كثيرا ما كنت اصرخ واتوسل الى الناس الذين تربطني بهم وشيجة ما : انني اعيش في خطر . وانني محاصر . وان كائنات شرسة عدائية اقل ما فيها القتل تترصدني . ولكن لا احد ينصت لي او تهمّه اقوالي او صراخي وتوسلاتي من قريب او بعيد .
كنت على مقربة ممن كنت اشكو حالي له وكانت في يديه القدرة على المبادرة ولكن لم يكن يهمهم امري . قلت لهم :
– دعوني واحدا منكم ، اضيف الى عددكم رقما ، نعيش مع بعض حتى اذا ما حضر اعدائي يروني قربكم فياخذوا حذرهم مني . نحن يا اخوتي نعيش في زمن الغباء والقحط حيث لاقانون الا للتبجح .فاجابوني :
– وما ذنبنا ان نتعرض لخطر اعدائك . لماذا لاتدعنا في اماننا وتمضي انت الى مواجهة خطرك ؟
يبدو انهم لم يكونوا ليشعروا بخطر ما اشعر به . او يكون الخطر موجها نحوي وحدي . ربما هم محقون في بعض ذلك . ذلك ان لاخطر موجها ضدهم . قلت لهم :
– ولكن الخطر مثل الصياد لا يخطئ فرد الجماعة اكثر مما يصيب الفرد . ولم اكن اتمنى ذلك لاحد منهم ولكني كنت ارجو الخلاص من وحدتي لذلك ناشدتهم قبل ان اعود القهقرى ، بلهجة المتوسل الغريق :– وهل اهون عليكم انا ؟ . الم اكن واحدا منكم ؟
فاجابوني بلهجة واثقة لاغبار فيها وكانت تدل على تصميمهم على مغادرتي :
– يهون علينا ماهان على الهك وقدرك .
اذ من يضمن الاله والقدر ، وهما هلاميان ومجهولان ؟ . فمن يتاكد مما يجيء باسمهما وتحت يافطتهما ؟
فغادرت الى خريبتي بعيدا عنهم قريبا من قريتهم التي لي حق فيها كما لهم تاركا ، مرغما ، حقوقي كلها لكثرتهم وقلتي . وكانت خريبتي لاتبعد عنهم كثيرا . هم يعيشون في مخيم وانا في خريبة مهجورة . وكنت ارى في خريبتي مكانا متقدما او موقعا لهزيمة قديمة او هي مرصد لاستمكان العدو الذي جمع حطامه وعاد ولا يدري ان من يسكنها الان غير ذاك الذي قاتله سابقا .
كانت خريبتي مفتوحة الجدران مخلوعة الشبابيك وبلا ابواب . وكان الخطر يداهمني من كل الاتجاهات في كل ليلة ولغاية كل صباح . اصوات تخرج من العراء واصوات من داخل نفسي كانت تختلط حتى اني بت لا اميز ماهو لي وماهو عليّ . كانت لدينا شراكة وانا معهم بنادق رشاشة واخرى مفردة مع عتاد وافر ولكنهم حين غادرتهم مرغما ، كانت حصتي منها تلك “الحربة” وهي سكين بنتوءات تركب على سبطانة البندقية لقتال المدن ويسمونها السلاح الابيض والتي لاتعني لوحدها شيئا وفي مثل حالتي ، لكثرة وشراسة اعدائي ووحدتي .
اشياء كثيرة كانت تدور بخلدي ومنها ذلك التساؤل عما جعلهم يتكلمون عن الهي وقدري . وكنت اتساءل كيف حكموا عليّ وان احدا لم ير او يسمع الهي او قدري ولماذا يفردونني مثل حبة في سبحة ، ثم يقولون ان ذلك الاله تواطا هو والقدر بالاستهانة بي وبمصيري ؟
كنت ارى الاشياء الكبيرة وانا وخريبتي تحتها مثل حيوان رابض او ديناصور اسطوري مجرد نومه يثير الخوف في نفسي . كان ذلك في الليل وامام اختلاف الظلال وما اطوله من ليل . اما في النهار فهناك عدو اخر اكثر بشاعة ذلك هو ترقب الليل الذي سياتي . ان وقت الانتظار اكثر عدوانية من ذلك الوقت الذي اعيشه في مشكلة لا تتبدد امام الزمن . في النهار كان الخطر ياتي من الترقب ومن نفسي ، وفي الليل كان الخطر ياتي من انكشافي وشعوري بالوحدة واختلاط الاصوات في الخارج والداخل. كانت اصوات شاذة لا اعرف ماهي . والادهى من ذلك اني كنت لا استطيع النوم ليس خوفا – رغم اني لا انفي وجوده شيئا ما – بل اخاف من الندم ان يباغتني الخطر فتكون النتيجة باهضة التكاليف او لايمكن اعادة اصلاح ضررها .
وهكذا كنت تذكرت قول احد اصدقائي الذين تفرقوا الان ومضّوا من حيث لا اعلم
– قد يكون الموت علاجا ناجعا لما تعجز عنه الادوية فقالوا له :
– ان ذلك صحيح . وتركوني وحيدا ورحلوا . ولم ارحل معهم بسبب تشبثي بذلك النبض الذي لن ياتي بعده مايشبهه كما تقول بذلك تعاليمي التي اؤمن بها . ولان الرحيل خبط عشواء من تصب تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم .
مسلم السرداح : المهجور
تعليقات الفيسبوك