د. حسين سرمك حسن : يحيى السماوي في “أطفئيني بنارك” : نفثة حارقة للمراهقة الثانية

hussein 7(طلع العشق علينا
فاخلعي ثوبيك والنعل
فلا عين ترانا في طوى العشق
سوى العشب الفراشات الخزامى
والهزار
ثغرك الجل وثغري النار
هل كان سينمو
قبل ان نسقيه نبض اللثم
ورد الجلنار)
صدرت هذا الأسبوع عن دار تموز في دمشق المجموعة الثانية والعشرون للشاعر “يحيى السماوي” ، وعنوانها “أطقئيني بنارك” . ضمت المجموعة اثنين وعشرين نصّاً من قصائد التفعيلة والعمود منها : البشيرة ، محاولات فاشلة ، إسراء نحو فردوسها ، الوصول الى اليابسة ، رغيف من الشبق على مائدة العفاف ، ضجر ، باقة نبض ، تفاحة .. وغيرها . وهي نصوص وجدانية ملتهبة وماكرة تمرّر ما هو حسّي تحت غطاء ما هو صوفي . وفي هذه المجموعة – كما قلنا عن مجموعته السابقة “مناديل من حرير الكلمات” – تتألق ، وبدرجة هائلة ، روح المراهقة الثانية المباركة لتتجسد آيات من شوق راعف وحارق لا يكتفي إلّا بالتهام المحبوب تحت أغطيّة التعفف :yahia 11(عرّيتُ جذعكِ
فارتديني
وتستّري بي
واستريني
نسج الفراتُ لنا الدجى
ثوباً
وعطر الياسمينِ
فلتلحفي بأضالعي
وبدفْ نهديكِ الحفيني ) (قصيدة رغيف من الشبق على مائدة العفاف)
كما اسهمت “السمة التحرّشية” أيضاً في تأجيج حساسية المتلقّي ، من خلال هذا المزج الخلاق بين تفاصيل حييّة للمدنّس الأرضي الباذخ ، بإيحاءات المقدّس المتعالي المؤصّل في النفوس عبر تاريخ طويل من المهابة واعتبارات الخشية . الشاعر الجسور يعيد ما هو مهيب من محيط الروحاني إلى أصله الذي انطلق منه وهو نبع الجسد الأنثوي الكريم :
(إنني في سَفَرٍ لا ينتهي بين سماواتك
ما أن أختم الرحلة
حتى تعلن اللذة عن ميلاد أخرى
هيّئي للطلق صبراً
إن بعد العسر يسر
ماؤنا ينبىء
عن
هدهد بشرى ) (قصيدة افتضاح) .
kh yahiaكما تتجلى أيضاً السمة السردية التي أسهمت في تعزيز تماسك النصوص خصوصاً ما هو عمودي منها ، وقد تدعّمت هذه السمة بخاصية مضافة هي “الحوار” الخارجي والداخلي :
(واقفا كنت وراء الباب
شحاذاً ظميء النبض
استجدي الرواق
وقع اقدامك
أستعطف جفن الحارس الليلي أن يطبق
مرّت ساعة غرثى .. وأخرى ) (قصيدة : موعد) .
وفي كل أعماله لا يستطيع يحيى نسيان محنة وطنه الجحيمية التي يمرّ بها حيث تّقطع أوصاله ويُصلب كل لحظة :
(فما عدنا نميّز
هل سخاماً كان ظلّ الجفنِ ؟
أم كُحلا؟
وهل قاضي القضاة بدولة الفرهود
يقضي بيننا بالعدل
ليس لديه فرق
بين لص جائع سرق الرغيف
وبين اصحاب القخامة والمعالي والسعادة
يسرقون النهر والابقار والمحراث
والفلاح والحقلا ؟
كذيت عليكِ
حين زعمت أن عراقنا الكهل المقرّح
سوف يرجع من جديد ساحرا
طفلا ) (قصيدة : كذبتُ عليكِ .. كذبتُ عليّ) .
وقد حقق يحيى السماوي مثابات إنجازية باهرة خلال مسيرته الشعرية الطويلة فقد حاز ديوانه قلبي على وطني جائزة أفضل ديوان شعري في الملتقى العربي في أبها عام 1992 .
وحاز ديوانه هذه خيمتي فاين الوطن جائزة مؤسسة ابن تركي للابداع الشعري برعاية جامعة الدول العربية عام 1998 .
وحاز ديوانه نقوش على جذع نخلة جائزة البابطين لافضل ديوان شعر عام 2008 .
وحظيت تجربته الشعرية بالعديد من الدراسات والبحوث الأكاديمية لنيل شهادة الماجستير والدكتوراه في جامعات عراقية وعربية وأجنبية . وتناولها عدد من النقاد العراقيين والعرب في كتب نقدية مستقلة .

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. صادق المخزومي  : قصيدة الرصيف للشاعر صباح أمين – قراءة أنثروبولوجية.

مقدمة من مضمار مشروعنا ” انثروبولوجيا الأدب الشعبي في النجف: وجوه وأصوات في عوالم التراجيديا” …

| خالد جواد شبيل  : وقفة من داخل “إرسي” سلام إبراهيم.

منذ أن أسقط الدكتاتور وتنفس الشعب العراقي الصعداء، حدث أن اكتسح سيل من الروايات المكتبات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *