بدأ إبراهيم أحمد مسيرته الابداعية في سبعينات القرن الماضي بكتابة ” القصة القصيرة جداً ” وصار أحد أبرز رواد كتابتها في العراق ، وما لبث أن خلّفها وراءه وصار يتنقل بين \القصة القصيرة والرواية وانتهى به المطاف على ما يبدو إلى الوقوف حاليا ً على عتبة ” الرواية الطويلة جدا ً ” إن جازت التسمية . وبين القصة القصيرة جدا ً والرواية الطويلة جدا ً أربعون سنة من الجهد الإبداعي والقراءة والمتابعة إلى جانب معاناة وظروف حياتية صعبة مر ّ بها في العراق فوجد نفسه مضطرا ً إلى مغادرته عام 1979 تحت وطأة الملاحقة ، وصار يتنقل في المنافي بين الجزائروهنغاريا حتى استقر في السويد منذ العام 1989 ، ولاشك في ان هذه المعاناة ستترك بصماتها على وضعه النفسي فينعكس ذلك على نتاجه الابداعي . لقد أثمرت سنوات عمره الابداعي الأربعون أعمالا ً سردية مثل مجموعاته: ” عشرون قصة قصيرة جدا ً ” ( 1976 ) و” زهور في يد المومياء” ( 1979 ) و” التيه في أيس ” ( 1999 ) و ” لارا .. زهرة البراري ” ( 2001 ) و ” أنت تشبه السيد المسيح ” ( 2004 ) ، فضلا ً على روايته ” طفل الـ CNN ” ( 1996 ) ، إلى جانب أعمال سردية وفكرية أخرى لم تتيسر لنا فرصة الاطلاع عليها ، ليطل علينا بقامة عالية من خلال روايته ” ليلة الهدهد ” التي صدرت مؤخرا ًعن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وصمم غلافها الفنان فؤاد الطائي .
يقول الروائي انه كتب روايته في السويد وبغداد والقاهرة واستغرقت كتابتها ثلاث عشرة سنة بين آب 2000 ونيسان 2013 أي قبل صدورها مطبوعة بأسابيع . وهذه الرواية كبيرة وخطيرة معا ً : كبيرة في حجمها ( 675 صفحة من القطع الكبير وهي جزء من ثلاثية) وكبيرة في مضمونها وعمق الامتداد الزمني الذي تغطيه وقائعها . أما كونها خطيرة فيتجلى في انها تستقرىء بجرأة صفحات طواها النسيان من تاريخ ملتبس : تا ريخ حزب له شعبيته وبلد عريق مثل العراق ، فضلا على كونها تنطوي على اتهامات صريحة وجارحة تطول جهات سياسية وشخصيات كان لها حضورها المؤثر .
ولابد من القول ان المبدع ــ أي مبدع ــ ينطلق فيما يكتبه من قناعاته ووفق رؤيته الشخصية وما يمليه عليه ضميره وبالتالي فهو مسؤول عما يكتب ، شأنه في ذلك شأن الناقد ــ أي ناقد ــ الذي له رؤيته الشخصية هو الآخر . وقد تتواشج الرؤيتان : رؤية المبدع ورؤية الناقد أو قد تختلفان بهذا القدر أو ذاك أو قد تفترقان تماماً ، لكن كلا ً منهما يجب أن يظل يحترم الآخر ولا يسفّه أفكاره أو آراءه ، أو هكذا يُفترض . وحين يختار الناقد ما يكتب عنه فإنما ينطلق من اعتبارات الضرورة النقدية والتي منها ما يرتبط بقيمة المادة الخاضعة للتناول النقدي وأهميتها وأهمية كاتبها وحجم الإضافة التي تشكلها كتاباته ، فيتصرف وفق ما تمليه عليه قتاعاته الشخصية . ولا يُعد ما يختاره انحيازا ً له أو تعاطفا ً مع كاتبه . ومن هذا المنطلق يأتي تعاملنا مع رواية ” ليلة الهدهد ” .
لقد عاش أدباء وكتّاب كثيرون ــ عراقيا ً وعربيا ً وعالميا ً ــ تجربة الإنتماء الحزبي ، وبينهم من تمردوا على هذا الإنتماء اما لفرط حساسيتهم أو لاهتزاز قناعاتهم أو لضيقهم بالضوابط الصارمة المتزمتة المعتمدة داخل التنظيم الحزبي ، فكتبوا ــ سلبا ً في الغالب ــ عن هذه التجارب ويصطف إبراهيم أحمد مع هؤلاء فقد عاش تجربة الانتماء إلى الحزب الشيوعي العراقي لسنوات قبل أن يغادره لأسباب خاصة به ويكتب عن هذه التجربة بإحساس الهارب من أالجحيم ، معربا ً عن ندمه ، ربما متمثلا ً قول جلال العطار ( وهو واحد من أبرز شخصيات الرواية ) : ” كوني كاتبا ً أو مبدعا ً ، تعجلت التجربة وهذه احدى عيوبنا نحن المثقفين ” ( ص 388 ) . وليس إبراهيم أحمد الوحيد الذي كتب عن تاريخ الحزب الشيوعي العراقي فقد سبقه آخرون منهم من انطلق من نوايا سيئة أو مشبوهة ومنهم من كتب بايعاز من جهات أمنية ، وربما كان حنا بطاطو محايدا ً وقد خصص للحزب جزئين من الأجزاء الثلاثة من كتابه الذي يحمل عنوان ” العراق ” . ويبدو إبراهيم أحمد منصفا ً أحيانا ً وهو يطرح رؤيته بنبرة هادئة لكن هذه النبرة ما تلبث أن تعلو وتحتد فتصبح خشنة وجارحة أحيانا ً ربما بفعل احساسه بمرارة الاحباط .
تتوزع هذه الرواية خمسة أبواب يحمل كل منها عنوانا ً : باب العزلة ، باب النهوض ، باب الهجرات ، باب المحكمة وباب الغياب ، ويتقدم كلا ً منها ما يشبه المقدمة ترد فيها أبيات يعتقد الروائي انها لشاعر قديم من ” أيس ” ، وأيس هو الإسم القديم لـ ” هيت ” مدينة الروائي نفسه وسبق له أن كرّس لها مجموعته القصصية ” التيه في أيس ” حيث وصفها بأنها مدينة صغيرة منعزلة في أعالي الفرات . ينشطر كل باب من أبواب الرواية الخمسة إلى مجموعة من الفصول القصيرة لايزيد عدد صفحات بعضها عن اثنتين ، تتقدم كلا ً منها جملة أو شبه جملة تُعتمد عنوانا ً ، وقد بلغ مجموع الفصول 127 فصلا ً ، مع ان الرواية تنتهج ــ في أغلبها ــ نسقا ً سرديا ً تتوالى فيه الوحدات السردية في كل باب ضمن خط أفقي مما يجعل تجزئتها إلى فصول قصيرة متلاحقة عملا ً ربما يفتقد ضرورته على ما نزعم كما ان عدم اللجوء اليه لا يضعضع البنية السردية للرواية . وكان يمكن لأبواب الرواية الخمسة أن تشكل فصولها دون الحاجة إلى التجزئة .
تُستهل وقائع الرواية بحفل افتتاح مقبرة جديدة في أربيل لشهداء الحزب ، ولاختيار المكان دلالته ذلك ان كثيرا ً من الشهداء سقطوا على ربى كردستان لأسباب تلقي الرواية الضوء عليها مع ميل واضح لإدانتها .ويسرح الخيال بالروائي فيستبق الزمن ويبتدع يوم حشر خاصا ً به حيث تنفتح القبور ويخرج منها الشهداء منتفضين ، محتجين ، غاضبين ، متسائلين عن الجدوى من رحيلهم وما الذي تحقق بسبب ذلك ، يخرجون هياكل عظمية تتساقط منها العظام دون أن يفقد أصحابها القدرة على الكلام والاحتجاج . ويسيّر الروائي أحداثه بحيث يقبض الشهداء المنتفضون على قيادة الحزب التي جاءت لافتتاح المقبرة ويقررون اجراء محاكمة ليس لهم فقط وانما للفكر أيضا ً . وينزل الروائي بالشهداء ومن معهم إلى ما يسميه ” كهف الشهداء “، مستلهما ً نزول أنكيدو إلى العالم السفلي في ملحمة جلجامش ، وينتزع عشتار من غور الاسطورة ويجيء بها إلى كهف الشهداء ، ويستل شهرزاد من بين سطور ألف ليلة وليلة ويستحضرها هي الأخرى إلى جانب عشتار لتشهدا المحاكمة . لكنه ما يلبث أن يترك المحاكمة جانبا ًويعود اليها مرات قليلة وفي فترات متباعدة وبشكل متواتر ، ويعيد بدلا ً من ذلك أثنين من الذين خرجوا من القلبور إلى الحياة ويقودهما إلى بغداد لتبدأ رحلة استرجاع ممتعة أبعدت الرواية عن الوقوع في دائرة الرتابة .
تنقسم شخصيت الرواية إلى قسمين تحتفظ شخصيات القسم الأول بأسمائها الحقيقية في حين يمنح الروائي شخصيات القسم الثاني أسماء ً مستعارة بهدف التعتيم عليها ، لكن من واكب الواقع السياسي العراقي خلال السنوات الخمسين الماضية لا يصعب عليه فك شفرة العديد من الأسماء المستعارة ، وسنتوقف عند ثلاثة منها لأن الروائي ألقى عليها مزيدا ً من الضوء ساعد في الكشف عن هويتها الحقيقية . بطل الرواية يونس رحيم انما هو ” ثابت حبيب العاني ” العضو السابق في المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي قبل أن يختلف مع قيادته ويعاقب أواسط ثمانينات القرن الماضي بتخفيض درجته الحزبية إلى مجرد عضو عادي وتُفرض عليه العزلة فيعيش في بيت متواضع في فلعة أربيل بتهمة التعاون مع السلطة التي كانت قائمة آنذاك. وتقول الرواية ان أصله من مدينة ” عنه ” ، وان ابنه الوحيد استشهد في الحرب العراقية ــ الايرانية ، وهو يصف ما جرى له بالقول : ” ان الرصاصة جاءتني على شكل قرار قيادة الحزب بوصمي بالخيانة وحشري في عالم العزلة والنبذ وأبقتني حيا ً لأتعذب واقفا ً في مكاني محاولا ً اثبات براءتي ” ( ص 160 ) ، فتحاول الرواية رد الاعتبار له . أما جلال العطار الذي سيزيح بطل الرواية ويحل محله ويكون في حالة حضور دائم تقريبا ً على امتداد زمن الأحداث التي تتم من خلال الاسترجاع ، فهو” ذو النون أيوب ” الذي يقول عن نفسه ” الموصل مسقط رأسي وبغداد مسقط روحي ” ( ص 252 ) ، وكان قد عاش في فيينا زمنا ً طويلا ً ومات فيها ودفن هناك كما يرد في الرواية وهو ما حدث فعلا ً. ويشير الروائي إلى رواية أيوب التي تحمل عنوان ” اليد والأرض والماء ، بعنوان مستعار هو ” الأرض عطشى والسماء جافة ” ليقترب به من عنوان” الأرض حديد . السماء نحاس “رواية يشار كمال . ويطلق الروائي اسم أمين الجوال على ” حسين الرحال ” الذي كان له فضل نشر الفكر الماركسي في العراق من خلال خلية كانت تجتمع في السر ليلا ً في جامع الحيدرخانة بتسهيل من محسن الشيخ ” محمود أحمد السيد ” ابن إمام الجامع ، وقد أصدر جريدة ” الصحيفة ” وأسس نادي التضامن قبل أن يقرر ،على نحو مفاجىء ، ترك النادي والعمل الفكري معا ً .
وعلى ما نرى ، فإن الأخذ بشهادة ذوالنون أيوب على انها حقائق مُسلّم بها ربما تشكل مأخذا ً على البنية الفكرية للرواية ، ذلك ان ذوالنون أيوب لم يكن عضوا ً بارزا ً في الحزب على الرغم من أنه أصبح بالمصادفة عضوا ً في لجنته المركزية دون أن يكون مؤهلا ً لذلك وقد تم فصله من الحزب بعد سنة ، وهو يعترف بأنه لم يأخذ حزبيته مأخذ الجد وانه كان مشغولا ً بالسعي وراء ملذاته كما يتبين من الرواية وباعترافه هو شخصيا ً في سلسلة الكتب التي أصدرها تحت عنوان ” ذوالنون أيوب : قصة حياته بقلمه ” . لكن يجب الإقرار بأن ما سرده كان أحد عوامل نجاح الرواية .
تتجه الرواية في اتجاهين رئيسيين تنحو في الأول منهما منحى ً سيريا ً وفي الثاني منحى ً تاريخيا ً . ويتداخل المنحيان بفعل عامل الترابط القائم بينهما . تبدأ في المنحى الأول بسرد جوانب من سيرة يونس رحيم ( ثابت حبيب العاني ) ، وما نلبث أن نكتشف ان الرواية ولاّدة سير إن صح التعبير : سيرة تلد أخرى ، فمن سيرة ثابت العاني إلى سيرة ذوالنون أيوب وسيرة حسين الرحال ومحمود أحمد السيد ، فسلسلة من السيرتشمل الملك فيصل الأول وكامل الجادرجي والجواهري والرصافي والزهاوي وأحمد الصافي النجفي وروفائيل بطي وفهد وغيرهم .وتشكّل هذه السير العمود الفقري لهذه الرواية . اما في المنحى الثاني فإن الرواية تمر بتاريخ العراق القديم وتاريخ السياسي والاجتماعي والثقافي الحديث وأبرز الأحداث التي حدث فيه منذ تأسيس الدولة العراقية حتى الحرب الأمريكية على العراق .
ما كتبه إبراهيم أحمد في ” ليلة الهدهد ” انما هو نتاج حي للمزاوجة بين الواقع والخيال ، معتمدا ً في ذلك على مخيلة يقظة ترفدها ثقافة واسعة ووعي بحركة التاريخ . لذلك وجدناه يفلسف الوجود والموت والحياة والخلود والانبعاث من جديد، ويقدم رحلة تنقّل بين عالم الأحياء وعالم الأموات . ولابد من التوقف عند المرجعيات السردية التي اعتمدها في كتابة هذه الرواية . فالى جانب ذاكرته المتوقدة ومخيلته اليقظة ، فإن معايشته للحياة الحزبية عدة سنوات واحتكاكه بالآخرين وسعة علاقاته وقراءاته المتعددة لاسيما كتابات من تناول تاريخ الحزب ، (حنا بطاطو بشكل خاص ) ، فضلا ً على تمرسه في كتابة السرد، ساعده ذلك كله في انجاز هذا العمل الابداعي . ان ثمة ما يثير الاهتمام يتمثل في اعتماده القرآن الكريم ضمن هذه المرجعيات مستفيدا ً من قصص الأنبياء الواردة فيه . فقد تكرر رجوعه اليه أكثر من مرة بدءا ً من اختيار عنوان الرواية الذي استوحاه من سورة النمل وقد جاء فيها عن سليمان ” وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين “. ( وقيل ان الهدهد كان يأتي لسليمان بالأخبار وانه دليله على الماء في حله وترحاله ) . ويبرر الروائي استخدام ليلة الهدهد عنوانا ً لانتفاضة الشهداء فيقول : “من أجل التمويه استنجدوا بالهدهد ، فإسمه حزين وبعيد عن كل نزعة ثورية أو حربية . وهو الذي عرض صداقته عليهم وظل يزورهم كثيرا ً ” ( ص 231 ) و” لكن الهدهد هو المخبر السري نفسه ” (ص 232 ) . ويتوقف عند قصة النبي إبراهيم : ” أعرف انه أبو الأنبياء .. .. وأعرف انه شهد رؤيا ، يذبح ابنه اسماعيل تقدمة وتقربا ً من الله … فينقاد طفله اسماعيل ، ويحمل سكينه ويصعد به الجبل ” ( ً 31 ) ، وكأنه يريد أن يقول ان الشهداء كانوا ضحايا تم تقديمهم قربانا ً على ربى كردستان بشكل خاص . ويأتي أسم يونس بطل الرواية مستلهما ً من قصة يونس في القرآن الكريم . يقول الروائي على لسان بطله يونس رحيم وهو يتحدث عن اختيار أبيه لإسمه بعد ولادته : ” صلى ثانية ً شاكرا ً الله على نعمه الكثيرة عليه من البنين والمال والسمعة الطيبة ، ثم فتح المصحف . طالعه اسم يونس ، استبشر به وفرح رغم ما يعرف عن محنة يونس وعذابه ” ( ص 161 ) . ويتحدث عما حدث ليونس عندما ابتلعه الحوت ومكث في معدته أياما ً طويلة ثم تقيأه عند شاطىء جزيرة في عرص البحر : “يخّيل لي اني لقيت نفس مصيره حين بلعني الحزب وأبقاني في معدته يهرسني ، ويشبعني من مرارة أحشائه ، حتى ألقى بي على سفح هذا الجبل !وجدتني أبحث عن القرآن لأول مرة في حياتي منذ انتهيت من دراسة الشريعة الاسلامية في كلية الحقوق … وأعدت قراءة سورة يونس ( ص 162 ) . ويستشهد الروائي بالآية التي جاءت في سورة النمل ” ان الملوك اذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أهلها أذلة وكذلك يفعلون ” ( ص 593 ) وهو يتحدث عن محنة الآثوريين على يد بكر صدقي . وثمة اشارة إلى يوسف والى آية الكرسي والدخول إلى الجنة واستشهاد بآيات قرآنية في أكثر من موقع ، فهل يشف ذلك عن صحوة متأخرة للروائي ويشي بتحول فكري طرأ عليه؟
جاء على الغلاف الأخير للرواية ان فيها ” يمتزج الموتى بالأحياء ، الخيالي بالواقعي ، الإسم الحقيقي بالمستعار ، الجو السياسي بالشعري والحلمي ، والمأساوي بالفكاهي ، في رحلة روح معذبة هائمة تشق طريقها بين الصخور والأشواك ” . ويمكننا القول ان خلطة سردية من هذا النوع تستلزم ايقاعا متنوعا ً ومتمهلا ً ربما يقترب من البطء . ففي الأعمال التوثيقية تنسحب شعرية اللغة جانبا ً لتفسح المجال لمرور السرد الوقائعي بما يجعل مثل هذه الأعمال لصيقة بالواقع المباشروالممل أحيانا ً ، لكن إبراهيم أحمد يتمرد على مثل هذا القول فيوزع شذرات لغة شعرية بين مفاصل روايته . يقول على لسان يونس رحيم : ” كنت أرى الوطن يرتجف زهرة ً بين الريح والغصن ولا يسعني سوى الصمت أيضا ً ، والسير مع التيار ” ( ص 123 ) ، أو : ” في القلعة تنسكب السماء كما النبيذ العقيقي في قدح من الكرستال، وطبعا ً تمس القلب نشوة من هذا السكر الكوني ” ( ص 147 ) ، أو ” دموعي تنساب في داخلي إلى ذلك الرماد المنسي ، فتنهض أمامي منه ورود وزنابق في الطرقات المهجورة وممرات القلعة وعلى الجدران القديمة الآيلة للسقوط ( ص 162 ) . أما عشتار التي يستحضرها الروائي فيقول عنها : ” ثمة خصلة من شعرها الناعم الطويل مسبلة بشكل مهمل كسر على كتفها العاري الملتمع ، زبد بحر ، واضمامة ياسمين ” ( ص 186 ) . وجاء قوله عن الممرضة التي كانت إلى جانب الملك فيصل الأول وهو يسلم الروح في المستشفى ” مسكت يده ، أحست بروحه تخرج من تحت أصابعها . تكاد تجزم انها رأت حزمة نور ساطعة تخرج من جبينه . ( ص 611 ) . صحيح ان اللغة الشعرية لا تجد لها حضورا كثيفا ً في هذه الرواية التي لا تحتمل مثل هذه اللغة لكن يكفي ان الروائي استخدم لغة سرد ممتعة واسلوباً فنيا ً بارعا ً فاستطاع أن يشد القارىء اليها حتى النهاية .
قلت لابراهيم أحمد :
ــ هل تعتبر ” ليلة الهدهد ” رواية العمر ؟
قال :
ــ سأمضي في إصدار الأجزاء الباقية فإذا أكملت الثلاثية تكون رواية العمر .
ناطق خلوصي : ليلة الهدهد : استقراء جريء لصفحات من تاريخ ملتبس
تعليقات الفيسبوك