د. فاروق أوهان : مراثي بني غامد وزهران (رواية بأسلوب التداعي والتخاطر) (9/الأخيرة)

farooq aohan 11إشارة : حصل خطأ غير مقصود عند نشر الحلقة الثامنة باعتبارها الحلقة الأخيرة من رواية د. فاروق أوهان “مراثي بني غامد وزهران” . وهذه هي الحلقة التاسعة والأخيرة مع الإعتذار من السادة القرّاء والكاتب المبدع.

19

غاب عاثر وانطلقت الدوريات الآن في كل صوب. بعد أن فقد النـاس، والسلطة الهدف، والاتجاه، يبحثون في كل جهة. أما التحقيقات فقد جـرت بصورة مشددة هذه المرة .فقد قام مدير الشرطة بأمر من مأمور المركز ضاري بالقبض على كل من مطر، والرجل العجـوز المهـذار بدر. وكذلك استدعي ابن عازب على الرغم من مكانتـه، وكـبر سـنه، وأربعة رجال آخرين. كانوا عنـد البـئر قبـل مجـيء الشـرطة، ممـن تـم استجوابهم في السابق أيضاً. ابن الكافي، ابن سيحان، ابن الشايع، ابن عيظة المختار عم عاثر، ولم يصدق الناس إن الأمر سيكون بهذه الصعوبة. طالما هـي بيـن زوج وزوجته. بين أهله، وأهلها، وتصوروا أن كل الأمور سـوف لا تعـدو عـن كونها أمور شكلية. ولكن الأمر الذي بدا تافهاً لهم. يبـدو هاما جداً للشرطة .وهو كيف حدث أن يفلت رجل أمام أعين النـاس، ومـن سـاعده على الهرب؟ هذه هي المعضلة. لذلك بدأت الشرطة تشدد المراقبة. نعم مراقبة الناس. غير المشكوك فيهم، والذين احتجزتهم بالفعل .
كيف هرب الرجل؟ ومن ساعده؟ وإنه لم يمت بعد؟ ولكن أين هو؟ هل هو طير، وطار؟ أم ملح وذاب؟ أم،،، ماذا؟ إن كل الادعاءات الأولى جاءت من الرجال الـذين سـجلوا الشـهادة. بقولهم: أنه قد مات، بعد أن هوى في البئر.
وقال أحدهم: عندما وجدت عاثر في البئر. وكنت مع اثنين، والمعتوق مفتاح، فأرسلت في طلب الحبال، وذهب الشيخ، ورأى مطر في طريقه إلينا فأرسله، ولكنهما تأخرا علينا. في هذه الأثنـاء خـطرت لـي فكـرة وهي أن أذهب أنا إلى القرية لكـي أجـلب الحبـال. مـع واحـد مـن زملائي. ونبقي المعتوق مفتاح الذي أرسله الشـيخ، لكـي يحـرس البئر. وهنا تلفت مدير الشرطة حوله وصاح: أين مفتاح هذا؟ الكل يتكلم عنه، لا بد أن المفتاح لدى مفتاح فعلي به إذن. وبسرعة البرق وصل مفتاح، يقـوده شـرطي، رغـم كـل المعوقـات فـي عدم وجود مواصلات. والرجل مبهوت من الأمور الغريبة التي جرت خلال اليومين. فقال ببلاهة: حياكم الله .ولم يجب مدير الشرطة على تحيتـه البلهاء. إنمـا أجابـه الأخـرون بتمتمة غير واضحة. لكن مدير الشرطة قال: إذن أنت يا مفتاح آخر من بقي عند البئر. قبل اكتشاف غياب الرجل بداخله؟ فقال مفتاح مؤكداً، وكأنه يفخر بعمله، أو باكتشافه: نعم، فقد بقيت هناك وحدي.
فبادره مدير الشرطة بصفعة. كسراً للجمود، والبلاهة التي ربما تكون حالة قد تلبسها مفتاح، كنوع من الإيهام قائلاً: كيف تساعد الرجل على الخروج، والهرب؟ ويبهت مفتاح من الصفعة المفاجئـة أولاً. ومن الخـبر الاتهـامي ثانياً، لأنه كان معتقـداً أن المديح سوف يقابله، وربما البطولة الخارقة لأنه اكتشف أن الرجل غير موجـود، وخـلّص النـاس مـن وهـم داخلهم. أوعلى الأقل أنهم سوف يتأملون بأن يكـون عـاثر عـلى قيـد الحياة، وهذا خير من تشييع ضحيتين في يوم وليلة. فقال مفتاح: استغفرالله، أنا، لا والله، وكل الأيمان،لم أخرجه .
فانبرى إليه مأمور المركز ضاري الذي دخل للتو قائلاً: كذاب، ستتكلم رغماً عنك، أنا أعرف بدوائك. احضروا لي السياط .
وجاء اثنان من الشرطة يحملان سوط خيل؟ لكنه طويل يبـدو أنـه خـاص لجلد الناس. وقال مفتاح وهو ينظر إلى العملية الاحتفاليـة لإعـداد السوط: دخيلك، دخيلالله، ونبيه. سأصف لكم كيف حرست البئر. وبدأ مفتاح بالتذّكر ثم فجأة يلطم خده:  يا لي من غبي أحمق. سيدي عندما ذهب كل من محمد، وعطية، بقيت أنتظرهم، وأنا أحرس البئر. وفكّرت ما الذي سوف أحرسه، طالما الماء قد جفت، وابن عازب قد فتش طويلاً تحت، ومهما يكن ليس من مكان يخرج منه عاثر إلا الفتحة، كل هذا التفكير جاءني، وأنا أصطلي تحت نار شمس الظهيرة. فقلت فـي نفسـي، إن عـلى جسدي واجب، فلماذا لا أريحه؟ ونظرت حولي فرأيت شجرة لوز كبيرة ليست بعيدة عن البئر، وقد انخفضت سيقانها السفلية كأنها تدعوني لكـي أنام في أحضانها، هكذا تصورتها والله، وممـا شـجعني أن تكـون البئر غير بعيدة. فذهبت للراحة والاسـتلقاء. لكـن يبـدو أننـي غفوت مدة طويلة من شدة الاعياء. ولـم أفـق منهـا إلا عـلى صـوت عطية ومحمد ينادونني. وعندمـا وصلنـا إلى البـئر مـن جـديد وجدنا قربها العمامة، والنعال، وعشـرة ريـالات خضراء. كأنمـا وضعهـا، أحدهم عمداً في طريقنا. أقصد إن كل الجمع لم يشاهد هذه الأشياء طوال وجودهم عند سحب الماء. والله يا سيدي لـم أكـذب فـي هـذا أبداّ.
لم يقل مدير الشرطة شيئاً، بعد الذي سمعه من كلام، ووجدان مفتاح لهذا وقع في حيرة من أمره، وبدأ يفكّر جدياّ. بل أنه ترك الكل بوجوم، وانتظار قلق، وخرج إلى باحة الدار يفكّر ساهماً. وجـعل يسـير ذهاباً وإياباً دون أن ينتبه إلى أحد، يضع يديه خلف ظهره، وقـد حـمل عصا التبختر مرة تحت أبطه. ومرة جعل يلوح بهـا فـي الهـواء. ومـرة يسير سيراً عسكرياً. ومرة ينسى فيقوم بقضم أظـافر أصابعـه بالتبـادل بين يد بعصا مرة. وبين يد بلا عصا مرة ثانية. ومرات ينسـى نفسـه، فيقوم بتعديل قيافته. ومنها موضع أعضاءه في البنطلون الذي لا يلبسـه إلا ساعات الدوام. ولذلك يحتار في أية جهة يضعها. وعندما يستقر على رأي وتأخذ قالبها، تنزلق بفعل الحركـة، والتوتـر. فيضطـرب، ويقلـق. لكنه لا يخجل من مد يده إليها أمام كل النـاس ويقـوم بتعديلهـا. هـي أهون من حركات ابن قارن غـير المتزنة، والصبيانية الاستفزازية.
وطال الانتظار. وعنّ على بال مدير الشرطة أن يبتعد قليـلاً. ويلتـف خلف جذع شجرة لوز عريض ليبول، والناس ترى نصفه الظاهر، وتتخيل عمليـة التبول، والافراز المضني في حالة الوقوف. ولو لا البنطلون لكان ضاري مأمور المركز قد اتخذ وضع البروك ولكان في موقف أسهل، وحال أستر. لكنه وهو يضع عصا التبختر تحت أبطه الأيسر، نفض بحركة معلومة آخر قطرات البول. وعرف الناس أخيراً أنه انتهى. فسحبوا أنفاساً كضيمة. وتبادلوا النظـرات، كأن الأمر لا يعنيهم، ولا يخرش الحياء في حضرتهم. وكأن كل منهم يريد رسم علامة تجاهل على نظراته هو. بكون ما حدث لـم يـروه. رغـم معرفـة الكل فكلهم، قد أمعنوا النظر، وتفرّسوا بالفعل الشائن لمأمور المركز، وكأن ضاري قد أوسعهم بسياط القباحة الأقسى من سياط الجلد. ومع هذا تمنوا بعد هذه التعرية الإستفزازية، مـن مديـر الشـرطة أن ينتهـي توترته، وينتهي إلى قرار ما. وفعلاً تقدم ضاري نحـوهم، وهو يزرر أزرار بنطاله. بلا أبالية، وبمسـيرة غـير نظامية. فـوقف أمامهم كأنه يود التبول عليهم هذه المرة، ولكن بكلام مقذع من غير تبطين. تذّكر بعضهم حالات الحكام الـذين لا يعيرون للمشاعر الاجتماعية، ولا أية معايير أخلاقيـة. فقد خطر ببال معضد ذلك الحاكم الـذي ذهب لافتتـاح مشـروع جديد في منطقة نائية، وحال نزوله من الطائرة الحوامة، طلب من راعٍ أن يبتعد معه. وبعد خطوات معدودة طلب منه أن يفتح عبائته. وعـلى مـرأ من الناس المحتفلين. تصوروا! حدث فعل التبول من خلال حركات الحـاكم في عملية التبول، منذ بدايتها، وحتى نهايتها. وعاد مثلما عـاد ضاري هذا ليعلن قبل افتتاح المشروع رغبته في السطو على قطيع أغنـام هذا الراعي. جزاءً له لأنه تجاسر ونظر شذراً إليه. وهـا هـو ضاري يتقدم نحوهم ليعلن هو الآخر، لأهالي قرية الرأس صائحاً بهم: اسمعوا يا أهالي قرية الرأس إنني إنسان مثلكم، ولي قلب ودم وروح. وليس أسرة تنتظرني. ولكن واجبي يحتم علي ما سأقوله لكـم الآن. والله العظيم إذا لم تحضروا لي الرجل خـلال أسـبوع من الآن، فلسوف اسجن كل رجال القرية. موعدي معكم بعد أسبوع مثل الآن. الاثنين الساعة الخامسة عصراً.
ولم يزد على كلامه شيئًا أكثر من ذلك. بل رجع إلى الغرفة، وأمـر رجاله بأن ينسحبوا ومعهم الرجال الموقوفين. فـأخذوا هـؤلاء يسـحبون الرجال سحباً نحو عربة الجيب، وسار هو في باحة الدار هذه المرّة غير مضطرب. بل وأكثر قوة. ولكن بنفس الصمت، وعندما وصل مأمور المركز ضاري إلى شجرة اللوز، نظر إلى مدى جريان بوله على التراب، فلم يجدها، فتعجب لعطش الأرض، وضمئها. وأشار بالعصا متأسفاً على خسارة السوائل التي فقدها هنا في أرض عطشى .
وسار ضاري في باحة الدار صامتاً إلا من قرقعة حذائه الصلب. والناس فـي وجوم. وقد هربت الدماء من وجوههم. وهرب الرجال في تزاحـم خوفًا من المسؤولية. ولم يبق سوى الشيوخ والأطفال. كلهم ينظرون إلى الأمر بغرابة. وينظر الشيخ بعين الماضي الغابر. والطفل بعيـن مشـدوهة لما  يراه في بكورته. ولا يصدق أن هذا يمكن أن يحل بقوم لا ذنب لهم. ويتساءل أين الدعة، وثدي الأم، والسلام. والتفت شيخ إلى آخر، يتهامسان بجمود تفرزه التعابير على الوجه، أو في الصوت؛ وضحت صرامتها، على الرغم مـن عبـث الأيـدي الـلا إرادي بلحية بيضاء مشتتة. ولعله قال للآخر: بأن الرجـال ذهبـوا مـع مختار قرية الرأس ليتباحثوا في أمرهم من هذه المصيدة التي وقعوا فيها، وبات الناس على مضض، بعد أن فقدوا أزلامهم .
وبعد أسبوع جاء أحد الرجال إلى مأمور المركز الذي حضر للإشراف على متابعة التحقيق. لكي يخبره بأن جثة القتيلة بدأت تبعث روائح كريهة، وهناك جنين، قد ولدته، وهي نزاعها مع الموت، مخلوقة سلمتها الداية إلى العم، المختار بحضور المأمور. وقبل أن يكشر المأمور عن أنيابه بالرفض. فكر بداخله بصورة الإنسان المتجـرد من كل الرسميات، والشكليات، والأوامر الانضباطية. وخارج عن كل روتين الرسميات. بأن من الحرام أن تترك جثة إنسان هكذا في العراء. دون أن تستر متوسدة التراب في مثواها الأخير. وعلى بني البشر أن يخفوا كل ما سيطرأ عليها. وليختفي معها مصير كل إنسان كما هو متداول منذ الخليقة، فحتى الحيوانات تفعل ذلك لأبناء جنسها. عندما تتوقف آلته الحياتية في جسده عن العمل، فتبدأ جيوش الآفات بتخريب وافتراس تلك الأعضاء التي  كانت لثوان أو ساعات مرت تمثـل كل معاني النشاط والاتساق، في مقاييس الجمال، لذلك تظل روح الميت هائمة. فوق الجسد حتى يوارى تحت التراب، وبذلك تذهب لتستقر. لهذا تردد في قراره بالرفض، ولعل هذا ما جعل المأمور لا يتشنج، أو يثور على اعتبار أن ما قيل له، دخل في صميـم عمله الرسمي، وله علاقة باختصاصه، وبالتالي إهانة لكرامته العسكرية. مما جعله يتعاطف مع وضع القتيلة من باب المصير المشترك الواحد. حيث سيكون له هو الآخر يومه. ولا يريد لنفسه أن يبقى معلقاً هكذا. وهذا اليوم يراه قريب جداً منه، لأنه معرض في كل يوم، وفي كل لحظة لرصاصة، أو خنجر غادر، من حاقد حاسد، أو طالب ثأر متضرر. قال الرجل: سيدي لا يمكن لنا عفواً منكم، أن ننتظر الطبيب، أو ممرضة المركز الطبي للكشف على الجثة.
وكان رأي الرجل صائباً لأنه لم يكن قد اتخذ القرار لوحده. وإنما بمشورة أصحاب الشأن من أهل الرجل، والمرأة. ومن المفتي، والحكيم، والنساء الكبيرات في العمر. ومن مولدة  القرية. كل هؤلاء أجمعوا على هذا الرأي وقد طال اصطبارهم. وانتظارهم لكي تحل الحكومة الأمر. وتفتي بالدفن. ومع ذلك فقد مضى عـلى الانتظـار هذا يومان.
وبدأ اليوم الثالث بالتقدم. وكان الرجل قد عقد عزمه. وقام من بين أولاده. ليتقدم إلى حيث اتخذ المأمور له محلاً في القرية. في أقصى بيت كان يستعمله أهل عاثر لخزن الغلال. حتى جاء المأمور، ووصل . وبعد حيرة، وتردد بان على وجه المأمور قال:  نفذوا مراسيم الدفن. وسأكون أنا المسؤول عن كل ذلك. أراد الرجل أن يطير إلى جماعته، لكن المأمور أضاف: عندما تكونوا جـاهزين أرسـلوا في طلبي. فلن يتم الدفن إلا بحضوري.
وكانت معدات مراسيم الدفن قد هيـأت مسـبقاً. وجلس المخـتصون ينتظرون منذ اليوم الأول. وكانت عيون كل المتربصين ترصد ظهور رجلهم، من وراء سور البيت. لكي ترى وتفسر بسـرعة المعنى لردود أفعاله، وتعابيره الخارجية. لأنهم لم يستطيعوا من هذا البعد سماع صوته، أو مشاهدة تقاسيم وجهه، وتعابيرها. لكن هدوء الرجل، وانفـراج أساريره، وتقدمه الواثق. أدى كل ذلك إلى حركة، وجلبة للاستعجال بإعداد الميت، وما ان تمت مراسيم الدفن حتى عاد كل واحد إلى بيته، وقد ارتاح لتنفيذ الأمور الإنسانية الهامة، وفي كل واحد منهم هاجس حول كيفية انتهاء التحقيق ما دام عاثر لم يعد، ولم يجدوا له أي أثر.
وتابع المأمور ضاري التحقيق خلال اليوم التالي للدفن، وقد بـدأ أولاً باستجواب الجماعة الذين خرجوا في أثر الرجل عاثر. ومنهم اثنان عثروا عليه، أو رأياه مصادفة يهرب. ومن صباح مغبش، لعله كان وقتها قد مر ببيته. عندما رآه الصغير، وقد شرب ماء. وأيضاً، ربما تزود بالمؤن. قال أحدهم، وكان كبير السن، ومهذار بعض الشيء:  إنه رأى مطر اليماني العامل في صنع الطابوق الإسمنتي. لقد أقر بأن مطر قد أمره أحـدهم بالذهاب إلى القرية ليجلب الحبال.
إن إجراءات اليوم الأول كانت شكلية، وروتينية. ولكنها تدين الذين ذهبوا إلى البئر. خصوصاً، وإنه لـولاهم لمـا رمـى  عاثر نفسه في البئر .ولم يتوصل التحقيق لأية نتيجة، وقبع في بال المحقق مأمور المركز ضاري، أن أهم أمرين يجب أن يحسم فيهما، أن يستحصل أمراً من السلطات المحلية عن غموض الحالة، وتشعب الآراء، وعدم ثبوت أية استبانة لا للعثور على عاثر، ولا معرفة سبب قتله هو لزوجته وهي حامل، إن ذلك مجرد حدث عرضي حصل قضاء وقدر. فلماذا لا يسعى لاحالة القضية لتحلها العشيرة وحدها، مادامت الأمور تقع في قرية واحدة، وبين أفخاذ العشيرة ذاتها، وفكّر المأمور بأن أمر اعتبار عدم العثور على عاثر الهامي، ولا أي دليل على موته، أو حتى هربه لأية منطقة قريبة، فمن السهل تسجيل قضيته قيد البحث، على أنها مجهولة، أو أن غيابه يقيد ضد مجهول، حتى يأتي اليوم الذي يظهر فيه عاثر نفسه لكي يقدم الدليل إما على براءته، أو على تجريمه. لهذا كله اقترح المأمور التحفظ على ملف القضية، وإرسالها لمركز المنطقة، ومن خلال ملف عاثر يمكن البحث في أمر ملف مريم المعلقة. وقام المأمور ليرسل برقية بالمضمون، وغادر القرية. طالما نفذوا ما أراد هو ضاري وحقق مآربه، ولا يهمه الآن مصير عاثر التعيس، ولا من قتل مريم المغدورة. وها هي القتيلة قد دفنت، فما يهم ضاري من أمر قرية الرأس بعد، عليه أن يلاحق جدول طويل من القضايا في مركز المنطقة، قبل أن يسبقه منافسوه لاغتنام الأمر، وهم كثر، وحقد ضاري على عاثر الذي أنزل من قدره، وقلل من هيبته، فلو أنه وجده لكانت قضيته إحدى الدعامات الهامة لترقيته المقبلة. وسرعان ما توافد الرجال الذين احتجزهم المأمور إلى قرية الرأس، كل يحكي حكايته بشكل مختلف عن جاره، لكنهم أجمعوا على أن الأمر أحيل إلى مجلس شورة القرية، والعشيرة للبت فيه.

20

عندما احتوت محمد رياض الغرفة انكفأ على وجهه فـي الفـراش، وكأنـه جثة مريم الهامدة المنتنة من العرق، ولم يقو حتى على الإغتسـال، وفـي لحظة علا شخيره، وفاحت رائحته. ظانًا أن كل مـن مسـعد، ومدني، ومجدي كل في غرفته قد انكفأوا هم أيضاً. فما باله، وما بال بُراق إنهما أجدى بالرقاد حتى السبت القادم. لكن السبت لم يبق عـلى قدومـه أكثر من ست ساعات عندما تتجاوز الثانية عشرة صباحاً، وكان أسرع واحد بالدخول في أحلامه هو رياض الذي وجد نفسه يدرب طلاب المدرسة، فجأة طارت الكرة من يد رياض لتقع على رأس أخو مريم، فسقط هذا على الأرض، ولما اقترب رياض منه، تراءى له وجه عاثر الذي لم يتصادف أن رآه، ولكنه خمّن أنه هو عاثر بذاته، وبدلاً من أن يرى رياض آثار الألم على وجهه، رآه يضحك بهستريا، تحولت ضحكته إلى بكاء بلحظة، ثم إلى عبوس، حاول رياض انهاضه، فوجد قدماه مقيدتان بسلسلة من الحديد مربوطة بكرة صخرية، واثنان من الشرطة يسحبانه عنوة، وكانت قدما لا تحملانه، فاضطر الشرطة لرفعه عن الأرض والكرة الصخرية وراءهما، حاول رياض رفع الكرة لكي لا نزيد من ألم عاثر من كثرة التجلطات في مفاصل القدم، والقروحات التي ولدتها السلسلة الحادة، ورأى رياض إلى جمهرة  خلف موكب عاثر من شرطة إضافيين، وثلة من المتطفلين، وضاربي طبول، والموكب يسير ببطء لا يتغير مساره، ومن الجهة الثانية تفاجأ رياض برؤية جمهرة من الناس في وسط مدينة الساحة الرئيسية قرب مديرية التعليم التي لم يرها غير مرة واحدة أول يوم وصلها من زملائه، وهناك في وسط الجمهرة وقف طبيب البلدة بسترته البيضاء، وعلى مقربة منه عقدة لقرمة شجرة عليها فأس حادة لمعت بانعكاس أشعة الشمس الحارقة في عين رياض، فتعرق رياض في فراشه، لكنه غاص في حلمه، وهو يتابع مشاهد تلاوة الشهادتين بين الإمام وعاثر، حصل هذا بعد قراءة مبتسرة لقرار التجريم بقتل نفس من غير ذنب، ولمعت الفأس في الهواء وهوت وسط الجمهرة التي أعاقت رياض من رؤية عملية البتر، لكن الدماء طفحت، وتناثرت حتى وصلت وجه رياض الذي هرب لا إرادياً لغسلها مراراً، بينما الدماء لا تزال على وجهه،  مهما حاول غسلها، وفرك الصابون بيديه عليها، وكلما نظر في المرآة رأى الدماء طافحة من عينيه، وأنفه، وفمه حتى تخثرت على لسانه وبلعومه، فاستعصى عليه التنفس، ففزع، وتململ، ونهض مفزوعاً من الكابوس الذي سكنه بكل حواسه، ولم يصدق بأن ذلك كان كابوساً لأنه أحس بارتجاج غرفته الهادئة، ونهض بسرعة ليتناول قدحاً من الماء، ويشرب منه حتى سكنت روحه، وهو يستغقر ربه، ويقرأ الفاتحة على أرواح كل المظلومين.
خرج رياض إلى باحة الدار فرأى القمر يتوسط السماء، وهمسات نسمات هواء عليل أنعشته، أبعدت عنه ظلال الكابوس الذي سكنه للحظات سبقت، واستبعد هاجس إعدام عاثر، وفكر في المسابقة الرياضية لكرة الطائرة بين بلدة الصدر، ومدينة الساحة في الأسبوع المقبل.
فـي صبـاح اليوم الثاني استيقظ بُراق مبكراً، لأن اليوم كان يوم عملـه البيتي. فقد نهض بعد توتر أعصاب في انتظار الصباح. ومجيء نوره الذي يصل عبر قنوات استثنائية. في غرفتـه من شقوق النافذة الخشبية الزرقاء، المصنوعة في المركز تسللت بعض خيوط من هذه الأشـعة وتحلل بعضها منعسكاً من بعـض شـظايا الزجـاج. وانعكسـت البقيـة عـلى القفطان، والفراش المزهر. فخلقت تنويعات من الزهـور المرسـومة، عـلى القماش بدرجات ظل، وضوء. كأنما لها علاقـة مقصودة فـي الرسـم. أو التصويـر، قد فعلها أحد ممن يتمنون مداراته. وإيقاظ حاسة الرسم لديه.
قام بُراق مسرعاً بلا توانٍ لكـي يوقـد الطباخـة النفطيـة الصغيرة ذات العين الواحدة. هي كل ما يملكه  البيت من سـنن الحضـارة بعد الموقد الخشبي الجوال. أو أنها أرقى درجة من الدافـور النفطـي. لأنها بلا صوت، ولا تحتاج إلى حقن. ونفـخ مسـتمرين. كـانت تلـك أول مهمة عاجلة له بعدها ملأ وعاء ماء الشاي الكبيرة. ووضعهـا فوقهـا. فمهما فعلت هذه بتلك، لن يكون هناك خطر شياط، ولا خـطر احـتراق مـادة غنية بالفيتامينات، أو البروتينـات. وذهب بُراق إلى بـاب الـدار ليفتحـه. وليتسنى له الخروج إلى حيث البستان التي تحيط بالدار. فهي بستان غير رسمية، تدخل هنا وتعبرها خطوط مرسومة لطريق مقترحة هناك. وخـط سـير الدواب من هناك.
أما فعل النباتات البرية، فهي الأولى بوصف عبثيتها، فلا حساب لديها للحدود الهندسية المرسومة، ولا المقترحة. فحيث هنـاك ماء، وشمس فهي هناك حتى ولو على حافة حائط اسمنتي. أو مهد مكسور على ناصية الطريق، أو مزبلة ركام. وعندما احتواه ذلك السـكون الصبـاحي. حيث شعر بأنه قد استيقظ مع الدنيا، وفي صحوها، قبل غيره مـن البشـر. فلسوف يبالغ لو قام قبل كل الأحياء. وإلا فسيكون مـن المسـهدين. أو المجانين. شجعه كل ذلك على القيام بتمارين رياضية صباحية. لا يحسن تكرارها يومياً، ولا آنياً. لأنها من عـادة الريـاضيين، أما ما يتقنه بُراق فليس أكثر من بعض تمارين اليوغا البسيطة التي درسها، وتمرن عليها مع طلاب قسم التمثيل في الجامعة. وهـو أبعـد الناس عن تفاصيل الفعاليات الرياضية. فهو ممن ينسون العد في التمارين. وممن لا يثبتـون عـلى قاعدة. وممن لهم عادات الاسترسال. أو الضجـر. أو الاستسـهال لهـذه الحركات. ولأنه أيضاً غير مقتنع بجدوى التمارين الرياضية. ما دامت  غير مرتبطة بفعل مادي حركيّ منتج. تماماً مثلما يعبر عن ضجره من بعض لعبات خلقت للتسلية. لكنها ومن تكرارها تعطي شعوراً بالملل. وتـوقف كل حماس للإبداع. فلا لعبة النرد تسليه، بل هي تضجره؛ إذا ما توقف العد والتقدم من جانبه. وكما يقولون إذا ما عكس الزار معه. أو حبس له (البببـول) حجـر فإنـه سيكون من المعطلين. يلاحظ فقط فوز خصمه عليه، على مضض. وهـو يتلهـى بعذاباته. لذلك يساعد خصمه على الفوز بأي ثمن مقبـول.
هـا هـو بُراق يـرى إلى قدميه وقد شطحتا، ليصل إلى شجرة اللوز التي أحبها. ربما لأنهـا تقـابل جدار بيته دائماً. ومن خلالها بدأ يتأمّل قدوم الفجـر المتهـادي فـي سيره إلى بلدته اللوزية والأسطورية معاً. أجل الأسطورية بكل أحجارها، وقلاعها، وحصونها. ربما لم ينتبه حتى أهلها لأسـطوريتها. فيهـا مـا عدا ابن عازب، ليت هذا الحجر يتكـلم عـن الأيـام الغـابرة. وأسـلوب معيشة هؤلاء الناس. هل يعقل أن البيوت كانت منفصلـة فعـلاً. وبهـذا البعد عن مجموعة القلاع تلـك. لا بـد أن سـوراً كـان يربطهـا ببعـض، وداخلها تتشكل البيوت، وتحتمي بها. إن هذه التلال ربما تكشـف يوماً ما الموقع التأريخي لها.
ربما يكون في مذكرات كرابيت كريكوريان ما يشير إلى هذا حتما. ونظر بُراق إلى البيوت البعيدة وقـد صـارت نصفهـا خلفه. وأحس كيف تنسرق الأشعة. أو تسـرق نفسـها منسـلة مـن بينهـا. منتقلة من جدار إلى آخر. كأن لها دبيب غير مسموع. هو حركة تقدم ضوء الأشعة. بينما تنحسر أشـعة الشـمس عـن بعضهـا. لأن بيـوت قرية العنق المرتفعة على تل تحجبها عنها. ورأها أمامه متطاولة زاد من اعتقاده بضخمامتها. ذلك الظل الممتد إلى خط غـير معلـوم. أو محدد، لتداخله، مع الأفياء الأخرى في بيوت البلدة. تخلق للناظر من فوق، وهو يحلّق هنا منظراً آيلاً لكي يصبح لوحة فنية لم ترسمها ريشة. ولم تصورها عدسة كاميرا. وإنما هي صـورة هلاميـة سـرعان مـا تتغـير، لتتشكل بألوان، وإضاءات، وحركات أخـرى، تتكـوّن مـع تغيـير الـوقت. لكنها حتما تعاد في اليوم التـالي لمـن حظـه سـعيد أن يتـوافق تـوقيت استيقاظه، وحضورها. آآآه يا له من سكون مريح. كأن شيئاً ساحراً قـد  احتوى المكان. وكأن روحاً هالكة قد أفرزت هواجسها فيه. آآآه ربمـا تكون روح مريم البريئة. وفطن لاستباقه للحـكم عـلى كونهـا بريئـة. ورغبته الملحة في ذلك. وتذكّر حادث يوم أمس، وقبله وكأنه فـي حـلم. كأن كل ما سمعه قد شاهده في منامه، وقال في نفسه: لا بد أن جثة الرجـل قـد أصبحـت الآن بحجـم البعـير، يـا للمـاء الزلال، ويا للقذارة .
في طريقه إلى الدار تفاجأ باقتراب رياض منه، وبادره بالتحية العاجلة، وهو يلهث، لأنه بحث عنه في أكثر من مكان، من شجرة اللوز، حتى شجرة الرمان قرب قرية الرأس، ولم يترك لعلامات التعجب لدى بُراق أن تستمر، ولا للسانه أن ينطق ببنت شفة، فبادره رياض بكونه يريد أن يبوح له بحلمه الذي أرّقه طوال ليلة أمس، وحتى بعد شربه الماء، والخروج إلى البستان، وارتياحه لسكون الليل، وهوائه العليل. وما أن فرغ من سرده، والتعبير عن هواجسه، قام بًراق بطمأنة رياض بأن حلمه، لا يعدو عن كونه انعكاساً لما سمع، وليس له علاقة بالمستقبل الذي سيؤول عاثر إليه، وإنما هي هواجسه هو، ومما سمعه من تخرصات، وتداعيات، وأوحى بُراق لرياض بأنه ربما يكون عاثر نفسه، قد خطط للرحيل إلى عالم آخر، فشل في اقناع زوجته مريم بالرحيل معه، ولربما حدث القتل بفعل فاعل آخر غير منظور، أو أن القتل حصل عن غير عمد، وهذا هو أهم سرّ لا بد أن نسعى للبحث حوله بروية وعقلانية، ولو أننا من بيئات أخرى مختلفة، ولكن جذور الخلفيات تمتد بعناصرها إلى منبع واحد، ولا نلوم، أو نتهم جزافاً، ونستبق الحكم، ونحكم به.
سارا معاً وهما يزفران حسرات على اضطراب الأمور في هاتين البلدتين المتقابلتين، وتأثر بعضها حتى على نفسيات الطلاب، وافترقا حال وصولهما باب الدار، فقد هرع رياض بروحية جديدة، ونشاط إلى ساحة المدرسة لينفس عن هواجسه برمي الكرة، وتصويبها للهدف، أما بُراق فقد  دخل البيت، وسار كل شيء يومها على ما يرام. ولم تسكت الأفواه حيث لا بد لها أن تمسك في بعض الأحيان بمكبرات الصوت. وتذيع كل شيء حسـب التوقيت، والأعلان المطلوب.
وجاء خبر عاجل مفاده: أن الرجل لم يكن في البئر، ولـم يجده أحد حتى الآن. ولقد وجدوا فقط عمامته، ونعاله المطـاطي،وعشـرة ريـالات خضر فكّر بُراق: ماذا فعل ابـن عـازب تحت إذن؟ ولم يـر إلى شيء، هل يعقل أن يكون هو من المتواطئين مع عاثر، وأهله. هل يمكن أن يرتشى رجل في مثل عمره؟ ربنـا أرحـم، وأسـتر. لا بـد أن يتعـرّض  الرجل هو الآخر للسؤال، أما عاثرفليس له من أثر. وثار أكثر من ألف سؤال، وقيلت ألف قصة على ألف لسان.
قالوا: إنهم إدعوا أنه سقط في البئر لكي ييسروا له سبيل الهرب.
وقالوا: إن أهل قرية الرأس أخرجوه سراّ، وخبأوه.
وقالوا: لا بد أن أحدهم قد ساعده .
وقالوا، ربما يكون أحدهم متواطىء معه .
وقالوا: إنها حيلة جهنمية، وراءها أمور قد تتبع. أللّهم استر.
وفكّر بُراق وقد استقر رأيه أخيراً. وارتسـمت عـلى وجهـه  ضحكة الرضا: إن نفس عاثر لا بد أن تبقى صامدة أمام كل مـوقف. ولا بـد أن يـبرهن أنه قد فعل هذا لسبب ما. وإنـه قـد حـبّذ الانتحار، ولكنه لم يجروء عندمـا وصل نهاية المطاف. ولكنه لم يستطع أن يقتل نفسه إذا لم يجد مفّراً، حتى يتأكد من ولادة الجنين.
وفي المدرسة جاءه معاون المديـر ليسـر إليـه نبـأ قبـول المنطقـة  التعليمية لفكرة تعليمه الصفوف الأولى في المدرسة الابتدائية. ولكـن إضافة لحصصه في المدرسة الثانوية، وعليه أن ينسق وقت فراغه، مع ما هو متوافق وحـصص هـذه الصفـوف. ربمـا يكـون مديـر المدرسـة الإبتدائيـة متعاوناً.

21

كم راودت نفس عاثر الطريد، أن يصارح زوجه مريم، وهو يطارحها الغرام، بخاصة وأنهما قد كتما خبر حملها، وضحكا كثيراً من تخرصات العامة حولهما، نشأ ذلك من خبث العرافة التي ترغب في استمرار الحالة للحصول على أموال أكثر، ومن الرجال: ابن قارن السوسة الناخرة في مجتمع بلدة الصدر، والقرى الأخرى بأطرافها، ومنها قرية الرأس نفسها، كان عاثر ومريم في هذه الليالي، عندما يرميان نفسيهما على السرير، وهما ينفضان عنهما غبار رحلات الرعي الطويلة، كل مع قطيع منفصل، في جهة مغايرة، فعاثر كان يتوجه إلى التلال الجنوبية ، وهي تتجه إلى الشرق، أو يجتمعان في قطيع واحد، فتتوحد معهما مشاعر ماعزهم، وكلابهم.
حاول عاثر أكثر من مرة المبادرة ليشرح لمريم فكرته في العبور،، عندما ترد سيرة الآبار، وهوايته في جوس أعماقها، واللذة القصوى للتأمل، والفرادة في التوحد مع النفس، يقولها، ويعبّر عنها كأنه عالم نفسي من غير أن يدرس علم النفس، فقط يعكس ما بداخله من خلال تجربته الذاتية، وبكل تلقائية، وفطرية، تلك الأجواء الغنية بعوالم عجيبة بما تتوفر عليه، ليس بالمياه العذبة، وإنما بالمغامرات التي يمخر فيها عاثر، ولا تصدقه مريم، بل ربما تماطله، أو تدعي عدم فهمها لما يقول، لكي تناكفه ليس إلا، وتبادر بأن ما يقوله ليس أكثر من خيالات ينسجها لها، وكأنه راو من الأزمنة الغابرة يحكي لها حكايات من ألف ليلة، وليلة، كما كان يرتجل لها لحناً مفاجأً على مزماره، يطربها ويبكيها، لكنها لا تأخذ كل الأمور على محمل الجد، وإنما بنوع من السخرية  المستحية، والحبيبة لنفسيهما، ولطول بال الراعي عاثر، حاول مصابراً التعّرض لمزايا الآبار ومزاعلها السرية التي جاسها، وتعرف على بعض أسرار الكثيرة، التي لم يتوصل إليها حتى ابن عازب المخضرم في المهنة، وهو من هواته فقط، ومما زاد عاثر جرأة، عودة كركريان القرش من غيابه الذي طال لثلاثة أشهر، ودعوته الناس للتصالح مع النفس، والتصافي بين الناس، ونشره لرسالة الأخوة والسلام.
حاول عاثر دائماً أن ينبه مريم إلى العالم الفاسد حولهما، وإلى أنهما يعيشان فيه رغماً عنهما، ولا يريد لمولودهما أن يُربى على هذه التقاليد المريضة، فاقترح على مريم أخيراً أن يهاجرا، فتبادر إلى ذهن زوجته إن هجرتهما ليست إلا ترك هذه البرية في الرعي، إلى مناطق أخرى في جبال الهامة، لهذا لم يطرأ على بال مريم أنها هجرة من نوع آخر، هجرة نهائية، يتركان فيها كل شيء، ما عدا ما خف وزنه، وغلا ثمنه المادي والمعنوي، ولا يأخذان غير ما يذكّرهما بالأهل، ومسقط الرأس، وبعض الهدايا الثمينة. وطبعاً أهم هدية هي ما تحملها في أحشائها، وهو الجنين.
وكان لتأثير غياب كركريان القرش المفاجئ أثره، بل حافز هام لعاثر، لكي يغري مريم بعد أشهر عدة، ربما أكثر من تسعة أشهر ليتحركان بسرعة، لاعتقاد عاثر بأن القرش سيقيم في السهل القريب من فتحة المزغل، منتظراً قدومهما، كما وعد عاثر، بأنه سوف يلحق به قبل أن يرحل إلى مكان آخر بعيدا عن سهل السلام، وعندما التقيا عاثر، والقرش لآخر مرة، حدثه عن مزايا العالم الثاني، وأن عاثر نفسه هو الوحيد من المؤهلين للاقدام على رحلة كهذه، لم يكن عاثر متصوراً أن القرش قد حسم أمره للرحيل، فقد تصور أنه قد عاد ليبقى مبشراً، ومرشداً للصلاح ضد الضلال، ولكن يبدو أن القرش قد يأس من محاولاته، وأحجم حتى عن السفر في أصقاع الأرض لحث الناس على الصلاح مفكراً بكل من سبقوه، والذين رجموا حتى الموت بدعاوي شتى، وتجريمات قبيحة، ألّبوا العامة لقتلهم دون وجه حق، وبلا أية أدلة ثبونية لاتهاماتهم، ولهذا قرر القرش بعدم جدوى البقاء، ولا فائدة بدق الماء، فلن يحصل غير على الماء نفسه.
وهكذا استثنى عاثر أي شيء لحمله معه، حتى كلبه المخلص، ربما يوكل لأخي مريم برعي قطيعي الماعز، ولا يدري ما الحجة التي سوف يحكيها لرجب، وهو من جهة طالب مدرسة، ومن جهة ثانية ليس له خبرة كبيرة في الرعي، لكن له حصص من ماعز القطيع، ومسؤولية أمام الأهل، لهذا هو أهم مرشح لذلك، أما اهتمام وحرص عاثر، فكان في أن يسير بمريم إلى حافة البئر، لينزل قبلها، ويترك الأمور الأخرى وراءهما، وقد اختار ليلة قمراء للمهمة الأخيرة، فيقوم بالمناوبة معها للنزول معه. إن مريم لم تكن لتعلم بقرار عاثر الحاسم، عندما دعاها لنزهة قرب البئر، لهذا صعقت، وهي ترى إلى زوجها، وهو ينزل في فوهة البئر، ويد يده لها، بينما الخطاطيف بيده الثانية، ويعلق البقية بملابسها فوق الكتفين، وعلى جوانب الخصرين، ولما كانت فوق بحملها الثقيل للجنين الذي تجاوز السبعة أشهر، استعصى على عاثر، وهو على الحافة أن يقطع الأنشوطة بأسنانه، فقام ليقطعها بالخنجر المعقوف الذي ارتد بعنف ليصيب خاصرة مريم العلوية من جهة الصدر، قرب القلب، فانبطحت مريم على حافة البئر، وعاثر في فوهة البئر تحت لا يدري كيف يتخلص من الخطاطيف التي تعلقت به، واشتبك هو بنسيجها، في غضون تلك اللحظات الحاسمة، بين الهرع لانقاذ الحبيبة، وبين الحرص على عدم الانزلاق إلى الأسفل، فيما اعترته نوبة من الفزع، والهلع، والجنون، هذه الحالة التي تصيب من في موقف كهذا فتفقده التركيز في التخلص من الخطاطيف بروية، وطول بال، ومن أين يأتي طول البال، والحبيبة بين الحياة والموت، وهي في حالة نزف في موقع خطر فوق فوهة البئر هي الأخرى، وكلما حاول النهوض للارتفاع عن مكانه ضمن فتحة البئر تنزلق قدماه تحته، وبين غياب مريم عن الوعي، والحركة، وبين محاولة النجاة من السقوط في البئر، في ذلك الليل الصامت، حرص عاثر ألا ينبس بأي صوت يثير من حوله، وما حوله، لكي لا يفتضح سر هروبهما، وقام الكلب بعمل رائع بسحب عاثر من فم البئر، وساعده على حمل مريم إلى باحة دارهم، بأسنانه القوية التي تشبثت بحزام وسط مريم، وأسجيت الضحية هناك، وعاثر وكلبه يلوبان، ولا يلويان على شيء، يبحث عاثر عن شيء يسد الجرح به، ويتحكم بالدم الشاخب، بنزيف لا يهدأ، رغم أن الخنجر قد انتزعه عاثر حال خروجه من البئر، واستقرار هلعه، فكيف عليه التصرف، والليل قد تسلط على المكان بسواده بعد غياب القمر، فخشي عاثر من أن يستنجد بأحد، ولا فائدة من الذهاب إلى ابن عازب الذي سوف يهرج بلدة الصدر بضوضائه، وتستفيق قرية الرأس على مرثية رهيبة، فلو أن كركريان القرش كان موجوداً لما استعصى عليه أية حالة، مثلما حصل لمريم، ولكان قد حسم الأمر بسرعة، ونجت مريم التي بدأت تغيب عن الوعي، بعد أن كانت تقاومها عند البئر، وفي الطريق، وصارت تشير لعاثر بالهرب، واللحاق بمصيره الذي قرره، فلو تأخر، لسوف تلاحقه التأويلات، والأسئلة من الأهالي، ومن الشرطة، فيفوت عليه برنامج لحاقه بالمهمة التي نوى أن يتمها، وهي الانتقال إلى العالم الثاني، عالم السلام، والأمان، ولسوف تستقر روحها، وتهدأ لو اطمأنت إلى مصير عاثر، فقام ليودعها مع تباشير الصباح، ويدعو لنفسيهما بولادة مبكرة سعيدة مهما كان جنس المولد.
وهكذا هرب عاثر ليختفي في البئر، وكل هواجس، وأذان سمعه متركز على حالة زوجه مريم، وحبيبته، وكان الكلب في كل خطوة يخطوها عاثر بعيداً عن مريم، وعن الدار تخلق حيرة لديه، فهل يبقى حارس للقتيلة، أو يذهب ليلاحق عاثر، ويطمئن عليه، ففضل بإيحاء من عاثر أن يقوم بحراسة مريم.
وأول من وجد مريم مسجية وهي تئن في آخر نفس بباحة الدار هو رجب أخوها، كان قد صحى قبل غيره، وقبل أذان الفجر ليستعد للذهاب إلى المدرسة، فرأى كلب عاثر مقبلاً نحوه، وهو يجرجر ثيابه، فتبعه رجب فوجد مريم على حالها، وما أن صحت قرية الرأس على الآذان، صحت في الوقت نفسه على مرثية مريم التي صارت مرثية بلدة الرأس الكبيرة كلها، وقصة غامضة تدور على كل الألسن.
في البئر وجد عاثر نفسه هائماً لا يلوي على شيء، فما هذا الذي حصل، وتمنى لو كان ذلك حلماً، أو إحدى تداعياته، لكنه وجد نفسه قابع في البئر لا يخشى من السقوط، والتعرض للدغ أية من الآفات، ولم يهدأ روعه، إلا بتذكر الجنين، ومريم أمله في أن يكون أحد قد استنجد  بممرض، أو ابن عازب، أو أية داية، وتخيل وجه الجنين الذي لا يعرف له جنس بعد، فهل سيكتب لكليهما النجاة، وحياة جديدة مريم والمولود، وطالت ساعات بقائه تحت في أعماق البئر منتظراً حلول الليل لكي يخرج، ويتقصى ما آلت إليه الأمور فوق، وكم أصاخ السمع ليعرف ما الأمر، فلم يسعفه أي صوت، وهو هنا في هذه البئر البعيدة قرب القلعة الأثرية.
ولما جنى الليل، لم يجد عاثر نفسه إلا وهو يرافق كلبه إلى سياج حوش دارهم، ليشرف على ما يمكن أن حصل، وما يحصل الآن، فقد وجد مريم مسيجية حيث هي في مكانها، لعل عمه يعرف أن الشرطة ستنزعج لو تم تحرك الضحية من مكانها، وها هو كلبه يجره من ذيل دشداشته، فيما يرى إلى هرولة، في الداخل، ونسوة يسبحن، ففرح لعل مريم استعادت قوتها، وهي تتشافى، ولكن أصوات النساء ليست فيها تباشير، ولا نغمتها، ورأى عمه واجم يجلس في بوابة الدار من الداخل، وامرأة تقول له ماذا تسمي المولودة يا عم جمعانة، وسمع العم، يقول بأمل، وحزن، رمانة، مريم رمانة سيكون اسم الطفلة. وحام عاثر حول الدار، وود لو أن له جناحان، أو قناع يستره ليدخل فيرى ابنته، ويطمئن على مريم.
ظلت حال عاثر مرعبة، وهو يحوم حول البيوت في الليـل قبل الدفن، ولا يفارق الجثة، ويذهب في النهار ليستقر في البئر في المكان الذي خمن ابن عازب وجوده، ولكي يبعد الناس عن البئر كان قد وضع عقاله، ونعاله جانباً بعد أن لوثها بالطين والكلب يرافقه، ويساعده، إلى أن يغيب. فيخـتبل الكـلب لغياب عاثر في قعر البئر، ويظهر صباحاً، فيعانق كل منهما الآخر، والكلب يلحس عاثر، و كأنه يعتب عليه لأنه لا يأخذه معه.
أما الوليدة فقد ظلت الآن عند المولدة، التي أودعتها لدى ابنتها، حتى تنجلي الأمور، ومن هناك بعد أن يحاكم عاثر تعطى البنت للخالتها،  فيفرح لأنه سيراها عند أخت مريم، وربما يأخذها معه، ويهيم في تصوراته وآماله، ويفرح عاثر لأن عمه الجد قد سمى البنت الوليدة بمريم رمانة.
في البئر استفاق عاثر على نسمة هواء هبت، وهو مستلقي في بداية الغار الملاصق للمزغل الخفي فيها، فتذكر حلمه المتكرر حول رمانة ومريم، ورمانة الصغيرة، فرمانة ابنة عمه قد جلست في أرجوحة متدلية من شجرة لوز باسقة بعظمة عملاق في قرية الرأس، وأمامها مريم وهي تحمل رمانة الصغيرة على راحتيها، تريد أن تريها المولودة لتباركها، قبل أن تعتلي مريم الأرجوحة المقابلة لأرجوحة رمانة، وما من أحد سوف يحمل رمانة الصغيرة أثناء تمرجحها، وها هي تتمرجح أماماً، وخلفاً على الأرجوحة التي تندفع أماماُ تقترب قدماها من قدمي رمانة في أرجوحتها المندفعة هي الأخرى باتجاه أرجوحة مريم، ولم يعد عاثر يجد رمانة الصغيرة في أي مكان، فقلق على الصغيرة، وعندما التفت رأى الأرجوحتان فارغتان، وهما ترتفعان فوق، وفوقهما وجد مريم، ورمان تطيران في الهواء، ورمانة تسحب مريم من يدها، وتغيبان في الأفق، فأيقن أي تيه ذهبتا إليه، وهو الآن في تيهه، وهربه، واختفائه في المزاغل لا يختلف عنهما. فقد  أراد للعائلة أن ترحل إلى وطن سعيد، ولا يدري ما هو..
وانقطع الحلم، ولم يتذكر عاثر أجزاؤه الأخرى غير أنه تذكر أقوال كريكوريان وهو يدعوه للرحيل بعده لكي يستقبله هو بنفسه في الوطن الجديد، ويعيش سعيداً هو ومريم وجنينهما رمانة قبل أن تولد، ولما سأله عاثر لماذا يود الرحيل، وهو عالم، وفاهم، وسعيد بعيداً عن أقاليم  سنجق الجسد، أشار كريكوريان إلى أنه قد رأى الكثير من المصائب، ولا يريد أن يحضر المزيد منها، فبعد أربعة عقود على اغتصاب وطنه أرمينيا من قبل الغزاة العثمانيون، غزا الصهاينة فلسطين، واحتلوا الأرض الجليلة، بإبادة الإنسان، والزرع، ولما سأله عاثر عن سبب الطلب منه ومن عائلته أن يرحلوا بعده، أجاب بأنه يرى الصيفية المقبلة غزواً آخر في حرب الست ساعات، يحتل فيه الغاصب الصهيوني أجزاء أكبر مما ناله في الثمانية وأربعين، وهو سادر في غيه مثل السرطان الذي قضى على رمانة، ويمهد لاحتلال العراق بعد خمس وخمسين وبضعة أشهر، في صبيحة يوم العشرين من آذار 2003. ستدوس القدم الشريرة أراضي الخصب والحضارة لتنهب وتسرق وتحرق كل ما يشير للذاكرة العراقية بمؤازرة أيدي عربية حقودة، وبعدها تصفى الدول العربية واحدة تلو الأخرى.
فماذا سيبقى لي وأنا لا أطيق أن أرى أمامي مذابح لملايين الناس حتى ولو كانوا في أعلى برجين في العالم، وبثمنهما يسرق العراق بكامله، وتبتلع أفغانستان كشوكة تغص بها أمريكا، فهل تريد أن تبقى لترى هذه الكوارث أمام عينيك، وهل ترضى لمولودك أن يعيش في عالم قاس، شعاره القوة، وشرب دماء البشر بلا شفقة، بل باستهانة، ومهانة، هؤلاء من مصاصي دماء البشر ليسوا إنسانيون إلا مع الحيوانات، ولربما للإعلام فقط، فأكثر المشاهير من رؤساء الدول لا يظهرون للعامة إلا وهم يمارسون العطف السادي مع كلابهم، فهل تحب أن تكون أحد هذه الكلاب، أو أن تكون كلبياً لا إنسانياً. تعال معي إلى عالم المحبة والسلام، سلام غير زائف، وعالم احترام المعرفة، وموطن الكلمات النيرة.
صار عاثر بعد استذكاره ما كرره عليه كريكوريان القرش أكثر عزماً في الهجرة إلى عالم الإنسانية، ولكنه متردد في أخذ رمانة الصغيرة معه، فلو أقدم على ذلك لاستثارت العملية الشرطة، ولسوف يحطمون كل أثر في قرية الرأس من أجل اثبات عكس ما يقال بين العامة، ولربما يقتادون عمه بدلاً عنه إلى الموت بقطع الرأس، ولهذا عليه أن يهاجر لوحده دون رمانة الصغيرة، أو حتى كلبه.

22

لم يبق في ذهن بُراق معنى محدداً قائماً كما يحدث في حالات جمود العين وشرودها، وإنما يحـاول الـذهن جـهده التفكـير بإمكانية التعرف على وجه الصبية المقتولة التي يستحيل أن يراها أي إنسان بعـد أن تدفن. لكن أخوها التلميذ يذكره بوجـه أنثـى رأهـا يـوم جـاء إلـى القرية. إنهم عندما يصفونها، تنطبق أوصافهم على الفتاة التي رأهـا، فقد وصفوها بالجرأة، رغم عمرها الصغـير.  بعمـر السادسـة عشـرة. عيناها واسعتان، وكم كثرت الإشارة لصفة هذه العيون التي تشبه العيون بنات المنطقة.
إن هذا الوصف تناهى من خلال سرد ابن العنقودي إلى بُراق عندمـا حدثه عن كل ما مرّ به وهو متفرّج في قرية الـرأس. فقـد تصـادف أن ذهب إلى تلك الدار،عصر ذلك اليوم. واليوم صباحاً. وها هو يحدّث بُراق عن صفاة مريم، ودقائق الحادث. جعله ينتقل مع صورة لوجه رجب أخو مريم تلك الراعية التي رأها وهو يسير في أيام قدومه الأولى إلى بلدة الصدر، وكان في طريقه إلى قرية الرأس  في خلوة لعصر بعـض الأيام. كانت واقفة بجرأة. ولم تخف أن يمر رجل غريب بجانبها. حتى وأنها لم تحاول أن تسحب حجاب الوجه الذي من واجبها أن تغطي على الأقل نصفه حتى العيون. بل ردت على سلامه، مبتسمة ببراءة. كانت مريم تضع على رأسـها قبعـة مـن الخـيش. وتصورهـا امـرأة مكسيكية. تقف فوق صخرة، وقد لوت ضراعيها فوق صدرها، أعلى الثديين. وبان من الأسفل سروالها الأسود الذي ضاق عند الكاحل. مطـرّز بـألوان مختلفة يغلب عليها اللون الأحمر .
وعندما رأت حملقته المذهولة لم تدار أي خجـل، وإنمـا داعبت خـروفاً صغيراً كان بقربها يحك رقبته بساقها. وقامت لتجاذبه أطراف حديث متقطع.  بين فضول، إلى تطلّع، إلى رغبة في التعرف على أخبار الدنيا خارج هـذا العالم الصغير. ها هي تنظر وراء الأفق لتتعرف بما وراء تلـك الجبـال التي قيل لها بأن ورائها تقبع آخر الدنيا، وبدأت تتجاذبه أفكار شتى، وهو يفكّر في قضية غوصه في وحل هذه المنطقة من جهة. وتعرفه على جمال، وبراءة بمثل ما وجده في من يتصورها مريم. إنه من جهة يتصوّر نفسه بـالضبط كأنه في حفرة كبيرة من الوحل المتحرّك. فإذا لم يبد بين لحظة، وأخرى بحركات استغاثة، ربما تكون واحدة منها رؤية وجه متألق مثل هذا. لوصل الوحل في يوم من الأيام إلى أنفه، ولأنتهى كل شيء بالنسبة إليه، لكن ابن العنقودي كان قد طمئن بُراق لأنه وجد فيه تألق الإبداع الفني، ووعي خاص لما حوله، وأهمه انشغاله في القراءة، والرسم.
في الليل استفاق بُراق على عواء كلب عاثر، وصوت خربشة كأن أحدهم يحاول فتح حقيبته التي يخزن فيها أشياؤه الثمينة، من الناحية الفكرية لا المادية، فقفز مفزوعاً ليتأكد من غلقها، ولا تزال الخربشة مستمرة بتكرار روتيني مرة، وانفعالات عوجاء لمرات، فانتبه لمصدر الصوت، فكان عليه أن يتجه إلى النافذة، وهناك وجد أن الريح كانت تحرك غصن شجرة لوز استطالت لتحتك بظلفة باب النافذة من الخارج.. وتذّكر بُراق أن عليه أن يقلم الشجرة أولاً، ويتزود بوجبة جديدة من مذكرات كريكوريان، ولم يجد نفسه إلى وجهاً لوجه مع ربيبه اليربوع ليتبادلا السلع بينهما، وعاد مسرعاً إلى غرفته قبل أن يفتقده أحد، وقبل مرور الليل. فدلف تحت لحافه، وبدأ يفتح الجديد من مذكرات القرش.
تبادر إلى ذهن بُراق كثير من المقاطع التي كان يكررها ابن عازب عن كريكوريان القرش، واهتماماته بالحوار مع غير المدنيين من أهالي القرى، وكان يقف ساعات ليحاور الرعاة، ومنهم عاثر الهامي، الذي يبدو أنهما قد عقدا صداقة ما، هذا ما لم يفهمه ابن عازب في تلك العشرة المبهمة بين مربي، وطبيب، وربما عالم في قبعة مدرس، مع راع جاهل، أيكون القرش قد أخفى سّر تعلمه النزول إلى أعماق الآبار من عاثر الهامي نفسه، مثلما فعل مع ابن عازب، لا يبدو هذا واضحاً لابن عازب، وكثيرا ما ساوره الشك عن جهل القرش بأمور كان ينصت ملياً لابن عازب نفسه، وبخاصة ما له علاقة بسبر أغوار الآبار، وإلا ما هذه العلاقة الحميمة بينهما، إضافة لتعلم القرش الكثير عن مسالك الدوروب من عاثر، وكان يجلس في بعض الأحيان لساعات، وعاثر يعزف على نايه، والقرش يتأمل، ويكتب، وبين فترة وأخرى يسأل القرش عاثر الهامي سؤال ما ، يتصادف أن يكون ابن عازب في جولة حش، ولمّ أعشابه من الفيافي البعيدة حيث المراعي التي يفضلها الماعز وعاثر والقرش، وعندما يقترب منهما ابن عازب يتظاهر كلاهما بأن ما يعرفه أحدهما عن الآخر لا يعدو سوى عن أمور عامة، وكثيراً ما يتظاهر القرش بانزعاجه من صمت عاثر أمامه، وهذا لا يبدي أي احتجاج.
وفكر بُراق بذلك الرابط بين كريكوريان القرش وابن عازب من جهة، وعاثر الهامي من جهة ثانية، فلماذا لم يشكلوا ثلاثياً، يتبادلون من خلاله المعارف، والتجارب كل بمنطقه، ومفرداته، ربما كانت هذه رغبة كريكوريان ألا يقيم علاقات جماعية، وإنما يود الانفراد بكل واحد على حدة لكي يصل إلى لغته الباطنية، ويستكشف دواخله، بأسلوب يروق لكلاهما، فيفضلها كلاهما، وهكذا أحب كل من ابن عازب، وعاثر كريكوريان، وقّدرا إنسانيته، ومعارفه وأسلوبه في التعلم قبل أن يعلم، وهو بحر في أساليب التعليم، بهذا الطبع كان يفرض احترامه، ووجاهته من غير التعالي على الآخرين، فمهما حمل من معارف يبقى هو بتقدير نفسه جاهل، يطلب العلم مهما كان، وممن كان، لهذا أحبه حتى أعداءه، فبدا من أهل الدار، وبمرور أقل من شهرين على وجوده دخل قلوب الناس، وظل طوال عامين هو المرشد بعد فقيه المنطقة.
وكم تصارعت لدى بُراق النوازع بعد تلك الرحلات التي رافقت وجود ابن العنقودي، وقبلها، وتبحر ابن العنقودي في الأسئلة، والاستدراكات، واشتركهما، هو وبُراق في التقرب من ابن عازب، ومن ثم تعرفه من خلالهما على مآثر كريكوريان، وعلاقته الحميمة بعاثر الهامي، فيقوم بمراجعة المذكرات لكي يكتشف بعض الرموز التي وضعها كريكوريان في متن مذكراته، أو هي بالأحرى توصياته، ولماذا تركها في الغار، ولم يهبها لأحد يستفيد منها، طالما قرر الغياب بلا عودة، فقد يكون غيابه خارج عن إرادته، وظلت هذه الأفكار تصارعه، هل يستزيد بُراق من المذكرات، فلربما تكون هناك وجبة أخرى متبقية، أو أنها ربما تكون مسودات لكريكوريان حاول اخفاءها حتى يهدم مبنى المدرسة، أو يتسنى لأحد اكتشافها بإيعاز من أحد، مثلاً اليرابيع نفسها، وتذكر بُراق حلمه مع الآرانب، وكيف قاده حلمه لرفع اللوحة، واكتشافه الغار، والقصاصات الورقية المقروضة في أرضية غرفة المرسم، أو على الطاولة ربما كان المقصود هو أول مدرس فن سيحتويه المرسم، وها هي المذكرات تصله هو بُراق بنفسه، تصور أنه هو الذي عانى لكي يجدها، لكن كل من يحتمل أن يوضع في موضعه سوف يجد المذكرات، أو يبحث عنها لمجرد معرفته بأن كريكوريان الذي يتحدث عنه  أكثر من واحد في المدرسة، والقرى المجاورة لبلدة الصدر. فيشير كلهم إلى أنه لم يكن باحثاً وطبيباً، بل مدرس فن، وساحر، أو داعية غريب الأطوار، وبخاصة في آخر أيامه.
كل هذه الأفكار تداعت لدى بُراق، فحسم أمره واتجه للمرسم لكي يقوم بعملية التبادل المعهودة، وما أن احتوته غرفة المرسم حتى وجد نفسه بمواجهة أمر غريب، هناك مواء يصدر عن الغار يشبه النحيب، فرفع بُراق اللوحة، ووجه بصره إلى الغار، فلم يجد علامات لترحاب من النوع الذي اعتاده، أو توقع لقدومه كما عهد، وقرب بُراق التورجلايت في فتحة الغار، ولم يجد أية التماعات في عيون اليربوع الأب، حتى شوارب الصغار، لم تبرز بفضول من حواف البوابة، فاحتار في الأمر، فأخذ يدق دقاته المعهودة، ومن ثم تنغم باللحن المعتاد، ولكن من غير أمل، فهناك جو من الصمت الساكن يرين، وحالة من الترقب، وبين فترة وأخرى يصدر عويلاً. فحزن بُراق للأمر، حاول مد إصبعه، ولكن لا إشارة، فتجرأ فمد كفه، ومع هذا لا حركة، أو ردة فعل، ولربما لأن اليرابيع الصغار، وأمهم، اطمأنوا لبُراق، ولكن ما هذا الصمت المرين، ولماذا العويل.
حاول بُراق أن يستدرج أياً منهم، لعل الأم تعرف لغة التفاهم معه، لكن لا أمل، ولا ردة فعل، فعزف بُراق عن إلحاحه، مؤجلاً ذلك ليوم آخر قد تعود الأمور إلى حالها السابق، لكن كل محاولات بُراق باءت بالفشل في كل مرة، وصار هناك شبه قطيعة، يوماً بعد يوم، وأسبوعاً بعد أسبوع، زاد من ذلك انشغال بُراق في الإعداد لمعرض المنطقة، والمنافسة، فجعل المرسم ورشة عمل لبعض طلابه المميزين لكي ينجزوا بعض اللوحات التي خططها، وعلمهم كيفية تنفيذها.
ومرت الأيام فحصلت المدرسة على جائزة المنطقة للفنون التشكيلية، وفرح الكل بما فيهم ابن قارن مدير المدرسة، لكنه لم يبارك لبُراق، وإنما جعل كل التهاني تجير لمجهوداته هو، بحجة أنه ملتهي بالتحضير لرحلة الحج، لمساعدة الحجاج.
وفعلاً فرغت القرى من أهلها، وبخاصة الرجال، والشباب، أما النساء، والصغار، والشيوخ فقد ظلوا في قراهم، إضافة لبُراق ويوسف اللذين قضوا أيامهم في جولات في البرية من غير مرافقة ابن عازب، راجع كلاهما أيامه السابقة، وهم يحصون كم من الأيام باقية على نهاية السنة الدراسية، وقرب موعد رحيلهما، واستلاكهما التصفية السنوية، وهي رواتب الأشهر الصيفية الثلاثة الباقية من العام، ويفكر كلاهما في كيفية قضاء الصيفية، ومنها استفسار بُراق الدائم عن رحلته إلى السويد، وهو يحضر مقترح الدراسة العليا التي يرجو أن تكون مقبولة في جامعة ستكهولم.
وفي أحاديثهما تطرق يوسف إلى غموض حالة كريكوريان، وماهية شخصيته، وهو لا يدري أبعاد شخصيته التي تعرف عليه بُراق من خلال مذكراته، ولربما يستعين بها كمادة لكي يدعم أطروحته عن علم أجناس مناطق، وأقاليم سنجق الجسد نفسه، حاول يوسف تشبيهه بشخصية من التراث العربي، فلم يجد سوى بطل ابن طفيل، حي بن يقظان، لهذا صاروا يشيرون إليه باسم كريكويان، قديس الأرمن كان سبب رغبة كريكوريان النزول إلى أعماق الأبار ربما للتأمل، وخوض تجربة التوحد مع الذات.
***
بعد انتهاء كابوس التحقيقات، والوصول إلى نتيجة أقرها المأمور ضاري، واطلاق سراح رجال قرية الرأس، ارتاح بال الناس، وبخاصة عم عاثر، لكن غصة كبيرة داخلته في غياب عاثر، وله أمل كبير في أن يعود ابن أخيه في يوم من الأيام على الأقل، ليري، ويعرف أن لديه ابنة، ولكي يحكي للناس سر اختفائه، وسرّ قتل مريم.
لكن بال العم انعم بنوع من الطمأنينة لأنه حصل على حفيدة تمثل كل من رمانة ابنته، وعاثر ابن أخيه، ومريم التي أحبها كابنته هي الأخرى، لما بذلته من جهود في مداراة رمانة أثناء مرضها، وحتى وفاتها، فتقرب منها، وجعلها بمثابة ابنته، وها هي الوليدة في أحضانه تناغيه، وتداري شيبه، لعل السنين القادمة تفاجئه بفرحة قريبة، وما عليه سوى أن يأخذ رمانة إلى شجرة رمانة التي تحمل ثمارها الرائعة.
حاول عم عاثر في يوم من الأيام تذوق ثمرة الرمان من الشجرة ذاتها فاستطابها، لقناعته بأن شجرة رمانة لن تؤذيه، فهي شجرة ابنته، وهي لا تريد له أي أذى، رغم تطير العامة منها، وحمل ذات يوم كمية منها، وعصرها، وسقى رمانة الصغيرة من العصير، فتورد خديها، وبرقت لمعة خاصة في عينيها، بل إنها أبرزت سنها الأول في شهرها الرابع، لعل العصير يساعدها على سرعة المشي مع الشهر السادس.
هكذا تمر الأيام سريعة في أقاليم الجسد من لبلاد غامد وزهران، عندما لا يكون هناك حدث جلل، أو مصيبة، ومراثي تتبعها، ولا بد أن هذا شمل كل البلدات، والقرى بما فيها بلدة الصدر، فبعد موسم الحج بدأ الكل يتهيأ لامتحانات نهاية السنة بما فيهم أهالي التلاميذ، والطلاب، غير عن همة المدرسين، وإدارة المدرسة، فزومط وهو يعد أسئلة التاريخ لم ينس حرف من مفردات السباب التي يكيلها لابن سيحان، وابن قارن وحتى للامتحانات نفسها، ربما تسربت واحدة من سبابه بين الأسئلة. وجاره يوسف رزقالله منمهك في إعداد أسئلة الجغرافيا، وحسن زيدان، ومحمد مفيد، ومدني، ومسعد وبقية المدرسين منهمكين في التكتم، ويحسدون رياض، وبُراق لخفة مهمتيهما، رغم أن رياض يدرس مادتين الإنجليزية، والرياضة أما بُراق فلمادة الفن التي قاربت على الانتهاء، وبعد أن حقق انتصاره في الفوز على مدارس المنطقة في موسم المعارض السنوية.
ولكن طقوس لعب الورق اليومية، وسماع أم كلثوم كل خميس لم تنقطع فهما طقسان لهما خصوصية لغالب المدرسين، وكم تذكر بُراق تفاعل رياض، وحماسه، وهو يرمي الورق بسرعة هائلة قائلاً، هاند، وهو بكل عنفوانه يطير، ويرفرف مع الورق الطائر عندما يوزعه، ويقع بعضه أرضاً، فلا تبدر من رياض أنه مارس فعلاً خطأ، لهذا لا يعتذر، بل يبتسم فتبان أسنانه اللؤلؤية لتعتذر نيابة عنه، وهو متأكد من مسكه الورق كأنه يمسك كرة طائرة، أو كرة سلة بيده، ولا تفلت من يده إلا عندما يتأكد أنها في الهدف، ولكنه مع توزيع الورق كثير ما يخطئ فيرمي ورق مسعد، لمجدي، وورق مدني لبُراق، وهكذا، أما مدني فلا تحركه حتى قنبلة لو مسك بيده الورق، ولا يهتم للتعليقات، ولا لغناء مسعد، أو بُراق، في الليلة كلها يرمي قنبلة واحدة، إما على شكل نكتة جوفاء، أو تعليق على أحد اللاعبين بقسوة جافة، ويغني مجدي ومسعد أغاني لأم كلثوم، خصوصاً الأيام التي لا تغني فيها سيدة الغناء العربي، ومن بين المشاهدين من يود أن يقحم البقية في خبر سياسي محلي، أو إقليمي، أو عالمي، فيقول محمد مفيد سمعت في الراديو أن ثورة الجزائر، وما تكبدته القوات الفرنسية من خسائر، وينتقل منها آخر للكلام عن الأزمة الاقتصادية، والآخر عن امكانية دفع التصفيات قبل موعد السفر بفترة، ولكن يوسف توقع أن يحدث شيء جلل قبل الرحيل، وسيضطر الكل تغير خطط سفرهم.
أما أهالي بلدة الصدر بما فيهم ابن عازب، ومن ليس لديهم من يدرس في مدرسة البلدة، أو خارجها، فتمر الأيام عليهم بنفس الرتابة، والملل، رغم أنهم بدأوا يتضايقون من اقتراب الصيف لشحة المياه، واشتداد الحر، أما الأهم فهو إقفال المدرسة لأكثر من شهرين، ورحيل المدرسين سبب كل الحركة في البلدة، والقرى المجاورة لها، وخفوت حركة البلدة، حتى التلاميذ والطلاب حزنوا للفراغ الذي سيصيبهم بملله، فلا ناد رياضي، أو ثقافي هنا، ولا تجمعات غير مجالس الرجال في الديوانيات، للمختار، وابن سيحان.
امتحن كل طلاب المدرسة بمستوييها الابتدائي، والمتوسط، وظل فقط تلاميذ الصف السادس، وطلاب الصف الثالث المتوسط بانتظار امتحانات الوزاري الذي يتصادف بعد أسبوع أو أكثر على توزيع نتائج طلاب الصفوف الأخرى، وحرص الأساتذة على اعطاء دروس إضافية للفصلين لكي تحصل المدرسة على أحسن نتائج في المنطقة، وهنا فقط بدا حماس كل من ابن قارن المدير، وابن الكافي معاونه إلى جانب المساعد ابن الشايع الذي كان يتحمل كل الوزر طوال السنة بلا كلل، ولا اعتراض، ولا لسان بسلب أو إيجاب، قام الاثنان بتشجيع أساتذة الرياضيات، والفيزياء، والعلوم، واللغة الإنجليزية وصارا أكثر تملقاً بالأساتذة، وقد تشجع ابن سيحان لكي يدعو المدرسين المتبرعين بالحصص الإضافية فقط، إلى وليمة فقيرة كوجهه البائس في ديوانيته، أشاد ابن قارن بها بكل صفاقة.
أما عن أخبار التصفيات الخاصة بالمدرسين المقاولين، فقبل ظهور نتائج الوزاري، بدأت اجراءات التصفيات في مديرية التعليم، كل هذا يعرفه المدرسون من خلال رحلات ابن سيحان المتكررة إلى مدينة الساحة لاستقصاء الأمور، وتطورات الوضع العام، ومن هناك تبث الاشاعات هنا، وهناك حول تأخر التصفيات يفبركها ابن قارب، ويطلقها ابن الكافي، ومنها أن التصفيات متأخرة هذا العام لأن الموظفين منهمكين بمتابعة أمور نتائج الامتحانات، وفرزها، كل هذا للتأثير على المدرسين المتعجلين في السفر لاصابتهم بالاحباط، أو تبث إشاعة بأن ليس لهذه السنة أية تصفية بقرار وزاري، ومع هذا فالمدرس المجرب لا يهتم، ولكن من يتأثر هؤلاء المرتبطين بجداول، ومواعيد مسبقة مع خطوط الطيران، غير المخطط المعد من قبل المديرية للسفر الذي تبرمجه كل عام، وبعض المدرسين سوف يعلقون لشهر في جدة، لا لشيء إلا لأنهم وضعوا في آخر القوائم، أو غيرها من الأمور التي تزدحم في الأماكن، وتختلط في المواعيد، لأن المدارس في بلاد أقاليم سنجق الجسد كلها قد بدأت موسم العطلة الصيفية، وأكثر من تسعين بالمائة منها من الوافدين المقاولين حتى أساتذة الجامعات في العاصمة الرئيسية نفسها.
من خلال القلق الجماعي الفطري، وانتشار الإشاعات، وهذه المرة إشاعات من نوع آخر، قد تبدو مثل الأساطير، ولكنها ليست بعيدة عن الشر المقبل، وكأن الناس في تطييرهم هذا، وقلقهم ينتظرون سيلاً هادراً يكتسح كل شيء، ولكنه سيل من نوع آخر، بعضهم ركض لتخزين المؤمنة، والآخر فكر في كيفية الهرب إلى الجبال، والثالث يود لو يصل إلى بلاده، كل هذا حصل من خلال همسات تتناقل بين الناس لخبر احتمال غلق الحدود، ولكن أية حدود هذه التي سوف تغلق فاالجزيرة الكبيرة منفتحة من الجهات الثلاث على بحار، وشمالها لا يحده أية دولة عدوة، فما هي دواعي الخوف، والهلع، إن التحذيرات السوفيتية من جهة، وإذاعات العرب، وبخاصة إذاعة صوت العرب التي تبث من القاهرة، فيها توجس، وتحسّب لتحركات عسكرية من العدو الإسرائيلي، ولا خبر من إسرائيلي عن أي استعداد، ولا أخبار من وسائل الإعلام الأمريكية، لكن الهواجس كلها تشير لكارثة ستحدث بين ليلة وضحاها.
ويأتي ابن عازب ليودع بُراق على عجل، ويهديه الخاتم الذي أودعه كريكوريان لديه، وأوصاه ألا يهبه إلا لمن يثق بأنه سوف يكون كفاُ لصيانيته، ومعه ورقة مكتوب بالأرمنية، أو الحبشية لتشابه الحروف، لعل من يقرأها يعرف سّر الخاتم، وكنهه، ويعرف بُراق الخاتم من مجرد النظر إليه، ويميز الأزرار المموهة التي تقود إليه، ويسأل بُراق ابن عازب: هل لبسه في إصبعه، فيجيبه هذا بأن من توصيات كريكوريان ألا ألبسه، ولي الصلاحية أن أضعه في خنصر من أزكيه، وها أنت قد استحقيت التقدير، لأن مواصفاتك، وعلمك، ومحتدك كلها تؤهلك لامتلاكه، والتحفظ عليه، ولربما في الورقة تعليمات تدل على ما يوصي به كريكوريان لمزايا الخاتم.
ويقوم ابن عازب بتلبيس بّراق الخاتم، وهو يقول: أنه لك، وأمانة أأتمنك عليها، ووصية عليك أن تنقلها للعالم كله. وما أن يحتوي الخاتم إصبع بُراق، حتى تعتريه موجة غامضة من التداعيات، تمر بلحظات، تغيم فيها عيناه فيحلق في فضاءات لازوردية، تتداعى لديه مختلف المعارف كأنها تمر كشريط فلم سريع الحركة، فيمسك بيد ابن عازب للحظة، ومن ثم يعود كما كان، والابتسامة تعلو وجهه، فيتفاجأ ابن عازب بابتسامة بُراق، ويتبادر إلى ذهن أن كرابيت القرش نفسه أمامه، فيولول، ويحتضن بُراق، وكأنه يستقبله بدلاً عن توديعه، وعلى شفتيه كلام مبهم، وفي سره يقول أههه أيها العزيز لقد افتقدك كثيراً، ولكنه يعي على نفسه، ويقوم بمراسيم توديع بُراق، فيفهم بُراق لتوه ما معنى ارتعاشات ابن عازب، وخفقان صدره، ربما هي تحية يرسلها لكريكوريان عبر ذاته هو، فيقول في سره: ها إنني أوصلها له أيها المحبوب ابن عازب ذو المواهب الفطرية الجمة.
في تلك اللحظة، وحتى لا تختلط الأمور على بُراق، قرر أن ينتزع الخاتم من يده، ويضعه في جيب داخلي في محفظته، فساعده ابن عازب على نزع الخاتم، وهما يتكتمان على الأمر معاً.
عمت حالة التوجس بشكل خاص المدرسين الوافدين، وبخاصة لما تجمعوا في مديرية التعليم لمدينة الساحة، وهم يتسلمون تصفياتهم، ويركب كل مجموعة باص خشبي للتوجه إلى الطائف، ومنها بالطائرة إلى جدة حيث إجراءات السفر بالطائرات كل إلى وجهته، ترافق يوسف، وبُراق الدرب، ونزلا في شقة نصييف الذي كان  على وشك الرحيل إلى الوطن، لأنه قد رتب أموره مسبقاً، وسلمهم مفاتيح الشقة، وفي اليوم التالي رحلا معاً إلى جدة ليقيما بنفس الفندق الذي حلا به أول وصولهم للبلاد، وذهبا إلى كازينو الشاطئ، ليلتقيا بمجاميع من المدرسين الذين وصلوا من أطراف أخرى من أقاليم الجسد نفسها، فتوزعوا شلل هنا، وهناك، ولم يكن يشغلهم كلهم سوى أمور الرحيل المبكر أولاً، وتوارد الإشاعات عن حلول مصاب لا أحد يعرفه، ولهذا لم تخلوا لمة من ثلة مدرسين إلا والحديث يدور عن الاحتمالات، وهم يشاهدون التلفزيون الذي ينقل الصوت بلا صورة، وهناك “كابشن” قطعة مكتوب عليها نشرة الأخبار، وآخر أغنية لأم كلثوم، وهكذا.
في منتصف ليلة الرابع على الخامس من حزيران\ يوليو، وبعد أن انتهى دور لعب الورق في الفندق بين بُراق، يوسف، وثلاثة آخرين من نفس طابق الفندق تعارفا عليهم في مقهى الشاطئ، ولجأ كل منهم إلى فراشه، تواردت ليوسف خواطر، وهو يتحسب لكيفية قضاء العطلة بعيداً عن الأهل، ومن إغفاءته الأولى رأى أمه تحمل طاسة مملوءة بالتراب، ومفتاح، وهي تهرب باتجاهه، وتحذره من القدوم، من العبور، وما أن يحاول الاقتراب منها، وتقصر المسافة يجد أن المسافة تطول، ولا تمر لحظة حتى يمتد حاجز من السياج الشائك، وراء أمه، وتبدأ هي في الهرب باتجاهه، وبيديه طاسة التراب، والمفتاح، ويوسف يحاول الوصول إليها، لكنها تضطر لعبور نهر بعد أن عجزت عن المرور على جسر قصفته طائرات عدوة، وأمه تصرخ وجسدها نصفه في الماء رافعة يديها فوق للمحافظة على التراب، والمفتاح، تنادي يوسف بصوت ملكلوم، ها نحن نطرد كما حصل لك، فلا تبادر بالعبور، سنلتقي في المنفى قريباً، ولكن الأم تغطس في الماء، ويوسف يهرع لانقاذها، ولم يجد نفسه إلا وهو يغوص، يفتش تحت الماء، لكن لا أثر لأمه، فيحاول تجنب الاختناق، ويرفع رأسه وإذ ببُراق يوقظه، وهو يصرخ بيوسف، قم يا يوسف، حصل مصاب كبير.
يستيقظ يوسف وهو ما يزال في فراشه، ويسمع أصوات تأتي من الشارع، الموت لإسرائيل فلتسقط أمريكا، ولم يترك يوسف مجالاً للتردد، فتناول الراديو الترانزستر، ليدير الموجة على قناة مونتيكالو بالفرنسية، ويسمع ما هاله، وهو أن الطائرات الإسرائيلية قد دمرت بدقائق أسطول الطائرات المصرية الرابضة في مطاراتها، وذلك في هجمة مباغتة فجر اليوم، وبهذا تكون إسرائيل بخطفة سريعة قد بدأت، وأنهت الحرب في ست دقائق، وجيشها على أهبة الاستعداد لأي تحرك من دول المواجهة العربية، والهدوء يلف إسرائيل، ولكن عشرات الألوف من النازحين يركضون باتجاه الحدود القريبة، وبخاصة معبر نهر الأردن، الذي قصف جسره الوحيد.
ظل بُراق ساهماً، وهو يتلقف نتف مما فهمه بالفرنسية، كان قد أدار عقارب الراديو الآخر على إذاعة صوت العرب، وهو يشيد ببسالة القوات في سيناء، وعلى المحاور العربية الأخرى في سوريا، والأردن، وجنوب لبنان، واستعداد الجيش العراقي للحركة لاسترداد ما تم احتلاله في عام 1948، وتتوارد الأناشيد الحماسية، وأصوات المذيعين تتناوب تبادل الفرح، والانتصارات، انعكس ذلك في الشارع، أما وجه يوسف فقد امتقع، واصفر، وأقفل كلاهما الراديو، وجلس يوسف يشرح لبُراق الحقائق بعيداً عن الأوهام العربية.
في الشارع تكاثرت التجمعات، وعلت الهتافات، وانسابت الأمور بلا سيطرة واضحة من السلطات، وكأن حالة من الوجوم، والصدمة والترقب تدور لدى الكل، وفي مقهى الشاطي وقفت المجموعات، ولم تجلس، وكل فئة تقترح شيء، ويعلو صوت من هنا علينا أن نتطوع، ونسافر مباشرة إلى فلسطين، وآخر علينا جمع التبرعات للمنكوبين، وآخر أنا أتبرع بكل التصفية لنقل المتطوعين، وغيره، أنا أطالب بأن تسلحنا الدولة، فيسكت من ردة الفعل المباغتة، ويتيه كل واحد في أموره، وحساباته، ولكن بعض التجمعات ممن هم على درب واحد، كالأردن، وسوريا ولبنان، ومن أبناء الضفة الغربية توصلوا لاستئجار سيارات تنقلهم إلى بلادهم على وجه السرعة مادمت الرحلات الجوية معطلة إلى حين، ولن ينتظروا الحالة الغوغائية الإعلامية ومنها والمبالغة في المعلومات الإيجابية، لا أحد يعرف الواقع إلا من هو قريب من الحدث، وجاء يوسف ليودع بُراق على عجل، وبُراق واجم لا يدري ما يفعل، فقد كانت ترتيباته هي للسفر من جدة إلى السويد مباشرة، ولكن الأمور تغيرت، وبقائه هنا، بينما كل المدرسين قد وجدوا حلولاً لهم، وطرق عودتهم، ونجاتهم، فما عليه أن يفعل، وقد اعتراه الحماس هو الآخر، عليه أن يصل للبلاد للالتحاق بالخدمة العسكرية، لينضم لمن يدافعون عن الأرض السليبة، ولحسن الحظ أن الخطوط المحلية تسير رحلاتها، فحجز بُراق إلى لإقليم مجد برفقة، ثلاثة أجروا سيارة للدخول إلى الوطن من جنوبه، يعدون الساعات وهم يقطعون الصحاري، ويستمعون إلى الأخبار التي تشيد وتمجد بالبطولات العربية، وخسارة إسرائيل.
ومع أول موجهة لموظف الجوازات العراقي، لاقى بُراق كل شيء مختلف هنا، فالحرب انتهت قبل أن تبدأ القوات بالتحرك، وفي إحدى المقاهي على الدرب إلى بغداد شاهد بُراق مشاهد الجنود المندحرين في سيناء، وانسحاب الجيوش العربية من الجولان، ودخول القوات الإسرائيلية دون مقاومة، وبدا الأمر وكأن مآتم تعم الأوطان، والكل في وجوم، وأحدهم يرمي الخطأ على الآخر، كأبة وكفر بكل شيء، وصار الإعلام العربي يدين الحلفاء، وأولهم الاتحاد السوفيتي، ولا يشيرون إلى عجزهم وتهاونهم، وصارت فرصة للحكومات العسكرية العربية، أن تستغل حالات الطوارئ لتعلن محرماتها من جديد، ومنها منع السفر.
في ظل هذه الظروف، وخسارات وطنية، وشخصية، وبعد مرور شهر على النكسة، بدأ بُراق التفكير بالعودة إلى إقليم سنجق الجسد، في بلاد غامد وزهران، وقد اشتاق لبلدة الصدر، وطلابه، ومرسمه، وإلى ما آلته إليه عائلة اليرابيع الجميلة. وأهم من كل هذا أنه كان قد أعاد المخطوط إلى مكانه في الغار، وهو المكان الآمن الوحيد لحفظ أسرار كرابيت القرش، بعد أن حصل على الخاتم من ابن عازب. الذي أكد له بكلماته السريعة البسيطة، أن الخاتم الذي سليبسه في خنصره، هو مفتاح المعلومات، وبه سوف تنتقل إلى ذاكرته تلقائياً ما لم يجده في المخطوط، بل أن كل سؤال سيخطر على باله لسوف يأتيه الجواب تخاطرياً عبر الإشعاعات التي ترسلها كائنات العالم إليه، لهذا لم يعد المخطوط هو الأمر الوحيد الهام لتركات كرابيت، إلا لكونه وثيقة تاريخية، لاثبات المعلومات لو احتاج الأمر لذلك، هذه القناعات كلها تمت بعد أن تأكد من ابن عازب أن ما في مفاتيح الخاتم من ملفات، وأسرار قد تعوض عن المخطوط، وأنه المدخل لكل أسرار كرابيت عن العالم الثاني، ومع هذا لم يجرأ بُراق على وضع الخاتم في بنصره إلى حين استتباب الأمور السياسية، بشكل معقول، ولربما يكون أهم من كل شيء أن يكون قريب من ابن عازب، وعالم كرابيت، فعزم أمره وتوجه إلى سفارة شبه الجزيرة.
وبمراجعته للسفارة لتجديد عقده، وترتيب أمور سفره من جديد مع موعد التحضيرات للعام الدراسي القادم، وهو منتصف آب\ أغسطس، ينسبه الملحق إلى شرق الجزيرة، في محيط الخليج حيث أبار النفط، وعلى الرغم من أن بُراق فرح بأن يكون قريباً من موقع عمل ابن العنقودي، غير أنه لا يمكن أن يترك مهمته التي أوكلت إليه، لمتابعة التحقيق في أمر تركات كرابيت وهي المخطوط ومصير اليرابيع، وبالتالي ربما الالتقاء بعاثر الهامي، الذي لا بد أن يكون هو الدليل لكل هذه الأسرار. فأصرّ على الملحق المختص بالبعثات الدراسية، أن يعيده إلى بلدة الصدر، فهي وأهلها والقرى المجاورة قد أثروا فيه، وربطته بهم وشائج كثيرة. ويقوم الملحق التعليمي بالتفتيش عن بلدة الصدر التي خدم فيها بُراق، وقُراها على الخارطة التي لديه في السفارة فلا يجد لاسم بلدة الصدر التي ذكرها بُراق ولا للقرى المجاورة أي وجود، ويقول الملحق لبُراق: عليك مراجعة معلوماتك، فلربما تكون واهم، فلبلدة التي عشت فيها، ودرّست طلابها هي إما مدينة خيالية، أو مدينة أثرية انقرض أهلها، سجلت المعلومات الجيولوجية أنها كانت قد جرفتها السيول، فهنا على الخارطة لدينا، إقليم نجد وبلداته، وإقليم الحجاز وتوابعه، ومنها بلاد غامد وزهران كما ذكرت يا أستاذ بُراق، أما أسماء البلدات التي ذكرتها، فليست كما سميتها.
وصار يعدد له البلدات، والمدن والقرى من شرق شبه الجزيرة العربية على الخليج العربي، إلى غربها على البحر الأحمر، ومن عرعر، إلى نجران، والدمام إلى الربع الخالي، فلا إشارة لبلدات مثل بلدة الصدر، والرأس، وغيرها، بل إن أسماء لبلدات في غامد وزهران هي: الباحة، بني ساري، آل موسى، القحف، القرن، والأطاولة، مشيراً إلى مواقعها والأسماء مكتوبة بخط النسخ على الخارطة، مما جعل بُراق يحتار إلى حد الانهيار، ويخرج بخيبة أمل، وكاد أن يصرخ بالملحق، ويفاجئه بأسماء الأشخاص، ويريه الخاتم، لكنه فّضل الانسحاب لكي يعود من جديد لمقابلة الملحق الثقافي، واذا اقتضى الأمر السفير، ربما أوهمه هذا الملحق باستخدامه خارطة مزيفة للبلد الذي زاره، وعاش فيه سنة دراسية كاملة.
ولم يغلب اليأس على بُراق، إذ كان يراجع كل أسبوع مرتين في بدايته، وفي نهايته، ولم يدر بأن المخابرات العراقية تلاحقه، حتى اصطادته، لتسجنه بحجة أنه شيوعي، عميل لدولة ملكية، وما أن يتفحص ضابط التحقيقات موجودات بُراق، فيعثر على الخاتم في حوزته، فيتأكد أن هذا الخاتم من الدولة الملكية، وهو برهان عمالته، وسبب نكسة حزيران، وضياع الجولان، ويأمر بتوقيفه على ذمة التحقيق الذي لا نهاية له. وفي السجن يحذر بُراق من تمادي السلطة، فهم وغيرهم من السلطات تاجروا بفلسطين حتى أضاعوها، ولسوف يضيعون الوطن معهم، وكثرة ما ردد من معلومات وصمه حتى السجناء السياسيين بالجنون، فيبقى مهملاً لا أحد يقترب منه أحد.
وتزوره أخته في السجن لتقرأ له رسالة وصلتها من الخارجية السويدية، عن موت أخيه يوسف في السويد بأزمة قلبية نتيجة لسماعه أخبار الحرب، وهكذا ضاع كل أمل لبُراق، أن يرى الأخ الذي صارع في سبيل أن يلتقه مجدداً، ربما كان سينير له الكثير من الأمور والتساؤلات التي لازمته، وضاعت أيضاً فرصة تسجيل مذكرات كريكوريان في أكاديمية علمية، في الوقت الذي يقبع خاتمه في صندوق أمانات السجن حتى إشعار آخر.

مؤلفات
الدكتور فاروق أوهان

المسرحيات:

•    المقامة الغجرية 1994. سيرة الفارس والعنقاء، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1998.
•    أغاني الحب والعمل. مقلاع جالود في ساعة الصفر، دار مكتبة الحياة، لبنان 1997.
•    ملحمة هبوط وصعود إنكيدو 2005. عبور العذارى، زهور الفردودوس، سيدة المترو الأصفر، رماد الذكريات، مساخر ملهى كروان البغدادي 2010، مركز الحضارة العربية بالقاهرة.
•    نخيل بلا رؤوس، مسرحيتان في كتاب “القفز إلى العدم. العوم في مستنقع، عن دار ضفاف 2013.
•    القصة:
•    الحصان والثلج، دار مكتبة الحياة، لبنان 1997.
•    هديل على الحدود، دار سينا، القاهرة 1997.
•    رسائل حب من نيرغال، دار الانتشار 1999 لبنان.
•    البحر يغرق. جنية الشفق، مركز الحضارة العربية 2000 مصر.
الرواية:
•    هو الذي جاء إلى عالم فوهان. مراثي بني غامد وزهران، عن دار ضفاف 2013 .

كتب الدراسات:
•    أفاق تطويع التراث العربي للمسرح 1999 وزارة الإعلام والثقافة.
•    من الاحتفال الشعبي إلى المسرح، ندوة الثقافة والعلوم 1999.
•    درامية السير الدينية 2005 مركز الحضارة العربية بمصر.
•    الأبعاد الدرامية للسير الدينية 2005 دار الانتشار العربي ببيروت.
•    بيدبا الحكيم في البلاغ السليم، صياغة درامية معاصرة لحكايات كليلة، ودمنة، دار ضفاف 2013.

كتب تحت الطبع:

المسرحيات:
•    نوافذ على وطن الإبريز، مسرحيتان في كتاب “مولد وطن. نوافذ بلد”.
•    العطاء والماء، مسرحيتان في كتاب “عطايا السماء السبع. يبقى الماء”.
•    القصة والسرديات:
•    زهرة لوز قانية. كان لي. ابتهالات إلى شجرة الخيليبو. أحلام الغسق. هكذا حدثني إنكي.

الرواية:
•    قمر الجبل. دموع “عين كبريت”.
•    البحث والدراسات:
•    أبراج الروح أعمدة الجسد، كتاب في قواعد تدريب الممثل العربي بالنمط المشرقي.
•    الصولجان، والقلب: دراسة تحليلية في مسرح سعد الله ونوس.
•    هيا نحلم، دراسة في تحليل، وتمثيل، وإخراج مسرحية أمام الجمهور.
•    اختراق الُلّب: دراسة تحليلية في مختارات من مسرح شكسبير.
•    حبات العنقود: محاورات في مصادر البحث والإبداع.
•    ثمرة الإبداع من شجرة الإيناع: دراسات نقدية.
•    سمر المقاهي، حصاد لا متناهي: في منتديات الباحثين.
•    تحرير المسرح العربي من تبعية المسرح الأوروبي.
•    أوغانون 2020 في النظرية المسرحية.
•    حتى 2013

عناوين ومواقع المؤلف:
https://sites.google.com/site/faroukohan/
http://www.alfnonaljamela.com/art/artical.php?art=146
Facebook:  http://www.facebook.com/greg.fohan?ref=tn_tnmn
Email address: drfohan@gmail.com
drfohan@yahoo.ca

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| كريم عبدالله : كلّما ناديتكِ تجرّحتْ حنجرتي.

مُذ أول هجرة إليكِ وأنا أفقدُ دموعي زخّةً إثرَ زخّة أيتُها القصيدة الخديجة الباهتة المشاعر …

| آمال عوّاد رضوان : حَنَان تُلَمِّعُ الْأَحْذِيَة؟.

     مَا أَنْ أَبْصَرَتْ عَيْنَاهَا الْيَقِظَتَانِ سَوَادَ حِذَائِهِ اللَّامِعِ، حَتَّى غَمَرَتْهَا مَوْجَةُ ذِكْرَيَاتٍ هَادِرَة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *