إذا لم أتكلم أنا
فمن؟
و إذا لم أتكلم الآن
فمتى؟
وليم شكسبير
لا تنظر فالعالم على وشك أن يتحطم
لا تنظر..
فالعالم على وشك أن يتخلص من كل نوره وبهائه
ليحشرنا في حفر عتمته الخانقة
حيث نقتل أو نُقتل أو نرقص أو نبكى
ثم نصرخ كالفئران ونحن نتفاوض على سعر لبداية جديدة
هارولد بنتر
للأعور عين واحدة, ومع هذا فإنه يبكي!
مثل غجري
بعد سبعة آلاف عام اكتشفت بأنني مازلت أنتمي الى تلك الأرض، وباستمرار!
طارق حربي
1-
الصعود
هل كنت سأبالي لو أن همسا داخل روحي أو خارجها قد جعلني أظن بأن وضح النهار هو مايفسر سباحة الكائنات الله تحت جنــح الظلام في ملكوت الله؟؟ لا شيء يمكنه أسر تمزقي ضمن فرضية كهذه, ولا حتى تلك الفوانيس المتمايلة.. شؤما؟ إحتجاجا؟!! لا أدري.. غير أن المفاجآت نفسها التي كانت ستبهر عيني وتأكل كبدي في الوقت ذاته.. أعرف أنها ظلت ورائي كضوء آخر يعبر, يمتد كموج يغمر زوايا غرفتي, منكسرا مع لون الزجاج الشفاف.. كلما نازعتها تُصِّر تلك الإشارات الوامضة, النبؤات على أفواه الناس, أو ما يمنحونه إسما كهذا: تغزوني رغم مقاومتي ورفضي للإنصياع لها. من كان قربي يشخرون.. أي نعمة!! أجل لن أنسى موسيقى تلك الأصوات وإن بدت لي أحيانا لزجة, وبلا رحمة حيال إنصات الله لحفيف الأشجار, لسمفونية الأفلاك التي تطوف حول نفسها, وكأنه من عليائه المنزَّهة يشفق عليها, يكافئها ليخلد العالم إلى السكون, يدعها تستريح ويغسل أدرانها من لغط اللغات, أو رطين حكاياتها القاسية, هي بالذات كم تسحرني صورة الكون وهو الذي لم تأخذه سنة ولا نوم!!
متابعا إنصاته الطويل طارقا باب خلوتي المفضـوحة بسلالم النشيج.. يومها كنت أواصل الليل بالصلاة, تزملنـي عينان شرهتان في احتساء المزيد من الملح المذاب..
أين أمضي؟ وإلى أين أفر؟ والزوايا تشيع انتهائي في قاع الكؤوس المذابـة! لتعيدني مجددا في نافورة تشربُني! أنحدر من فتحة مرتبكة صنعتها أصابـعي المرتجفة, أنحدر من شتاء ظمىء للمطر, أنحدر وأنحدر للأعلى ! أفنى في الله والوجود يدثرني..
لا لغة أكبر من الدموع, ولا اتساع مثل الزوايا الرطبة, أنعصر في جدران روحي, تعجنني أنامل الفجر, وتخلطني بعظام صدري الرقيقة, تُسجِّر بي التنور, فأستوي رغيفا منتفشا.. ليس من أجلي فقط بل من أجل خروفين وديعين يتقلبان على صوف ينعم بسخونته, لا بل قل ثلاثة خراف وديعة, وتلك المراعي التي لربما ستسقط من سرير المرمر على مرج يذوي وحيدا فتكنسه لسعة الريح الباردة..
لم يكن لائقا أن أترك الملائكة تقف خارج الباب, أصبحت مستعدة لمصافحتـها والجلوس معها على بساط أحمدي, كل شيء مهيَّأ والكون قد غفا, إنائي النحاسي نصفه ماء ونصفه سنابل صفراء, مزهرية ملغومة بحب إلهي شفيف, صوت انسيابه يوقظ شهوة الزهور للرحيق المختوم.. فما تلبث حتى تستريــح على أطرافي اللزجة.. يمتد حصيري اليابس كبستان أخضر, جالســة أمام القبلة, تتوسطه تربة طاهرة, وجهي مبلل, رموشي مسبلة, وروحي قيثار حزين, ففي مخدعي السماوي, أمارس ضجيجي المدهون ببحتي وبحرية جناحين يسدان أفق مفتوح, ألبِّي كل ما يتمناه المعدوم من الحياة قبل ساعة..
برائحة –مسك الحضرة- وماء الورد- الورد المحمدي- أعتق لفافتي البيضاء, أشدهـا على رأسي, فيشتد حصار الأفكار, أسبغها على جسدي المتورم بالماء, شيء ما يخفق سريعا, أقبض عليه وأنفث مبتسمة للقدر: أيها المجنون, هيا تشجع…. لا تخف! أفتح جناحي, كتفاي ثقيلتان, أعاود الكرة, تشجعني الملائــكة, أقبض وأبسط .. أقبض وأبسط.. أقبض, وأبسط..حتى طرنا سويا, مودعة إياي صوب الروضة الحيدريّة, ذلك المكـان الذي سأمر عليه في السماء الأولى لألقي على ساكنه السلام ..
هناك..ابتسمت لفتاة جميلة, فقفزت روحي وتدافعت نحوها, أبحث عنــها في زحمة الزائرين,أضلاع ناحلة وأقدام باردة كادت ستسحقني لكني مضيت أتشبث بالأهداب والريح تصفر داخلي ووسط الأفواج الرهيبة, سقطت مني تذكرة لمقعد قريب لصق السماء, يا للوجوه الكاذبة, لم تكن سوى طيف عبر مع الآخرين ثم خرج من ثقب ساه ثم عاد إليه..
نكست رأسي وأنا أصفع سهوي أيضا: إنها ليست ضِفافًا!
لم ألبث حتى غادرتُني فارتخت أجنحتي وتبدد ريشها في يباب السراب, الطيور هي الأخرى تركتني قافلة بسربها الجميل نحو الأفق البعيــد وبقيت مع ظلي كندَّين عنيدين لا يصران إلا على المشي خلف فم فراشة تبتلع النور..
حملت نفسي على الإنبطاح, أتأمل السقف الذي عشعشت فيه عنكبوت عجـوز, يبدو أنها الأخرى تعيش فصلا من النفي والمجاعة والملل.. لقد نسيت الصيـد وابتسمت للموت القادم..
هل أدعوها لنزهة على قاربي الخاص؟
وأشتري لها صحفًا وسجائر؟
أم أتركها ككرسي مكسور انزوى في مقهى مهجور بصحبة صحن حســاء ناشف؟
الغريب أنها مشت قليلا نحو الأسفل وكأنها تسمعني ثم عادت لبيتها المتهـالك..
ابتسمت مرة أخرى.. فرقصت الظلال التي تركه الفانوس يتربع الجدران بهيبة شيخ وقور بلحية بيضاء, ابتسمت لذكاء تلك العنكبوت, لقد عاشت كما تشتهي وستموت كما اشتهت.
مرت ساعة وأنا أبحلق فيها وفي السقف, حتى سقطت يابسة في حضني, لم أصرخ أو أتفاجأ, قلبتها في كفي الصغيرة, كم هي وديعة وبريئة…
إذا لماذا يخاف منها الآخرون؟
فكرت بأن أنفخها في الهواء البارد, فتحت النافذة, أبصرت وجه المدينة: ليـلا مدعوكا بالأسى, حواجز كونكريتية, دبابات وبنادق, رجال ملثمــون لا تفرق بينهم وبين قطاع الطرق؟! خفت عليها من تجهم الشباك! صعدت إلى السطـح وأنا أصب عليها من إبريق الأغاني التي ينشدها نهري الثالث.. هناك تركتـها تشرع في فصل جديد ربما يكون أكثر سعادة,تركتها للشمس التي ستشرق غدا مشيعة إياها بمزيد من الجفاف لتنتهي كما أرادت من الله..
عدت للنافذة مرة أخرى, بي رغبة للنهر البعيد, لصمت الليل, والوحدة, أصلب أنفاسي عليها لأسمع أغاني الملكوت الآخر.. وأنتهـي لأيام تتشابه معهـا كل الاحتمالات..
*********
ولأن الظلم يشوه القلوب بثقوبه العميقة فهو لا يتماثل للشفاء بمجرد رقعه.. إنه ليس كالذكريات المنسية و التي تعود يوما ما كالطيور المهاجرة..
لقد انتزعني من حلمي فأفرغ الماء الذي كان يرتوي منه جسدي ورمـاه في أقرب صنبور صدئ ليتوضأ منه المفسدون في الأرض واللذيـن يجوبــون الطرقات بأقنعتهم السوداء المثقوبة وبرائحة آباطهم النتنة,مفرغين أوعية قلوبهم من الرحمة والإنسانية, وحين يرهقهم زفر نفوسهم المنخورة, يعودون ليمسحوا بقايا فضلاتهم بأشلاء الأجساد الطاهرة, الظلم وهؤلاء العراة اختاروا – تفاحة الله – بأن تكون مسرحا لديدانهم الناخرة وجسدا طريا غضا تضع فيه بيضهـا الفاسد لتورث فيه عفن الحروب ومفردات الموت لشعب يسبى بشهوة اللعنات, والتي لا تؤول جهدا في طرده من نعيمه.. من كنوز بابل وعشتار وأنهار الجنة الفيضية, إيــــــــــه .. جبارون نحن قوم جبارون, أصحاب امتياز في خلود الذاكرة ومومياء جزار وفيّ, نحن الشعب المسكين الذي سيدخل الجنة أولا, ربما قبل كل الشعوب بل قبل الأمم المظلومة جمعاء!!
احتضنت روحي التي كانت في ضيافة الأخدود! سقطت دمعتــي الأولى على خدي, تذكرت تشردنا في الموت وضياعنا فيه, ثم ما لبث أن أنعشني بصيـص أمل وحيد, يفرقنا ثم يجمعنا في لقاء متكرر حتى قيام الساعة, لقاء يحتضنه فلك شاسع تسبح فيه أرواح ليلكية لا تعرف صوت الانفجارات ولا دقـات القلـب المرتبك!
أحسست بهجوم الضوء الخجل, أمر غريب بأن تعود الفوانيس لتشتعل راقصة خلف هزيم المطر!! دموعي تستمر في الهبـوط من خشيــة الله, من طلب رضوانه ورحمته, متوسلة بشفاعة نبيه, وأوصيائه, وأوليائه..
من جديد
خجلَت منه مرة أخرى فاستترت خلف أشجار الكلام والذي بدأ في النزول إلى رغباتي في المناجاة, والحديث الطويل, لم ألزم الصمت طويلا.. ها أنا ذا أدور ثانية في ذكرى الأمس, تطحنني حَبا مجروشا.. تلك حكايات لن يستطيع الفأس أن يكسرها, لكنها حتما ستبكي وتنكسر أمام ما حدث نهاية الأسبوع في كنيـسة الرسولين.
يومها كنت برفقة أعز صديقين لدي (سارة تومي) و(يوحنا حبيب) اجتمعا في منزلي قبل زواجهما بستة أشهر. كان اتفاقهما على الزواج بمثابة انتصار علني ورغبة منهما في تحدي شروط كلا العائلتين في التأني والتريث وذلك لتأجيـل الزواج للعام المقبل, أملا في الحصول على ترتيبات -سفر-هجرة- لجوء- إلى تركيا والذي ربما سيكون طويلا سعيا في الهروب من كل يوم يفاجئـك بأمنه الوقتي وبمسراته الفقاعية!
ولأنهما على وشكك الفرح فهما على وشك قوسين يشتبكان.. كغصنين صغيرين طازجين ولدا للتو من شجرة ميلاد عملاقة أو سقطــا إثر اهتزاز نخلة تشبثت بالأرض. بيد أن التهديد ذاته هو أصدق مما تقوله الحرب: إما أن تكون معـي وإما أن تقتل!!
لأننا الأبرياء دائما, المسالمون كوجه فلاح جنوبي. لأننا الكائنات التي عاشت مع الغزلان في براري جلجامش وسبحت وغاصت فصارت صديـقة للأسماك والجواميس السعيدة في جنات عدن الطافية. فنحن لا نظن في المطـر إلا فأل خير ولا نتوقع احتمال سقوطه على حجر أملس دون أن يصحو عشب أخضر تدغدغه أشعة شمس دافئة, دافعين فأل التواء حية خبيثة تراوغ شهوة اقتضام العشب..
انقبض قلبي قليلا, حتى غدا كعجينة رقيقة في يد طفل يلعب, سمعته كصفـارة إنذار تدوي فتهتز منها جدران الكنيسة التي بدت مشحونة بالصدى الـذي كان يرد خلف أناشيد جوقة يسيرة من المحتفلين, سمعت قرع نعاله وهي تمشي على الرخام البارد الملون, بأم نور الشمس في قلبي رأيته يمد يده على الصليــب الحزين الكبير فينزله من المنصة الرفيعة ويحطمـه, رأيته بأم عيني التي قال عنها أبي يوما:
إني توسمت فيك صفات الولية…. لكني خنت أبي حين تأخرت صرختي عنهم..
في لحظات كان قد انتهى كل شيء وكأن حرمة الأحلام الفسيـــحة طوقتنا فحملت نفسي معهم في سيارة الإسعاف ولمعان الخاتمين لا يزال يبرق أمامي متحدًا مع ضوء الإشارة الحمراء, آخذين قسطا من الراحة والإنصات فقط لأقسام العروسين وهما يتبادلان الخواتم الذهبية: باسم الأب و الابن وروح القدس أعطيك هذا الخاتم كرمز لحبناوإيماننا وأتعهد بأن يبقى قلبي وروحي لك, أطلب منك الآن أن تلبسي الخاتم كمذكر لأقســامنا التي تعاهدنا عليها وقلناها اليوم في يوم زفافنا, سأحبك, وسأتعلق بك, حتى يفرقنا الموت..
بعد ذلك, انتهت هدنة البلابل, سقط بيض العصافير على العشب, وبدأت حالة نفير جماعي لأجراس النذر التي قرعت السماء بشدة..
شيء ما يستحق أن تهتز له أعشاش العصافير بعد أن نسيتنا عـروش الأرض وهي بحوزة نحات ينقشها بطواويس الذهب.. نعم, فقد كنا حوالي عشر جثث, وعشرات الجرحى.. ثمة مخلوقات جميلة لا يمكن للقدر أن يخطئها فالشابان الوسيمان اللذين عبرا شارع الجامعة التكنولوجية, اختطفتهما سكرة الموت التي أخذت تشبر الشارع ذهابا وإيابا, ليقع الاختيار عليهما أولا وأقابلهما في مدخل مستشفى ابن النفيس, وهما ينسحبان من الحياة بكل هدوء, كعجوزين يفضلان ألا يرهقا أحد بنهايتهما, وحده كان حاضرا في مراسيم الجنازة, إنه النور الذي خرج من بؤبؤ بعيد ومعه لفظا آخر أنفاسهما الخفيضة….
في صباح قلق آخر, تلقيت اتصالا هاتفيا من صديقتي ( فاطمة) , حديثها يمر عبر الأسلاك كرعشة باردة, كانت كلماتها معدودة, تصُفُّها مرتبـة لكنها سرعان ما تسقط من نياط قلبها نيازك محرقة مثل لحظات صمت رهيب, كنا من حيث لا ندري نقطعه سويا بتلاوات مالحة..
أبلغتني بإحياء صلاة الجناز على أروح الشهداء, كما أن قُدَّاس إلهي ستشارك فيه راهبات من دير القديس روفائيل. فاجأتها بجوابي الذي كان حذرا:
أعتذر عن الحضور!
فأنا أنصت لصرخاتهم العميقة, كانوا فقط يريــدون من يساعدهم على الكلام والإصغاء.. لكن ألسنتهم يبست ويبسنا معهم..
فاطمة الأخرى يبست فبللتها أمطار المكان حين كانت تقف في القداس كنخلة تذرف القمر!
وفي منأى عن عالم تسبح فيه التراتيل المحمومة و المنسلة من حناجر الوجع دخلت للقداس من حيث لا يعلمون! من ثقب حفر بطرف جنـاح ملك كريم كان يقوم بمهمة جليلة ليرمم مسافة لا تفصل القبريــن إلا بطريـق يسمح للزهور أن تشق عبيرها منه.. ولجت كالضوء الراقص لأنتصب ساعة من الزمن واقفة بجوار فاطمة والتي تفوقني صفاء وبياضا.. دخلت بكل شجاعة ورهبة المكان تتوشحها توابيت صفت بعناية تامة وكأن على رؤوسها الطير طأطأت أكاليل الزهور ثم ابتسمت عنوة كعاشق هزِأ من نفسه ليــلة زفاف عشيقته,كنت قد ميزت توابيت صديقي بطولهما الفارع فجلست لصقهما دون أن يمنعني أحد, مررت أصابعي على الخشب الداكن, لامع وبارد وكأنــه رخام, ألصقت جبهتي على مقدمة الرأس, تحسست ريحها الطيبة فبـرزت الندوب مرة أخرى, مطببة إياها بحرائق جرت على صدري فاستنهضــت عزيمة الطيور المسجونة في صدري للبكاء..
لم أطلب من ( زوجي ) أكثر من خلوة معشوشبة أخلو بها مع نفسي فقط, لـم يتعود أن يرفض لي طلبا, رغم عصبيـته أحيانا إلا أنه كان حنونا جدا بل وأكثر من المفروض, كيف لا وهو سلالة الجذوع الرطبة! ثم إنها بضعـة شهور معدودة وأضع ( مولودي الثاني ) الذي طالما انتظرته لذا نزل عند رغبتي وحمل نفسه إلى جارنا الحاج عبد الرؤوف والذي كان يلقبه أهل المحلة بـ ( أبو خشم) لم أكن أعرف لماذا يلقبونه بذلك, ربما لأن العراقي يعرف من أنفه الطويل, وسمرته المحرقة المعجونة ولكن لماذا هو بالذات!
أخذا يمارسان طقوس كل العراقيين أوقات الفراغ -أحد إفرازات الحرب- الفراغ الذي أخذ يطول ويبعث على الملل. نشأ ذلك مع تسريح الكثير من موظفي الجيش والعسكرية..
الكثيرون ومنهم أبو خشم وزوجي أدمنا جو السطوح البغدادية.. رغم تكاثر البق والذباب إلا أنها صمدت في بث شيئا من الرطوبة والانتعاش, كــانت على الأقل متنفسا مجديا من حرارة البيوت والتي كانت تشتعل ما إن تعـود عمتنا الوقورة– الكهرباء-لعادتها الجديدة! وفي ظل أصدقاء أوفياء كالأرجيلة والطاولة النديمين اللذين لا ينقطعان, أخذ زوجي يدندن على عوده وأبو خشم يطربه بأغانيه الريفية, يشربان من الأرجيلة أنفاسا عميقة ولذيذة, ينفثونـها في استراحة العود في سماء مخططة بآثار الطائرات الأميركية والتي تسرح وتمرح في وطن تجريبي لكل الإخفاقات..( حلو)
في الحقيقة لم يكونا سوى محاربين يستخدمان عصيانهما المدني من على السطوح في مواجهة ما يسمى بمعركة الحرية والديمقراطية من أجل العراق إنهم يفرشون دروبهم نحو الجحيم بالنوايا الحسنة!!
الخلوة تحولت إلى دوامة لا تنقطع, ألوم نفسي وأوبخها, أتهمها بالحقـارة والتواطؤ, لمَ لم أصرخ مثلا, وأقول: أوقفوا الاحتفال, لنهرب جميعا, هناك انتحاري سيقتلنا, لمَ لم أمسك بيد العروسين وأخرج بهما من باب الطوارئ؟ حسن ماذا عن البقية؟ ربما سيلومونني أيضا, لأنني لا أملك سوى يد واحدة والتي مسحت بها دمعة فرحتي لحظة القران المقدس..
أمام هذا اللوم أتجمل, أتماثل القوة وأسأل ربي: هل لأننا شربنا كثيرا من دخان الحروب؟ دُخنا وتبلدنا في دوامة النهوض؟
هل أصابتنا الطائرات الأمريكية بداء الصمم, حين كانت تخترق حاجز الصوت في حروبها التي نسبتها للخليج الدافيء! لتقصفنا لتدوي الصفارات مجددا ولكن بعد برود الرماد؟
**********
شعرت برغبة البصق على حاستي السادسة والتي أُحسد عليها, فبصقــت على شمالي ثم شمرت للخروج من مخدعي مبكرا فذاك يدفعنــي لكسب المزيد من الوقت لأقوم مثلا بتحضير قوزي لحم وعشر دجاجات محشية وقدر كبيـر من الدولمة لأبعث به إلى مجلس عزاء, كان في غنى عن دسم الولائم لـولا جشع المصائب! لذا تبرعت بوقتي لنفسي, رميت بسكيني التي كدت أسنها ببلاطــة نظيفة وسننت أطراف قلبي لمناجاة ناعمة, كنت باختصار شديد, أعيد تلاوتـي في سجود طويل, أرتب أمنياتي حسب الأولوية, لعلنـي أكون أقرب فيستجيب, فهذه المرة أعتزم جادة المسير إلى كربلاء, لقد مضت وولت سنوات الحرمان والاستبداد.. وحلت مكانه الأمنيات المستطاعة!! لم يعد يهمني التواء النهــار وتخفيه تحت نقاب كافر, فقد سقط القناع وكشر عن أنيابه وبقي الشجــاع من يحاول التبضع من سوق الشورجة مفاصلا بائعة الثلج من تحت السقيفة الخاوية معصمي يؤلمني وبطني يستجيب له فيصيح هو الآخر:آآآآه, أبصق على الأرض: أنت الآخر لم تعد تهمني, كما أني لست في حاجة للضغط عليك ساعة الولادة, سأضغط على روحي وسأرمي بحملي على الله, سيعطيني القوة ما دمت وصلت سليمة للشهر الخامس وذراعي المبتورة؟ لقد تخلت عني أفلا أتخلى عنها!
كنت فقط أفكر في نهاية خضراء تحاصرني في منامي منذ ثلاثة أشهر, أدمنت التفكير فيها, كنت معها أنام وأصحو, آكل وأشرب, أمارس كل طقوسي اليومية بإخلاص وتفانٍ, أنهض مع صوت الآذان الندي, فأسرع في إيقاظ زوجي, أحيانا نقع في خلاف بسبب نومي المتأخر, وتراكم المسؤوليات على صغيرتي ضفاف, ولأنها تشبه دجلة الخير, فهي تتحمل كل ما يلقى عليها, إنها مثل خالها عادل, تواصل الساعات الثلاث, وهي غارقة في القراءة, مصغية لصوت مبحوح سكري, ينبعث من مذياع يخصها, ضفتاها غابة من نخيل, ومرساتها لا تهدأ إلا في ساعة متأخرة من الليل, لذا كانت جريئة شجاعة, ومرهفة الحس معا, منقذة اضطرارية, وطبيبة عاطفية شهمة إذا ما علت أصواتنا المشحونة, وتسربت إلى جدران الجيران القريبة.. لذا تجدها تسرع إلى المطبخ, تسخن الحليب الطازج, تحمله إلى دار جدها المريض, تسقيه بعد أن تطعمه سبع تمرات بصراوية من النوع البرحي الشهي, في حين أتوسل إليه بكل ما أحفظه من كلمات أمي الرجائية! بأن يسامح تقصيري مع عمي ليطلق سراح أسفي بعد ذلك, فأكمل مهامي الصباحية بأريحية, أصعد إلى غرفته, أحمل صينية إفطاره,أطببه وأعطيه أدويته, أدهن صلعته المزينة ببعض الشيب المتهالك, وبعد أن أشد عليها بعمامته السوداء, أقبل رأسه, وأغادره نحو بقية أعمالي, رادفا إياي بأدعيته الصادقة.
وفي لحظة يتحول البيت إلى سكون روتيني, ضفاف تذهب إلى مدرستها برفقة والدها الذي يسعى كل يوم إلى عمله في محطة بنزين حي عدن, مما يبرر عودته المتأخرة وهو يهذي بقصص الباعة المتجولين بقناني الغاز والنفط الأبيض, والذي ما كان يقايضهم على السعر حتى يسبر ماضيهم التالف.. يعود إلي برائحة الزيت الخانقة, بيدين سوداوتين, وببذلته التي أنقعها مرة كل أسبوع في صابون سائل رخيص, وأخلاط من بقايا ليمون متعفن, وخل, ومحاليل متراكمة..
رغم كل هذا العفن, إلا إننا نغرق في حضن تدفئه دمعتان ثمينتان, تصران على البقاء الذي نمني به أنفسنا ونلهيه بـ (لهاية) المستقبل!
ضفاف كانت تراقب كل شيء من خلف نافذة حجرتها, كنت أعرف ذلك وأصر على إعلانه!
إنه يجرب أن يعوضنا نعيم العيش الذي فقدناه تدريجيا, ليدرء عنا ما يستر سواد الأيام إن هي خانتنا في حروب ربما تتعاقب علينا, من يعرف؟ مادام هناك من يحكمنا من على دبابة مستأجرة..
********
أعود آفلة إلى جنتي, أتقلب مجددا على رائحة الزحف إلى أبي عبد الله, فأستسلم مرة أخرى للنبؤات التي لم أكن لأخبر بها أحدا, لولا هذه الحشاشة التي تأكل من قلبي, ترفسني بقوة, كلما سمعت صوت بكائي يرتجف في جوف بغداد وهي تحترق بلا هوادة, دون أن تبالي بالسماء التي تلونت من القصف الذي احتفل بتجاربه الأولى علينا!
تقضمني شهوة الوداع, فتأكل مني احتضار طويل, كبرتقالة تصارع خروجها من زهرة صغيرة, وتواصل صراعها مع أول عصرة بين يدي فكهاني بدين, ومع أول قطرة, هاتفت جارتي أم شنيشل من هاتف الجزار الذي يصف في رصيف محلتنا, بعد أن قطعت بعض خطوط بيوت المحلة, طلبت منها أن أجتمع بـ (الجوارين) قبل أن أسافر إلى كربلاء, كنت فقط أفكر بإنهاء هذا الإحتضار, هذا القلق الكثيف وبأسرع وقت ممكن.
يلتفت إلي الجزار مبتسما وكأنه يغطي اعتذاره مني في عدم الإطالة بالهاتف, ما إن أضع السماعة جانبا, حتى يمسك بأذني صوت السكاكين المسنونة, قابضا إياها ليفتحهما بقوة, أصغي إليها وأنا أعض بنواجذي على ذراعي الوحيدة لأهرب بها من هذا الضجيج الذي لابد منه.. لم تكن تلك الأيدي المعلقة, والأرجل المتدلية, والرؤوس المحشورة في كيس أسود, والمكائن التي تفرم وتخلط, وتكبكب سوى عصارة جهنمية لذكرى تليدة, إنها تعصر على أديم كبدي المزيد من الألم, يذكرني صوت الفرامات بذراعي المبتورة, والتي عثر عليها أحد الباعة في الصباح الباكر, وهو يكنس واجهة محله في كرادة مريم, يومها بقيت عنده في ثلاجة دكانه, بعد أن لفها بشاش أبيض, ومن حسن الحظ أن شاهد عيان, سجل بعض أسماء وعناوين المصابين في حادث الانفجار, مما تسنى التعرف عليّ في وقت قياسي, بيد أن القمامة كانت أسرع إليها, حيث لا تُضيع الحروب وقتها في الاحتفاظ بنوافل الأجساد المشظاة..
آآآه على جبروتها إنها أقوى من أختها النابتة من جذعي الأيمن, إنها تشد على يدي أكثر, وتطلب مني تأجيل السفر, فثمة مخاوف, وخروقات أمنية ما تزال تجهض مشروع الوطن الجديد..
**********
غالبا ما تلجأ جارتي -أم شنيشل- إلى صناعة ألوان الفرح وسط غيمة الحزن, فتحوله إلى قوس قزح مطرز بهدب السماء.. لم تألو جهدا في استقبالي, كانت مدركة بأنها تودع قمرا ربما لا يعود..
أحببتها كثيرا رغم فارق السن بيننا, فهي تذكرني دائما بأمي-رسميَّة- تذكرني بوهج عيون الجنوبيات السمر, وبحدة أنوفهن التي لا تنكسر, تكتنز أنوثتها في كل مكان, عيناها مدينة سرية تخفي أسرارها, تحرسها سحرة الليل المدججون بالنعاس اليقظ حين تكنس الرموش النيازك الضالة, أما فمها فهو كخاتم سليمان, ما إن تزمهُ حتى يتورد مرة أخرى, وتندلق منه أباريق الرحيق.. ولأن سألت عن وجنتيها فدراقتان ناضجتان تنازع القطن في بساتينه ونزولا عند رغبة سارقي الدفء, تفتح نهديها الجبلين واللذان يشقهما وادٍ تجري فيه الأنهار السبعة, وتسكن إليه الرؤوس الثقيلة المتعبة لتسافر بهم حيث ينشدون الراحة والأمان, كتفاها كجناحين عظيمين يسدان أفق التشرد.. كم هي ملاذ آمن يغمرني بالدفء صيفا وشتاء, سلما وحربا, فما إن التصق بها, حتى تبعث في نفسي ريحا طيبا تستعيره من ورود حديقتها..
أراقبها بنصف ابتسامة, وهي تمشي متبخترة في مملكتها رافعة ثوبها الحريري الفضفاض فينكشفان عن ساقين ممتلئتين, ممردة بقوارير خلاخيلها الذهبية..
أتخيلها كالخيزران- أم الهادي والرشيد- وهي تتنقل في دروب بغداد, في موكب عظيم من الغلمان المزينة, والخيل المحلاة, والمطهمة بالديباج, سائرين بها إلى مراكب ترسوا على دجلة, لتعبر إلى ضفة أخرى متبضعة من أسواق الجنة المزدحمة..
بيد أن شرودي هذا, أوقفته مروحية أمريكية, مشطت السماء من عصافير الله..
العصافير التي بقيت التردد الوحيد المخلص للعراقيين, والذي يعمل بلا كهرباء وطنية, أو بطاريات جافة, لتذيع صوت الحرية المسلوبة من حناجرنا المخنوقة, يوم أن أعلن مروان أبي حفصة, وعمر ابن العباس, وإبراهيم الموصلي, وأبو نؤاس, وأبو دلامة, والأصمعي, وابن أبي مريم, وبرصوما, يوم أن أعلنوا جميعا براءتهم من اللهو المباح!
وجدت نفسي في محطة انتظار, أستجوب فيها فداحة ما تورثه الحرب, أقلب بصري -العفيف- في بيتها الجميل..
الله! ما يزال محافظا على رونقه وإن كان باهتا, توجد فيه دار كبيرة تستقبل فيها الضيوف حيث تحلوا السهرات, وتعمر الموائد- أيام العز, والهنا- بيتها مليء بأثاث فخم, جلبه لها زوجها خصيصا من إيران, وتركية, قطع كثيرة موزعة, ما تزال على قيد التصدع حتى الآن, وسائد مخملية منقوشة, أريكات مرتفعة, طاولات خشبية مدورة الشكل, تصطف عليها أنواع الأباريق المعدنية, فناجين الشاي المزخرفة, وصحون وزعت هنا وهناك, قد حشي إلى عمقها بقلاوة فريدة الطعم, اعتادت أن تحضرها من محلات أبو رافل الكائن في الجادرية, صواني من الكليجة, وزنود الست هي الأخرى كانت حاضرة والتي لم أذق مثلها في حياتي..
كان حضوري متأخرا نوعا ما, مما حدى بها أن ترسل في طلبي, لم يكن بوسعي سوى أن أنتظر أكثر, لأحمل قالب كيك فاخر, لكن القالب الذي جلبه لي زوجي كان قد ساح, وتهدمت بعض أسواره, لأن المحروسة –الكريمة- فشلت في صراعها على قيد التجمد, وانهارت في أول امتحان لها, بعد أن خرجت من ثلاجة سعيد أبو الحلويات, لتركب في سيارة لا يعمل فيها سوى لسان أبي ضفاف وهو يدندن لناظم غزالي وأم كلثوم, متناسيا تراقص الكريمة الذائبة, لكني هزمتها وحملتها بيدي.. حين وصلتُ هناك وعبرت صحن القلب المكشوف, كنت قد اجتزت قنطرة عظيمة, إلا أنها أقل صعوبة من قناطر أخرى تنتظرني: قنطرة النظرة, والكلمة, والعَبرة الأخيرة..
وجدت نفسي تدريجيا أغوص في أحاديثهن المختلطة, أطلق زعانفي, فأغوص أكثر عمقا, جميعنا كنا نمارس هذا الطقس الغريب, كأننا نعوض ما فاتنا من أيام وما سيفوت.. نخبز رغيف الذكريات في تنور الحاضر, فتنفش فقاعاته التي لا تلبث حتى تحترق في تنور جديد, إنه تنور الأقدار..
لم نكن جميعا على وفاق مع القدر, ولا مع سخونة الأحداث, وبرودة ردود الفعل للضمير الأخلاقي, والإنساني العالمي, لذلك طال انقطاعنا عن ليالي السمر, فمنذ سقوط النظام, ونحن نتخبط في وحل اللحظة, ندور في رحى المستقبل المجهول, والذي لم تكشف عنه فناجين أم رامي المتفائلة دوما, إلا بسوداوية أكثر..
فاللحظات الجميلة جريئة, وشرسة للغاية, فهي لا تمشي على استحياء, إنها تمر بسرعة, وبكبرياء, مستبزة الأحلام الصغيرة, والتوسلات العريضة, في بقائها مرفرفة على صحن الدار, لذا تفرق الجميع بعد أن قاربت الساعة السادسة على الحضور, فالتجوال سيكون محظورا, والاحتياطات لازمة في التبكير, خصوصا أن صديقتين كانتا قد حضرتا من مدينة الشعب.
تفرق الجميع, وبقيت (فتنه محمود) تتسمر بوحدة تفكيرها وفي عينيها حكاية طويلة, كنت أرقب صمتها المطبق خلال الزيارة, فهي لم تشارك أحدا في حديثه,بل بقيت ( تباوع) في وجوههن الجميلة, شككت أنها لا تريد الإفصاح بها إلا لي, طلبت من أم شنيشل أن تتركنا, غمزت بعينيها العسليتين, فحفرت في وجنتيها حفرتين حمراوين, ثم حملت معها ما تبقى من أطباق الحلوى نحو المطبخ..
الرماد كان هو الأكثر احتراقا, فللخوالي صور لا يَنصح تجار البانتاغون بمشاهدتها من قبل الأطفال, وذوي الأعصاب الضعيفة! إنها تدمرها, وتتلف ذائقة الطفولة البريئة..
أنا شخصيا صحوت من إغماءة المشهد من على صفيحها الساخن الذي كانت تتبخر منه حبات المطر بفعل بكائها الذي لم ينقطع, لقد وصفت لي ما يوثق أن الشيطان الذي نزل إلى الدنيا, كان بارعا حد اللعنة في خبثه ونجاسته, يوم أن لبس جلد الخبيثين والخبيثات من المجندين والمجندات الأمريكيات في سجن أبو غريب, قالتها لي في حسرة, وندامة: وضعوا فوهة البندقية على رأس أخي عثمان, أجبروه أن يعترف ولو زورا على نفسه, لكنه رفض فكنتُ ضحية كبريائه, وعنفوانه!
أما هو ( وداعة فتنه) فعذبوه لأيام عديدة, عرفت ذلك من أحد الحراس, والذين كانوا يتناوبون على حراسته في الانفرادية, لقد جربوا معه أولاد القحبة كل شذوذهم الذي جلبوه معهم, وجبروتهم الذي تسلطوا به علينا, ولما أشبعوا حاجة في نفوسهم الدنيئة, رموه كالكلاب, رموا جثته وهي ممزقة تماما عند بوابة مستشفى الكندي, وكأن أحدا لا يراهم!
أغلقت فمي, وأغمضت عيني مستسلمة لسماع ما هو أدهى, وأمر, فتابعتْ:
حين كنت أنا وعثمان في حضانة أمي المطلقة, كانت الحرب تغيب أبي عنا شهور عديدة, نمضغ اليتم, وتشربنا النظرات العطوفة, نلتصق في ازدحام الزفرات, فتدفعنا أمي دفعة واحدة في نفق طويل من البكاء, صديقاتي من بنات المدرسة والمحلة يسخرن مني دائما, فقد كن يُعيِّرنني بأبي المسجون, وبأني سأفقد كل شاب سيخطبني إذا علم بسوابق أبي كما يقولون, الحزب الشيوعي, هل ألعنه؟ حتى أصدقاء أبي الشيوعيون تخلوا عنه, لذا كان الله رحيما به يوم أن مات مبكرا قبل أن ينهي محكوميته الطويلة, لقد رفض أن يوقع على وثيقة
( البراءة) والتي تنص على تعهده بترك العمل السياسي داخل حزب محظور كهذا, لقد استعجلوا موته, وريحوه من فكرة العودة إلى الحياة, يحدث ذلك من حيث لايعلمون, هو من أراد أن ينتهي للخلود دون أن يذل نفسه لأحد, كنت طفلة حينها, لذا كنت أصدقهم في كل شيء, وأتحاشى سؤال أمي عن الحقيقة, لم يكن بوسعي سوى أن أهرب من همزاتهن بإدارة ظهري لهن, وحدي أركض ممسكة بضفائري كي لا تطير بي بعيدا, فأنا أحب محلتنا كثيرا, ولا أريد أن أغير صديقاتي أو أخسر واحدة منهن!!
إلا أني وحين يهرب النوم من عيني, وتقص علي شيئا من ذكرياتها الحلوة معه, عن شجاعته, وثقافته وروعته, أتشجع, وأسألها عن قصة السجن, وحقيقة موته المفاجئ, وأبوح لها بأمنيتي التي طالما حلمت بها, وهو أن أزور والدي بصحبتها كل أسبوع, بينما حرمتني منه بلا سبب في رأيي, تمسح على رأسي, تفليه, ولا ترد, تبقى حائرة, وتكتفي بالصمت, والهمهمة بالدعوات, تحاول أن تفسر صمتها, فتعود مرة أخرى لبسمتها, فتطريه بالصفات المكملة, كانت تقول بأنه كان رجلا شجاعا, وطيب ومحبوب, وكريم, وحنون, لكنهم الخونة, دسوا له مناشير مكذوبة أوصلته للسجن اللعين, حيث أمضى هناك ستة أشهر فقط, ثم اختفى خبره, لذا فلا يستطيع أحد أن يزوره, لقد كان ممن أعدم شنقا في نقرة السلمان هناك في الأقبية السرية والتي ملؤا بها البلاد, بعد أن وُشم بتمثيل جثته, فقطعوا لسانه الحلو, وأذنيه العفيفتين, وثقبوا في روحي ألف ثقب وثقب, ثم أخفيت جثته مع من أخفوا..
توقفت أمي عن الكلام, رفعت رأسي إليها حيث كانت تفلي شعري المغبر, عاتبتها لأنها لم تذهب بي وبأخي بعثمان يوما إلى زيارة أبي.. كان علينا أن ننتظر الشؤم فهو المخلص الوحيد الذي يترصد بنا الدوائر, ويحقق لنا جميع الأمنيات.. لم تفعل أمي شيئا, وفعل بي الأعداء أشياء, وأشياء..
لم ينتهوا من ملاحقتنا, يبدو أن دم أبي كان لذيذا ومنعشا للغاية بل وقودا من نوع خاص, وهناك أكملوا قصة أبي التي لم تنتهي بإعدامه..
باب السجن لا يختلف عن سوره, كلاهما رفيعان وضخمان, مثل سد عظيم يسكن خلفه من حذفت منه سطور الحياة التي يتقاسمها الفئران مع بني البشر في أبسط حقوقهم..
في استقبالي كانت حشود الشوارب الكثيفة, منشغلة بتسنين أطرافها الحادة, وحتى تكون مميزة أكثر, اجتهدوا في حلق وجوههم المجعدة, وإغراقها بالكلونيا الذي ترك آثار بقعه عليها, لكنهم أشبه بالتماسيح النائمة كانوا.. رائحة آباطهم غيرت الكثير من خارطة العالم الزاخر بغابات التوابل, واللوز والصنوبر المُعطِّر, عيون تدور, جلد منمش يستقطب أفواج الذباب الذي لا يكل ولا يمل من الطنين بين الأنوف وفوق الرؤوس.. يهرشون, يسعلون, يتمخطون بكثرة, وبقذارة, بقع العرق تتوزع بين الأباط, والصدور والظهور العريضة, ألسنة تلطلط بأقبح الألفاظ, شفاه تتثائب تكشف عن طبقات كلسية صفراء فاقعة وأنفاق تكدس السوس بشراسة.. صوت طقطقة حلقات حديدية وحركة أقدام غير منظمة, الممر كان طويلا ومظلما كمنجم فحم غير معبد, الأرض صفت من بلاط مكسر, تكنسه قافلة من النمل النشيط كل صباح, التفت يمنة ويسرة, لا أجد من يترجم لي الكلمات, أفهم جيدا لون السجاد الكاشي والذي برد لونه فصار بلون الرمل المحروق, كما أفهم شكل الطاولة الخشبية المنمقة بملفات, وظروف صفراء صفت بعناية فائقة, المنفضة كانت تتثاءب بفعل أعقاب السجائر الطافحة منذ ليلة الأمس, صوت الهاتف لا يتغير تماما مثل صوت الألم, وطعم الدمعة أسود ويلمع رغم تقشر أرقامه, الكنبات المبقعة وسخة وزنخة, كل ما حولي هو ظلام, ورطوبة, وهذيان, وإشارات رمزية, أسئلة, واتهامات بلا جدوى الإنصات لردودي, في السقف مروحة تدور, وتخرج صوتا يشبه صوت القلب المخلوع, النافذة الوحيدة صامتة, ويابسة كالصمغ, السرير الحديدي منخفس, وواطئ جدا, يا ترى لماذا؟
كل شيء كان أمامي كان واضحا, وصريحا ككتاب مفتوح, لم أنظر إلى الباب خلفي, فهذا كان من ضمن الممنوعات, أسمعه يثقب قلبي وهو يقفل الباب دوني, لقد شمني من كل مكان, وأدخلني في حضنه السحيق, علا صوته لاهثا, وكأنه في صلاة وثنية, فارتفعت ضحكات ماجنة بالخارج, لم يستخدم سوطا ولا مسدسا لاستدراجي واستسلامي قسرا له, بصق علي فقط, لم أضرب برجلي, ولم أصرخ, لم تنزل دمعة, ولم تولد كلمة, كنت فقط أمارس خطة مهزومة في كل الأحوال.. فهي تحاول عبثا أن تفتح بابا إلى المجهول, كيف تخرج وقطرات الدم تعبث في مفتاحه؟ تزيته بشحم مشوي..عصرت أصابعي الحمراء أمام عيني الغائرة, بنفسج الجفون قاوم الظلام الدامس, واستطاع أن يميز لون الإهانة, والبطش, هنا فقط لم أستطع الصمود أكثر, بكيت, وأطلت نواحي, داس الجندي الأبيض على بطني, وظهري, ثم تركني واقفا, دخلت في نوبة طبيعية جدا!!
أراد أن يذلني, ويذل عائلتي, وكل العراقيين, أنا الفتاة السياسية حسب تخمينه, أخت الإرهابي عثمان, والشرف هو الخيط الدقيق الذي يربط آواصر الرحم, وجودى هو الوجود على قيد القبيلة, ولذلك قطعه بكل سهولة!
الشيب غزاني فجأة, والدموع لم أستأجرها من أحد, لم أغطِّ وجهي بمنديل, ولم أطلب مساعدة أحد.
بعد أن خرج مترنحا, وقفت عارية أمام المرآة, حاولت أن أرفع أكتافي فإذا بها مخلوعة هي الأخرى, انكمشت, وبلعت كلامي الطويل مع نفسي, أحسست بأن ثقبا خرموه أسفل رأسي من الجهة اليمنى, فصبت كل الذاكرة المخزونة, ولكن رغم هذا فأنا لا أدري لماذا في تلك اللحظة تذكرت عثمان, فقبل أيام كان على موعد مع خطيبته نجاة ليعدا بروفة موسيقية, اليوم التقيته هنا في مراسيم الاحتلال, وهو يعبث حتى بالأظافر المتآكلة, في جوقة مخنوقة لم يعزفها إذ يشتهيها بين يدي حبيبته.. لا أكتمك فكرت بالإنتحار, ففكرة العيش طبيعيا بلا بكارة تكاد أسطورة خرافية, أوقن بذلك وأجزم, فالجميع سيتخلى عني, يوما ما سيغريني أحد رفاقي أن أنام معه فكوني فاقدة الغشاء, فهذا يعني أني عاهرة, نفسه من سيجلس وسط الأصدقاء ليفاخر بفحولته, وسيطربون له متمنين أن لو كانوا مكانه, هم القديسون وأنا الخطيئة التي يجب عليها أن تدفع الثمن, فأنا الكافرة, والملعونة, ومن تستحق الموت, أنا كل خطايا البشر, ولو كان ذلك غصبا عني.. كل ما أقدمت على الإنتحار ترددت, شيء ما يردعني, إيماني؟ ربما..
ثلاثة أيام أبقوني كما أنا, بلا أنا, هل كانوا يريدون مني أن أراجع نفسي, واعترافاتي؟ ولكن في أي شيء أراجع نفسي؟ وبأي شيء أعترف؟ حسنا سأتعرف بهم!!
دخل أحد الحراس, وفي يديه صينية يتوسطها كأسٌ من اللبن, أغمض عينيه متحاشيا النظر إلي وأنا عارية, مخللا أصابعه نحو كتف مأكول, رفعها عني, يبدو أني لم أعجبه, فمنظر الدم المتيبس كان مقززا فعلا, أشار بيده:
-إذا أردت الاغتسال فالمغاسل هناك..
واصلتُ انهزامي وبلادتي الحادة تجاهها..
فواصلت حديثها فاركة أصابعها الصغيرة: أكثر ما يمكنه أن يذيقني الموت كل يوم ألف مرة,تلك الدروع البشرية من ضحايا أبو غريب,والذين كانوا يصفونهم رغما عنهم وهم يمعنون في إذلالنا جميعا, يجبرونهم على فتح أعينهم, لتمر بثقوب نظراتهم الخاطفة على جسدي المرمري, وأجساد بضة أخرى, كسبع طلقات تمزق روحي مرة واحدة..
أبناء الكلب يتناوبون علي كالحيوانات, كدينصورات بلهاء, أحدهم شد شعري الطويل, بينما نزع الآخر آخر قطعة من ثيابي الرثة, كنت أبصق دما وأغمض عيني بشدة, أهرب إليّ… وفي قميص شرفي أنفث بصلوات مكتومة, كان أكثر ما يمكنني الاستحياء منه, هو حيدر سليم, الطالب المهذب, الذي صحبته طيلة أيام الكلية, كان يسترق النظر إلي, وأبادله النظرات نفسها, آآآه وألف آآآه فقد فرقتنا قنابل الحرية, حتى التقينا سوية عرايا في زمن الغطاء الجوي والإتفاقيات الأمنية….
أنهت حديثها وأنا أترنح في سكرة التبلد ذاتها والتي أخذت بيدي حتى زرعتني في غيمة صحت للتو من إغفاءتها..
حالا, ضممتها إلى صدري, وغرقنا في نوبة بكاء, أم شنيشل تعرف كل شيء, ولأنها كانت سابقا قد انضمت مع فتنه في قافلة النياحة والّلطميات والجوقـات المذبوحة.. أُجهدت وتركتني أنوب عن كل الضحايـا والثكالى وأنا أمسد شعر فتنه الحريري, أضمها بكل قوة إلى صدري ويدي اليسرى عبثا تحاول ألاَّ تفلت مني! لقد قرأتُها سفرا طويلا من أسفار الباذخين في الألم والحيرة, سفرا محشوا بعظم متعافي من دسم الوحوش..
عرفت ما تود أن تستشيرني فيه, لم يُهلني في البداية حديثها كثيرا فقد شممـت سابقا من دخان ما حدث معها من بعض الجارات والصديقات وأبديـت هدوءا نسبيا حتى أخفف من وطأة الحدث..
ما أوجعني بالفعل وعصر قلبي, هو ما سمعته من الضحية ذاتها, تفاصيل لا أزال احتفظ بها عهدا ووفاء, لأجل قداسة وطهارة تلك الروح البريئة الشريفة, التي استأمنتني على سرها ذات ضعف وحاجة أمومة, أمــها التي ماتت أثناء اعتقالها كمدا وحسرة لتورثها إياها كظل لا ينفك,أم عثمان الطيبة كثيرا الرزينة في تصرفاتها فكرت كثيرا في الانتحارأيضا لكن رحمة الله ألمــت بها فنزل المرض عليها سريعا حيث لم يمهلها سوى أياما لتموت..أما عثمان فلا يزال في زنزانته يشطب الأيام التي يبلعها البحر فيزداد عطشا!
قبل أن أودعها عند مفرق الزقاق تعاهدنا على قدر سيولد من تحت الرماد.. مازحتها وأبديت إعجابي بحجابها الفضي الأنيق, أغراني ببريقه والذي يبدو أنه وضعته متأخرا.. خلعته فلمعت صلعتها أكثر.. شهقت صارخة:
– الله أكبر!!
– نعم, نسيت أن أقول لك, لقد حلقوا رأسي الأسود, الساقطون فروا مثل
الجرذان بعدما احتجزوني في إحدى الكراجات المهجورة أثناء عودتي من الكلية, لم يسألني واحد منهم أو يناقشني لماذا لا تلبسين الحجاب مثلا, فهم كالثيران الهائجة, كان همهم الأول والأخير هو أن ينجزوا شيئا من مهامهم اليومية في إعلان دولة العراق الإسلامية ذلك على حساب إزهاق الروح أو رميها بالكسح المؤبد..أحدهم استل شفرته الصدئة والتي سقطت منها بضع شعرات شقراء, حتى خمن لدي بأنها لشركسية جميلة أنهوا حلاقتهم لها قبل ساعات فقط ربما..!!
لقد أمهلوا لأنفسهم خلو الطريق المترب, رغم أنهم كانوا مدججين بالسلاح, هربوا في لمح البصر بعد أن فكوا وثاقي, كنت أتمنى لو ذبحوني لأنجو من نفسي التي أكلتني حتى نصفي..
أعادت الحجاب إلى رأسها خوف أن يراها أحد, أنا انزلقت بدمعتي في حفرة عميقة,لم أكن شجاعة بقدر الكفاية, طلبت منها فقط أن تنتظر فرجا من عنده سبحانه, سيحدث ما يطبب جرحها حتما حينما أعود من كربلاء!
لمست بطنها, عصرته وهي تتألم: لا تقلقي عفراء, يبدو أن بقلاوة أم شنيشل أتعبتني قليلا..
كان آخر عهدي بها, هو ما تمتمت به في خشوع الواثقين:
ريثما تعودين إلى بغداد, سأنقطع إلى الله.
الوقت صار متأخرا شيئا ما, عبرت الزقاق الأول والذي رماني متخلصا مني إلى الشارع الرئيسي, الشارع الذي بدا كمن يستلقي على كومة من مخلفات المعسكرات والخنادق المتمددة على أرصفة متهادية في رقصتها الصباحية, مبلولة برصاص ثقب برودة المكان, المكان الذي فر سريعا, طالبا من يدثره بشربة دارسين محلى أو حليب ساخن فلم يجد سوى لحافا ممزقا بفحيح الهاربين قسرا إلى بيوتهم الصديقة, راميا نفسه عند عتبة العمارة الصامدة منذ ثلاثين عاما لتدهنه حناجر انشقت عن لونها الوردي.
هناك في طرف الشارع ارتجفت الريح, وبخطى ثقيلة ظفرت أجفانها ببنفسج عنيد ..
لجة العجلات هي الأخرى والكلاب المسموح بتجوالها اخترقت حاجز الصوت لينكسر كبرياء المتارس البشرية, المشرعة صدورها بعفوية للحياة, لتطعن في خاصرتها مرات ومرات..
معلنة انتصار موت ممتع على حد تعبير (سنحاريب العهد الجديد) الساتر عورته بجلود الكوبوي الرخيصة.. ما كان ينبغي لي هو أن ألوذ بطفلي الذي أخذ يختض في بطني كالزبدة الرائبة, لأختفي في سيارة عجولة توقفت لتخطف بعد ذلك الأبصار بنفاذها كالبرق, لم يكن لي ذلك لذا فإن الحاجز الأسمنتي الملون بشعارات الأحزاب, كان هو الأقرب لي والأكثر وفاءً, لقد خلى الشارع من المسلحين في علانية غروب شمس حزينة, لكن ثمة إطلاقات نارية فاجأت الشمس في آخر فصولها الصافية, حين خرجت من نوافذ العمارة العملاقة, لم أكن لأصدق أن تسري هدنة كهذه بين الصيادين والعصافير, حتى عادت مجددا إلى قانون الغاب المدقرط!والذي سمح لسبعة من أفراد المشاة البحرية الأمريكية مداهمة العمارة فور رشقهم برصاص القناصة الذين اعتلوا السطوح, وإخراج كل من فيها بعد تحطيمهم أبواب الشقق المتهالكة بأعقاب بنادقهم, والعبث بممتلكات الناس البسطاء, حتى أنهم نفشوا شعر فتاة يانعة كانت تلف رأسها بلفافات اسفنجية استعدادا كما يبدو لحفلة تخرج البكلوريا, أو حفلة عيد ميلاد إحدى صديقاتها, لقد جروها من شعرها ورموها في دائرة النار, حيث لم تنفعها توسلاتها, ولا بقع البول التي بللت نصف ثيابها..
لم يرحموا طفلا ولا شيخا, كان الشيء الوحيد الذي عبَّروا فيه عن مروءتهم المنسكبة على وجوههم, هو تجميع سكان العمارة في دائرة أحاطوها بالأسلاك الشائكة, كنت أنظر إليهم من ثقب إسمنتي, وأنا أردد مع نفسي: لا يمكنني أن أصدق أنهم لم يسمعوا بكائي حتى الآن.. يا رب استر يا رب.. لقد تحولت إلى طير شهد اللحظات الأخيرة من موته, بيد أنه لم ينتفض من مرور السكين على عنقه الرقيق, لكنه انتفض وهو يرى الرؤوس المُكيَّسة, لرجال تخففوا من وهج حر النهار, وبدؤوا يتخطفون في شققهم الدافئة بملابسهم الداخلية..
أي أمان نفر إليه غير الدخول ثانية إلى الحرائق والموت؟
بقيت خلف الحاجز قرابة الثلاث ساعات, كنت أعلم أن زوجي, وعمي قد طار عقلهما, وكأني ألوح لسرب لا أعلم اتجاهه: أنا المشنوق أعلاه!
إلا أن الساعات الثلاث انتهت بدفع عشرات الشبان في جيوب جاءت مسعفة كتيبتها الجبانة, لتترك بقع الدم والبول والبراز.. شاهد عيان للعصافير التي تسمرت على أحد أعمدة الشارع..
عاد الجميع إلى نزلهم الموحشة.. بعد أن قبضوا على من يريدون ومن لا يريدون, وانتهى فصل مروع لن يخطر – ولا في الأحلام- على بال عجوزين يلتقمان مكسراتهم المفضلة, في شرفة منزلهم الذي يطل على نهر المسيسبي.. لكنها المكسرات عندنا تختلف, أن تكسر حبة جوز أو تفتح حبة فستق, فهذا أمر مضيع للوقت وخير لك من هذا, أن تدفع مثلا سيارة توقفت عند أحد المفترقات حين فقدت آخر قطرة من بنزينها الشحيح, بينما تعبر سيارات أخرى عجولة, تحسب للدقيقة حسابها الثمين, الناس هنا في حالة فرار مستمر, واستنفار بشكل عفوي جدا, يفرون.., ويفرون..
و في حين يسمح للكلاب بالتجول, يمنع النساء من التقاط مواعيدهن إلا عند حبل الغسيل الذي لم يجف بعد, لا المطر بلل الثياب, ولا هم يحزنون, بل غيمة حزن كبيرة انتشرت, واحتلت السماء دون خجل..
*************