إستذكارات عن إختيار المحترفين للممثل الناشيء
1-2
إشارة : أي ريح ذكريات عاتية أثارتها رسالة المبدع مؤيد البصام !! هذا الذي كان – ومايزال- أيام ملتقى الجماهير – المقهى الخانقة المزرية بأثاثها الكبيرة بأناسها المثقفين الرائعين – علما في الإخلاص لوجه الثقافة وللسلوك الراقي الخالي من العقد . وفي الولاء للعراق العظيم .. تشرف إدارة الموقع بنشر مقالة العزيز مؤيد وتتمنى عليه المواصلة وإعادة ذكرى الأيام الرائعة.
——————————————–
في جمعية الطليعة ، التي كان يأخذني إليها أخي تعرفت علي الفنانين طعمة التميمي ، الذي كان وقتها في مدينة العمارة ، وزاهر الفهد ، وماهود احمد وصبيح عبود ومنعم مسافر وغيرهم ، وفيهم عرفت الفنان الرائد المرحوم عيسي عبد الكريم ، رئيس الجمعية ، وعندما اقامت الجمعية معرضها السنوي كعادتها كل سنة في عام 1957-1958 ، اشتركت ضمن جناح اخي ، إذ اقيم في دائرة صحة اللواء في شارع دجلة مقابل سينما الخيام ، ايام عيد الفطر، وفي تلك السنين كانت تقام المعارض ويعرض فيها كل اجناس واشكال الفنون بلا استثناء وحتي المخترعات ، واذكر ان استاذا عرض نماذج مجسمة لاجهزة الجسم وكيف تعمل ، ولا انسي نموذجا مجسما لجهاز المثانة ، حيث كانت تتحرك السوائل داخل الانابيب ، فيتحول اللون الاحمر الذي يرمز إلي الدم إلي اللون الابيض بعد ان يمر بالمثانة ، وكلما كانوا يشغلونه ، وكنت انظر إليه بدهشة وتعجب ، وكانت هذه النماذج الاقرب لجناح معروضات اخي ، حيث كنت انتصب واقفا ، وقلما جلست علي الكرسي الذي وضعوه لي ولا اغادر المكان بتاتا الا للضرورة القصوي فقد تسمرت قدماي في المكان منذ اشاروا لي علي مكان وقوفي وجلوسي في المعرض ، وعلي صدري شريط احمر يشير إلي كوني عضوا في المعرض ، وكان زملائي من طلاب مدرسة النبراس الابتدائية والتي كانت وقتها تقع في الشارع الذي فيه التوراة اليهودي (الكنيست) ، وهي مقابلة له ، وهوالشارع الموازي لشارع المعارف ، وتبعد مدرستي عن عيادة الدكتور داود كباية (طبيب الفقراء بلا منازع)ببيتين أوثلاث ، ومن عادات ادارات المدارس في ذلك الزمن تشجيع الطلاب علي ارتياد المعارض والمسارح والاشتراك فيها لهذا يحضر مدرسينا ، ويصطحبون تلامذتهم وطلابهم لمثل هذه التظاهرات الفنية أوالعروض المسرحية التي تقام بين اونة وأخري ، وفي نهاية كل سنة دراسية تتنافس المدارس ، أيُّهم قدمت اعمالا افضل وخصوصا طلبة الصفين الخامس والسادس الابتدائي وطلبة الثانوية ، وكانت لنا نحن التلاميذ والطلاب مثل هذه المشاهدات ، اعياداً وافراحاً لا توصف ، نستمر بالحديث عنها بيننا ولأصدقائنا ولاهلنا بضعة ايام ، وتشكل عاملا وحافزا ، لتثوير طاقات التلاميذ والطلاب نحوالإبداع والمثابرة للوصول إلي ما وصل إليه زملاؤه ، وبها تحققت قفزات رائعة علي صعيد الفن والادب وباقي العلوم من جراء هذه الفعاليات التي تشحن روح المنافسة العلمية بين الطلبة ، وتوجد لهم سدا للفراغ .
.فكان وجودي في المعرض محل فخري واعتزازي وانتشاء ما بعده انتشاء ، فهم لا يستطيعون انكار اني رسام ، لان مدرس الرسم كان دائما ما يعلق رسوماتي علي اللوحة باعتزاز ، وبعد ثورة 14 تموز 1958 ، كنت ارسم صورة المرحوم الرئيس جمال عبد الناصر ، اثناء الاحتفالات في حارتنا (بيوت عبد اللطيف العاني)أوفي المدرسة ، إذ لم تكن في بداية الثورة صور للقيادات العراقية ، فكانت صور الرئيس جمال عبد الناصر تغطي الساحات والشوارع رمزا للتحرر ، ولهذا كان زملائي يشاكسونني باعمالي النحتية علي قلتها وفقرها من الناحية التقنية والفنية ، ولكن كل هذه المشاكسات لم تكن تهمني امام عظمة وقفتي والناس تمر امامي ، وعيون النساء والفتيات وطالبات المدارس ترمقني بعيون الاعجاب ، وانا محط هذا الاعجاب ، فاغض الطرف خجلا ، ووجيب قلبي يتسارع والحرارة تشتعل في داخلي ، من هذا الموقع الاسطوري الفخم ، جاء المرحوم الفنان زاهر الفهد (زيارة مهاوي فهد)واقتلعني وقال لي : تعال يريدونك.. (كان رحمه الله شخصية لطيفة محببة ، فذة ، بسيطة ، مرحة نذر نفسه وحياته ومستقبله للفن ، يحمل طيبة فلاح جنوبي علي حافات الاهوار ، صوته فيه رنة وكأنه يريد ان يخرج مع قلبه ، نحيف ولم ار منذ الوهلة الاولي حتي فارقنا الا علي هذه الهيئة ، جنوبي يحمل كل طيبة اهل العراق)سحبني من يدي وهويسير مسرعاالي خلف القاعة عند الممر الذي يشرف علي الحديقة الخلفية التي تقع علي ساحل نهر دجلة ، ووجدت الفنانين عيسي عبد الكريم وطعمه التميمي وآخرين لا اذكر اسميهما قال زاهر :هذا هو. احدهم حفظني بيتين من الشعر ، كانا مألوفين لي لانهما من الاشعار التي حفظناها في درس النصوص ، وبعد ان حفظتهما قال المرحوم طعمة : اقرأهما بنبرة حزينة : وبعدها قال : اقرأهما بنبرة فيها فرح .. ثم عقب المرحوم عيسي الان قراءة عادية كما تقرأهما في المدرسة .. وعندما انتهيت ، احتضنني زاهر وقال : الم اقل لكم وجدناه.
ثم قالوا لي : استعد لتمثيل الدور في مسرحية الجمعية القادمة . وقد عرفت لاحقا ان صديقي باسم العرس ، الذي كان نجم مسرح جمعية الطليعة ، والذي ابدع وخلب الالباب وهز المشاعر في مسرحية (اغنية التَمْ)كان يبدي احيانا بعض التمرد والكبرياء ، ويفرض شروطا علي الجمعية ، فارادت الجمعية ان تقول له (لست وحدك في الساحة).. ولهذا سعوا لايجاد البديل أوالمنافس ولم اكن اعرف بما يدور ، إذ ان باسم العرس صديقي وزميلي في المدرسة ، وكان من العقليات التي توصف بالعبقرية منذ الصغر ، إضافة إلي ما يتمتع به من صفة وراثية في آل العرس ، وهي الوسامة رجالا ونساء ،وكنا نشكل مجموعة من ثلاثة طلبة في مدرسة النبراس ، اطلق علينا أستاذ اللغة الإنكليزية (إسماعيل) (العباقرة الشياطين)وكنت ازور باسم في محل عمه أوخاله في السوق الكبير وذكر لي صديقي الدكتور علي الساعدي الذي ترك مدينة العمارة علي اثر الاضطرابات والتظاهرات ، والتي قاد فيها اضراب عام1951 ، إذ بدأت السلطات بمضايقتهم وخاصة لابيه الشيخ حسين الشيوعي المعمم ، وقد اغتيل بعد ذلك في السجن ، قامت علي اثرها قلاقل كثيرة.