
للجواب عن هذا السؤال سيتمّ تلبية دعوة الشاعر الضمنية في نصه، أي دعوته القارئ لرسم ما ذكره حرفياً في الأبيات الأولى من قصيدته “مثلثات”، وعليه فإن مائدة الخوف ستأخذ شكل الدائرة وبداخلها سيتمّ رسم المثلثات، وسيُكتشف أنّ الشاعر كان محقّاً حينما قال:
” وحين أمدُّ يدي
لأرى مثلثَ السرِّ،
أعني مثلثَ الحرف،
فإنَّ المثلث يدورُ على نفسه كالمجنون،
يدورُ، يدورُ، يدور”
فبصريا كل المثلثات تدور ولا تستطيع العين التركيز على مثلث واحد بعينه، فما بالك بمثلث السرّ أو مثلث الحرف. إذن فالصورة عبثية على الأقل ظاهرياً. لكن ماذا لو تمّ تدقيق النظر أكثر فأكثر؟ النتيجة ستكون ظهور بنتاغون خماسي، ومربّعات بعضها يحضن بعضاً، وتشكُّل مثلثات أخرى عديدة داخل الدائرة وأكثر من مستطيل واحد. وهي أشكال هندسية كلّها لها صفة النسبة الذهبية الرياضية الشهيرة، لكن سيتم التركيز على “المستطيل الذهبي” باعتباره من أكثر الأشكال الهندسية أهميّة وإراحة للبصر، وسيتمّ تجسيد كل هذا عبر الرسم التالي:
الصورة رقم: 11
ما معنى أن يظهر “المستطيل الذهبي” في قصيدة “مثلثات”؟ الجواب أن الأمر برمّته فيه تجلّ لجمال مطلق ودقة في الصنع والتدبير الإلهيين. أي أن الطفولة الحافية والصبا الغارق في النهر، والشباب المحاصر بالشظايا والدخان، وشيخوخة المسافر السعيد في القطار السريع، قطار الجنة الذاهب إلى جهنم، كلّ هذا ما هو إلا تجلّ لكمالية الخلق ومطلقية جماله في تصريف شؤون عباده بالرغم من صراخهم وبكائهم واحتجاجاتهم التي لا تنتهي.
إذن فأديب كمال الدّين وهو في رحلته مع النقطة والحرف، رسم حياة الناس عبر حياته أيضاً، وأعاد معهم وبهم طرح أسئلتهم وأسئلته الوجودية الكبيرة، وأجاب عنها بريشة هدفها الأول والأخير رسم كل معاني الجمال الإلهي، بكل ألوانه، الوحشي منها الغارق في سواد السديم، والمشرق منها العائم في بحار النورانية والبهاء والتناسق البديع.
الخاتمة
وماذا يمكن أن يقال في خاتمة هذا السفر؟ وقد طاف القلم وطوّفكم معي، بل رقص ودار بكم وبي ألف رقصة ودورة مدخلاً إياكم معي في فيافي لا قبل لي بها. فهل انتهى السفر حقاً؟ إنه تساؤل لا يمكن الإجابة عليه إلا عبر الإقرار، بأن كلّ دراسة ما إن تنتهي حتى تصبح محطة انطلاق لبحوث ودراسات أخرى لا حدّ لها ولا حصر، فما بالك بمجال يتعلق بتجربة جمالية جديدة ومعاصرة لشاعر صوفي جعل من الحرف والنقطة والموقف قلماً وحبراً بل خرقة وعصا.
ثم ماذا يمكن أن يُقال عمّا تكون قد قدّمته هذه الدراسة من جديد؟ على أية حال لم يكن هذا الطموح وارداً، ولربما يكون نقاد آخرون أكثر أهلية ودراية بما يحمله هذا الكتاب بين دفّتيه من إضافات قد تكون جديدة حقا وفعلا، خاصّة وأنني حاولت قدر الإمكان أن ألغي نفسي حتى يتيسّر أمر الغوص في أعماق نصوص الشاعر أديب كمال الدّين، واكتشاف العلاقة الوطيدة بينها وبين علوم أخرى كالكيمياء والرياضيات وعلوم النفس والفلسفة واللغة والدّين والفقه. وهذا يعني أن الأمر لم يكن ليخلو أبدا من صعوبات ومخاطرات، وفي بعض الأحيان ارتباكات أمام بعض المكاشفات الشعرية التي كانت تبدو في ظاهرها حمّالة لصور لفظية وعقلية غريبة جداّ مصداقا لقول الشاعر نفسه: “إنّك لتتكلّم بكلامٍ غريب / فلا تُفهَم ولا يُستجابُ لك / كلامك الغريب لا يفهمه أحدٌ سواي / ولا يفهمه إلا مَن كانَ غريباً مثلك. ”
وكون هذا الكتاب قد ركزّ كل طاقاته للحديث عن الجمال والكمال الإلهيين عبر التجربة الحروفية المواقفية للشاعر أديب كمال الدّين، فإن هذا لم يكن فيه أية نيّة لإلغاء جمال باقي الموجودات، كلّ ما في الأمر هو أن الموجود الحقيقي صاحب الجمال المطلق، له آيات تشير إلى علمه وكماله وعظيم صنعه وتلك هي حقيقته، ولو تمّ النظر إلى جمال الموجودات في معزل عنه فلن يُرى سوى العدم، فحتى اللغة واللون في نصوص الشّاعر لا يحتفلان سوى بهذا الجمال، وقد تمّت معاينة ذلك في جميع فصول هذا الكتاب وخاصة في الفصلين الرابع والخامس منه.
فالحمد لله الذي جعل الجمال حرماً تحجّ إليه قلوب الأدباء، والحمد لله الذي تجلّى باسمه الجميل فسحر الألباب وقادها إلى بحر محبّته، فلم تخف الألم ولا الموت ولكن حرقة البين والفوت، فنادت ما لنا والجمال؟ فالجمال يورث العشق، والعشق يجلب الهجر، والهجر يوصل إلى القبر، والقبر إلى النشر، والنشر إلى الحشر، والحشر إلى الصراخ طلبا للغوث من الحق الذي ما إن يسمع النداء حتى يرفع الحجاب، فيحصل المراد وينعم الفؤاد، ويصرخ الإنسان ناقداً كان أم باحثاً، قارئاً أم مجرد عابر سبيل أو متجوّل في صفحات هذا الكتاب، فيقول بأعلى صوته مع الشاعر:
” إلهي،
أحببتكَ أكثر مما أحبّكَ الأنبياءُ والأولياء.
فهم أحبّوك
لأنّكَ أرسلتهم بمعجزاتِ النارِ والنور.
أما أنا فأحببتك
لأنّكَ أوّلي وآخري
وظاهري وباطني،
لأنّكَ سقفي الوحيد الذي يقيني
من المطرِوالجوعِ والصواعق،
من الوحشةِ وانزلاقِ الأرضِ والذاكرة.
ولأنّكَ الوحيد الذي يستمع
إلى دموعي كلّ ليلة
دون أن يتعب
من أنين حرفي
وتوسّلِ نقطتي!”
هوامش :
Michel Eugène Chevreul, René-Henri Digeon, Des couleurs et de leurs applications aux arts industriels à l’aide des cercles chromatiques, Paris, J.B Baillières et Fils, Libraires de l’Acadèmie Imperiale de Médecine,1864. P.15.
أديب كمال الدّين، “أنثى المعنى” من ديوان أخبار المعنى، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد 1996، ص 21.
أديب كمال الدّين، “الغراب والحمامة”، من ديوان الحرف والغراب، منشورات الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، لبنان 2013، ص 9.
أديب كمال الدّين، “الغراب والحمامة”، من ديوان الحرف والغراب، منشورات الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، لبنان 2013، ص 9.
أديب كمال الدّين، “قصيدتي الأزلية” من ديوان شجرة الحروف، دار أزمنة للنشر والتوزيع، عمّان، الأردن 2007، ص 19
القصيدة نفسها.
أديب كمال الدّين، “شجرة وحيدة”، من ديوان ما قبل الحرف .. ما بعد النقطة، دار أزمنة للنشر والتوزيع، عمّان، الأردن 2006، ص 5
أديب كمال الدّين، “الغراب” من ديوان حاء، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، عمّان- بيروت 2002، ص 121.
أديب كمال الدّين، “قصيدتان”، من ديوان أقول الحرف وأعني أصابعي، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت 2011، ص 52
أديب كمال الدّين، “موقف الظلام”، من ديوان مواقف الألف، الدار العربية للعلوم ناشرون- بيروت، لبنان2012 ، ص21.
أديب كمال الدّين، “ألوان” من ديوان ما قبل الحرف .. ما بعد النقطة، دار أزمنة للنشر والتوزيع، عمّان الأردن 2006، ص 131.
أديب كمال الدّين، “موقف البياض” من ديوان مواقف الألف، الدار العربية للعلوم ناشرون- بيروت، لبنان 2011، ص 76.
أديب كمال الدّين، “موقف الظلام” من ديوان مواقف الألف، الدار العربية للعلوم ناشرون- بيروت، لبنان 2012، ص 21.
أديب كمال الدّين، “ملك الحروف” من ديوان حاء، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، عمّان، بيروت 2002، ص16.
سورة طه، آية ، 25/26.
مقطع من قصيدة “خطاب الألف” من ديوان نون، بغداد، مطبعة الجاحظ 1993، ص 57.
أديب كمال الدّين، “بطاقة تهنئة”، من ديوان الحرف والغراب، منشورات الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، لبنان 2013، ص 35.
أديب كمال الدّين، “انسلال” من ديوان أقول الحرف وأعني أصابعي، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت 2011، ص 42.
أديب كمال الدّين، “موقف البيت” من ديوان مواقف الألف، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت 2012، ص 91.
أديب كمال الدّين، “محاولة في دم النقطة”، من ديوان النقطة، صدرت بطبعتين : (الأولى 1999) – بغداد (الطبعة الثانية 2001) – المؤسسة العربية للدراسات والنشر- عمّان، بيروت، ص 17.
أديب كمال الدّين، ” قال الحرف: ما معنى النقطة؟”، من ديوان الحرف والغراب، منشورات الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، لبنان 2013، ص 75.
أديب كمال الدّين، “محاولة في القهقهة”، من ديوان النقطة، صدرت بطبعتين: (الأولى 1999) – بغداد (الطبعة الثانية 2001) – المؤسسة العربية للدراسات والنشر، عمّان، بيروت، ص 80.
أديب كمال الدّين، “غزل على طريقة فان كوخ”، من ديوان حاء، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، عمّان، بيروت 2002 ص 98.
أديب كمال الدّين، “ذات ربيع”، من ديوان أربعون قصيدة عن الحرف، دار أزمنة للنشر والتوزيع، عمّان، الأردن 2009، ص 93.
أديب كمال الدّين، “مثلثات”، من ديوان الحرف والغراب، منشورات الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، لبنان 2013، ص 12.
د. صالح الرزوق، “كيف نفهم التكرار في شعر أديب كمال الدّين؟”، مواقع صوت الحرية والنور والمثقف 1- 11 – 2012
قد يتساءل القارئ عن كيف تم التوصل إلى أن شكل مائدة الخوف دائريا، والجواب هو كالتالي:
ـ من الناحية الرياضية، يمكن رسم المثلثات كما ذكرها الشاعر في نصه دون دائرة، وحينما سيكتمل الشكل ستجد أن الدائرة تشكلت من تلقاء نفسها، يكفيك فقط للتأكد من ذلك الوصل بين رؤوس المثلثات الأربعة.
ـ أما من الناحية اللغوية، فإن ابن منظور يقول في لسان العرب، أن المائدة لا تسمى كذلك حتى يكون عليها طعام، وإلا فإنها خوان. ويقول أيضا بأن المائدة هي: الدائرة من الأرض.
أديب كمال الدّين، “موقف الكلام”، من ديوان مواقف الألف، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، لبنان 2012، ص 38.