إنّ المادة الشعرية تمنح الخيال الإنساني مساحة واسعة وتؤهل النظرة الشمولية إلى حد يفوق إمكانات وحدود الواقع الإنساني، حيث يناجي الشاعر القمر بوصفه حبيباً، وقد أتاح ذلك السياق المبني على التطرف الذي يؤهله الشعر إلى حيز الواقع من أن يجعل الشعر بحسب تعريفات البعض مادة أدبية بوظيفة ومهمة محددة، فمثلاً يرى هاوسمان في رأي فيه لغة أدبية بأن مهمة الشعر هي تنسيق أحزان العالم، في حين هناك وظائف أخرى للشعر تقلص وظيفة دوره في التنسيق، فأن قدرته على الاستعارة إلى حد يحل الوهم بدل حقيقة الاكتشاف المستمر، حيث نظام الاستعارة يجعل الصورة الشعرية لا محدودة بالنسبة إلى أي مستوى يتطلبه إحساس الشاعر، وهناك أيضاً صفات ومعانٍ لا يمكن لغير الشعر من أن يبرهن عليها لافتقار تلك الصفات برهاناً في الحيز الاجتماعي، ومن الطبيعي هنا أن يقصي الشعر كل مالا يرتبط به ويجرده من شكله ويلغي دوره، وفي ديوان “بيتنا” للشاعرة ريم قيس كبة نلمس من أولى القصائد ليس فقط تنسيق أحزان وطن، بل يكون الهم الشعري مضموناً لتلك الأحزان، وبالطبع فإن أفق الشعر أوسع من أفق الواقع على مستوى الحس الأدبي العميق الذي يتمثل به الشعر، والشاعرة سعت إلى تكنيك يخرج شكل البناء من السائد والمتعارف عليه، حيث هناك عنوان إشارته واسعة الإيحاء، ومن ثم تكون العناوين الثانوية المحددة الإيحاء تقريباً متوالية تسلسلياً، ومتشابهة الشكل في الكيان الشعري للقصيدة، إلا قصيدة ( رسائل قصيرة من مدينة مفخخة) من القصيدة الأولى، إذ أرادت أن تبرهن على وجود قوة شعرية من جهة بعد التكنيك، وأرادت أن يستوعب الشعر آفاق الهم الإنساني عبر أبعاد عدة من جهة أخرى، وتقول في القصيدة التي حملت اسم عنوان
الديوان ذاته، بتعبير شعري يزيح البعد الأيدلوجي ويتيح للبعد الإنساني التبدي من خلاله، وتبدأ استهلال قصيدتها بعتبة استدلالية .
ريم قيس كبة في بيتنا…هموم وطن شعريّ
تعليقات الفيسبوك