إشارة : تلفت نظرك هذه الروح المثابرة الإبداعية المُنتجة االتي يتحلى بها الشاعر والقاص والناقد هشام القيسي ، فشجرة عطائه مثقلة بالثمار الجميلة التي تتساقط علينا كتبا ونصوصا جنيّة . وهذا الأسبوع صدر له كتابان جديدان مرة واحدة ، في الشعر والقصة. الإبداع مقاومة ضد الفناء . فتحية للأستاذ هشام القيسي .
عن دار تموز للطباعة والنشر والتوزيع في دمشق صدرت للشاعر هشام القيسي مجموعة شعرية جديدة بعنوان – المخاطبات – . والمجموعة بمخاطباتها الثامنة والعشرين مهداة الى الحكيم والأديب الدكتورحسين سرمك حسن . وهذه المخاطبات تلامس وتتفاعل وتتعاطى مع مستقبلات تنتظم في وحدة تفصح عن مشاهد متنوعة ، توقظ مسارات حركية موحية تجهد في استنطاقها عبر دلالاتها مساحات نفسية وفكرية متأججة وصارخة بما يؤشر احساسات الشاعر وتصوراته من خلال لغة منسابة وشفيفة تعي صيرورة الحدث في الزمكان ، مما جعل الفعل الشعري في عملية الرجوع الزمني شاهدا على مقاربات الذات والموضوع واتجاهاتهما .
ومن مخاطباته : –
المخاطبة الأولى
تذهب اليوم
وانتظارك متعب بين المسافات
والليالي الطويلة ،
هذا قلبك يقلب أمام الوجوه
ما اقتحمه الشرار
وهذه لحظات تقف آخر الليل
كي تخبيء عبء النهار .
إن الخطى تعرف انك تجيء عبر إشارة
وتعرف انك تعقد فيها كل الأسرار ،
وتقف
تسائل أياماً
وهبتها حسرة فحسرة
وكنت تسرب محطات
وترقب الأشجار
وبين أمل ثمل
وسحابة اولى لا ترحل
تساءلت حين تقافزت من أوراقك نيران مشتهاة
دارت على نفسها
وقلت هامساً
أثقلتني الرغبات المبهمة
والنوافذ تبعتني في المرايا
وحيثما أبعد
وأمد نظرة معتمة .
وفي خطوتين
تبدو متعباً
إذ تكون الذكريات بلا صفات
وإذ تناقش فيها مسارات
تتبادل فيها الخطوات كؤوساً حد الثمالة .
لك تحت جهات القلب
نزف أشقى
ليس فيه راحة
وليس فيه
سوى وجه أبهى .
كما صدرت للشاعر مجموعة قصصية قصيرة جدا بعنوان – يقين – . وتأطرت تحت العنونة الرئيسية حاضنات بمسميات مختلفة . وفي قصص وأقاصيص المجموعة يلاحظ التنوع في المبنى مابين قصص قصيرة جدا وأقاصيص وأنماط تجريبية كقصص قصيرة جدا من سطر واحد وقصص من : – .
وجميع تلك تؤشر رؤى تسحب أنفاسها من طرقات تبدو مزدحمة مثلما تؤشر كدمات مجهولة وبساتين مشتعلة في أيام ماطرة بالأستفهامات وبمشاهد الضجيج عبر ذهول ومغامرات ومفاجأت وحيرة ويقظة حادة .
وفيما يلي نماذج من المجموعة متنوعة المبنى .
افتراق
خطاه لم تقل أي شيء وهي تبحث في أحلامه عن فراشات اصطادها حين عوت أيامه ، وحين سرق فاكهة في لحظات لم يشتعل النور في العيون والعروق . أصبحت تعدو معه ، تقلب أنقاض الممرات وأتعاب الشوارع وكأنها ظمآنة تتداخل حتى في متاهات أخذت أهبتها للسير ، حين تهيم بامساك طقوسه الخائنة تحاول أن تُوائم رغبتها برغبته في انطلاقه صوب الأشياء ودوائر الوقت وعري الأحلام في كل يوم وقبل أن ينتصف الليل .
لم تكن حزينة ولم تسقط محترقة ، فالنار التي تشتعل فيها من أوراق الصمت تجعلها تركض حتى في جدب المواسم واشتباك التعب في عيون الأماني دون أن يطويها مزاج الجمر والصبر المحروق .
قد جاءت لتطأ أرض أيامه وشرفاته والأسئلة المستحكمة في رؤياه ، وحين هندست أحلامه في الفضاء وفي الشرفات المغفلات أيقنت ان مسيرها تشقق بين كتاب وباب وان بطاقات الحلم هي كل ما تبقى من تسلل المألوف ولون الشعر المكتوب الذي انسكب في فوهة الدروس الأولى ، عندها غادرت منافي وأزمانه الخافتة على أمل أن لا تنساب في فراغ جهاته ثانية .
مفاجأة
من يبقى واقفا يركض أكثر من نار تلصق على الجدران عينين من صور لاتنهار . عندها غادرت عيناه في أصوات لم تتكلم ، وكانت أزهار البراري كلها مائدة للماضي . فكرقليلا وقال : في كل كلمة علي أن أزيل الصدأ ، وأتمدد من ساعة الى مسافة اخرى . حين أحصى نفسه كان كل شىء مرتبطاً بمكانه .
ومضات
1 – حاول أن يخرج من ذاكرة الورق لكنه صوب نحو التأريخ لعنة .
2 – الموج يغلي والمياه التي اشتهاها غدت تعلو من بين جرحين .
3 – قصائده المكتوبة بالنزف انسكبت من فوهة الصمت لكنها لم تكلم فراغ الجهات .
4- حين تنوح النوايا خلسة تصير القصيدة جاهزة في حب منهك .
5 – أراه يرسم مدناً في عشق السفر وعند الفنارات يجاور نافذة الدموع .
6 – طاف المدينة دون أن يشي به البكاء وحين عزفت الشوارع لحنها القاسي عاد للدموع .
7 – هطل المطر دون أن تعرف الأرض من سوف يأتي للقطاف بلا شقاء .